جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

 
 
 

ابحث في الموقـع

 

 

 

 

 

صابر الحباشة (تونـس)

البلاغة: نظرة إلى إشكاليات التداخل بين النحو و الفلسفة

دراسـة

 

البلاغة: نظرة إلى إشكاليات التداخل بين النحو والفلسفة

صابر الحباشة - تونس

 

 

من الفنون/العلوم التي تجدّدت باستمرار و تطورت نظرة الناس إليها فنّ/ علم البلاغة. وهو فن عرفته الحضارات الإنسانية منذ القديم غير أنّ لكل شعب بلاغته، حتى جعل الجاحظ في"البيان و التبيين" لكل قوم حدا للبلاغة مطابقا لوجهة نظر القوم إلى العالم.

لذلك يعسر حدّ البلاغة بالاستناد إلى شيوعها بين البشر، نظرا إلى قيامها على قوانين مخصوصة عند كل قوم، وقد ظن قديما أن خطابة أرسطو تطابق بلاغة العرب، و قد بان أن ذلك أمر جلي الخطأ.

و لئن فتحت الترجمة العربية القديمة لفن الشعر لأرسطو الباب واسعا للفلاسفة و النقاد العرب بالقدامى ليعقدوا المقارنات و يشيدوا قوانين البلاغة. غير أن هذا العلم لم يرتق إلى مصاف العلمية إلا بمجهودات عبد القاهر الجرجاني( ت.471 هـ) وأبي يعقوب السكاكي(ت. 626هـ).

ولما كان النحو أسبق في الاكتمال على يد سيبويه( ت.182هـ)، فقد أمكن له التأثير عميقا في مباحث البلاغة، لا سيما في علم المعاني. وهو العلم الذي يتجلى فيه بحق تداخل النحو بالبلاغة على نحو شديد الوضوح، حتى أن بعض الباحثين المحدثين، رأى أنّه العلم الأعلق بالنحو ولا مندوحة من فصله عن البلاغة حتى تختصّ بما هي أحرى به من اهتمام بجماليات الأسلوب و تعليل الاختيارات الفنية التي تنشئ أدبية الكلام و تصنع جمالية العبارة.

و هو تصوّر لا نرفضه وإن بدا لنا أَمْيَلَ إلى اعتبار البلاغةِ أسلوبيةً قبل الحرف، و ذلك في سياق تاريخيّ لم تظهر فيه الأزواج الاصطلاحية اللسانية البنيوية و لم تنعقد فيه مناهج لسانية علمية، و من ثمّة فإنّنا نرى أنّ تجنّب التداخل بين النحو والبلاغة لا يستدعي بترَ أقسام من هذه الأخيرة بدعوى أنها من النحو، بل الأحرى تمحيصُ النظر في استقلال المنهج الإنشائيّ البلاغيّ عن المنهج المنطقيّ النحويّ[ و نحن في ذلك ننأى عن نظريات نحو منتاغيو Montague].

إنّنا نفترض أنّ البلاغة قد انسلخت- أو حاولت الانسلاخ عن مناهج النحاة، غير أنّها متى تعرّضت إلى مسائل في صلب اهتمامات النحاة، فإنّ أربابها يجنحون إلى اختبار مذهب عالم أو جمهور علماء ليستقيم لهم البتُّ بعد ذلك في خصوصية مباحث البلاغة.

فلمّا كان النحو والبلاغة كلاهما يهتمّ بالكلام، وكان الأول ينظر في استقامة الكلام إعرابيا و تركيبيا و الثانية تنظر في"مطابقة الكلام لمقتضى الحال"، فإنّ عمل الثانية لا غنى فيه عن عمل الأول، فلا بلاغة للكلام اللاحن إلاّ أن يكون اللحن مقصودا و محدودا بحيث يفيد عدولا عن القانون النحوي لإنجاز عمل قوليّ باختراق ذلك القانون.

ومن ثمة فالعمل النحويّ و البلاغيّ يتمّ على موضوع واحد وإن كان لكلّ واحد منهما منظور مخصوص.

و تشير إلى أنّه جرى في السنة التعليمية أن يتمّ تقديم تدريس النحو على البلاغة و ذلك عصمة للتلاميذ من الخطأ في التركيب و بناء الجمل، و بعد ذلك يُنتقل إلى الوجوه الجمالية للكلام.

غير أنّ لنا رأيا يخالف هذا التمشي التقليدي في ضبط العلاقة بين النحو و البلاغة، إذ إنّ المباحث الأخيرة في علم تحليل الخطاب و التداولية خصوصا قد أوقفتنا على زوايا نظر مخالفة للنظرية التراثية السائدة. إلاّ أنّ عرض هذه الفكرة يحتاج إلى تمهيد.

ذلك أنّ السنة اللسانية الغربية المعاصرة تقسم دراسة القول إلى مستويات ثلاثة:

1) المستوى التركيبي: ما يتعلق بالعلامة اللسانية في صلتها بغيرها من العلامات ضمن المقطع التلفظي الواحد.

2) المستوى الدلالي: ويتصل بالعلامة اللسانية في علاقتها بالمدلول أي الصورة الذهنية التي يحملها المتكلم عن العلامة.

3) المستوى التداولي: يهتم بعلاقة العلامة اللسانية بالمتكلم و بالسياق و بالمرجع و بعالم الخطاب عموما.

وجرى اعتبار هذا الترتيب على أساس التدرج من المستوى البسيط إلى ما هو اعقد.

غير إن هذا التصور لا يخلو- في ما يرى بعض التداوليين- من إخفاء للحقيقة.

ذلك أن وضع المستوى التداولي في المرتبة الثالثة يشي بكونه حصيلة لما سبقه من مستويات و كأنه نتيجة مقدمتين في عملية استنتاج منطقي. والحال أنّ ذلك قد لا يكون صحيحا. ذلك أن التحليل في المستويين الأول و الثاني( التركيبي و الدلالي) إن هو إلا درجتان من درجات التجريد النظري الذي يخلص القول ذهنيا من أبعاده العملية الانجازية. أما المستوى التداولي، فهو المسؤول عن قيمة القول في العالم الممكن فالدلالة التداولية ليست- على هذا الأساس- حصيلتين للدلالتين التركيبية والسيمانطيقية، بل هي الأساس الذي تنبت في تربته الدلالة التركيبية و الدلالة السيمانطيقية، بما هما تجريدان لهذا الأصل التداولي العامل في القول.

فقول نحو: هل الملح في متناول يدك؟في دلالته التركيبية: ينتج علاقة اسنادية بين المسند إليه و المسند، ولا قيمة لذلك في المقام الوارد فيه.

و في دلالته السيمانطيقية: ينتج استفهاما حول وقوع الملح على مقربة من المخاطب و هو استفهام تصديق.

فالدلالة التركيبية معزولة عن المقام انعزالا تاما بحيث لا تؤثر فيه، بما أن مجال اهتمامها العلاقات المجردة بين العلامات في حد ذاتها. فحيث ثمة، إسناد و تطبيق لمقولات النحو، تكون الجملة صحيحة.

أما الدلالة السيمانطيقية فقد تؤدي بنا إلى تأويل خاطئ للقول و ذلك على النحو التالي:

فإذا فهمنا الجملة على أساس أنها استفهام حقيقي، إذ دلاليا لا شيْ يمنع من اعتبار الاستفهام على شاكلة أخرى( كأن يكون استفهاما تقريريا أو بيداغوجيا..)، فإننا نقع في معنى لا يلائم قصد القائل، مما قد يستدعي جوابا ايجابيا.

- هل الملح في متناول يدك؟

- نعم، الملح في متناول يدي.

أو سلبيا:

-لا، ليس الملح في متناول يدي.

وهذا التأويل الخاطئ لا يعصمنا منه إلا المستوى التداولي من قراءة القول:

و المستوى التداولي يدرس العمل اللغوي الذي ينشئه المتكلم بالقول:

انه ينشأ طلبا يراعي آداب المؤاكلة.

لذلك فالتحليل التداولي لا يتوسل بمنهج النحاة أو بمنهج البلاغيين التقليديين، بل يعتمد شبكة تحليل معاصرة تعتمد مفاهيم من قبيل العمل اللغوي، المقتضى، المفهوم، الاستلزام...كما تتعدّد المناويل التداولية في مقاربة الأقوال، فينظر إليها من زاوية حكم المحادثة و ما تتطلبه من قواعد لعلّ من أهمها قاعدة التعاون.

وكما اشرنا إلى تداخل النحو بالبلاغة، فانه من المفيد الالماع أيضا إلى تدخّل الفلاسفة و المناطقة في البلاغة سواء بالتنظير و التقعيد( كما هو الحال مثلا مع السكاكي في التراث العربي الإسلامي) أو بالمراجعة والتحديد. لقد أصبحت البلاغة الجديدة تحد باعتبارها" نظرية الحجاج"، و هي بذلك ترادف التداولية، ولا سيما التداولية المدمجة.

إن انصباب اهتمام الفلسفة التحليلية على اللغة، أدّى بروادها إلى تجديد النظر في إنتاج الخطاب و تحليله. وقد ودعنا مع الفلسفة التحليلية صفوية البلاغيين القدامى الذين لم يكونوا ليدرسوا مثالا إلا إن يكون أدبيا، فيبينون وجوه الطرافة و يشرحون الوسائل و المحسنات و الوجوه البلاغية فيه.

غير أنّ ذلك كان يمثّل جُرحا منهجيا يشقّ النظرية البلاغية: إنّها تسعى إلى التنميط في مجال لا يستقيم فيه ذلك. فمعلوم أنّ الخطاب البليغ ينتجه المتكلّم، فهو ينتمي إلى الإنجاز الفردي لقواعد اللسان ضمن سياق تواصلي ما، فيكون متسما بالصبغة البلاغية. ولمّا كانت إبداعية الأفراد و السياقات التواصلية، من الكثرة بحيث يعسر حدها، فقد كان العمل البلاغي قاصرا من جهات.

1) من جهة عدم احاطته بالنص أو بالأثر كاملا واقتصاره على تشظيته إلى وجوه بلاغية متناثرة.

2) من جهة اقتصاره على تسمية الوجوه و الوسائل البلاغية، فالبلاغي يعمل مساعدا للناقد الأدبي الذي يحيط بالسنة الأدبية، و قد عقد نقاد الشعر العرب القدامى معايير و أحكاما تضبط شعرية الكلام، استفادوا من جملة ما استفادوا فيها بالبعد البلاغي،( المقاربة في التشبيه، مناسبة المستعار منه للمستعار له...)

3) من جهة اكتفائه بدور الشارح دون ولوج دائرة التأويل إلا في حدود.

قد نكون اشتططنا في محاسبة البلاغيين القدامى، مدفوعين معاصرة هي اسقاطية بالضرورة. و إن كان لنا أ، نلتمس لهم عذرا، فلا شك أن المجال الابستيمي الذي وجدوا و عملوا في إطاره ما كان يتطلب منهم أكثر من ذلك، فالبلاغي كما النحوي كما اللغوي( بمعنى المختصّ في المُعجم) إنما يحتاج إليهم في شرح النصوص الدينية و الشعرية، كيلا تلتبس على الفقهاء والأصوليين مسائل استنباط الأحكام الشرعية أو توحيد الذات الإلهية، وكي يتأدّب النشْء على منتخبات من ديوان العرب مُذيّلةً بشروح نحوية و بلاغية و لغوية.

فعمل البلاغيّ يندرج ضمن الشروط الموضوعية التي تجعل الناس في حاجة إليه و يتغيّر نشاطه بتغيّر العصر و المِصر، ويتبدّل باختلاف الخلفية المعرفية المشتركة.

 

 
 

أرشيـف الموقـع

 

 

 

صابر الحباشة

saberh778@hotmail.com

 

 

 

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.