جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

 
 
 

ابحث في الموقـع

 

 

 

 

 

يسري الغول (فلسطيـن)

الزمن القادم مع الريـح

قصة قصيرة

الزمن القادم مع الريح

قصة يسري الغول

---

 

 

ظلمة كئيبة تعتري المكان ، خُشُبٌ مسنّدةٌ تصطف كهيكل مترامي الأطراف، و الغبار ينطفئ كما السراج . دوائر مقعرة تطمس صورة الجبل البعيد . لهب يغطي الأسقف المسرمدة ، و في الأسفل مقامع من حديد ، يدخلها الرجلان بخفة - قد أكون أنا واحداً منهما – لا أدري بما ستئول إليه الظروف ، يسرق الأول السبائك المطرزة من الذهب و الفضة و الأقلام ، يضعها في جدران الأرض الصماء و الآخر يهرب فاراً من خوفه ، يصعد إلى أعلى ، و في الأعلى يبدو المصلى كاحلاً ، مدقع السواد ، يجلس أحد المصلين على أريكة متهتكة الأطراف ، يصلي جلوساً أمامه تلك المروحة القديمة ، البالية ، التي تظلله ، يتقدم شبحي نحوه ، يمسك بالمروحة يضعها في نهاية الجدار ، لكن الرجل يزجره بعنف صارخاً في وجهه :

- دعها هنا ، فسآخذها إلى بيتي .

وينسحب الجسد - الذي قد يكون أنا - إلى الخارج في ظلمة باتت معي كظلي . هناك أرى العجوز يتكئ على شاطئ حزنه ، أسوداً ، قميئاً ، يحدق بالسماء ، ينظر تجاه بحر الغرب المميت ، أهتف به كي يسمعني لكنه يبحر في دهاليز روحه ، أهتف مرة أخرى لكنني قبل أن انتهي من صوتي أصطدم برعبي الذي يتملكني ، أرى البحر يصرع المكان ،الرجل ، يهيج كتنور رأيته في طفولتي البائدة مع غبار الطريق ، و كثور هائج أعدو تجاه الشرق ، فإذا به أمواجاً تتلاطم أكثر شدة من ذلك البحر المميت ، أختفي ، أصعد إلى أعلى المنزل الذي يصادفني ، و هناك تصفعني المفاجأة ، كأنه منزلي ، بل هو منزلي فعلاً ، أصعد و أمي تهرول كالريح العذراء ، أما أبي فيحمل الصغير الذي أراه بصورة صاحبي ، نعتلي السطح ، و الليل ترنيمة لم أرها من قبل ، لوحة كالتي علقت في جُدر الكعبة قبل الفتح ، نلهث ، أهتف :

- أدركنا نهايتنا المريعة أخيراً .

لكن الرحمة تأتي من السماء ، أتقدم ، ألمس الماء علقماً يحاول عبور السطح ، أما المدينة فتبدو غارقة في موتها ، يعتليها الماء كرجل يغتصب عجوز اندثرت مع رماد الزمن ، و السماء مدقعة السواد ، شديدة الصفرة أيضاً ، هكذا أراها الآن ، أدندن بجنون :

- نجونا ، لن نستطيع النزول إلى أسفل ، أدركتنا مناجاة البارئ في عرشه

أصرخ في صديقي الذي يكبرني سناً :

- ابتعد عن الأطراف كيلا تغرق البحر بحزنك .

و أبي يحضر متوشحاً وسم العجوز البائدة في أساطير المكان :

- جاء ميعاد الدفن ، فلنزرع الأرض بأجساد قتلانا .

يصمت ، يبكي ، أمي تمشي على استحياء من عطفها ، تتمتم :

- أخشى على ولدي و زوجته البتول .

تنظر إلى أسفل مرات و مرات ، لا شئ سوى الموت في الأسفل ، يصرخ أبي و قد غسل الدمع مقلتيه:

- لقد غدر بنا الشرق كما عاد و ثمود .

يهلل الفتى رابعنا :

- يا أهل السماء ، يا أهل الأرض ...

جنون يعتمر لحاف رأسه ، تهاويم تؤرقني أنا الذي لا زلت صامتاً حتى جنوني ، تلهبني رؤية طلابي موتى في وحل الأرض ، أرتعش حزناً ، لا أقدر على تصور المشهد ، بكائية مطولة تتهادى إلى مسامعنا في الأعالي قرب السماء ، يصرخ الفتى مرة أخرى :

- إذا السماء انشقت و أذنت لربها و حُقت .

مشهد يحتوي أربعتنا الآن ، نفكر بالقرار الأخير و تتهاوى في الذاكرة صور الأطفال الذين تركناهم في قيعان الأرض المباركة ، نهذي على ذاكرة للموت و أبي يشدو بلوثة جنونه الوارفة

- فلنكن جميعاً في قارب واحد .

تحدق أمي بوجهه ، كأنها تفهم ما يقصده ، تسأله :

- و من سيدفن أبناءنا في بسيطتنا الرحيبة .

تتابع :

- لن أموت حتى أراهم يغرقون في تراب الأرض .

تصمت ، تبكي ، تنتحب كعجوز أدركتها المائة الأخيرة من أعوام القحط ، تستمر في النحيب ، تولول ، تندب حظها من ذلك الزمن ، تخلع نعليها ، تمزق ملابسها و تغفو في حزنها ، أتقدم مسرعاً ، الهث حتى أدرك جسدها الشفاف ، أغطيها بدمعي . بقينا ثلاثة الآن ، لقد ماتت على أعتاب حزنها ، و أبي يصرخ بجنون :

- علينا أن نموت جميعاً .

أرتعش ، تؤرقني الفكرة ، هل سأموت ، أُطرق فكري " و كيف لي أن أقنع الفتى صديقي ؟ " لكنني قبل أن أنتهي من هذياني يأتيني صوته :

- فلنلقي بالجثة في الماء ثم نسقط كالذباب في حديقة الأرجوان .

أبتسم ، و أبي يبكي بحنق ، نغمض ذاكرتنا ، نتقيأ الماضي الأليم ، و نلقي بالأجساد في وحل الماء ، و أموت ، اندثر كما الزمن القديم ، هكذا أظن لأنني لا أعرف شيئاً بعد الآن .

 

 

 

أرشيـف الموقـع

 

 

يسري الغـول

عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين وعضو نادي القصة القصيرة في وزارة الثقافة الفلسطينية  مدرس لغة إنجليزية في أحد مدارس اللاجئين الفلسطينيين بغزة
العنوان / غزة معسكر الشاطئ 2- 5
الهاتف / 0097282837556
المحمول
/ 0097259498102

tamry2000@yahoo.com

 

 

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.