جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

 
 
 

ابحث في الموقـع

 

 

 

 

 

د. الحبيب الدائم ربي (المغـرب)

تعقيب على بيان أدبي

قضايا وردود

 

تعقيب على بيـان أدبي

* د. الحبيب الدائم ربي

د. الحبيب الدائم ربي

 

قرأت بغير قليل من الفضول "البيان الأدبي" الذي أصدره الأخ هشام حراك ، بعد سنة من كتابته ، في العدد الثاني من جريدته " المغرب الثـقافي "، نكاية ربما ، في الجرائد الـوطنية التي امتنعت ، عدا ثلاث منـها ،عن نشره. والبيان يدعو ، فيما يبدو ، إلى "التأسيس لأدب جديد متمرد" هو "أدب القاع" ، الذي يستهدف ، حسب قوله ، قراءً معطلين ، و"جيارة "، وبائعي الزريعة والحـمص والـذرة و"الكاوكاو المعسل" بالتقسيط ، وعاهرات ، وبزناسة ، وسكيرين ، وحشاشين ، ومـعتوهين... " والفكرة تفتقت لدى هشام ، كما يصرح بذلك ، على خلفية مقروء مهم ، تحقق لديه ، عما كتب عن هؤلاء المهمشين" من قبل " رجالات أدبنا الواقعي المحلي"، وكذا اعتمادا على تجربته الشخصية في الكتابة التي بلغت ذروتها بإصداره لمجموعته الـقصصية "السوق اليومي" ، التي تلقفها ـ والعهدة عليه ـ "أبناء العالم السفلي فــ" وزعت عن آخرها ، في ظرف قياسي للغاية". هذا إلى جانب حصول مسرحيته "الانتظار" على جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب في دورتها الأخيرة . تلك ، تقريبا هي أسباب نزول البيان، أما خطوطه العريضة فيمكن اختصارها في كون "أدب القاع" وفق ما يفهمه، وما يريده، الداعي إليه:

- سلـيلا للأدب الواقعي (المحلي) .

- لا يخضع لـقواعد الانتظام في الكلام . فكما لا فرامل توقفه عند حدود "الكلام المباح"، فإنه أدب "الدخول والخروج في الكلام".

- مباشرا لا مجازات فيه ولا تزاويق.

- يوظف خلـيطا من اللهجات الـمحلية واللغات الـدخيلة.

- متحررا من الضوابط الفنية ! و الأخلاقية.

- يهدف إلى تسلية الفئات المنبوذة وتوعيتها.

ودونما دخول في الحفريات المعجمية والاصطلاحية لمفهوم البيان ، بما هو ، أولاً ، ما لا يحتاج إلى برهان ، وبما هو ، ثانيا ، جنس أدبي يتغـيا التبشير بنسق فكري أو جمالي جديد ، ولا في تتبع مساره الـتطوري بدءا من إطلاقه على القرآن الكريم ككلام واضح مبـين، مرورا بـ"بيان" الجاحظ و" تبـيـينه" ذائع الصيت، عروجا على بيانات الـبـارناسيين و الـدادائـيـين و السورياليـين... وصولا إلى بيانات المثقـفين العرب المعاصرين كالعقاد ويوسف الخال وأدونيس وجورج حنين ومحمد بنيس وعشرات الأسماء المشهورة والمغمورة في المشرق والمغرب على السواء. يهمنا أن نؤكد أن بعض هذه البيانات ، قد حمل من التصورات الـنافذة والأفكار الجريئة ما لا ينكره إلا جاحد . بيد أن بعضها الآخر ما كان له سوى الادعاء . سيما وأن البيانات ، كيفـما كان عمقها النظري ومهما قدمت من وعود ، لن تنوب عن النصوص والمشاريع الفعلية .فهذه الأخيرة هي وحدها التي تحسم في المؤهلات الحقيقية أو الزائفة التي يحوزها أو يفتقر إليها أصحابها ، وفي حجم مساهمتهم ضمن نهر الإبداع العظيم ، دونما حاجة إلى كذا "بيانات" كبيان الأخ هشام الذي لم نجد فيه ، باستثناء بعض الإشراقات والمفارقات الطريفة ، تمرداً لافتاً ، ولا من الجديد ما قد يتجاوز الخطوط الحمراء للمطبوعات المستريبة منه ، وبالتالي المؤسسات الـمالية والحزبية الحاضنة لها، التي ما أعارته- تبعا لدعواه- بالاً ، فبالأحرى ما يتهدد مؤسسة ذات أسس عتيـدة كمؤسسة الأدب . ولكم نخشى أن نزعم أن هذا البيان لم يكتب له الذيوع المطلوب إلا لأنه ما من أحد صار يثق في البيانات .وإذا كان للعسكريين من المبررات الذاتية والموضوعية ما يشفع لهم إخفاء هزائمهم خلف زعيق البيانات ، فإنه لا مسوغ للأدباء والمثقفين لكي يضللوا ، هم بدورهم ، قراءهم بخطابات هم أول من يخرق بنـودها ،هذا إن كانوا يؤمنون بها فعلا.

بدءاً نحن لا نجادل في نية الأستاذ هشام الصادقة في تحربك ركود واقعنا الأدبي والنقدي ، ولا في غيرته الأكيدة على الثقافة والفن ، بل ولا نشك في قابليته للإنصات إلى الأصوات التي لا تساير طرحه ، وفي هذا الرد الخجول صدى من تلك الأصوات.

والمتأمل في حيثيات بيان "أدب القاع " سيصاب بشيء من الخيـبة لا من التسمية ، غير الموفقة والحابلة بالإيحاءات المعيبة والمتناقضة مع المرامي المزمع بلوغها ، ولا من الحصيلة القـرائية المهمة ، المؤكدة ، المتحصلة لدى الكاتب ، حول أدب الهوامش، ولاحتى من التراكم النصوصي الذي أنجزه في مجالات القصة والزجل والمسرح...وحسب ، بل من بلوغ تجربته ، التى لـما تتبلور كفاية بعد ، أوجها ، تبعا لظنه ، بإصداره لأول مجموعة قصصية. وادعاء كهذا مستساغ حينما يصدر عن شيخ طريقة واصل ، أو عندما يدبجه كاتب خبر الحياة والكتابة على السواء عبر مسار شاق وطويل ، لكنه في هذا المقام ، حيث فتوة التجربة والكتابة معا ، قد لايخلو من خطورة على مستويين : مستوى أول بسيط عائد إلى باب زوغان القول عما لم يرده المتكلم ، كأن يكون المقصود عنده، مثلا، هو أنه ككاتب شاب يبغي من خلال ما يكتب البحث عن بصماته المائزة لا تأكيدها كتحصيل حاصل ، وفي هذا الفلتان التعبيري- غير المقصود- مغمز في الممكنات التعبيرية لصاحب البيان ، ولأي كاتب عموما. ومستوى ثان معقّد، بالمعنى السيكوباثي، وهذا ما لا نرجحه، كأن يصاب صاحبنا بعـقدة العـظمة التي تصور لمن يقع في عقابـيلها أنه هو مدار الكون ...الأدبي . خاصة وأنه وزع "باكورته" في الأمكنة السفلى و"القيعان" في ظرف قياسي . وإذا سلمنا بذلك فإننا لن نسلم بسهولة بكون الرواج دليل عافية ولا بكون المحافل القرائية للقصة القصيرة في بلادنا تشمل ، أيضا ، طوائف الأميين والقائمة المعلومة . ناهيك عن احتمال ترويج بضاعة قديمة، يحتويها البيان، تحت شعار جديد . أليس أدب القاع مجرد بعث مشوه لنزعة واقعية استنفدت أغراضها منذ القرن التاسع عشر في أوروبا ، ومع بدايات القرن العشرين لـدى الكتاب السوفيات ، وتجلت ، عربيا ، بوضوح في كتابات محمود تيمو ر ونجيب محفوظ وحنا منه وزفزاف وغلاب .... في زمن البدايات؟ علما بأن الواقعية كتيار أدبي ، وخلال مراحل تسيدها ، لم تكن قط صوتا للمنبوذين وحدهم، فبلزاك ، أب الواقعية الفرنسية ، كان في نظر غولدمن ، رغم ثوريته ، خير معبر عن الحياة البورجوازية ، بخلاف ذلك كانت رومانسية فيكتور هيجو أقرب إلى نبض "البؤساء". وإن كان ربط النتاج الإبداعي بالطبقات الإجتماعية والشرائح البشرية هو ، في أساسه ، ربط فوقي واعتسافي. وحين نتكلم عن "الواقعية " لا يجوز أن نخلطها مع "الواقعي" كتجل قد يتمظهر ضمن كل أطياف التعبيرات التي يحضر فيها الواقع ، بما في ذلك الواقع النفسي ، كموضوع للاشتغال المجازي و الرمزي. وإذا تجاوزنا المحاججات التي قد يثيرها مفهوم "الأدب الواقعي" كأدب ليس بوسعه تشخيص الواقع تشخيصا محاكاتيا انطلاقا من ركوبه اعتباطية الأدلة اللغوية ، فإن التعامل مع اللغة كـ"دخول وخروج في الكلام " قد يعصف بتماسك البناء النظري للبيان مادام يخلط بين الوعي ونقيضه ، ويمزج بين تيار الشعور واللاشعور في الكلام مما لايسمح، قصديا، بتصوير الواقع ، على استحالة ذلك، من جهة ، ولايدع للذات المتلفظة فرصة للمناورة في التموقف إزاء فئات بعينها من جهة أخرى . كما أن الكتابة المكشوفة ليست بالضرورة هي كتابة واقعية ولاخطاب مهمشين لمهمشين (جورج دي ساد ، أوسكار وايلد ، هنري ميللر، ألبرتو مورافيا ، محمد شكري ، من دون ذكر السلاسل الإيروتيكية والبورنوغرافية) ولا ندري على أي "قاع " سوف يجلس أدب القاع حينما لايولي بالا لتوجيه الخطاب ولا بالا لاشتغال اللغة ؟، بل وما الفرق ، والحال هذه ، بين كاتب و"شمكار"- باستعارة لفظة هشام ذاتها- ؟ بين الكتابة والتخرميز؟ وللإشارة فإن هذا التمرد المفترض لا نجد ما يدعمه نصيا في كتابة صاحبه التي تبدو لنا ، حسب ما تيسر لنا من اطلاع ، منضبطة عروضيا في عمومها لغة ومضامين وبناءً ( مع احترامنا التام لمجوداته واختياراته)... ولعـله من قبيل التـنـفج إثارة الجعجعات التى لاتسفر عن طحين ، فلتسويق خطاب التمرد نحتاج إلى رؤِية وأدوات تتجاوزان المقولبات والمسكوكات (والابتعاد عن إنشاءات المنفلوطي في أحسن الأحوال مع نهاية قرن وبداية آخر) . وما بين قوسين ليس طعنا في المنفلوطي ولا في هشام، ولا مقارنة بينهما بأي حال . ثم إن اعتبار"الميساج " أهم مكونات الأدبية في البيان من شأنه أن يجر الأدب قطعا إلى حيث يتساوى المبدع الحقيقي مع "مزيف النقود" ، وصاحب الموهبة مع صاحب "السـنطيحة" ! أما دمج اللهجات واللغات في عمل واحد فليس فتحا يقدمه الأخ هشام إذ سبق، مثلا ، لجيمس جويس في " أوليسيوس" وليون تولستوي في "الحرب والسلم " أن فعلا ذلك بكثير من الـحصافة والعظمة. وهو أمر مافات حتى على مطربينا الشعبيين (أصحاب الكشاكيل والكوكتيلات ...)الذين غنوا " الباسبور وشيري مون أمور " وما شرفوا مدارس القاع بقيعانهم ولا بأقدامهم يوما . وأما "الـتلفيقية " المدعو إليها ، حيث تـذوب الحدود بين القصة والقصيدة والمسرحية والرواية والمقالة الأدبية ، فواضح أنها قد وصلت متأخرة لدى الأخ هشام الذي ما عليه إلا مراجعة ما كتبه نقاد ومنظرو شعرية "الأعمال المفتوحة "، والعبرنصية ـ بفتح العين ـ . ولا ندري هوية و طبيعة أدب ينتـقص من الـمرأة ، و يراد له تسلية أولاد القاع (كذا) ـ وتوعيتهم وحمل لوائهم ، في افتقار تام لمتطلبات الشرط الإبداعي الفنية.

إن في تخصيص فئات بعينها بأدب " قاعي" ، إساءة بالغة للأدب وللفئات المخصوصة معا . فالفن ما كان يوما انعزاليا ولا طائفيا ولا عرقيا، وبـيكاسو الشيوعي كان دوما مأخوذا بأعمال رسامي النهضة وموسيقى الـبلاطات ، وبابلو نيرودا الُثائر كانت تستهويه لغة الولائم والمآدب ، ثم علينا ألا ننسى أن طموح شاعر فرنسا الأول أرتر رامبو كان الـتوق إلى المال والعيش بعيدا عن "القيعان". وفي المقابل ما أكثر أدباء الصفوة الذين ترجموا ، في عذوبة وعمق ، معاناة اٌلإنسان في كل مكان ، في الأعالي كما في الأداني . والأمثلة قد لا تعد. وما يعنينا منها ،هنا ،هو كون خطاطيف الرغبة وحدها لا تصنع ربيعا للأدب ، والانتماء إلى المهمشيـن لا يحسم في "قاعية" الأدب في مطلق الأحوال. وبدل الانشغال بالتنظير لأدب متمرد ، قد لا يأتي، يحسن بالأدباء ـ الشباب تخصيصا ـ أن يـبدعوا أدبا وكفى ، لأن في الـنعوت الكبيرة ، وغير المستحقة ، تصغيرا للمنعوت.

 

 
 

أرشيـف الموقـع

 

 

د. الحبيب الدائم ربي

habibdaim@maktoob.com

 

 

 

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.