جمالي-ـات

إض---اءات

ح-وارات مق---ـالات تر جم-ات دراس-ـات نص-وص سردي-ة بطاقـة تعريـف   
للاتص---ـال خدم----ات

خ---اص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصي-ة

 

 
 
 

ابحث في الموقـع

 

 

 

 

 

عبد النور إدريـس (المغـرب)

الرواية والواقع السوسيولوجي

دراسـة

الرواية والواقع السوسيولوجي

عبد النور إدريـس

 

"والالتقاء بالمجتمع، هنا والآن، معناه مواجهة القصاص والناقد معا لأسئلة محرقة لا تحتمل الإرجاء ولا الانتظار ، لأنها أسئلة تنبئ عن المأزق العام للمجتمع" محمد برادة (دراسات في القصة العربية ص:14)

 

1 – الرواية والنقد السوسيولوجي .

ارتبط النقد السوسيولوجي للرواية بفرضيات من بينها :

- أن الأدب يماثل المجتمع والثقافة السائدة فيه.

- إن الأدب وسيلة إعلامية مرتبطة بالرأي العام من حيث تأثيره في القيم والاتجاهات العامة في سلوك الأفراد والجماعات.

- الأدب وسيلة للضبط الاجتماعي داخل المجتمع.

إن الإبداع الأدبي يمثل حقلا فكريا للتفاعل الأيديولوجي، للممارسات

التطبيقية في المجتمع. وقد اعتبر جورج لوكاتش"أن عملية الإنتاج الأدبي والأيديولوجي هما جزأ لا يتجزأ من العملية الاجتماعية العامة" (1).

- فإلى أي حد يشكل العالم الدلالي والسردي للرواية واقعة اجتماعية؟

وقد يضيف بيير زيما سؤالا آخر لايقل أهمية عن الأول يقول:"إلى أي مستوى يمكن للنص الروائي أن يرتبط بالبنى الاجتماعية اللغوية لعصر ما ؟ " (2).

غير أن الفرضية الأساسية التي قام عليها النقد السوسيولوجي قد حددها جاك دوبوا J.Dubois في التعامل مع الأدب باعتباره مؤسسة اجتماعية Institution Social ، تتلاقى مع نظرية لوسيان غولدمان الذي حاول إقامة توازن بين الذاتي والموضوعي في النظر إلى الواقعة الأدبية حيث يرى أن هناك تجاوبا بين رؤية الأديب أو فلسفته في الحياة داخل بناء له خصوصيته من حيث البناء الأخيولي لعوالمه وبين الوعي الجماعي يقول،" فمعظم أعمال سوسيولوجيا الأدب في الحقيقة تقيم علاقة بين أهم المؤلفات الأدبية والوعي الجماعي لهذه الجماعة الاجتماعية أو تلك التي ولدت هذه المؤلفات داخلها" (3).

وقد ارتبط مفهوم النقد السوسيولوجي بالرواية دون غيرها على اعتبارها من أكثر الأجناس الأدبية اهتماما برصد تحركات الإنسان داخل المجتمع وفي علاقته بأفراده " فالرواية هي الشكل الذي به يخاطب مجتمع ما نفسه ، وهي الطريقة التي يحيا بها الفرد ليكون مقبولا في مجتمعه .ويمكن أن يكون النقد السوسيولوجي كما عرفه ريمون ماهيو" بكونه ممارسة لقراءة ذات طابع خصوصي إزاء النص الأدبي ، تحترم استقلاليته باعتباره شكلا جماليا" (4).

ولذا فمن المهم جدا أن تتمتع الرواية بجميع المستويات حسب فيليب سولرز Ph. Solerz، الطبيعي منها والواقعي والتوهمي والخيالي والأخلاقي والنفسي وما دون النفسي والشاعري والجنسي والسياسي والتجريبي .

ولعل من ضمن الاستساغات النظرية فيما يتعلق بالمجتمع هي التي تعطي الشرعية التطبيقية لهذا النقد من حيث أن النسق الأدبي هو بمعنى من المعاني صياغة فنية سوسيولوجية للعلاقات الاجتماعية المتفاعلة التي ليست لها علاقة شكلية فقط بالظواهر الاجتماعية بل تتجاوز هذا المعطى نحو التفاعل مع المضامين المعرفية.

فمقاربات كارل ماركس K. Marx تدرج الإبداع الأدبي في صيرورة المجتمع مع الأخذ في تفسير هذه العلاقة الجدلية بالصراع الطبقي والبناء التحتي الاقتصادي حيث الصلة بين المجتمع والمعرفة وبالتالي الأيديولوجية ، جد قوية مما يعطي للإرث الأيديولوجي بعدا مؤثرا في المعرفة والفن والثقافة والأدب.

أما مقاربات كل من جورج زيمل G.Simmel وماكس فيبر M.Weber وكارل مانهايم K.Manheim ، فقد تنوعت ما بين تصنيفية ج.زيمل للعلاقات والعمليات الاجتماعية في المجتمع والعمل الدرامي وما بين تصنيفية فيبر للأنساقية والقيمية في الإبداعات الأدبية إلى أنماط مثالية Idéal Types.

أما مدرسة فرانكفورت عبر أعمال أدورنو W.Adorno وهوركايمر Horkeimer وولتر بنيامين W.Benjamin فقد ساهمت في تطور النقد السوسيولوجي بعد الحرب العالمية الثانية .

وعملت المدرسة السوسيولوجية مع روادها ساكولين P.Sakulin ورازومينيك I.Razuminik و فنجروف S.Vengerov على الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية المتعددة للأدب وعلى صياغة عدد من المباحث الفرعية في علم اجتماع الأدب ، مثل علم اجتماع المحتوى Context ، وعلم اجتماع المؤلف و القارئ.

وقد اهتم النقد السوسيولوجي في ألمانيا بمجمل الظروف المادية التي تطورت عبرها الأعمال الأدبية ومدى تأثيرها في جمهرة القراء حيث عمل ليفين شوكنج L. Schucking على دراسة جمهور القراء وبحث في أذواقهم.

أما في فرنسا فقد تطرق جويو J. Guyow لقضية القيم التي تقود إلى قضية الفعل في العمل الأدبي، واهتم غولدمان بدراسة بناء العمل الأدبي وتجسيده لفكر الجماعة الاجتماعية بينما أسس جاك لينهارت J.Leenhardt وروبير إسكاربت R.Escarpit لإنشاء مبحث علم اجتماع القراءة Sociologie De Lecteur et le public حيث كان الطرح الأساسي يتناول بالسؤال الكيفية التي يستمر فيها عمل روائي إسباني أو إنجليزي دالا في نص اجتماعي مخالف عبر ترجمته إلى اللغة الفرنسية أو الألمانية ، كما أسسH.R jauss هانس روبرت ياوس الألماني لمقاربة جديدة " جمالية التلقي" اكتشف فيها القارئ المجهول والجمهور المستهلك للعمل الأدبي " فمؤسسي نظرية جمالية التلقي ( ياوس، إيزر) لا ينظران في النص الأدبي سوى " كن هنا " ويتجاهلان مقومات الانتاج الداخلي للنص الذي أنتجه" (5).

2- البناء النظري للواقعي والمحتمل.

شكلت نظرية المحاكاة الأرسطية المنطلق النظري الذي تشرَّب في وعي الإبداع الفنّي منذ عصور باعتبار أرسطو هو أول من طرح إشكالية علاقة الشعر الملحمي والدرامي بالواقع، فكان أن شكل التوجه المرآوي للواقع اهتمام النقد الفنّي المتعلق بالرواية بالرغم من أن المحاكاة الأرسطية تجعل مهمة المبدع الحقيقية " ليست في رواية الأمور كما وقعت فعلا بل رواية ما يمكن أن يقع "على حد تعبير أرسطو في كتابه فن الشعر.

- ما هي العوامل التي ساعدت على انتشار الفنية بينما بقيت الشعرية مغمورة في نظرية المحاكاة ؟.

- لماذا كان للمحاكاة كل هذا الأثر على الوعي النقدي بشقيه الغربي والعربي؟.

إن أرسطو يفتح النص الروائي على مستقبل الاحتمالات الممكنة ، يضع للمخيال إمكانية التهجيس بالمحتمل من خلال الوقائع الحيّة وبذلك فليس غريبا أن يضحك الإله من التفكير البشري حيث ولدت الرواية عند ميلان كونديرا " لا من الروح النظرية بل من روح الفكاهة" (6) وقد شكل المثل اليهودي "الإنسان يفكر، والإله يضحك" منطلق نشأة الرواية عند ميلان كونديرا على اعتبار أن بحث الرواية الأرسطية في ما يمكن أن يقع هو الترامي على حقوق الإله في امتلاك المحتمل والمغيّب وبالتالي فالإنسان بهذا الاعتبار يحيى روايته" النورانية" وقد يمتلك فقط الصياغة الشكلية لبناء الرواية الواقعية بمقتضى قرارات إنسانية ، أما المضمون الذي يستعرضه السارد على المتلقّي فلا يمكن أن يثير سوى ضحكات الإله مالك حقوق المرافعة الوجودية لرواية ذات البعد الزمني في تشكيل المحتمل والآتي ، فهي إذن رواية لانهاية لها ، وهذا لايجعل من السارد مالك حقوق المرافعة الأدبية لرواية ذات صيرورة تتجه إلى نهاية ما، ولا يمكنها أن تهجس بما لم يحدث أبدا وما لا احتمال في إمكانية حدوثه، سوى عاشق متيّم لارتياد النّسخة.. من قربه من " اللوح المحفوظ".. من الأصل ..أصل البؤرة الأولى للمعاني والأحداث فكل شيء محفوظ في هذا الكتاب اللامرئي واللامقروء والذي تم تحريره منذ بدء الزمن فالحكاية فيه " كتبت قبل أن تُروى ، قبل أن يعيش البطل مغامراته، بل حتّى قبل أن يولد. الحكاية مسجلة في كتاب أصل هو منبع ومصدر لكل ما يتم إنتاجه في العالم ، وجميع الكتب تنبثق منه " (7) ومن ثم قد يقول السارد مرارا وهو يفكر في مقاربة أشكاله البنائية بموضوعه "لقد كنت أنسى أن الإله يضحك عندما يراني أفكّر" (8).

ولقد اشتملت المحاكاة على ثيمات ذات مقاييس اجتماعية كبحثها في العالم الداخلي والذاتي للفرد والمجموع البشري وقد تبحث الرواية في الوجود وتجعل من الراوي متنبّئا ومبشّرا بالمستقبل بالمعنى الصوفي، يمتلك " موهبة الرؤية الثانية" على حد تعبير بلزاك (honnoré de balzac) الروائي الذي اقتنص من العلاقات الاجتماعية الحقيقية نظاما ونسقا مسدودا على زمنه الواقعي حيث النهاية في " الملهاة الإنسانية"(la comédie humaine) تشكل تنويعات لا نهائية لأشكال النهاية لمشهده الروائي / الأسطوري المهووس بالدّوام والاستمرار، والذي إذ يربطه بلزاك بعامل الصدفة يجعله صورة/ نسخة مختصرة عن العالم الشاسع المرتبط بإمكانية الحدوث ولهذا فمن " المحتّم على الكاتب أن يعبّر عن تجربته ومفهومه الإجمالي للحياة ولكن من البادي للعيان أنه غير صحيح أن نقول أنه يعبر عن كل الحياة [..] تعبيرا كاملا شاملا " (9) ، فثمة حدود سوسيولوجية لا تستطيع الرواية تجاوزها " إذ لايمكن للراوي، منطقيا، أن يروي موته" (10) أو كما يؤكد ذلك يوري لوتمان في كتابه "بنية النص الفني" أنه" يستحيل على الأحياء زيارة الأموات ويستحيل على الأموات زيارة الأحياء" (11).

فالعوامل الاجتماعية تعمل على تحديد نجاح الكتابة السردية خاصة عندما يجد المتلقّون في العمل الروائي الأدبي "كائنات وعلائق تكون في مجموعها تعبيرا عن تطلعاتهم الخاصة إلى درجة من الوعي والاتساق لم يبلغوها بعد بأنفسهم" ( 12).

3- الرومانس والمجتمع الحقيقي.

لا شك أن هناك ارتباط متين بين الثقافة والأدب جسدته الرواية بكل المقاييس الذي يجعل من ثقافة مجتمع ما هي حدود بلاغة انخراطه في زمن الوعي بالذات وبالآخر الشيء الذي يجعله في وعي التاريخ يتصف بالاستمرار والخصوصية ويعطيه، ذلك التمايز على مستوى الوجود، إمكانية الفعل في الحتمية الثقافية .

إن المجتمع الذي يتنفس الشعر يسهل عليه العَدْوُ برئة الرواية في جسمه الثقافي وما انحسار الشعر إلا دلالة على وعي المجتمع بواقعه الذي استحكمت السياسة كعلم للحياة اليومية على أنساقه الثقافية والفنية ، وما بروز الإبداع الروائي إلا انبثاق لذلك الحلم بواقع مثالي قزّمت الحرب العالمية الثانية حدود انطلاقته ، وبذلك أصبحت الرواية هي ديوان من كان الشعر ديوانه في العالم العربي ،بعدما كان المسرح في الغرب الأوربي هو ديوان القرن الثامن عشر،( البداية الروائية مع سير وولز سكوت وبلزاك).

إن الصمود الثقافي للرواية قد أكّد هويتها ضد انهيارات القيم المجتمعية، ضد الرقابة على حرية الفكر وحرية التعبير..فحيوية الرواية تجعلها تستوعب هزيمة الواقع المتكررة في انكسارات كل المجتمعات البشرية ، فالنظام الثقافي الجديد جعل الخصوصيات المحلية لمجتمع ما مجرد صيغة للتناول الواقعي لثقافة الرواية بما هي مشروع ورؤية للعالم ، ولِتَبْخيس الفكر المتمركز حول ذاته وهي كما برهن عليها لوسيان غولدمان L. Goldman, وجهة نظر متناسقة ووحدوية حول مجموع واقع وفكر الأفراد كنسق يفرض نفسه على الشرط الوجودي لبعض الطبقات الاجتماعية، وهذه الرؤية " ليست واقعة فردية بل واقعة اجتماعية تنتمي إلى مجموعة أو إلى طبقة" (13).

فحركة المجتمع استطاعت أن تجعل من الرواية وثيقة تاريخية تصبّ المعاني النافرة على الحركات الثقافية المستعصية على المعاني، وقد تميّزت رواية دون كيشوط Don Quichotte بخلق شخصية روائية من أكثر الشخصيات نموذجية في الأدب العالمي بالرغم من أن محاربة الطواحين ليس سلوكا مألوفا في الحياة اليومية " فالسمة المتطرفة للأحوال النموذجية تنتج عن ضرورة استخراج الأعمق والأبعد في الشخصيات الإنسانية مع كل التناقضات المتضمنة فيها" (14).

إن التنوّع الذي جعل الحتمية الثقافية تجعل اسبانيا وريثا شرعيا لحضارة الأندلس أنتج زمن سرفانتيس الذي وصفه جورج لوكاتش بالزمن الذي شهد آخر ازدهار لتصوف عظيم يائس، اختلطت فيه القيم الكبيرة بمطامح حياتية فقدت غايتها (15) من كآبة الزمان الهارب الذي استساغ عدم صلاحيتها من مثل " ضرورة انقلاب البطولة الأشد صفاء إلى شيء مضحك"(16).

ولهذا خرج دون كيشوط إلى الالتقاء ببشر " لاينتمي إليهم، ويختلف إلى أمكنة متعددة حاملا كآبة الطفل اللقيط، كأن ما حوله من البشر مجرد زينة خارجية فارغة تمليها مقتضيات الحكاية لا أكثر" (17).

وقد اعتبر لوكا تش بشكل ضمني رواية دون كيشوط لسرفانتس من الأدب الكوني كرواية عظيمة " تقف على عتبة المرحلة التي أنذر فيها الإله بهجر العالم، وصار فيها الإنسان وحيدا ولم يعد يستطيع أن يجد المعنى والجوهر سوى في روحه، التي لا تنتمي إلى أي موطن" (18) حيث اقترب سرفانتس من الواقع على نحو لم يكن معهودا لدى معاصريه" فقلد قصص الفروسية تقليدا ساخرا أو نقل الأحداث من ألوان المثالية التي تتمثل في المأساة إلى لون هزلي يصطدم فيها المثال بالواقع الأليم " (19) وهذا ما استنتجه لوكاتش من "عدم التطابق بين الروح وبين العمل الأدبي ، بين الطوية وبين المغامرة، وفي كون أي مجهود بشري لم يعد يندرج في المستوى المتعالي" (20).

فرواية دون كيشوط لدى تلقيها " تستثير في القراء جميع التوقعات المتعلقة تخصيصا بروايات الفروسية العتيقة التي كانت تعجب الجمهور والتي ستحاكيها بسخرية وبمنتهى العمق مغامرات آخر الفرسان"(21).

وهكذا وصلت المرحلة الرومانسية في الأدب إلى ولوج أزمتها " وكانت الحرب العالمية الثانية حدا فاصلا بين ،عهد كانت تتسع فيه الرومانسية للوفاء بتطلعات شخصية (الفرد) في الرواية، وعهد لا يستطيع الوفاء بالتعبير عنه إلا (الواقعية)، التي ترى الواقع في صورته الشاملة" (22).

وقد دشّن الاسباني خوسيه أورتيجا ايجاسيت بكتابه " لا إنسانية الفن" العهد الأدبي لما بعد الحرب العالمية الثانية بوضعه مقاييس تيار نظري يحاور الإنسانية في رجوعها إلى عالم الفن ، فقد نادى برجوع الإنساني إلى الفني ، كما مكّن اللاوعي من التواجد مصحوبا بالتسلية الفنية وألوان البيان من مخاطبة النخبة بعد التشتت الذي أنهك منابع الرواية الاسبانية بعد الحرب الأهلية لسنة 1936 .

فالمجتمع الحقيقي لا يتنافى مع الرواية التي تترصد خطاه " فبقدر ما يكون الواقع جديدا، يكون النص الأدبي الذي يكشف عن هذا الواقع، ذا شكل شاذ وغير مألوف" (23).

فالواقع عند الروائيةNathalie sarraute هو مجرد مظهر يوهم بالواقع فهو بهذا المعنى كل أشكال الحنين إلى المجهول اللامرئي وبذلك فهو يتلاقى مع الأخيولي والسديمي يتشكل الواقع فيه من عناصر متناثرة في فضاء العدم.

لهذا فالواقع السوسيولوجي لدى الرواية الجديدة ليس هو الواقع بمفهومه التبسيطي ،الاستنساخي ، " وإنما أصبح الواقع يعني أيضا المحسوس والمتخيل والمتذكَّر، يعني الوقح والمألوف والمتطرف من الأحداث والمواقف، يعني الذات الموزعة المشتتة والظروف المادية القاسية"(24) ، فالرواية بهذا المعنى تبحث عن الجديد غير المتشكل بعد في الواقع وهي مثقلة بواقع مضى ، فهي بذلك تحاول أن تصبح مختبرا للزمن الآتي " من هنا كان السرد وثيق الارتباط بالخيال بحكم تمثله لواقع زائل ينبغي حكايته أو روايته لإعادة تشكيله وفق نماذج ومعالم وتثبيته كخطاب يحتفظ بدلالته ويضمن له الصيرورة عبر القراءة والتأويل" (25).

إن غنى التخييل يعطي عمقا واضحا للواقع وقد يجازف بمصير الحكي إلا أنه قد يقرر حقيقة جوهرية أن " العالم حولنا لم يعد ملكا لنا، كما لم يعد ممكنا أن نعتبر أنفسنا محورا للعالم أو تفسيرا نهائيا له"(26)، وقد أصبحت مهمة القارئ مرتبطة بحياة الرواية من حيث بروز وظيفة المتلقي المُحايثة للإبداع والذي يراهن اكتشافه لجوانب هذا الواقع على ما يملكه من خيال بناء مختزن في لاوعيه يخرج به من سطحية الاجتماعي نحو عمق السوسيولوجي ، فيمكن للقارئ أن يتخيّل نفسه من خلال قراءته للنص الروائي ، أرنبا أو فيلا أو فراشة لكن الحقيقة التي يمكن أن يقررها السارد والغائبة عن النص المعادة صياغته عبر القراءة ،هي أن كلا من الأرنب والفيل والفراشة في بنية النص السردي هي التي تتخيّل نفسها إنسانا ف" الأشخاص الذين يختارهم الكاتب من واقعه الاجتماعي ما إن يدخلوا الحكاية حتى ينفصلوا عن ذواتهم الأولى، وتتحقق لهم ذوات جديدة يرسمها النص" (27)...فالمعاني المعطاة سلفا لا تحقق سوى تجسيد السلطة بمعناها الإطلاقي وهذا ما يجعل النص الروائي الجديد بعيدا عن الواقع الموضوعي ، خارج مدار المعاني الجاهزة فالقارئ حسب ناتالي ساروت وكما أكد هذا الطرح، الروائي Alain Robbe – Grillet " يجب عليه أن يتعرف في ما يقرأ على عالم ليس عالمه، ولكن يرغب في أن يكون عالمه" (28) وبذلك يصبح النص المقروء خارج السلطة كما يرسمها النص الأصلي.

●●●

هوامش الدراسة

1- جورج لوكا تش " دراسات في الواقعية" ترجمة نايف بلوز، دار الطليعة ،دمشق، الطبعة الثانية ، سنة :1972، ص: 42.

2 - بيير زيما " النقد الاجتماعي نحو علم اجتماع للنص الأدبي " ترجمة عايدة لطفي مراجعة د.أمينة رشيد ود.سيد بحراوي،دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع،القاهرة الطبعة الأولى 1991، ص: 123.

3- لوسيان غولدمان" مقدمات في سوسيولوجية الرواية " ترجمة بدر الدين عرودكي ،دار الحوارللنشر والتوزيع،الطبعة الأولى 1993، ص: 24.

4- " نظريات القراءة : من البنيوية إلى جمالية التلقي " ريمون ماهيو، القراءة السوسيو- نقدية، ترجمة د.عبد الرحمان بوعلي، دار الحوار للنشر والتوزيع سورية ،الطبعة الأولى 2003، الصفحة63.

5 - Pierre v.zima,Manuel de sociocritique ,l’harmattan 2000,France, première édition ,Picard édition 1985,p :202. -

6- ميلان كونديرا " فن الرواية " ترجمة بدر الدين عرودكي ، إفريقيا الشرق المغرب الدار البيضاء سنة 2001، ص: 146

7 - عبد الفتاح كيليطو "العين والإبرة، دراسة في ألف ليلة وليلة" ترجمة:مصطفى النحال، مراجعة محمد برادة، نشر الفنك ،الدار البيضاء سنة 1996 ، الصفحة:154.

8- ميلان كونديرا "نفس المرجع السابق، ص: 149.

9 - رينيه ويليك، أوستين وارين " نظرية الأدب ، ترجمة محي الدين صبحي ،مراجعة د.حسام الخطيب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،بيروت سنة 1948 ص: 98.

10- عبد الفتاح كيليطو، نفس المرجع السابق، ص:137.

11- Lotman Youri, La structure du texte artistique Ed Gallimard 1978,p :332.

12- لوسيان غولدمان "الإله الخفي" أخذا عن محمد برادة " أسئلة الرواية أسئلة النقد" شركة الرابطة ،الدار البيضاء،الطبعة الأولى سنة 1996،ص: 180.

13- " البنيوية التكوينية والنقد الأدبي "يون باسكاوي، ترجمة محمد سبيلا، نفس المرجع السابق ، ص: 48.

14 - جورج لوكاتش ، دراسات في الواقعية ترجمة نايف بلوز ط،وزارة الثقافة، دمشق،1972.

15- للمزيد من المعلومات ،أنظر(ي) جورج لوكا تش،" نظرية الرواية" ترجمة: الحسين سحبان، منشورات التل،الرباط، مطبعة النجاح الجديدة،الدار البيضاء،الطبعة العربية الأولى سنة 1988 ص: 96-97.

16 - جورج لوكا تش ، نفس المرجع السابق ص:97.

17- د.فيصل دراج" نظرية الرواية والرواية العربية " المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، الطبعة الأولى سنة 1999 ص: 98.

18 - جورج لوكا تش،" نظرية الرواية" نفس المرجع السابق ص:96.

19 - د.علي نجيب عطوي، تطور فن القصة اللبنانية العربية ،بعد الحرب العالمية الثانية" منشورات دار الآفاق الجديدة،بيروت الطبعة الأولى ،1982 الصفحة: 22.

20 - نفس المرجع السابق ص:89.

21 - اعتمد هانس روبير ياوس تأويل ه.ي. نويشافر في "معنى الباروديا" وضمنه كتابه "جمالية التلقي ، من أجل تأويل جديد للنص الأدبي، ترجمة وتقديم د.رشيد بنحدو،الطبعة الأولى 2003 ص:66/67.

22 - د.طه وادي، صورة المرأة في الرواية المعاصرة" دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية،سنة 1980،ص: 60.

23- ناتالي ساروت"الرواية والواقع "،الواقع بالنسبة للروائي هو المجهول و اللامرئي" تأليف جماعي، ترجمة رشيد بنحدو،منشورات عيون ،الطبعة الأولى ،البيضاء سنة 1988 الصفحة: 12.

24-" دراسات في القصة العربية " وقائع ندوة مكناس، محمد برادة، " كتابة الفوضى والفعل المغير" مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة العربية الأولى، بيروت- لبنان سنة 1986، الصفحة :11.

25 - محمد شوقي الزين" تأويلات وتفكيكات،فصول في الفكر الغربي المعاصر" المركز الثقافي العربي،الطبعة الأولى، 2002،ص: 82.

26- " الرواية والواقع" نفس المرجع ، ص: 31.

27 - د. عبد العالي بوطيب" مستويات دراسة النص الروائي، مقاربة نظرية" مطبعة الأمنية الرباط الطبعة الأولى سنة 1999 ص: 45.

28- " الرواية والواقع" نفس المرجع ، ص:30.

ــــــــــــــــــــــــــــ

المقال عبارة عن الفصل الأول من كتاب : الرواية النسائية والواقع..بين سوسيولوجيا الأدب ونظرية التلقي.

عبد النور إدريس

 

 

 

أرشيـف الموقـع

 

 

عبد النور إدريس

 

nourzzinne@hotmail.com

 

 

جمالي-ـات

إض---اءات

ح-وارات مق---ـالات تر جم-ات دراس-ـات نص-وص سردي-ة بطاقـة تعريـف   
للاتص---ـال خدم----ات

خ---اص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصي-ة

 

موقـع محمد أسلي-ـم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.