محمد شكـري

الحلقـة السادسـة:

الطاهر بن جلون أسدى إلي معروفا كبيرا.. وأعتقد أنه ندم علي ترجمته الخبز الحافي
حكاية الناشرين مثيرة.. إنهم مصاصو الدماء أو (العوالق) والمتعاونون معهم لا يقلون عنهم عولقة

حاوره:        يحيي بن الوليد  و الزبير بن بوشتي

يرسم شكري صورة جيدة عن علاقته بالاديب الفرنسي المعروف جان جينيه حيث يقول ان الحوارات التي كان يجريها معه كلها دارت حول الادب والكتب التي كان شكري يقرأها، ولم يكن جينيه يعرف من الكتاب العرب الا كاتب ياسين الذي قرأه بدافع صداقته له لا اعجابا بأعماله كما تشي عبارة شكري بذلك. والحديث عن جينيه قاد للحديث عن تجربة شكري في الكتابة المسرحية، حيث قدم عددا من التعليقات حول المسرح المغربي الذي يصفه بالمسرح العائلي. حينما ينتقل شكري للحديث عن الناشرين فانه لا يجد في قاموسه كلمة جميلة عنهم، ويعود هذا الي انه تعرض للاستغلال من الناشرين العرب والاجانب علي حد سواء. ويعترف شكري ان الاصدارات الخاصة التي اصدرها عادت عليه بعوائد مادية احسن من الاصدارات الاخري. ويرسم محمد شكري جانبا من علاقته مع مترجمه للفرنسية الكاتب المغربي المعروف الطاهر بنجلون. ويتحدث شكري عن علاقة بدأت دافئة وصارت باردة وانتهت بالقطيعة.
القدس العربي

مع جان جينيه

الزبير بن بوشتي: ما هي حكايتك مع جان جينيه عندما عرفته؟
محمد شكري: محادثاتي مع جينيه لم تكن تتعلق بطموحي الادبي وبكتاباتي أو بالبحث عن فرص النشر أو شيء من هذا القبيل بل كانت تتمحور حول الادب العالمي. كنت أثير معه حوارات حول الكتب التي قرأتها مترجمة من الروسية والفرنسية والاسبانية ولغات أخري الي العربية أو التي قرأتها في أصلها مثل الاسبانية والفرنسية. أذكر أني ذكرت لـه عندما كنت أقرأ الاحمر والاسود لستندال: إن حياتي تشبه نوعا ما حياة جوليان سوريل ـ بطل الرواية، خاصة في علاقته بأبيه ، فأجابني: عندما تكون تقرأ كتابا، حاول ألا تتقمص حياة شخوصه. إن حياتك ينبغي أن تظل مستقلة عما تقرأه لكي تظل حياتك حقيقية. القراء العاديون هم الذين يتقمصون ما يقرأون أما الكاتب الحقيقي فعليه أن يقرأ بوعي يجعله يحكم علي الشخوص بنوع من الحياد .
الزبير بن بوشتي: يعني هذا أن حديثكما كان حول هموم الكتابة وشغف القراءة.
محمد شكري: عندما عرفت جينيه لم تعد لديه هموم الكتابة التي كانت لي. آخر ما كتب هي مسرحية الحواجز Les paravants التي ينتقد فيها الاستعمار الفرنسي في الجزائر. فهو كان قد انتهي من هموم الكتابة وأنا كنت أبدؤها. (يضحك). كنت أبدأ من حيث انتهي هو. وطبعا كان متفهما حالتي لانه عاشها هو ايضا في بداياته. اذكر انه كان يفيدني في فهم بعض أشعار مالارميه، بودلير، فرانسوا فيون وغيرهم. ولا أتذكر أننا تحدثنا عن شاعر غير فرنسي. أحاديثنا كانت في معظمها أدبية وأحيانا عن التحولات الاجتماعية في طنجة بعد الاستقلال. وينبغي هنا أن أذكر أن جينيه ـ عندما عرفته ـ لم يكن يعرف شيئا عن الأدب العربي ما عدا كاتب ياسين الذي قال لي عنه: قرأت له لأنه كان صديقي . وعندما عاد إلي طنجة لاحظت اهتمامه ببعض الكتابات العربية. وهي كتابات في معظمها سياسية وفكرية، أتحدث عن سنة 1972.
الزبير بن بوشتي: يلاحظ في تجربتك الأدبية أنك كتبت نصوصا مسرحية، فهل يمكن القول أنك تعاطيت الكتابة المسرحية لتعقب خطوات جينيه في المسرح؟
محمد شكري: في حياتي الأدبية لا أقتدي بأحد. أستوعب أساليب متعددة ثم أصوغ أسلوبي الخاص بي. كتبت ثلاث مسرحيات للقراءة وليس لتمثيلها كما هي مكتوبة. الملاحظ هو أن النصوص المسرحية العربية ليست صالحة للقراءة ما عدا بعض نصوص توفيق الحكيم. الحديث في هذا الموضوع يطول ويحتاج إلي تحليل طويل.
الزبير بن بوشتي: هل قرأت مسرحيات جينيه قبل أن تعرفه؟
محمد شكري: قرأت كتب جينيه بعد أن عرفته. لم أكن أحسن القراءة بالفرنسية عندما عرفته، وكتبه لم تكن متوفرة حتي بالإسبانية لقراءتها. بعضها كان مترجما إلي الإسبانية لكنها كانت منتشرة في أمريكا اللاتينية وليس في إسبانيا فرانكو. كما تعذر علي العثور علي أحد كتبه مترجما إلي العربية البطيئة الانفتاح والنمو علي ترجمة مثل أدب جينيه. إن الفكر العربي متحجر هنا وهناك. فمن أجل أبيات شعرية موجودة في النشيد الثامن والعشرين في مسخرة كوميديا دانتي حرمنا من ترجمة كوميدياه في الوقت المناسب (لا أدخل هنا في التفاصيل)، ومن أجل جمل تصف محنة سجن سرفانتس في الجزائر حرمنا من ترجمة روايته دون كيخوتي في الوقت المناسب أيضا. لا فائدة من عد التفاصيل وذكرها هنا أيضا. إن تزمتنا الأخلاقي يشدنا بأيد ميتة إلي الخلف أكثر من اللازم. هذا قليل من كثير.
الزبير بن بوشتي: ثلاثة نصوص مسرحية كتبتها هي رصيد هام نسبيا مقارنة بما خلفه أدباء مغاربة ينشغلون بالشعر والرواية والقصة، فلماذا لم تستمر في الكتابة للمسرح إذن؟
محمد شكري: إن النصوص المسرحية لا تقرأ إلا للمشهورين، والمسرح السائد في المغرب هو مسرح عائلي: فمخرج المسرحية في الغالب هو نفسه المؤلف، والبطل الرئيسي، ومدير الفرقة وفرعون. أنا لا أنفي المجهودات التي يقوم بها بعض المسرحيين ذوي التقنية العالية مثل الطيب الصديقي، م محمد تيمد وتلقي عروضهم إقبالا كبيرا، ولكن نصوصهم إذا أتيحت لها فرص النشر فلا قيمة أدبية فيها. هناك نصوص تكتب للعرض وليس للقراءة. إن المسرح في المغرب ملكية خاصة يتحكم فيها مسرحيون معدودون علي رؤوس الاصابع ولا وقت لي لمنافستهم.
الزبير بن بوشتي: محمد، لنعد الي الخبز الحافي ، الذي بفضله دخل حياتك مترجم ثان وهو الطاهر بنجلون، ألازلت تتذكر هذا الاسم أو غيّبه نسيانك في زحمة المترجمين لأعمالك الذين جاءوا بعده؟
محمد شكري: أتذكره جيدا. لقد أسدي لي معروفا جميلا لا أنكره، لكن هذه حكاية لا أريد أن أرويها بكل تفاصيلها التي ترضي الفضوليين فقراء القراءة الادبية. أنا من شيمي هو أن أتجاوز ما يحدث بين أديب وأديب، ولا أترك فرصة للقراء العاديين لكي يتفرجوا علي مساجلاتنا وتشفينا. ربما اخطأ أحدنا في تسرع أحكامه وتقويمه، وكلانا يتحمل نتائج أحكامه. لكل شيء نتائجه، هكذا قالت مُني ـ طفلة مغربية في بون في العاشرة من عمرها من أب مغربي وأم ألمانية، وهذا كل شيء عن هذه الحكاية.
الزبير بن بوشتي: هل أنت راض عن الترجمة الاسبانية؟
محمد شكري: أبدا لا، لأن المترجم لم يستشرني في بعض الاسماء والمعاني: فمثلا يقول لي أبي: أسكت، أسكت لتأكل قلب أمك وترجمها المترجم الي الاسبانية: أسكت، أسكت ستأكل قلب أمك . فلو أنه راجعني قبل نشر هذه الترجمة لتمكن من تفادي هذا النوع من الاخطاء. مليكة امبارك الجديدي وكريمة حجّي اللتان ترجمتا زمن الاخطاء الي الاسبانية استشارتاني في بعض الكلمات فأصاب التصويب هدفه في الترجمة. وهذا ما لم يفعله عبد الله اجبيلو عندما ترجم الخبز الحافي رغم أني سأظل مدينا له بهذه الترجمة التي قدمها الي قراء الاسبانية.
الزبير بن بوشتي: بعد نجاح هذه الترجمة العاشقة - كما عبّر محمد بنيس ـ عن سيرتك الذاتية الي الفرنسية ـ هل حاول الطاهر بن جلون تكرار التجربة مع كتبك الاخري؟
محمد شكري: أنا أعتقد أنه قد ندم علي ترجمته الخبز الحافي الذي ترجم حتي الآن الي عشرين لغة فكيف يجرؤ علي ترجمة بعض كتبي الاخري!
الزبير بن بوشتي: لماذا يا سي محمد؟
محمد شكري: لأنه عندما صار لكتابي انتشار واسع ويترجم من الفرنسية أو مباشرة من العربية الي لغات أخري لم يعد يسأل عني. في بداية معرفتنا كنا نلتقي ونتعانق، مع المدة صرنا نتصافح برؤوس الاصابع ثم صار يلوح لي بيده من بعيد، وأخيرا كلانا صار يتحاشي رؤية الآخر. أنا شخصيا لم اختر هذه النهاية. للأسف...! الغيرة أقبلها لأنها شعور بشري عادي أما الحقد والحسد فلا أقبلهما، هكذا انتهت علاقتي به. ففي إحدي المناسبات الصحافية استفسره عن عنواني صحافي إيطالي كان يعتزم زيارة طنجة لإجراء مقابلة معي فقال له الطاهر بن جلون: لا أتوفر علي عنوانه، اذهب الي طنجة ولن تجد صعوبة كبيرة في العثور عليه. إنه دائم التسكع بين الحانات التي يتسول فيها كؤوسه . ولذلك فقد قررت أنا أيضا الخروج عن صمتي وإعادة الاعتبار لنفسي من خلال استجواباتي عندما يسألونني عن قيمة كتابته التي يتاجر بها. ورغم هذه النهاية المؤسفة فإني مازلت أعترف بجميله عندما ترجم الخبز الحافي . فلولا الترجمة الفرنسية الجيدة التي أنجزها لربما ظل الكتاب مغمورا.

عن الناشرين

الزبير بن بوشتي: أتذكر أنك دخلت ـ في بداية التسعينات ـ نزاعا قانونيا مع صاحب دار قدموس الامريكية، تري ما هي أسباب هذا النزاع؟
محمد شكري: لدي توقيعي العقد مع هذه الدار لنشر مذكراتي مع تينيسي وليامز، كنت أجهل قوانين النشر وحقوق المؤلف المتفق عليها دوليا. ولقد استثمر الناشر جهلي لصالحه. إنها حكاية مملة بالنسبة للقارئ العادي. وقضية الناشرين مع الكتاب هي قذرة في كل مكان وزمان. إني أتقزز من رواية كل شيء عن الناشرين، لكنني لا أستطيع تلافيهم في اللغات التي ترجمت إليها كتبي. إنني لا أستفيد من كل الترجمات ماديا. الاستفادة الوحيدة والاكيدة هي الكتب التي أنشرها في المغرب علي حسابي الخاص.
الزبير بن بوشتي: أعتقد أنك في تلك الفترة كنت توقع العقود مع الناشرين بحضور بولز.
محمد شكري: نعم. وكان هو أدري مني في توقيع تلك العقود كمترجم. والله أعلم ماذا كان يجري بينه وبين هؤلاء الناشرين... !
الزبير بن بوشتي: ألم يكن يقدم لك النصح؟
محمد شكري: إن لم يكن بولز هو العقل المدبر لهذا الاحتيال فربما كان متفقا معه.
الزبير بن بوشتي: هذا يجرنا للحديث عن حقوق المؤلف والملكية الفكرية في الوطن العربي والي انتهاك حقوق الكاتب والمبدع العربي عامة دون أن يجد من يحميه أو يدافع عنه.
محمد شكري: (مقاطعا) هل تعتقد أن النشر في الوطن العربي سليم من حيث انتهاك حقوقنا التي نتحدث عنها؟ إن الهيئة العامة للكتاب التابعة للمجلس الاعلي للثقافة في القاهرة نشرت مجموعتي القصصية مجنون الورد دون استشارتي، إنها قرصنة معيبة تأتي من هذه الهيئة الحكومية.
الزبير بن بوشتي: وهل بعثوا لك بالمستحقات، علي الاقل؟
محمد شكري: أبدا لم أستلم أي قرش، شخص مسؤول عن السلسلة وعدني بتسوية وضعية المستحقات ولكنه لم يف بوعده. لا داعي لذكر اسمه حفاظا علي كرامته، إن كانت له كرامة. ما ساءني هو أن إبرهيم أصلان كان متورطا في هذه القرصنة، هو المبدع الكبير. كما قلت من قبل إن حكاية الناشرين قذرة، وإنهم مصاصو الدماء أو (العوالق) كما يصح أن يقال عنهم، والمتعاونون معهم لا يقلون عنهم عولقة.
الزبير بن بوشتي: هل عرفت ترجمات الجزء الثاني لسيرتك الذاتية زمن الأخطاء نفس الاستقبال الجماهيري الذي حظي به الجزء الاول؟
محمد شكري: في توزيعه العربي ـ في المغرب وخارجه ـ بيع جيدا. في المشرق يوزع بعنوان الشطار . إنها حكاية أخري طويلة مملة. المهم أن الكتاب يباع جيدا. إنني مرتاح مع دار الساقي التي نشرته. دار نزيهة في دفع المستحقات. سلمت أيضا لهذه الدار الجزء الثالث وجوه من سيرتي الذاتية فنشرته. هناك أيضا دار الجمل التي تمتاز بجديتها.
الزبير بن بوشتي: هذا فيما يتعلق بالنسخة العربية لكن ماذا عن الترجمات؟
محمد شكري: لا أريد أن أدعي كثيرا، لكن كتبي تترجم جيدا إلي عدة لغات.
الزبير بن بوشتي: هل تتوازي اصداء الترجمات مقارنة مع الخبز الحافي؟
حمد شكري: الجواب عن هذا السؤال متعب نوعا ما. لقد بدأت أتثاءب في الجواب عن مثل هذه الاسئلة.
الزبير بن بوشتي: طيب، وماذا عن التلقي الادبي؟
محمد شكري: أدبيا هناك من يعتبر الخبز الحافي أجود من زمن الاخطاء لكنني أعتبر زمن الاخطاء أكثر نضجا فنيا ومحتوي، ولكل له ذائقته الادبية والنقدية.
الزبير بن بوشتي: ومادام لـ الخبز الحافي كل هذه الحظوة وهذه المكانة عند القراء في مختلف لغاتهم وثقافاتهم ومستوياتهم التعليمية والاكاديمية، وأيضا في مختلف تياراتهم الفكرية والسياسية، فلماذا تريد قتله ودفنه؟
محمد شكري: في اعتقادي أن الخبز الحافي ليست فيه قيمة أدبية أو تقنية متطورة مقارنة مع أعمالي الاخري التي كتبتها مثل السوق الداخلي و زمن الاخطاء ، وحتي بعض قصصي القصيرة مثل الخيمة ، لكن الخبز الحافي يستمد قوته من وثيقته الاجتماعية التي تؤرخ لمرحلة سياسية وطنية استعمارية تستلهم مواضيع معيشة بشكل مشترك بين مجتمعات العــــالم الثالث ومع ذلك ففيه بعض الجمالية والتقنية. ثــــم إن قراءته سهلة في متناول الجميع ، فأي شخص له قسط من التعلم يستطيع قراءته، لكن يصعب عليه ـ الي حد ما ـ مسايرة قراءة زمن الاخطاء أو وجوه بعمق. لكلا الجزئين تقنية متفاوتة في التركيب بالنسبة للقارئ العادي غير المتمرس علي قراءة الاعمال الروائية ذات المنحي التقني التجريبي الحديث.
الزبير بن بوشتي: وأنت تتحدث عن الكتابة كوثيقة اجتماعية والكتابة كتقنية وكجمالية، تبادر الي ذهني سؤال بسيط وبديهي في آن: ما هو دور الكتابة في رأيك ؟ هل هي تقنية وجمالية أساسا ؟ هل من الضروري أن نقنن الكتابة في منظومة من التقنيات لنحقق الكتابة الجيدة ؟
محمد شكري: أنا ضد الكتابة التي تخدم قضايا مرحلية كإلتزام سياسي أو اجتماعي محض، وتتناول بالمعالجة ظواهر تختفي بانتهاء المرحلة والظروف التي أوجدتها. من أجل هذا انتحر ياسنين وماياكوفسكي، وتضاءلت قيمة بعض ما كتبه غوركي. أن المواضيع التي كتب عنها بودلير أصبحت الآن شبه عادية ومتجاوزة، لكن اسلوبه هو الابقي. في المقابل هناك بعــــض الاعمال الروائية التي كتبت بطرق مغرقة في الالتزام السياسي مثل العقب الحديدية لجاك لندن. ويحــــكي أن نسخة منها وجدت فـــوق طــــاولة لينين الليلية يوم توفي. إنها مجــــرد تحية حارة للحزب الشيوعي والاشتراكي. لقد اصبحت هذه الرواية اليوم في طي النسيان بينما القصص والروايات الاخري التي كتبها عن ألاسكا ومغامريها من صيادي أعالي البحار ومعاناتهم، التي تجسد الصراع الازلي بين الانسان والطبيعة، مازالت تقرأ بشغف. لنأخذ مثلا وداعا للسلاح لهمنغواي التي تعتبر رواية فاشلة إذا قورنت ببعض أعماله الاخري: ثلوج كليمنجارو أو الشيخ والبحر أو غدا ستشرق الشمس أيضا . لم تسلم إلا روايته لمن تقرع الاجراس . إنها لازالت محتفظة بطراوتها وسخونتها. ثم هناك أعمال جيدة لأندري مالرو مثل الشرط الانساني و الامل رغم التزامهما النضالي والسياسي. و الحرب والسلم لتولستوي هي من الاعمال القليلة التي تحتفظ بها الذاكرة الانسانية.
الزبير بن بوشتي: المتعــــارف عليـــــه ـ في عالم النشر والكـــــتابة ـ أن لكل كاتب عالمي مترجمين دائمين فهل لمحمد شكري مترجمون متخصصون في أعماله؟
محمد شكري: الوحيد، حتي الآن، المتخصص في أعمالي بشكل عريض ويعشقها هو صديقي ومترجمي الي الفرنسية محمد الغلبزوري. لقد أرسلت إليه كتابي الاخير وجوه الذي قرأه وأعجب به ـ كما أخبرتني زوجته جولي ـ (توفيت مؤخرا رحمها الله) إنه لم يعد يجيب علي اتصالاتي الهاتفية إلا مجيبه: اتركوا كلمتكم. سيتصل بكم فيما بعد ولكنه لا يتصل فعزفت أنا أيضا علي الاستمرار في هذه الرغبة الودية فلم أعد أتصل. قد يكون له عذره. أجهل ما يدور في ذهنه.
الزبير بن بوشتي: وهل هناك مترجم آخر مختص في ترجمة أعمالك؟
محمد شكري: هناك من يترجم لي كتابا أو كتابين وليس كل كتبي.
الزبير بن بوشتي: الملاحظ أن لك انتشارا واسعا في ألمانيا، فمن يترجمك الي الالمانية ؟
محمد شكري: هناك أكثر من مترجم. جورج برونولد وصديقه كوخر أستاذ اللغة العربية ومختص في اللغات السامية في إحدي الجامعات السويسرية ترجما الخبز الحافي الي الالمانية. و زمن الاخطاء ترجمته كيليا وهي مترجمة موثوق بها باعتبارها ترجمت بعض أعمال نجيب محفوظ الي الالمانية. كما أن هناك مني نخار التي ترجمت السوق الداخلي الي الالمانية. أما تينسي وليامز وجان جينيه في طنجة فلا يحضرني اسم مترجمهما الي الالمانية. كما أن هناك سليمان توفيق من الاردن مقيم في ألمانيا يترجم بعض أعمالي الي الالمانية مثل كتابي بول بولز وعزلة طنجة .
الزبير بن بوشتي: من يختار المترجم أهو أنت أم وكيل أعمالك أم الناشر؟
محمد شكري: إنه وكيل أعمالي روبيرتو دي هولاندا المقيم في بون .
الزبير بن بوشتي: عندما كتبت كتابك عن بول بولز هل يعني أنك تخلصت في حياتك من اسمه ولعنة الكتاب؟
محمد شكري: نعم. لدرجة نسيت أني صاحب هذا الكتاب.
الزبير بن بوشتي: كما لم تتخلص من كتبك الاخري.
محمد شكري: مثلما تخلصت من عقدة الاب التي كانت تصاحبني وترجمني من جميع الجهات... وبكتابي عن بول بولز أكون قد قتلت الاب الثاني. كفي من قتل الآباء (يضحك بانتشاء).
الزبير بن بوشتي: ورغم أن دار النشر هذه (آيش بورن) لم تقدم علي نشر كتابك بول بولز وعزلة طنجة فإن أحد موظفيها المهمين ترك وصية في حقك قبل موته.
محمد شكري: نعم، لقد أخبرني وكيل أعمالي (روبيرتو دي هولاندا) أن الذي وقع علي التسبيق المادي، الذي توصلت به لكتابة الجزء الثالث من سيرتي الذاتي وجوه ، كان مدير الحسابات في الدار المذكورة. لقد وقّع علي التسبيق قبل أن ينتحر في اليوم التالي. شكرا له.
الزبير بن بوشتي: في حالة اطلاعك علي ترجمة أحد كتبك الي لغة أخري تلم بها مثل الاسبانية والفرنسية هل حدث أن أنجزت ترجمة لم ترقك وأوقفت صدورها ؟
محمد شكري: لم يحدث هذا قط.
الزبير بن بوشتي: أيعني هذا أنك جد واثق من مترجميك ؟
محمد شـــكري: لا أريد الدخول في التفاصيل. إن لكل مترجم اجتهاده. ووكيل أعمالي الذي يتقن عدة لغات هو الذي يتكفل بذلك. إنه مؤهل أكثر مني في الحكم علي بعض الترجمات. وفي كل ترجمة نادرا ما نصل الي ما نحبه في النص الاصلي.

 

القدس العربي (اللندنية)، يوم 05/02/2002
 

 

موارد نصيـة

محمد شكـري

(حــوار)

المحتــوى

الحلقة الأولـى: يزعحني التعامل معي كظاهرة أدبية تعلمت في سن متأخرة...

الحلقة الثانيـة: كنت أسرق كل ما يمكنه أن يملأ معدتي حتى لا أصير عبئا على أسرتي

الحلقة الثالثـة: أترك الدين لفقائه والسياسة لمناضليها... وانتمائي لهذا البلد يلزمني باحترام الإسلام

الحلقة الرابعـة: المدينة بالنسبة للبدوي صدمة حضارية، وستظل طنجة مدينتي الأثيرة...

الحلقة الخامسـة: بول بولز نبيل في إخلاصه للأدب أما سلوكه الأخلاقي والمادي فأمر آخر...

الحلقة السادسـة: الطاهر بنجلون أسدى إلي معروفا كبيرا... وأعتقد أنه ندم على ترجمته الخبز الحافي...

الحلقة السابعـة: أنا لم أذهب إلى الإسرائيليين وأطلب منهم ترجمة كتابي...

الحلقة الثامنـة: ينتابني شعور الخـوف... ليس من الموت، ولكن من الطريق المؤدي إليه

الحلقة التاسعـة: علال الفاسي كان رجلا منفتحا.. وسمو فكره منعه من مناقشة روايتي

الحلقة العاشـرة: أتمنى حرق مقتنياتي ورسائلي حتى لا يكون مصيرها أسواق الخردولات...

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.