جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

 
 
 

ابحث في الموقـع

 

 

 

 

 

د. الحبيب الدائم ربي (المغـرب)

محمد شكراي كاتب من زماننا

تأليف: محمد عز الدين التازي - مراجعة: د. الحبيب الدائم ربي

 

محمد شكري: كاتب من زماننا

تأليف : محمد عز الدين التازي

عرض: د. الحبيب الدائم ربي

د. الحبيب الدائم ربي

 

كان لرحيل الكاتب محمد شكرى أثر الفاجعة في نفوس قرائه الكثر وأصدقائه الخلّص النادرين . ولعل الروائي محمد عز الدين التازي كان من أكثر المقربين من "الشحرور الأبيض" صاحب "الخبز الحافي". ومن ثمة فقد كان موته ، بالنسبة إليه ، "لوعة غياب" حقيقية ، سيما وأنه كان قد عاش معه ألم المرض ، كما عاش معه من ذي قبل، لحظات العنفوان والشقاوة، بجوارحه لحظة بلحظة. إذ قال عنه ، قيد حياته ، خلال الندوة التي خصصها له اتحاد كتاب المغرب ضمن مهرجان أصيلة في صيف 2002 : "حينما علمت بمرضه...أحسست بالمرض في جسدي... فلم يكن الأمر يعنى شكوى من جسدي، بل هي شكوى من جسد محمد وأنا أشعر بجسده ينخره المرض، من خلال جسدي..."ولأنه لا حيلة للتازي ، في مداراة جرح الفقـد ، سوى الكتابة، فقد أصدر في هذا السياق الحزين، سياق موت شكري ، كتيبا كاشفا بعنوان "محمد شكري: كاتب من زماننا"، عن دار سليكي إخوان بطنجة ، حاول فيه أن يسلط الضوء على محطات مفصلية من سيرة صداقة ، بينه وبين الفقيد، تعود لأكثر من ثلاثين سنة(منذ1969). وهي سيرة – بمعيشها ومكتوبها - تكاد تكون صافية و بلا خدوش تقريبا . ونرجح أن طبيعة صاحب "زهرة الآس"،محمد التازي ، الوديعة والهادئة ، كانت حاسمة في تعميق هذه الصداقة الكبيرة ، و تعبيد المسارات الصعبة التي كان يسلكها "ذئب بوادي" قبيلة بني شيـﮕـر المشاغب، الذي ما انفك خلال عمره الذي نيف على الستين يعيش ويكتب بشفافية جارحة ، ولايتورع في إعلان آرائه مهما كانت قاسية في الكتّاب والكتب والمؤسسات والمسلكيات على السواء .ونستحضر هنا رأي الفقيد في روايات نجيب محفوظ ، وتصرفات بول بولز مثلا.... والكتيب عبارة عن ألبوم من اللقطات المكتوبة بشفافية مرهفة ، تبتدئ بتعارف الصديقين في لحظة عفوية وبلا وساطات،على هامش مظاهرة، إثر منع السلطات لنشاط ثقافي كان مقررا في إحدى المدن الشمالية(القصر الكبير) بالمغرب . وتتواصل اللقطات :

- شكري يأوي التازي في شقته الصغيرة فوق السطوح ، على أساس تقاسم تكاليف المعيشة ،وهو مسلك ما انفك شكري يقوم به مع شريحة من عابري طنجة من أبناء الداخل ( كما يطلق على الوافدين من الأقاليم الوسطى والجنوبية) كمحمد زفزاف وغيره قبل أن يضجر، تحت ضغط السن والمرض والالتزام بالكتابة ، من الثقلاء والفضوليين.

- شكري يعرّف التازي على طنجة وأهاليها من الليليين"الذين ينامون نهارا ويسهرون ليلا".ويقدمه إلى عينات من الآباء الروحيين لثقافة الهامش في مغرب السبعينيات من القرن الماضي.

- شكري يناقش، بنفاذ رؤية وبلا محاباة ، قضايا الكتابة مع التازي ،رافضا النصائح الموجهة إليه من النقاد : " كل الذين نصحوني رميت بنصائحهم إلى القمامة...هؤلاء يمثلون دور الأب في حياة الآخرين، وأنا قتلت أبي بالمعنى الرمزي، ولا أسمع إلا إلى تلك القطط التي تموء داخل رأسي." (ص.12).

- التازي وشكري يتبادلان الرسائل حول همومهما المشتركة ، وضنك العيش الذي قاد شكري إلى خدمة كلاب الأغنياء مقابل أجر هزيل. وعبر هذه القتامة كان شكرى دوما متفائلا حد السخرية إذ يقول في إحدى رسائله للتازي معلقا :"إن الكلاب أفضل من صاحبها " (ص.15).

- شكري مع كلبه (جوبا)،وهو كلب "اصطاده من شاطئ طنجة فطوقه من عنقه بحزام سرواله وجاء به إلى شقته" (ص.16).وقد توطدت علاقة الكاتب بالكلب بشكل كبير ، كان معها شكري لايمل من إعطاء أوامره للحيوان ، وهذا الأخير ما ينفك ينفذ هذه الأوامر بمحبة وتسليم . ولكمْ ثار شكرى عندما سمع عن أستاذ للفلسفة قد قام بإسقاطات تفسر هذا السلوك الإنساني الحيواني – سيكولوجيا – بأنه حالة تعويضية لجأ إليها هذا "الكاتب المنبوذ"

- شكري في زيارة للتازي بفاس ، حيث يتوارى التازي من المشهد لتظهر جدته (لالة أم كلثوم)- ذات الدماء الأندلسية ، المتحررة، تدخن مع شكري سجائر فافوريت وكازاسبور، ويثرثران . ورغم أن هذه الصداقة بين شكري والجدة لم تأخذ من الوقت سوى لحظة قصيرة ، فإنها ظلت راسخة في ذاكرة شكري لسنين عديدة وحتى بعد وفاة لالة أم كلثوم، يقول التازي:"ولقد ظل محمد (يقصد شكري) وحتى آخر وقت من حياته يسألني عن جدتي ...وفي مرات كثيرة كنت أخبره بأنها كانت قد ماتت، فتبدو الفجيعة على وجهه ، وحالما نلتقي مرة أخرى يسألني عنها فأخبره من جديد بأنها ماتت، فيعود لتظهر الفجيعة على وجهه من جديد."(ص.17). وليس لهذا السؤال المتكرر أي علاقة بضعف ذاكرة شكرى (التي كانت كما نعلم قوية) ، وإنما بكونه كان يرفض في لاشعوره تقبل وفاة سيدة فاسية ساحت معه في سرد ذكرياتها بعيدا ، فكما حدثها هو عن هجرته من الريف إلى المدينة في أعوام المجاعة ، حدثته هي أيضا عن "حدائقها السرية" وجمالها أيام الصبا ،بما في ذلك لجوء والدتها إلى قطع أهدابها الطويلة بمقص "حتى لا يطمع فيها زوج أمها ". وتحضر في الخلفية شخصيات عديدة كعلال الفاسي وعبد الكريم غلاب ومحمد إبراهيم بوعلو ومحمد برادة وأحمد اليبوري والطاهر بن جلون و ألبرتومورافيا وجون جونيه ومحمد زفزاف ومحمد بوخزار وسواهم ، وهي كلها شخصيات شهيرة في مجال السياسة والإبداع والصحافة، في مشاهد طريفة ودالة في آن . لكن التازي لم يسع في هذا الكتيب إلى رسم ملامح شكري النمطية التي ترسخت في أذهان القراء والنقاد، وإنما كان سعيه إلى تقريب صورة شكري الحقيقية إلى الأذهان ، فشكري ليس فقط ذلك الصعلوك الشريب الذي يتردد على حانات طنجة ومواخيرها ، ومقاهي "السوق الداخل" الرخيصة، بل هو أيضا ذلك العصامي والمثقف الأنوف ، المخلص للأصدقاء ، صاحب النكتة والبديهة اللاذعة ، باختصار : شكري الانسان والظاهرة معا . فمن يصدق أن الفتى البربري الهارب ، مع أسرته ، من المجاعة نحو متاهة طنجة ، طنجة الكوزموبوليتية ، استطاع وهو في سن العشرين أن يتدارك الزمن ويتعلم القراءة والكتابة بثلاث لغات على الأقل (العربية والإسبانية والفرنسية عدا اللهجتين الريفية والعربية)، وأن يغدو في أقل من أربع سنوات مدرّسا ، ثم كاتبا كبيرا ومثقفا كبيرا، وعن جدارة لا تضاهي .

وشكري المملق، المشاكس – كما يتذكر التازي – هو أيضا شكري الكريم والسخي الذي يقرض أصدقاءه عندما يلتمسون مساعدته ، ثم يتعفف عن استعادة أمواله منهم . وإن كان في سنواته الأخيرة قد صار متوترا عكر المزاج . دون أن تفارقه نزواته القديمة من قبيل طلبه المتكرر من التازي الدفع نيابة عنه ، لا عن بخل ، بل عن شيطنة منه محببة . يقول له : " بإمكاني أن أدفع ، ولكني أحس بمتعة أن تدفع أنت ، فكلهم أدفع عليهم ولا أحد يدفع علي". (ص.31) .

وبقدرما يستعرض التازي ، في إيجاز مقتر، نتفا من سيرة شكري العطرة غير المكتوبة بقدرما نحس في الاستعراض كيف توغل الكاتبان ، المحلي والعالمي – حسب مداعبات شكري للتازي – في صداقة خالدة جديرة بمبدعين كبيرين. وهي ليست الصداقة الوحيدة التي تبلغ ذروتها بين شكرى وبعض الكتاب ، إذ من المعلوم أن "الكاتب الطنجي" – كما كان يسمي نفسه أيضا- عاش صداقة مستمرة وخصيبة مع الكاتب والناقد محمد برادة ، تشهد عليها مراسلاتهما العميقة المنشورة منذ أعوام ضمن كتاب بعنوان " ورد ورماد". كما عاش أيضا ملاسنات حادة مع كتاب آخرين كالأمريكي، الذي أغرم بطنجة وعاش بها عشرات السنين ، الراحل بولز باولز صاحب الفيلم الشهير "شاي في الصحراء".

يختم التازي بنبرة أسيانة :" موت محمد شكري كان فاجعة لي ، ففي موته أحسست بعميق ذهابي مع ذهابه ، ولما وقفت على قبره في ساعة الدفن ، كنت أراه واقفا بجواري يتابع المشهد، وكأن من يوارى في التراب هو بؤس الطفولة وشقاوة الأيام وقبح الحياة التي جملناها كثيرا فلم تتجمل. كان محمد شكري نفسه يواري في قبره زمن أخطائه ، وزمن أخطاء جيلنا ، وأما نظرته وضحكته وصخبه ومحبته للحياة، فستبقى كلها ملكا للذاكرة ، كما ستبقى كتبه مصدر اغتناء للقراء"(ص.32).

 

 
 

أرشيـف الموقـع

 

 

د. الحبيب الدائم ربي

habibdaim@maktoob.com

 

 

 

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.