جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

 
 
 

ابحث في الموقـع

 

 

 

 

 

ذة: ن. مجاهدي (الجـزائر)

مساهمة نظرية التلقي في تطوير أساليب الترجمة

دراسـة

 

مساهمة نظرية التلقي في تطوير أساليب الترجمة

الأستاذة : ن. مجاهدي

 

 

ترجع بوادر نشأة نظرية التلقي إلى ألمانيا التي تعد المنبت الأصلي لهذا الإتجاه النقدي. فلقد عرف هذا البلد خلال العقود الأخيرة إتجاهين في معالجة الظاهرة الأدبية يعتمدان على مراعاة القارئ- المتلقي بإعتباره العنصر الرئيسي في تشكيل العملية التواصلية. تتزعم الإتجاه الأول جماعة " نورمان" في برلين، وهي جماعة اهتمت بمعالجة النص الأدبي معتمدة على التوجه الماركسي، جاعلة من النص والقارئ والقراءة وسائل إنتاج أدبي. إنها جماعة " تعاملت مع القارئ في مستواه الطبقي الذي ينتمي إليه، بل الذي يتأثر به".([1]) فالنص في نظرها انعكاس لتأثير الواقع في نفس كاتبه.

أما الإتجاه الثاني فهو يعود إلى ما يعرف بمدرسة " كونسطانس" Constance الذي نشطت داخل جماعة " كونسطاس" وهي تهتم بجمالية التلقي ونقد استجابة القارئ وبعد كل من هانس ردبرت ياوس hans robert jaus ولفغانغ أيزر " wolgang iser" من أعلام هذا الإتجاه، إذ حاولا من خلال مقالاتها ومنشوراتهم التعريف بمبادئها وآرائهما.

ومن المعروف أن الظروف العلمية والتاريخية التي عرفتها الجامعة الألمانية في مرحلة الستينات أدت إلى ظهور حركات طلابية وهو ما يعرف بجيل ما بعد الحرب المناهض للنازية،حيث شرع في مناقشة الأزمة الأدبية وأدى ذلك إلى ظهور إهتمام كبير بالقارئ والقراءة.

وفي الحقيقة ، ساهمت كل من نظرية التلقي ونقد استجابة القارئ " في تفتح آفاق الدراسات النقدية والتطورات الأدبية الجديدة وأصبح نقد استجابة القارئ نقطة عبور في المسيرة التغيرية لنظرية الأدب ".([2]) ومن هنا تظهر أهمية هذه النظرية في إحداث تحول كبير في مجرى دراسة النص، إذ لم يعد ينظر إليه بوصفه كيانا مستقلا عن قارئه الذي ينبغي أن يصاحب النص كل مرحلة يمر بها فهو الذي يثبت وجوده ويكرسه.

ولعل الأعمدة التي ترتكز عليها هذه النظرية تتمثل أساسا في المبادئ التي جاءت بها ونذكر منها :

أفق الإنتظار Horizon d'attente وهو يحدد الطريقة التي يتدخل بها القارئ في النص من أجل بناء معنى يقترب من المعنى الذي قصده صاحبه وقد يختلف عنه محدثا صراعا بين الأفقين وبالتالي إلى حدوث ابتعاد في وجهات النظر ومنه في المعنى. إنها قضية تثير فكرة الإنزياح الجمالي الذي يعني الخروج عما هو معتاد ومألوف ويخص الإستعمالات اللغوية، من مفردات وألفاظ وتراكيب ومعاني، فيحدث هذا الإنزياح وقعا جماليا خاصا، بإعتباره خرقا لمعيار معين ومحدد من قبل ، فهو آلية الإنتاج الجمالي الذي يعد غاية جمالية التلقي، حيث تكون بلاغة الكاتب إعجازا لدى قارئ لم يكن متعودا عليه، أو لم يتوقعه، ويشكل هذا الإعجاز انزياحا جماليا يولد وقعا في نفس القارئ ويجعله أمام سؤال حتمي يستلزم الجواب، يدخله في حوار دائم مع النص بحثا عن المعنى، فهو حوار جدلي بين " المقول والمسكوت عنه".([3]) بحيث يحاول القارئ إظهار " المسكوت" عنه وإعادة تأويل " المقول" في شكل ردود فعل مثارة إزاء النص والتي هي تأكيد على وقع جمالي نتج عن تفاعل الذي حصل خلال عملية القراءة، فهو تعبير عن إندماج بين أفقي النص والقارئ.

وفي الواقع، إن دور القارئ، الفعال يستلزم منه امتلاك معرفة لغوية وتجربة عميقة فالفهم ليس بالأمر الهين، بل يتطلب تواجد القارئ بإستمرار قصد إحداث تفاعل فني جمالي، ويجعل من النص مجاله الوحيد من أجل البحث والتنقيب وكأنه بؤرة عليه سبر أغوارها.

ومن هنا يتضح لنا، علاقة الترجمة بالتلقي بإعتباره أن كل واحد يشترك مع الآخر في نقطة أساسية : القارئ أي (المتلقي)، فالمترجم بوصفه قارئا لنص معين فهو مرسل لنص جيد يتم استقباله من طرف متلق آخر. وتسمى هذه العملية بـ :" التلقي الترجمي" حيث ينتقل النص من لغة الأصل إلى لغة أخرى عبر عمليات ذهنية يقوم بها المترجم معتمدا على ثقافته ومعارفه لممارسة هذه العملية وتحقيق هذا النقل، فيجعل قارئه الجديد في ألفة مع النص المترجم نظرا للنقل الذي انتج بطريقة محكمة، فيجعل النص الأصلي قد تحول إلى نص آخر يعيش في سياق وثوب يلائمان القارئ الجديد ويتماشيان وثقافته. ولابد من التذكير، هنا، بضرورة احترام الترجمة لمجموعة من الشروط الموضوعية مثل الأمانة والدقة في النقل، وهذا لا يعني طبعا أن تخضع الترجمة خضوعا مطلقا للنص الأصلي بل أن تحتفظ ببعض العلامات الأجنبية " marques étrangères".([4])والتي أسماها أوستين بالتلفضات التقريرية Enonciations constatives فهذه :" التلفظات تحيل على الواقع وتعين حقائق ليست موضع خلاف بين الناس ".([5])

والمقصود من هذا الكلام أن النص يحتفظ ببعض ملامح النص الأصلي التي تساعد على التعرف على أصل ثقافة النص ومدى تأثر المترجم بكتابه.

فالمترجم القارئ يمر بمراحل ضد ترجمته للنص فهو قارئ للنص الأصلي يقوم بترجمته، ليصبح بدوره كاتبا ثانيا ويتضح هذا جليا من خلال الرسم التالي ":

 

نستنتج مما سبق، أن معالجة موضوع تلقي النص المترجم لا تحدد منذ الوهلة الأولى مستويات التلقي، إذ من المعلوم أن تلقي الناقد لنص ما، يختلف من القارئ العادي. فعملية التلقي عند الأول تصاحب أنواعا من التََّطَيٌلاَت والتعديلات والملاحظات قد تكون إيجابية أو سلبية بينما نجد القارئ العادي يندمج مع تحليلات النص في حالة خاصة من اللاوعي، فيظهر بداخله ولا يرى شيئا أمامه سوى النص. فقراءته لا تتوقف عند حد الاستمتاع بما فيه من جمال.

فهو يذهب بخياله وتفكيره إلى أبعد نقطة ليصل إلى معنى شخصي للنص يمكن أن يلائم أو يعارض المعنى الأولى للكاتب. أما المترجم بوصفه قارئا للنص، فهدفه الوحيد هو نقل النص من لغة الأصل إلى لغة الهدف ولهذا يختلف مستوى تلقي النص الأصلي عن مستوى تلقي النص المترجم ويرجع هذا لعدة معطيات ينطلق منها كل متلق نذكر منها : المؤشرات النصية، وآلية الإدراك والتخزين، ولا بد أن يكون المتلقي على اطلاع بكل ما يحيط بالنص، حياة الكاتب،جنس النص، بنيته لغته، أسلوبه، قبل البدء في تأويله فقد يساعد هذا الإطلاع على تجاوز سطح النص للبحث عن المسكوت عنه "، ولا نشك في أن الإهتمام بهذه المعطيات قد يساعد المتلقي على استقبال النص بطريقة صحيحة تقربه من غاية الكاتب لحظة كتابته للنص الأصلي، وينبغي التنبيه هنا إلى أن القارئ يتأثر بالنص، منتجا ردود فعل إيجابية تجدد درجاتها مستويات التلقي، عندئذ تصبح الترجمة "قراءة جديدة تحمل للنص الأصلي معاني فهي مرآة تعكس صورة أخرى لثقافة النص الأصلي ".([6]) بعيدة عن الرداءة والإثقال في التعبير، فهي صورة حقيقية للأصل من حيث المعنى لا تشوهه بل تحافظ عليه وتعرضه على قارئ جديد لم تتح له فرصة قراءة النص الأصلي.إن تشعب عملية الترجمة يستلزم من المترجم القارئ القدرة على التفاعل وتوليد المعنى، ولا شك أن هذه الفكرة هي من أهم المبادئ التي ارتكزت عليها نظرية التلقي فجعلت المترجم أمام حتمية التطوير والتجديد في أساليبه وكذا طريقة تعامله مع النصوص. فلم يعد المترجم القارئ مجرد ناقل لنص من لغة إلى أخرى قصد خدمة قراء يجهلون لغة الأصل، بل هو قارئ حاذق وفعال، يتفاعل مع نصه لملء الفراغات الموجودة فيه وبسطها على واجهة النص المترجم، فهو مكلف بمهمة معقدة تتمثل في نقل نص من ثقافة إلى أخرى.

فما كان مستورا في الأصل، يتم الكشف عنه في الهدف، وفي هذا الصدد نجد ياوس في مقاله " التاريخ الأدبي تحديا لنظرية الأدب" ينوه بهذه الفكرة ويؤكد عليها:

" فالعمل الأدبي لا يوجد إلا عندما يعاد إبداعه أويتم تحقيقه في ذهن القارئ".([7])

فالعلاقة بين التلقي والترجمة ظاهرة وبينة ، بمعنى أن الترجمة الحقيقية... " هي حالة خاصة ومعقمة لعملية التواصل والتلقي في أي فعل لغوي إنساني".([8])

ولكن على المترجم في هذه الحالة أن يأخذ بعين الاعتبار خلال تأويل للنص فكرة " الجسر التأويلي"([9]) لياوس Herméneutique Bridge، بمعنى لحظة اندماح أفق انتظاره لنص في الماضي مع أفق توقعه في الحاضر أي بين النص الأصلي وتعدد قراءاته عبر التاريخ، بحيث ستكون ترجمته للنص من منطلق تاريخي بحث، ينصهر فيه ماضي داخل حاضره من أجل تأويله فترجمته وكأنها عملية أخذ وعطاء، تمكن القارئ من استقبال النص المترجم بصورة سليمة وصحيحة عوض حرمانه من الإستيعاب الجيد لمعنى النص ، وتحد من استمتاع المتلقي به، فإن مثل هذه الترجمات، تجعل المترجم يحتل موقع المؤلف بحيث ينحصر دوره في البناء العام للنص.

ولعل ما جاءت به نظرية التلقي ساهم بالكثير في ميدان الترجمة الأدبية، بوصفها تهتم بثقل العلاقات الثقافية والحضارية بين الأمم والشعوب، كما أدت إلى تعميق وتوسيع الأفق المعرفي للمترجم/ القارئ الذي أصبح يرمي إلى السؤال وحب التطلع عوض الإكتفاء بالجاهز والمعروض ويقرأ نصه وفق عملية قراءة ناجحة تؤدي إلى تفاعل جدي وقوي بين المترجم والنص، قراءة تجعله يتحدى الصعاب، قراءة لا يمكن اعتبارها على الإطلاق استهلاكا سلبيا للنص، بل هي مسخرة لتخدم النص عبر عملية التأويل والتفسير ومحاولة ايجاد المكافئ، لأن القارئ الذي جاءت به نظرية التلقي، ضمن أطروحتها، هو قارئ ممتاز يعي أبعاد النص ويغوص في أعماقه فيقرأ ما بين السطور بحيث يساعده ذلك على حل مشاكل قد تصادف طريق القارئ/ المترجم وكأن هذه الفراغات هي دلالات تزيل حيرة المترجم وتساعده على معرفة قصدية المؤلف الأصلي، بل تقربه منه أكثر وتمكنه بالتالي، من تحقيق ترجمة قد تعادل النص الأصلي،من حيث المعنى. إذا أردنا استغلال مكونات نظرية التلقي بطريقة عملية، خلال عملية الترجمة، من أجل تحقيقي نتيجة فعليه ينبغي على المترجم أن يجتهد في قراءة نصوص وتحليلها والبحث عن الجوهر والإبتعاد عن الإنشغال بما هو ظاهر والتالي يحقق المعادلة التي وضعها رواد نظرية التلقي كقاعدة لمبادئهم :

قارئ نص كاتب

إنها معادلة للقارئ/ المترجم السلطة المطلقة أمام النص لينقله لقارئ جديد.

إن نظرية التلقي، في حقيقة الأمر، ما هي إلا تأكيد على مسؤولية القارئ أمام النص، ونخص بالذكر ، المترجم بوصفه متلقيا، فهي تبعده عن كل خيانة أو سوء فهم، ولا تجعله أمينا للأصل فقط، بل للنص المستهدف أيضا وذلك بمراعاة لخصوصيات اللغة الهدف، محاولا الإنصهار داخل النص مستعملا تجربته الجمالية ومحاولا أيضا التوفيق بين أفق وأفق توقعه الخاص به، في شكل حوار أساسه السؤال والجواب من أجل التوصل إلى بناء المعنى الذي يقصده الكاتب الأصلي وبالتالي إحداث الوقع الجمالي بمعنى إثارة ردود فعل إزاء هذا النص الذي يعكس تفاعل القارئ/ المترجم مع نصه وفهمه وتأويله الجدي لمعانيه الظاهر منها والخفي.

ومن هذه النقطة تظهر أهمية نظرية التلقي وارتباطها الوثيق بالترجمة بل وأهم الإضافات التي حظيت بها الترجمة باستغلالها لأفكار جديدة جاءت بها هذه النظرية.

------------

هوامـش

 

[1]) Rita schuluter. Le texte et ses réceptions. Revue des sciences humaines

[2] ) جين ب. تومبكنز،نقد استجابة القارئ في الشكلانية الروسية إلى ما بعد البنيوية ترا ناظم علي حاكم المجلس الأعلى الثقافة 1999 ص 17-18.

[3]) w. Iser. L’acte de la lecture. Théorie de l’effet esthétique – TRAD evelyne sznyyeer. Bruxelles. ED pierre Margarda.1976 p 299

[4]) Daniel heripageaux : La littérature générale comparée, paris , armand colier p 41

[5] ) حميد لحمداني : الترجمة الأدبية ومدى مشروعيتها في ضوء البحث اللساني وعالمية التلقي، الترجمة والتأويل ، الرباط كلية الآداب والعلوم الإنسانية 1955 ص 104

[6]) Danial henripageaux Irid p 42.

[7] ) حسن حنفي قراءة النص الهرمنيوطيقا والتأويل، مجلة ألف دار البيضاء دار قرطبة 1993 ص 90.

[8] ) جيلالي كدية، الترجمة بين التلقي والتأويل، الرباط ،كلية الآداب والعلوم الإنسانية ص 52.

[9] ) جيلالي كديه.م .س ص57.

 

 
 

أرشيـف الموقـع

 

 

 

md_nawel@yahoo.fr

ن .مجاهدي

أستادة بجامعة وهران - الجزائر

 

 

 

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.