يعد الأستاذ محمد أسليم من أعز الأصدقاء ومن الأدباء الفاعلين في الساحة الثقافية
ببلادنا. وإذا كان اسمه قد اقترن بترجمة بعض الكتب التي أنجزها باحثون مغاربة أو
مستشرقون أمثال جلبير غرانغيوم، فإن لديه أبحاثا قيمة عن الأجناس الأدبية الكبرى
نشرها في كتابه «ذاكرة الأدب» الذي عالج فيه بإسهاب موقف الإسلام من الشعر، ومساهمة
الرواية في التحليل النفسي والإثنولوجي، وكذا الخلفية الأنثربولوجية للأشكال
الماقبل/مسرحية انطلاقا من التجربة المغربية.
وعلى خلاف الدراسات المتداولة عن هذه الأشكال - والتي تعالجها باعتبارها مجرد نقلات
تراثية يعمل المسرحيون على تفعيل قوالبها في كتابتهم الدرامية - فقد خلص الأستاذ
أسليم في دراسته إلى الاستنتاج التالي، وهو «أنها تقع في صلب ما يمكن تسميته
بإثنولوجيا المسرح». ولهذا حرص على تفكيك وظائفها النفسية والدينية والاجتماعية
والاقتصادية ومدى اندماجها في السياق الثقافي العام.
ومما لا شك فيه أن هذه المعالجة ترتبط بتخصصه في مجال علم النفس التحليلي
الإثنولوجي الذي دفعه إلى الاهتمام بأسرار الوجود والكشف عن خفاياه كما يتجلى ذلك
في رائعته «حديث الجثة» التي تدعونا من خلال محكيها إلى عقلنة «فعل الموت» انطلاقا
من تأمل ذاتي، ومن خلال رصد عميق لحالات إنسانية معيشة.
إضافة إلى هذا العمل، كتب محمد أسليـم ثلاثة نصوص سردية وهي على التوالي: «كتاب
الفقدان»، «سفر المأثورات»، «بالعنف تتجدد دماء الحب». وقد كشف فيها عن عوالم
إنسانية رحبة، كما أعلن فيها عن مواقف صريحة من الذات (ذات الكاتب)، والآخر، والحب،
والمرأة، وأخلاقيات المجتمع، وكذا مؤسساته التي تسعى إلى تدجين الفرد واستبلاده كما
تفعل مؤسسات الإشهار التي لا تخرج عن دائرة التحايل والابتزاز واللصوصية.
إن
مثل هذه الآراء وغيرها يحبل بها كتاب «بالعنف تتجدد دماء الحب». وهي رواية تقول ما
لا تستطيع قوله بعض الروايات. وهذا ما جعل محمد أسليم يخرج عن المألوف ليسرد علينا
أحلامه وأحزانه وأشواقه الدفينة، وإلا أبحَر بنا في مدارات عملية كما هو الشأن في
كتابيه «أبحاث في السحر» و«السحر من منظور إثنولوجي». وإذا كانت ترجمة هذين العملين
قد وضعتنا أمام معلومات فائضة وفريدة عن السحر باعتباره مجموعة من الممارسات الخفية
والشعائر التي يخترق الإنسان من خلالها قوانين الطبيعة، فإن عملية رصد مواصفاته لدى
الشعوب، وكذا تفسيراته العلمية لم يكن مجرد إسهام ثقافي عابر بالنسبة لمحمد أسليم،
وإنما هو حصيلة اهتمام كبير قاده، قبلا، إلى إعداد أطروحة جامعية في الموضوع لا
يمكن في اعتقادي أن يكون كتاب «هوامش في السحر» إلا فيضا من موادها المتجمعة أثناء
عملية التحري...
|