جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

 
 
 

ابحث في الموقـع

 

 

 

 

 

د. الحبيب الدائم ربي (المغـرب)

اللغة: بيتنا الهش المشترك

رد على مقالة الدكتور محمد وهابي

قضايا ونقاشات

 

اللغة: بيتنا الهش المشترك

رد على مقالة الدكتور محمد وهابي

* د. الحبيب الدائم ربي

د. الحبيب الدائم ربي

 

تفضل الدكتور محمد وهابي بنشر مقالة بعنوان:"تهافت الشعراء" ضمن ملحق "العلم الثقافي" ليوم السبت 07 مايو ، يحاول فيها التنبيه إلى ما اعتبره "ظاهرة غريبة تحاول أن تفرض شذوذها على المشهد الشعري المغربي المعاصر"، ألا وهي ظاهرة الخطإ في اللغة لدى الأدباء والكتاب. ويمكن اعتبار ما كتبه الأستاذ وهابي- رغم سياقه الخاص والمتجلي في انتقاد مقالة تحت عنوان "في الشعر" دبجها أحد الشعراء- إحياء لسجال قديم جديد كان قد طرحه للتأمل والنقاش الهادئ الزميل الدكتور رشيد برهون قبل أشهر وعلى صفحات ملحق العلم بالذات. وكم كان بودنا- حينها- المساهمة في إثراء هذا التأمل لولا أننا آثرنا فسح المجال لذوي الاختصاص من أساتذة اللغة والمبدعين والمهتمين . بيد أن هذا الموضوع، على أهميته، لم يحظ ، فيما يبدو، بما كان منتظرا منه على صعيد تبادل الرؤى ووجهات النظر. ولاشك أن موضوع اللغة،أية لغة، هو في غاية الخطورة ، نظرا لكونه يمس جانبا حيويا من مقومات الذات والهوية . أما حينما يتعلق الأمر باللغة العربية، لتداخل المقدس فيها بالحياتي، فكثيرا ما يتخذ الحوار فيها حول الخطإ والصواب طابعا تهافتيا، ما لم نقل يكون فاقدا لفضيلة التسامح وقبول الاختلاف. ولعل مقال الدكتور وهابي، بطابعه التعميمي،"تهافت الشعراء" أبسط مثال على ذلك. سيما وأنه قد اتخذ من مقالة نثرية- كتبها شاعر- مسوغا للتحرش بالشعر المغربي المعاصر. والحال أن تقويم التجربة الشعرية المغربية القديمة أو المعاصرة لا يستقيم من دون قراءة نصوصها واستقراء قواسمها المشتركة، كما اتخذ(أي الدكتور) من صاحبها ذريعة للنيل من كل الشعراء"الذين مازالوا يتحسسون طريقهم إلى الشعر". وليس يخفى ما في هذا الحكم من تجن على الحقيقة وكذا على الشعر والشعراء. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن مسألة اللغة أعقد من ثنائية الخطإ والصواب ، فبين الحدين مستويات من المقبولية واللامقبولية كالاستحسان والجواز والترخص والاستهجان. وكما أن للصواب مدارج فإن للخطإ مدارج أيضا. مادامت اللغة تتجاوز مفردات القواميس وقواعد كتب النحو والصرف والبلاغة، إلى مختلف وضعيات الاقتصاد التداولي والتواصلي. بمعنى أن افتراض استعمال نقي للغة هو أقرب إلى المستحيل، و تكذبه النصوص والمدونات المكتوبة والشفوية بما فيها نص القرءان الكريم الذي من أجل عدم اللحن في تلاوته تأسست علوم الآلة وتطورت. هذا فضلا عن أن الاعتقاد في وجود متكلم فعلي يتقن لغته إتقانا تاما ما هو إلا حنين لنبع وهمي. أي أن المعيارية لا تملك أن تكون معيارية حتى لدى المعياريين أنفسهم. وما من نص، شاء أم أبى، بوسعه احترام كل القواعد . فالذي يحترم النحو يصطدم بالصرف والذي يحترمهما معا يعترضه التعبير وهكذا دواليك. ناهيك عن كون الضرورات، أحيانا تحتم التضحية بقواعد غير ملزمة ، والصواب يغدو، أحيانا، أقرب إلى الخطيئة حين يقود إلى التباس المعنى أو التضحية بالانسجام الصوتي (نذكّر هنا بخرق القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر العربي القديم لبعض القواعد النحوية المدرسية بغرض تحقيق أثر فني وجمالي ذي مستوى رفيع .كما نذكّر بأننا في مستهل هذا الرد استعملنا ، قصدا، كلمة "حيوي" وكلمة "حياتي" للتعبير عن حالتين مختلفتين رغم أنف قاعدة النسبة التي يتمسك بها الدكتور وهابي. فكم من شأن حياتي غير حيوي والعكس لا يخلو من صحة، وبما أن اللغة كائن يتنامى ويتطور فقد بات مقبولا، على سبيل المثال، اعتبار النسبة إلى الجمع حلا يخرج القاعدة النحوية من ورطتها . إذ شتان، مثلا، بين معنى الِكتابي(بالمفرد) والكتبي(بالجمع)). لا أبغي هنا استعادة تفاصيل ما كتبته شخصيا قبل حوالي ست سنوات على أعمدة عددين من صحيفة "أخبار الأدب" المصرية"ردا على أستاذ صحح لأحدهم خطأ بخطأ . غير أني أعتبر اللغة أكبر من "لسان العرب" و"كتاب" سيبويه .اللغة سابقة للمعاجم ولمؤلفات النحو والصرف والإملاء. إنها بيتنا الهش المشترك، وهي ما نستعمله لا ما تخزنه المعاجم وحفظ القواعد مستقلة عن النصوص لا يصنع لغة. من دون أن يعني ذلك تحمسي للجهل بالقواعد أو لنبذها من دون داع. وإن كنت بالمقابل مستعدا لتعدية أفعال غير متعدية وخرق قواعد النسبة وهلم مشاكسة كلما كان ذلك أفيد للغة من تطبيق قاعدة صارت متجاوزة أو عالة على المعنى.

إن قواعد اللغة ، في تقديري، تنقسم إلى قسمين : قواعد أساسية لاعذر لأحد من المتكلمين(وبالأحرى من الكتاب والشعراء) في عدم الإلمام بها، فهي بمثابة الأبجديات الأولى للكلام والكتابة، ومن دونها لا يقوم المعنى أو يحدث التواصل. وقواعد أقل تأثيرا يعتبر الإلمام بها فائض قيمة من شأنه إغناء العبارة وتدقيقها. وهذه الأخيرة قد لا يسبر غورها أحد ولو كان الدكتور وهابي نفسه. وبالعودة إلى مقالة هذا الأخير نجد أنفسنا متفقين معه في أغلب ما قال عدا الهجوم العنيف والقاسي على "الشعراء"، والتمحل في البحث عن المغامز والهفوات فضلا عن تصورنا للغة كاشتغال وظيفي لا كمصفوفات معجمية مقابل مصفوفات من الضوابط النحوية والصرفية والبلاغية. وإذا كان لأخينا الدكتور مسوغاته الذاتية في القلق على ما لحق اللغة العربية من ضيم على يد "من مازالوا في حاجة إلى استكمال تكوينهم في الأنابيب"، حسب تعبيره، فقد كان عليه قبل أن يتقفى عوار الآخرين، وانسجاما مع قناعته، تفادي الوقوع في ما وقع فيه من عوار أشد. نقول أشد لأنه وهو يتصيد عيوب وأخطاء الشاعر صاحب المقال(الذريعة)،وهي بالمناسبة أخطاء من النوع الذي لا ضير من ارتكابه في بعض الأحيان، قد سقط(مع الاعتذار عن الكلمة) في مطب الجهل بالأبجديات النحوية والتعبيرية التي "لا يمكن أن نقبلها من تلميذ، فكيف يمكن أن نتجاوزها عند شاعر أو ناقد"، وهنا نستعير تعبير الأستاذ الذي يبدو لي قلقا والله أعلم(أقصد التعبير طبعا وليس الأستاذ) ، ولايعذر أحد من متكلمي اللغة العربية بجهلها(فما بالك بحامل لشهادة الدكتوراه)،لما في هذا الجهل من قلب كلي للمعنى وإفساد له. ويكفي أن نستعيد – ومن غير تكلف- بعض عباراته كي نقف على هول"التهافت" الذي لا ننفي عن أنفسنا إمكانية اقتراف بعضه في هذا المقام. يقول الأستاذ وهابي في معرض اعتراضه على مصطلح "الشعرية"، الذي استعمله الشاعر صاحب المقالة المنقود: ".. مما يستحسن معه أن يستبدل مصطلح "الشعرية" بمصطلح "الشعر" بدون عناء أو التواء". وبالطبع فإن الدكتور كان يريد القول إن الشاعر كان عليه أن يكتفي باستعمال مصطلح "الشعر" للتعبير عن مقصده ، وما مصطلح "الشعرية" الشكلاني، الذي أقحمه سوى حذلقة كان ينبغى الاستغناء عنها . لكن هل عبر الأستاذ وهابي تعبيرا صحيحا وسليما عما نوى قوله؟ للأسف فقد أخفق صاحبنا إخفاقا شنيعا بارتكابه لخطإ قاتل قلب المعنى عقبا على رأس. فلكي يكون دقيقا كان عليه أن يقول:"مما يستحسن معه أن بستبدل مصصلح"الشعر" بمصطلح "الشعرية" دون عناء أو التواء" عملا بقاعدة "الباء للمحذوف" التي يجب بمقتضاها اعتبار ما لحقه "حرف الباء" هو المستغنى عنه في الجمل التي يتصدرها فعل من أفعال الاستبدال والتعويض كباع واشترى وبدل واستبدل وعوض وما شاكلها. قال تعالى:"أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" سورة البقرة. الآية16. ومعناه أن الضالين تركوا "الهدى" وانجذبوا إلى "الضلالة". وهذا هو الاستعمال السليم.

وتأسيسا على هذا "التهافت الصغير" الذي يصير المعاني والدلالات معكوسة بوسعنا تصور حجم"التهافت الكبير" في مقالة الدكتور القصيرة إذا ما علمنا أنه كرر ، فيها، مثل هذه الصياغة الخاطئة أكثر من مرة. يقول، ثانية، رافضا كلمات: المزنر والزغرب وتكرع " ..فمن اللائق أن نعوض"المزنر"بـ"المطوق"و"الزغرب" بـ"الغزير"و "تكرع"بـ"تنهل"، ويقول ثالثة(والثالثة ثابتة)، مرجحا حرف "الواو" على حرف"إنّ" :"وبهذا كان من اللائق استبدال"إنّ" التي توحي بالانتقال إلى فكرة جديدة بـ"الواو " التي ستقوم بفعل الكينونة بمظاهره في الشعر المغربي".

ومن دون تطويل فإن الخلاصة التي نبغي التأكيد عليها هي أن اللغة ، كالدين تماما، تقتضي إمساكها بمعروف ومن شادّها غلبته وإن بلغ فيها و منها ما بلغ . وفي الأخير تحية مني إلىالدكتورمحمد وهابي وإلىكل الشعراء والكتاب. فنحن ، جميعا ومن دون استثناء،أمام هشاشة اللغة ذلك الخطّاء المتهافت والله أعلم.

 

 
 

أرشيـف الموقـع

 

 

د. الحبيب الدائم ربي

habibdaim@maktoob.com

 

 

 

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.