حصان
الغجر العجوز
كانت
العيون شاخصة
نحو الحصان
الذي كان يقف
وسط الدار
.بالقرب منه
كانت عدة
دجاجات تنبش
الأرض .
مسح
الرجل العجوز
على شاربه
بحزن وأسى ثم
نظر إلى زوجته
التي امتلأت
عيناها
بالدموع .لقد
التهم العوز
الذي يرافقه
كظله
منذ الحصار
كل ما يملك .
ـ ماء ..أريد
ماءا .
صرخت
الصغيرة التي
تنهشها الحمى
.هرعت المرأة إليها .
أشعل
العجوز
سيكارته بيد
مرتعشة ثم سعل
عدة مرات وبصق
على الأرض
.قام من مكانه
واقترب من الحصان
.مسح بيده عدة
مرات على شعره
المتدلي . قال
العجوز في
نفسه " تعودت
حتى على
رائحتك .شيء
صعب أن لا ألقاك
غدا ..أنت واحد
من هذا البيت
.لقد ربيتك
،أطعمتك
،أحببتك
وأحببتني .." .
أخذ الحصان
بدوره يشم يد
صاحبه .
طرق
الباب .هرع
الابن وفتح
الباب.كان
الطارق هو
حلاق القرية .
أهلا . قال
العجوز .قاد
الضيف وجلس
قرب الباب .
ـ لم
يبق على غياب
الشمس إلا
ثلاث ساعات .
لم
يتكلم
العجوز.لم
يتكلم الضيف
،لم يتكلم الابن
. كانت المرأة
في الداخل
،وكان الصمت
يملأ البيت .
ـ كيف
حال الصغيرة ؟
لا تزال
كما هي .
هز
الحلاق رأسه
ثم اخذ ينبش
بعصا نحيفة
الأرض. سال من
جديد :
ـ متى
ستأخذ الحصان إلى
المدينة ؟
ـ غدا .
قال
العجوز .ولوا
نظر إلى عيني
العجوز لرأى
فيها دمعة
جديدة على وشك
الانهمال .
قال الحلاق :
ـ على
كل حال الحصان
بدأ يهرم
ويشيخ .
هز
العجوز رأسه بإصرار .
ـ لا ..لا
انه لا يزال
قويا .
خرجت
المرأة من
الداخل ورحبت
بالحلاق ثم
أقبلت ابنتها
وفي يدها
طاستين
مملؤتين
باللبن .
بجرعة واحدة
شرب الحلاق
نصف الطاسة .
ـ لماذا
لا ترجعين إلى
بيتك يا سعدية
؟
ردت
الفتاة وهي
تفرش حصيرة
لها ولأمها
قرب الباب :
ـ لن
أرجع إلا إذا
أتى هو وطلبني
من أبي .
صمت
الحلاق ,بانت أسنانه
الصفراء
،وكانت عدة أسنان
تنقصه :
ـ لقد رأيت
حمد ..وكان
يتكلم عنك
بشوق .
صعد
الدم إلى
وجنتيها .أطربها
أن يتحدث عنها
زوجها بشوق .
كم تمنت
لحظتها أن
يقول لها "
تعالي لا طعم
للحياة بدونك . تعالي
إلى فراشي
الذي أصبحت
فيه وحدي .." ثم
يلفها
بذراعيه
القويتين
،وينظر إلى
عينيها برغبة .
ـ اعتقد
انه سيأتي مع
والده ليأخذك.
طوال
هذه اللحظات
كانت المراة
تنظر إلى
العجوز الذي
هده التأثر.
ـ ألا
تأتي إلى
المقهى ؟
ـ كلا
رد
العجوز بهزة
من رأسه . قام
الحلاق ثم ربت
على كتف
العجوز عدة
مرات وخرج .
سقطت
الظلمة على
القرية .
الصغيرة تئن .الابن
يجلس قرب رأسها
. سعدية تأخذ
الأطباق إلى أمها
.البخار بدأ
يتصاعد من قدر
البرغل . بعد
لحظات وضعت
الأطباق في
صينية كبيرة
وضعتها في
الوسط حيث
تحلقوا حولها
. اختلطت رائحة
البرغل الدهين
والبصل
،وامتلأت
الغرفة بهما.
رفع
العجوز رأسه إلى
زوجته وقال:
ـ ربما
تأكل الصغيرة
.اسأليها .
قامت
المرأة إليها
.هزتها برفق.
ـ فاطمة
..يا فاطمة هيا ،
لتأكلي قليلا
من الطعام .
ـ لا ..لا
اشتهي يا أمي .أريد
ماء
قبلتها
المرأة من
جبينها ودمعت
عيناها .
كانت
سعدية ، قلقة
متى يأتون إليها؟.
. إنها لم تضجر
من أبويها
،ولكن لبيتها
طعم آخر . أصبح
لها شهر تنام
دون أن يطوقها
ذراعا حمد
القويتين،
ودون أن تحس أنفاسه
اللافحة
بالشهوة .لو يأتي
حمد الليلة
.لو انه يصم أذنيه
عن كلام أمه .
ستتحمل هي
قساوة أمه من
أجله فقط .إنها
ليسن عاقر
.لا تزال
صغيرة .
تستطيع أن
تهبه طفلا تستطيع ..
لم يكن
احد منهم يملك
ما يقوله
للأخر . امتد
العجوز في فراشه
.لم يغمض
عينيه .مر كل
شيء أمام
عينيه .سبع
سنوات من عمره
مرت من أمام
عينيه في لحظة
.الحصان كان
مهرا صغيرا ،أتى
إلى القرية مع
غجري قذر
الملبس في يده
اليمنى تمسك
بمهر والأخرى
بربابة.كان
المهر قويا
وجميلا . قال
العجوز :
أشتريه منك
.رد الغجري
:بكم ؟ قال
العجوز وهو
يضحك (لم يكن
يومها قد سقطت
من أسنانه إلا
واحدة ،وبياض
شعره كان اقل)
لا أملك نقودا
.
ضحك
الغجري
والفتاة ذات
السنتين
الذهبيتين وقالت :
ـ لقد
أتينا إلى
قرية شحاذة .
لا .قال
الغجري لا
تخافي فهنا
يوجد المختار
والسيد و..
قال
العجوز وهو
ينظر إلى المهر :
ـ أمنحك
أربع دجاجات
ومعزة.
ها ها
.ضحك الغجري
وقال :
ـ خذه إذن .
وأصبح
المهر
له.اعتنى به
كابنه .أحبه
كثيرا.كان
قويا وفتيا
،يحرث الأرض
له،يحمل الماء
إلى البيت
ويذهب به إلى
المدينة .
ويوم دخلوا
بيته ليسرقوه
،يتذكر كيف
صهل الحصان
بقوة
وغضب،هربوا.حماه
حصانه الجميل
،ابنه الذي
يربت كل صباح
على رقبته .
مرت
السنوات
السبع معه في
مودة .شاب هو
لكن الحصان لا
يزال قويا
.ورغم ذلك سيأخذه
إلى المدينة
بيديه ليبيعه
كي يداوي
الصغيرة.ثمن المعالجة
حصان .حصان
يحمل رائحته
وسبع سنوات من
عمره. من
سيشتريه؟ هل
سيحبونه مثله
؟هل سيحبهم
مثلما يحبه
؟.هذا الحصان
الجميل المطيع
،ربما سيشيخ
بعد سنوات
،وسيقتلونه
بطلقة .يطلقون
طلقة على
حصانه وسبع
سنوات من عمره
لأنه أصبح
ثقيل الحركة .
سعلت
المراة ثم التفتت
ناحية
العجوز.لا
تزال تتذكر
اليوم الذي
دخل الحصان
فيه هذا البيت
مهرا .يومها
صرخن في وجه
زوجها :
ـ تبيع
أربع دجاجات
ومعزة من أجل
مهر ؟
يومها
ضحك العجوز
قائلا :
ـ أجل
،وسيبقى لنا
خمس دجاجات
ومهر سيصبح
حصانا .
لم تحس
به فرحا كما
في ذلك اليوم
.امتطاها العجوز
بنشاط وقوة
.لم تحس به
ممتعا ومبهجا
مثل تلك
الليلة.حينما
كان الحصان
مهرا ،كانت
سعدية في الخامسة
عشرة ومحمود
في الثالثة
عشرة.وكانت هي
أصغر من ألان
بسبع
سنوات.بسبب
الصغيرة سيبيعون
الحصان لأنهم
لا يستطيعون
بيع البقرة فهي
بالنسبة لهم
كل شيء وكذلك
الحصان ،لكن
الحصان رغم
ذلك يظل هو
القابل للبيع
. في يوم قال لها
" احبك مثل
حصاني الجميل
.أنت حصاني الرائع
.لم يعجبها
كلامه .فقال
،أوه يا
امرأتي العزيزة
لا تغضبي
:حصاني هو
أغلى ما
عندي،كل جسمه
يحمل بصماتي
:هذه القوة
فيه ،هذه
الحيوية في
دمائه من يدي أنا
،من اهتمامي
به أنا .أحس
أنه مني .أنه
نحن .انه
سنواتنا.."
يومها
حسدت الحصان
.كل هذا الحب
لو كان لها هي .لها
فقط ،لشعرت
بسعادة مطلقة
.لكن هناك شيء
أخر في دم
وقلب زوجها
،هو
الحصان.تمنت
لو يكن الحصان
موجودا .لو
انه قال لها
وحدها كل هذه
الكلمات
الجميلة !
تنهدت
سعدية في
فراشها .لم
تكن قد نامت
بعد.الحصان هو
الذي حمل
متاعها إلى
بيت الزوجية
.كان ينطلق في
الطريق مسرعا .كان
فرحا مثلها
.كانت
الزغاريد
تملأ الطريق المؤدي
إلى البيت
.الكل كان
مبتهجا
،والحصان
يمشي وحمد يختال
بين زملائه
ضاحكا .
وتحققت أمنية
العمر.كانت
حينما تزور أبويها
،تنظر إلى الحصان
وتتذكره ثم
تهمس في أذنه
وكأنه يفهمها
"شكرا يا حصان
الفرح " .بكت
.لم يعد حمد .لكنه
حتما سيعود .إنها
تستطيع أن
تمنحه طفلا.
****
في
الطريق ،لم
يكن الحصان
فرحا ،يمشي
كعادته بحيوية.كأنه
كان يدرك ويحس
بالعجوز.كان
كل منهما يفهم
الآخر.بدا
الحصان وكأنه
يشم رائحة
القرية التي
شب فيها .
في سوق
القرية ،كانا
وحيدين
وصامتين.
وضعوا
في يده النقود
،وأعطاهم
الحصان. صهل
الحصان بحزن
.نظر إليه
العجوز " من
أجل أن تشفى
الصغيرة يا
ولدي ، يا حصاني
الجميل " .
مشى
العجوز .صهل
الحصان عدة
مرات يناديه !