الشمس
لا تشرق على
سيلوبي *
إنه اليوم
، ملك . بل
إمبراطور ! فقد
منحه الملك
سليمان خاتمه
، وأتى بتاجه
الذي يليق
بالسلاطين ، ووضعه
فوق رأسه .
شرب
في خيمته كأسه
الأولى من
العرق الذي
اشتراه من
سيلوبي .
تساءل في نفسه
(( ما قيمة
الذهب ، ما
قيمة اللؤلؤ ،
والمرجان
حينما لا نصرفها
في سبيل حسناء ! ))
انطلق
نداء من مكبر
الصوت في غرفة
مسؤول منظمة
الأمم
المتحدة في
المعسكر :
ـ
سيتم في
الساعة
الرابعة من هذا
اليوم توزيع
الأرزاق ،
وعلى
المختارين
الحضور في الساعة
المذكورة
لاستلام
حصصهم .
منذ
خمس سنوات ،
هي عمره في
هذا المكان
المنسي على
الخرائط ،
يسمع هذا
النداء :
..استلام
الحصص ، والتي
تساوي كيلو من
البطاطا ،
ثلاث بيضات ،
كيلو من السكر
، كيلوين من
الرز ، علبة
معجون طماطة ،
علبة معكرونة
، حصيلة كل
لاجئ في كل
عشرة أيام
.أربعمائة وست
مرة ، وهو
يتناول هذه
القائمة التي
لا تتبدل من
الطعام .
أطل صديقه
الأثوري
شليمون الذي
يقاسمه
الخيمة :
ـ
ها
رمزي بك
أما
زلت تشرب هذا
الزقنبوت ؟
ـ
اخرس ! أنت
الآن في حضرة
الملك سليمان
، ملك الإنس ،
والجان .
ـ
حاضر يا مولاي
.. هل تريد رزقك
من البطاطا ،
والبصل ،
والذي منه ؟
ـ
أحضرها لي يا
عبد قبل أن
أمر السياف
بقطع رقبتك .
ابتسم
شليمون بسخرية
، وذهب فهو
متعود على
صاحبه الذي
يتسلطن بين
حين وأخر
بالعرق الذي
يدخله سراً
إلى المعسكر .
(( الدنيا
سيكارة وكاس )) .
لكن مطرب
الملوك و الأمراء
عبد الوهاب
نسي أهم شيء
لإكمال
الثالوث الدنيوي
، وخاصة لمن
هو مثله يعاني
في كل دقائق
حياته من
الوحدة
والعزلة من (
الجسد الجميل ) . اجل
هكذا يكتمل
الثالوث
الدنيوي (
الدنيا : سيكارة
وكاس وجسد
ريان )
الجسد
النسائي كان
يقض مضجعه .له
باع طويل في الظمأ
الذي لا ينتهي
إلى هذا
المخلوق
الرباني
الجميل .
وجوده كلاجئ
في مثل هذا
الجحر الذي يسمى
معسكر سيلوبي
للاجئين منذ خمس
سنوات
، زاد من في
استفحال ظمئه
التاريخي ،
الخرافي
للجسد
الأنثوي .
كان
قد استعد
لانتقام رهيب
من كل نساء الإفرنج
حالما تطأ
قدماه أوربا
بعد انتظار
ممض في هذه
الأرض
الملعونة
ظلاً ،
,سماءاً ،
وبشرا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*- سيلوبي : معسكر
للاجئين
العراقيين في
تركيا ، يبعد
شكراً يا
الهي . لكم
فعلت حسناً
حينما لم تحتفظ
بأمنا حواء في
فردوسك ،
وقذفت
بوالدنا المصون
آدم معها إلى
أرضك الواسعة
، كي يبحث منذ ذلك
التاريخ عنها
حتى يعود
السيف إلى غمده.
في
الكأس الثانية
ابتسم ضاحكاً
، وهو يتذكر
سعدية العاهرة
التي التقطها
مع أحد زملائه
، بعد أن نزلت من
سيارة كانت
تمارس فيها ما
هو متاح سراً
، وممنوع
علناً في
شوارع بغداد .
أخذاها ،
وكأنهما عثرا
على كنز ثمين
لم ينظر إلى
وجهها . يكفي أن
يكون جسدها
مكتنزا ، و
ردفها عريضاً .
في
البيت
تبادلوا
الكؤوس ،
وكانت المرأة
ثملة . ألح
صديقه أن يدخل
بها أولاً .
ورغم أن رمزي
كان يود أن
يكون أول من
يحتويها تحته
، إلا أن صديقه
ألح أن يكون
له هذا الشرف .
وافق على مضض
، وهو يلعن
سلالته من عهد
أبينا آدم وحتى
جده الحاج صحن
. بعد قليل
ارتفع صوته ،
وهو يستنجد به
، فهرع إلى
الغرفة ليستكشف
السبب .. فرأى
سعدية عارية
فوق صديقه ،
وهي تتقيأ على
وجهه ، ورقبته
، ورأسه
بينما هو
يستغيث تحت
جسدها البدين .
ضغط
على زر مسجله
العتيق ،
فانطلق منه
صوت أبو يعقوب :
دمروني
ها النصارى
مرروني
ها النصارى
أطل من
خيمته على
الخارج . كان
الجحيم لا
يزال قائماً .
نار محرقة .لم
ير حتى طيراً
شريداً سواء
في السماء أو
على الأرض .
رأى ( الثلاثي
المرح ) الذين
يذهبون
دائماً معاً
للصلاة . يصلون
معاً
لكن الواحد
منهم ما أن
يجد الفرصة
حتى يتحدث عن
زميله بأشنع
الصفات
والتهم .
كانوا يسرعون
الخطى نحو
الجامع .ألقوا
عليه تحية
خرجت من
أفواههم عنوة.
شتمهم في
داخله ، وشتم
تحيتهم التي
لا لون ، ولا طعم
لها . آه لو
يتخلص من كل
هذا الهدوء
القاتل ،
المدفون في
قيظ كافر
.توجه بعينيه
صوب جبال
الوطن التي تبعد
((
كان من
المفروض أن لا
نكون هنا .. أن
نكون في بيوتنا
. نسكر ، ونعزف
أفراحنا على
كل الآلات .. أن
نبعث رسائل الحب
إلى بنات
الجيران . أن
نذهب إلى
بستان الورد
،ونقطف لمن
نحب باقات من
النرجس
،والرياحين .
أن نردد
كل صباح في
المدرسة
أنشودة (موطني
..موطني) ذلك
الوطن الذي
يقبع مثخناً
بالجراح خلف هذه
التلال .
أزالت
العواصف ،
والزوابع
التي هبت جبال
الرمل التي
أقمناها ذرت
مثل الرماد كل
براءتنا ،
ولوعتنا
..أيها الوطن
القريب البعيد
.. نحملك معنا ،
ونحمل
أشواقنا إلى
المنفى الذي
لم يعد لنا من
خلاص إلا فيه))
ولكن
أين هو ذلك
المنفى الذي
يقبله ؟ خمس
سنوات ،وهو
هنا يجرع
الوحدة تحت شمس
محرقة ، وتحت
رعود ،وأمطار
،وبروق منذ سنوات
تحت خيمة ليس
فيها إلا
مذياع يحمل
إليه صوت
الوطن الذي
يحاول أن
ينساه .
كرع
كأسه الأخيرة
، وانطلق في
الحر اللافح
يتجول بين
الخيام لا
يلوي على شيء .لفت انتباهه
انسياب مياه من تحت
الخيمة التي
يقيم فيها تلك
المرأة
الريانة التي تدعى
(بيان ) التي
حضرت إلى
المخيم قبل
شهر . وأصبحت
محط أنظار
أصحاب العيون
، والقلوب
المحرومة
. . وقف
هنيهة
متردداً .بكل
الحرمان
المتأجج في
أعماقه ، ألقى
من زاوية
الخيمة نظرة
إلى داخلها .
أصابه مليون
رعد في قلبه
،وأحشائه
،ورئتيه .
كانت
( بيان ) عارية
تستحم داخل
خيمتها ،
مستفيدة خلو
المعسكر من
البشر في هذه
الساعات بسبب الحر
اللافح ،
والقيظ
الكافر .جسدها
البض الجميل
كان أمامه ،
كما خلقه رب
العباد . لم ير
رديفاً لهذا
البياض في امرأة
أخرى . لا في
بدرية التي
ضحى بخلخال
أمه في سبيلها
، ولا في
( وحيدة ) التي
وطأها في أحد
فنادق بغداد ،
و لا في (
شهربان )
الإيرانية التي
عرفها ،وعاش
يكرع كؤوس
اللذة في
طهران معها
التي عاش فيها
عدة سنوات . . لم
يكن لأجسادهن
مثل هذا
البياض
الناعم
الملمس .. كانت
حلمتا نهديها
ورديتان ،
وكأنهما لم
تمسا من فم
مخلوق بعد .
وكانت الغابة
التي بين فخذيها
تضم أجمل
دهليز يمكن أن
يحتوي جوعه
الشرس ..أما
ردفها الذي
طالما تخيله ،
وهو يتأرجح
داخل بنطالها
، فقد كان
أمامه يبدو في
تموجاته ،
وانحداراته
أكثر إثارة
مما كان يتخيله
في صحوه
ومنامه .. إنه
الملك سليمان
، , وهي ( شمسية )
الحسناء التي
فتن بها ملك
كل ما هب ودبّ
على الأرض ،
والتي من أجل
إرضائها بنى
لها استانبول
ليخفف من
شوقها إلى وطنها
الكائن وسط
البحر . إنها
باختصار كل
النساء زليخة
، بدرية ،
شهربان ن
عواطف ، آمال
، سميرة ! .... ود
أن يخر أمام
هذا الجسد
الأنثوي
الجميل الباهر
في كل تكويناته
. كم
تمنى لو كان
الذي أمامه جسد
سهل المنال
مثل جسد بدرية ...
تذكر
الخلخال الذي
سرقه من أمه ،
و أعطاه
لجارتهم ـ
بدرية ـ
اللعوب
ليمتلكها بكل
ظمئه
العشريني ،
ويجول في
أعماقها
الندية التي
داهمته مرارا
في الحلم
واليقظة . وهو
يطعنها ، أحس
إنما يطعن كل
أيام حرمانه ،
وينتقم منها .
ظلت أمه طوال
عمرها تبحث عن
الخلخال على أمل
العثور عليه
،وتقول أنه من
زمن السلطان
العثماني
رشاد .
صبر
على أرقها في
الليالي ،
وتحمل حزنها
،وذهابها إلى
السحرة
لمعرفة
السارق . تلك
الساعات كانت
عصيبة
بالنسبة له .
لكنه عارض
الأديان ، وارتكب
الخطيئة
بالقلب ،
والفم ، واليد
. شرب خمور
اللذة فوق
صدرها الذي
كان أول صدر
حرام يأويه
،ليحتوي عواء
الرغبة
الجامحة التي
كانت تجتاح كل
كيانه .
حمد
الله لأن
الساحر ،
وعالم الغيب
لم يكتشف سرقته
. يتذكر عندما
استلمت بدرية
،الخلخال منه
، لبسته أمامه
.. ومشت أمامه
متمخطرة ،
عارية عدة
خطوات ،
لتسمعه رنينه
الأخاذ . كان
الرنين
كافياً
لإشعال
الحرائق في
شرايينه . ومع
كل نظرة من
نظراته التي
تتقطر جوعاً
إلى اللحم
النسائي ،
البض ، الناعم
، كانت تطلق
ضحكة عاهرة في
وجهه ، والتي
كانت بمثابة
بنزين يسكب
فوق حريق هائل . حريقه
هو ، فيزداد
اشتعالا و
احتراقا.
جسدها .
لكن أين
جسد بدرية من
هذا الجسد
الخرافي ، العاري
أمامه ؟
حار في ما
يفعله هل
يقتحم عليها
الخيمة ،
ويقدم فروض
الولاء
والطاعة
لجسدها الشهي
و يغرقه بالشم
والتقبيل ثم
يلج فيه بكل
الحرمان الذي
يلف وجوده حتى
أبعد نقطة في
أعماقها كي يسكت
عواء الوحش
المتربع في
جسده المسعور
منذ سنوات ...
لكن قدميه
خذلتاه . أراد
أن يطلق حرمانه
القابع في
ذاته بصرخة
وحشية قد لا
تعبر عن شيء
لكنها قد تحمل
احتجاجه على أدميته
المحجوزة في
المحرمات . لحظات
قصيرة كانت
كوميض البرق .
وجد نفسه
عاجزاً حتى عن
الصراخ . تجمد
لسانه في فمه .
ولم
يعد
بإمكانه
أمام الجسد
العاري
المبهر، أن
يهمس بتلك
الكلمات
الجميلة التي
تعود أن يهمس
بها حينما كان
يداعب جسدها
البض في خياله .
عاد
إلى خيمته . بل
وجد نفسه في
داخل الخيمة ،
دون أن يتذكر
كيف عاد إليها
.لم يكن في
ذهنه سوى جسد
امرأة عارية
أمامه . امرأة
حية ، نابضة
بالشهوة ، بعد
خمس سنوات من
الحرمان ،
والإقامة في هذا
المخيم
اللعين ،
يراها أمام
عينيه.وهو عاجز
من الوصول
إليه . امتد
على فراشه
القذر وفي داخله
صاعقة رهيبة .
ماذا
شرب القلب في
حضور ذاك
الجسد البض ،
والصدر
الناهد
،والردف
الصقيل حتى
يعود هو الآخر
ثملاً ؟
دخل
عليه شليمون
،وهو يحمل كيس
المؤن من بصل
،وبطاطه ،ورز .
ـ
تفضل مولانا
..الأرزاق .
ـ ……
ـ
الحمد لله
انتهى
التوزيع ..
لعنهم الله
ألم يجدوا
وقتاً آخر
للتوزيع ؟
ـ …..
ـ ها ..
عائلة ( أبو
داني ) ستسافر
إلى هولندا
..يكادون
يطيرون من
الفرح .كما
سيذيعون
أسماء المسافرين إلى
استراليا
..تصور أن
الحقير (
إحسان ) بينهم
، ولم يمر
عليه أسبوعان
! حظوظ . بينما
نحن مكانك سر
.نمارس
الانتظار
اللامجدي منذ
سنوات ..
ـ …..
ـ الحقير
إحسان
المتصابي رغم
شيخوخته ، حينما
سمع بأنه
سيسافر إلى
استراليا ،
ذهب إلى سوق
سيلوبي
،واشترى
صبغاً للشعر
..القواد يريد
أن يذهب هناك
شاباً .!
ـ …..
ـ ماذا
بك ؟ ..لماذا لا
تتكلم ؟
انهملت
الدموع من
عيني رمزي
.كان يبكي ذلك
الجسد
الجميل
الذي لن يصل
إليه أبداً .
الجسد الجميل
الكفيل
باستقبال كل
حرمانه ،وعطشه .
ـ هل
ماتت أمك ؟
ـ …..
ـ
أكيد أنها
ماتت وإلا لم
كل هذه الدموع
؟ فقد قلت قبل
فترة أنها
مريضة .
هز رمزي
رأسه
بالإيجاب ،
معتقداً أنه
سيكف عن السؤال
،ويتركه
لحاله ، بعد
أن أحس أن
لسانه يخذله ،
وهو لا يستطيع
الجواب .ليعود
إلى ذاته المترعة ببضاضة
الجسد الرهيب
، وتلافيف
وانحناءات ردفيه .
لم يمض
ألا قليل من
الوقت على
مغادرة
شليمون للخيمة
.حتى فوجئ
رمزي بتوافد
اللاجئين
الذين أتوا للخيمة
معزين .
ـ
إنا لله وإنا
إليه راجعون .
ـ مسكين .
لقد أذهلته
المفاجأة ..
ـ أية
حياة هذه ..! ألا
يكفينا ما نحن
فيه من عذاب
وهوان حتى
يصدم الواحد
منا بموت
أحبائه !
ـ هذا
قدرنا .. فقدان
الأم أكبر
المصائب ..
ـ رمزي ..
رمزي البقية
بحياتك عيني ..
ـ
البقية
بحياتك ..هاي
حال الدنيا ..
انشل
لسانه ،ويحول
إلى قطعة لحم
لا حول فيه
ولا قوة . ظل
ينظر بعيون
جاحظة للجميع .
ـ لقد
فقد القدرة
على النطق ..!
ـ حطمته
المفاجأة ..
دخل
مسؤول
المعسكر إلى
الخيمة
،وتأمل رمزي بإشفاق
.قال أحدهم :
ـ لقد
فقد القدرة
على النطق بعد
أن بلغه نبأ وفاة
أمه .
هز
المسؤول رأسه :
ـ قد
يكون ذلك
عرضياً بسبب
الصدمة ..
سنرسله إلى
مستشفى ديار بكر
.. ولكن قل لي يا رمزي
من الذي أبلغك
بالنبأ
المشؤوم ؟
كان
الجسد العاري
يتطاير أمامه
.الصدر لوحده ،
الردف لوحده ،
الساقان
لوحدهما
يحاصران فكره
، وأعماقه
وبئر الحرمان
الذي في داخله .
التفت
مسؤول
المعسكر (
اردوغان ) إلى
حوله :
ـ من
أبلغه منكم
بالنبأ
المشؤوم ؟
خيم
الصمت ،
والوجوم على
الجميع .
ـ رمزي
من أبلغك بهذا
النبأ ؟
كان رمزي صامتاً كصنم بوذي . . بدأ مؤذن الجامع ( جنكيز ) بتلاوة آيات من الذكر الحكيم بخشوع ،بعد أن أحاط جميع الجالسين برمزي ،ناظرين إليه بعيون يطل من جميعها الإشفاق عليه لمصابه الجلل .