جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

 
 
 

ابحث في الموقـع

 

 

 

 

 

هشام محمد العلـوي (المغـرب)

مولانــا

قصة قصيرة

 

مولانـــا

قصة قصيرة بقلم: هشام محمد العلوي، زاكورة المغرب

nizariana@yahoo.fr

 
 
 

ذكرى ظمآنة للأنوثة عذبة تجلد هياكل أدمية بسحب ضريرة عمياء.وقدر يصطدم بنا أو نحن من نصطدم به فنكاد نتعثر،نتشبث ببقايا طفولة منهكة كالعادة.لحية شيخ إخطبوط تزرع التجاعيد في خيوط الفرح. بعـدها سلسلة جراح عـتيدة تحـملنا إلى مملـكتها و تتوارى خلف أسطورة، خلف مولانا فضاء التخريف.آنها جوطية ثقافية مشوهة ترتسم كدائرة، كجنازة الخريف على جسد ما يكاد يبلغ..

أمامنا تبكي الرغبات، تتعب مخطوطة لا نفهم منها أية إشارة.تنخر الأحلام على امتداد الروح و الجسد. تُعوّدنا التمرن على الصمت، تنسحب لتترك ما وراءها كأم لا قلب لها.فتتمرغ في ذكريات رجولية مدونة تهب،تكتسي كل شيء،تصر على استهلاكنا لها. تتلو ذلك النص، نص الفـقر الاجـتماعي، نص الغلـو الديني و تنتظر تحت السماء بقليل.

بقليل من الحظ أيضا إذا ما حن علينا القدر ومنّ نصبح ظلالا لغروب موسم الحصاد الآدمي، لصبحياتنا الفزعة، لموج من الانتهاكات تظهر في كل الأشكال أكثر نباهة و دهاء و أقل وضوحا..الآباء بدويو الفكرة، أقل سلطة خارج نطاق الأسرة،يستمعون إلى خطاب مولانا و الملائكة، يحفرونه في الأذان و التاريخ العرفي.يأتون به مجتمعين ليبدأوا ممارسة صلاحياتهم الواسعة و الغير محدودة في البيت، يتناولونه معنا على قصع الكسكس و أواني اللبن الطينية.بعده الأمهات يؤجلن كل شيء كونهن أماكن مقدسة للصلاة، للاعتكاف ولو للحظات. وقت هذه الصلاة يأتي دائما مع الظلام، يأتي بعد الوجبة مباشرة. نحن أيضا –الفتيات- ندخل في نطاق الأشياء المؤجلة ذرفا لندف الدمع و الدم وليلة العمر.

ما أزال أفكر في ذلك، كبغاة تاجر من بغداد نهداي يسقطان. القمر ينقطع، ينبعث العمر كما تخيلته دائما.حتى البارحة؛ المساء صغير بأجنحة خشبية و تنكسر فلا أحد يعيرنا اهتماما.كنا نرقص بفخذ واحد وعار، خوفا و بردا لا فرحا و نشوة.هناك ننزف كالمعتاد بلغة جديدة، لغة حروفها الإقصاء إلى مرتبة متقهقرة يحل الجسد معها كلاما للطهارة والتعفف.

كدورية شرطة بجسر على الموق تعبر سكرات الموت متفختة، خيبة أمل طويلة، طويلة تطفئ عطشها. تعرض عن فراغ صبح عبيط و ترطن. تلوك ابتسامة محفورة لتلك الصبية. فلا ثمة ضرورة لإعطاء مقاييس جسدها لناحت أو إيروتيكي كي يتجمل بها، كي يبيح لنا فيهال الفتك أو الهتك، أو الأشياء الأخرى المسكوت عنها في..اليوم يوم ممطر.أو هي من أغدقته مطرا. مترددة في خطواتها، بصوت يجرح أخاديد وجه الماء وتنظر إلي.أنا لا أنظر إليها وأنظر إلى السماء.تسترسل هي في القول؛..يحضرون لنا البشرى بالعيد أحيانا أو غالبا أو دائما إلا نادرا ما نعلم بأنها بشرى. نحملها على الأكتاف. نستحم جماعة عريا في ضاية مشبعة ببول الحلال. من يستحم فيها لا يخيب رجاءه، أو بالأحرى رجاؤهم فيه لايخيب. نستجمع أعـضاءنا في كساء مكشوف .. نلحـق بمولانا و نسترسل في جمع الجروح. اليوم تروي لي أمي يوم رمت بي من بطنها، يوم دخل خيمتنا رجل عصري متمدن أنيق، بسروال طـويل و قميص رمادي؛ قال أنه رجل إحصاء،رجل احتار في أمري و أنا بين الحياة و الموت.هل يضيفني إلى عدد سكان البلاد أم يغض الطرف عني مادامت سجلات الحالة المدنية لم تعرف لي اسما..اليوم أروي لكم أنا يوم رمت بي الطفولة من بطنها. يوم دخل خيمة هي خيمتي رجل إحصاء، نفس ذلك الرجل الذي دخل خيمة أمي يومها. هو لم يتغير كثيرا لا في هندامه ولا في ملامحه. فالعشر سنوات الفاصلة بين الإحصاء و الإحصاء مرت سريعة كالتواني، كسيارة إسعاف بسرعة مجنونة. يقول هذه المرة أيضا أنه احتار في أمري و أنا بين الحياة و الموت، هل يضعني في خانة الزوجات الأحياء أم في مربع الموتى.فهذا هام جدا في تغيير خارطة سكان البلاد..اليوم أروي لكم باسم مجهول أو مستعار، يوم رموا بي في فراش الزوجية..اليوم أستفيق لأجدني أرقد، عـفوا رقـدت و كان يرقد معي مولانا في الفراش إن كان فعل ما يستحق عليه الرحمة.أستفيق لأجده ينتعلني متى يشاء وأنا في سن العاشرة،دون أن يجرأ على تكليمي أو رسم قبلة على جبيني حتى.

بعد الحدث بقليل سأبدأ أمارس سلطة الكلام. الكلام الذي أصبح وكان وقفا على بعض الناس..في ذلك المساء، المساء الأخير من حياة الطفولة. بعد صلاة العصر لم تكن هناك دروس في جلب الماء و لا جمع الحطب، وإنما حركة ذهاب و إياب مقرفة، و همس بين الكبار. أما نحن الصغار و بالخصوص الأقل عقلا و دينا فكنا نلهو إلى أن جاء الغروب. كنا نرى الشمس تنتحر في الوادي العميق، تسقط عند نهاية المساء ولا أحد يجرؤ على إنقادها..أنا! لماذا أنا بالضبط؟ لماذا لم تكن غيري؟ أمي لم تقل لي شيئا.لا ألومها، لكن ألومهن، هن اللواتي زينني إلى أن غلبني النعاس..في وقت آخر من الليل أستفيق. فلم تكن مجرد أحلام، لكنها كانت حركات لشخص كان يعبث بي في الظلام. يتفقدني ويتمتم آيات وأدعية. اللحظة فقط أدرك لماذا عندما كانت أمي تغسلني كقماش في جفنة الغسيل تمعن النظر في مليا وتقول؛ ما شاء الله فعل. كنت أشعر بأن ذلك المجهول المظلم كان يحاول سرقة شيء ما مني في الظلام. حاولت أن أصرخ، أسكتني، أطفأني بصفعة على ردفي الأيسر.. تلك الصفعة لو تـكن غريبـة عني، كما أتـذكر وجه أبي و أمي. إنها لمولانا فلا صبي ولا صبية في العشيرة يجهلها. لم أكن أعرف ماذا يحدث أو بالأحرى ماذا يجدر بي فعله. عندما انتهى مني وانتهت صلاحيات (..) أنزل رجليه من فوق فخدي أو فخديه من فوق رجلي.منحني يده أقبلها من كلتا الواجهتين كعملة نادرة.غادر فترك في الظلام خطواته الثقيلة..دخلت علي ثلاث نسوان، أضأن المكان، لم ألحظه هو لكنني لاحظت دما هو من خلفه فالأحمر صار يكسوني. كانت هذه فرصتي لأبدأ البكاء والإحساس بالألم.ارتفعت زغاريد ضاع فيها بكائي و أخذن ملابسي يهللن بها في الأزقة.. نعم ما شاءوا هم الرجال فعلوه.

قرية تستيقظ كرجل خانته الليلة الأولى وتجلس القرفصاء. يعـذبها الأرق بـشمع أحمر خرافي و أسطوري. يستـنزفها صبح لا يتوقف عن مضغ شهر محرم كعلكة قبل الأوان. وكعاهرة لا تملك إلا سلطة اللسان تكبله-الصبح-بأبجدية من أنواع السباب...ككلام مبلل و مزدحم في الفم نستيقظ نحن أيضا-زوجات مولانا الأربعة- و ببرنامج معقد و دفين الوضوح نباشر صبحنا نجتث منه أشياء صغيرة لذاكرتنا، لكن سرعان ما تعود لتنمو من جديد. حفاظا على رغبتهن في الكتمان أقتصر على التحدث عن دوري أنا فقط.. كنت أقـول إذا ما جاء الصبح ، عجـت الحـقول و الضيعات بالضياع و الرجال و الأطفال. يحفرون طول وقتهم عرض الأرض علا تحررهم أو تأخذهم فالأمر عندهم سيان.. مولانا محرر من الأعمال و أعمال الفلاحة، سجين نفسه، يعبئ كل ملكوته ليركب الناس أطيافه و يتشبثون بأهدابه. فالكل هنا يكن له ما أكن له من الحب. الطاعة. الخضوع. الرهـبة. الـضياع. الخـوف.- الكلمة الأولى و الأخيرة بتحفظ شديد-الكل هنا (تَينْزل لِه الماء لرْكابي) إن قُدر له و رأى في منامه حلما عاريا من مهابة مولانا المقدسة...

الواقع أن الحقيقة ضائعة هنا،لا تدري أي طريق تسلك. فهذه حصة واحدة من حصص العمل الصباحية.الانفراد يكون فيها للنساء فقط، للزائرات أو الراغبات في بركة مولانا. فهذه واحدة تريد إبطال مفعول سحر أصاب قضيب زوجها الذي لا ينتصب، و أخرى تطلب مفاتيح باب الزواج الموصدة في وجه بناتها، وتلك تبحث عن حجاب تضاد يحجب عن زوجها فـكرة الزواج عليها. القائمة لا تـنـتهي و البرنامج طويل.. كان-لست أدري هل من حقي البوح بأسرار مهنة،حقوقها محفوظة ومسجلة لمولانا وحده-يجلسني جلسة العروس المنتظرة ، بأعين معصوبة و كخيمة صغيرة يلفني.و لأنني كنت الأقرب و الأكثر ميولا لها من باقي زوجاته الأخريات، فقد كان يستعملني كما لو باقي أدوات عمله. فيربط على معصمي الأيمن بحرز يحكم به قبضته على كل أنواع الجن الخدم، ويغرز سكينا حادا في كفي الأيسر. و بدل أن يسيل الدم، يسيل الخوف بالتدريج كالنعاس في طائرة تحاول الإقلاع.و كقطة تتمرغ في بولها شتاء أنكمش في جلدي و ترتعد أضلعي. يبدأ في ممارسة طقوسه فيبدأ الكلام ينساب من فمي دون أن أحرك شفاهي، وكأن جنيا يقطن في مغارة فمي.حتى هذه اللحظة لازلت أشك في أن أحدا ما يقطن بداخلي دون تأديته لفواتير الكراء.

بداية عشية عذراء وما بعد صلاة العصر ببكارة بيضاء، مغسولة على الأرض بشمس حامية ومكتظة بضجيج المتحلقين حول باب المسجد الملتصق بجانب مقر سكنى مولانا.محملين بألواح خشبـية، أحجار الـمسح، قصبات الـكـتابة، و السمخ.. إذا ما بدؤوا أو أوشكوا على الانتهاء من حصتهم وأنا أسترق النظر والسمع، كنت أحسدهم على كل شيء يحظون به هناك إلا (..) فهو لا يتوانى على إباحته فيهم، يطالبهم بالسجود و يطلب الآخرين بتنكيس الرؤوس والأعين. ببلغته الصفراء القاسية، العنيدة والماكرة على الأرداف كان يطبع لهم أخاديد حمراء، و إذا ما انتهى من العقاب يقبلون يديه من الجهتين و يأمرهم بذلك مكان الوجع..

ما فائدة حبة كرز في بداية نضجها، حمراء لاذعة اللمعان يسيل لها اللـعاب إذا كان حاملـها جائـعا و بـدون أسنان ؟ كنت و لا أعرف هل لسوء حظي أم لحسنه الأكثر نصيبا في لعبة الفراش، لعبة الذباب.فقد كان يوليني اهتماما كبيرا ومنحازا جدا.يقضي ليلة واحدة عند كل زوجة له و الليالي الأربع المتبقية يقضيها معي استرسالا. و كأن به محرك ثيربو بقوة تسعة خـيول لا أحصنة..جاءني كل هذا الخير أو كل هذا العناء من رغبته الجانحة في وريث، يرث القبيلة و ما فيها.هذا ما فشلت فيه زوجاته سواء الحاليات أو السابقات، المطلقات أو اللواتي انتعشن برحمة الموت.فكنت أنا فرصته، عل اسمه يبقى متوارثا جيلا عن جيل ولو بعد موته.لكني فشلت أنا أيضا في تحقيق ذلك وهنا خلصت إلى فكرة لم يخلص لها أحد من أهل القبيلة قبلي مفادها أن:(لو كان الخوخ يداوي لوكان داوا راسو).

سجننا كان أقصى قد قمر قد يسقط على الأرض، و أشرف من غوانتنامو الحالية! ممنوعين كنا من الخروج إلى العلم وممنوع هو العلم من الدخول إلينا.ممنوعين من تجاوز الحدود وحدود الباب،من الزيارات العائلية إلا في الأعياد..صهد الصيف يسخن الهواء في إبريق على سطوح دور القرية.نحن أيضا نسخن هواءنا في سطح منزلنا ذي الأسوار العالية، ما يدفعنا لممارسة لعبة الخيانة بالهمس مع نجيمات لا تذوب في سواد السماء.. ذات ليلة أو تلك الليلة بالضبط، كنت أنا أو كانت بالأحرى إحدانا تحضر العشاء و الاثنتان المتبقيتان تغسلان الملابس في قصعتين بين ركَب عارية. كنت أحمل الثياب لأنـشرها فوق السلك العالي، فتسقط مني و أعيدها لهما لغسلها مرة ثانية..

- هاري أختي هاري..غير سيري ترتاحي وخليني ننشر أرّاسي.

- نمشي نصبن بلَصْتك؟

- لا..غير ارتاحي،ولا شوفي﴿ــ﴾دفعي ليها لحطب للكانون و عنداك من العافية..

- واش بغيتي العافية تحرقها وياكلنا مولانا هاذ الليلة؟أجي أختي بركي احداي..أجي.

كم هائل من النجيمات يتدافع، يسقط كشهاب فيتحدث عن الليل أو يوظف كلمات لا تستعمل إلا في الليل. مولانا قدم مبكرا.صلى الفريضة فقط وأجل السنة حتى وقت آخر.عاد وكأنه رجل آخر غير مفهوم كعبارة بقيت في شريط غربي لم تترجم. أحضرن له العشاء فدائما كنا ننتظر حتى ينتهي هو من الأكل لنشرع نحن. تركه أمامه يتوسله أن يأكله وهو ينظر إليه بعينين متعبتين،ثم قام إلى النوم.كنت أنا على الخصوص أتدور جوعا، لكني لم أجرؤ على وضع يدي في قصعة الكسكس ما دام مولانا لم يمسسها. أُرجع الطعام كما هو إلى المطبخ ( وتْفرتْكات الجوقة)...الليلة ليلتي.ذهبت إليه ،أدى واجبه المعتاد في الظلام وكانت عيناه تنطان كرباح في ظلمة.هذه الليلة و كأن النوم غاضب عني ربما بفعل الجوع أو لسبب غيره وأجهله.بقيت كثياب قصيرة لامرأة متمدنة،مستلقية-الثياب-في منتصف الطريق بين الركبة وفوق الصدر مخيمة.و لأول مرة لا أسمع الشخير المولوي وأنا بجانبه، بقيت على ذلك الحال إلى أن أُذن لصلاة الصبح .مولانا لم يقم؛حنحنـت قرب رأسه،لأول مرة في عمري أسحب طرفه، لـكنه لا يستجب. نهضت مسرعة أصطدم بالجدران أصيح وأولول. تحلقت حولي بقية نساءه.شاهدن معي مولانا تحث ضوء حزين.أخرجتن الزوجة الكبرى من المكان وغطته..الرجال انتظروا طويلا فلم يخرج يصلي بهم من لم يتعودوا على غيابه.

بالسلاب ووادي الدموع كنا نستقبل وفود العزاء.هذه فرصتنا ليدخل العلم إلينا.مات مولانا و انقرضت الرجولة في البيت.مات مولانا واندثرت الرجولة في العشيرة.فيفي نفس ذلك الصباح، وصلت معلمة لتخلف مولانا. معلمة بشعر ’ كاري’ بلـون الشمس أو الخشب. هي لا تستقبل النساء.لا تفك ترانيم سحر.لا تتجاوز عتبة المسجد.لا.. و لا..فهاجر الشبان و الرجال إلى المدن، ولم يعد يساوم صبية للزواج أحد.أما البالغات فيمتن شوقا كل ليلة لخرائب تريح بماء الرجال..الشبان الذين بقوا في البلدة عازفون عن كل شيء، يرسمون المعلمة الشقراء بساقين عاريين وفرج مبتكر. في أيديهم يرسمونها، ويتزوجونها متى شاءوا ومجانا..الكل فقد الأمل بسبب المعلمة والنص الجديد. هي أيضا فقدت الأمل وأصبحت تميمة تباع في دور السحرة..

 
 

 

 
 

أرشيـف الموقـع

 

 

 

هشام محمد العلوي

nizariana@yahoo.fr

 

 

 

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.