ميلاد
الولد الأسود
إلى
القاص المبدع
جليل القيسي
اعتزازا
بتواصل
إبداعه في ـ كركوك
ـ العزيزة .
اخذ
والدا الولد
الأسود
يعيشان حياة
منعزلة عن
الحي .كانا
يفرحان
وحدهما
،ويبكيان
وحدهما . كل
منهما كان
يهنئ الآخر في
العيد
،ويتمنى آن
تعود ثقة آهل
الحي بهما .
وكان الولد
الأسود يكبر
.مرت عشر
سنوات ،كبر
الولد الأسود
عشر سنوات
،وشاخت أمه
عشر سنوات
،ومات والده
.وكانت على
أمه أن تتعود
الحياة وحدها
،فابنها ليس
كأبيه يجيد
النكات والبكاء
وسماع أخبار
العالم من
الراديو .لأنه
لا يزال
صغيراً .
هنا
أتوقف عن
الحديث واترك
المجال للولد
الأسود كي
يتمم الحكاية:
اعتقد
لا يهمكم أن
تعرفوا عمري
،ولا يهمكم أن
تعرفوا
من أين أبدا .
حسنا لأبدا من
اليوم الذي
سمعت فيه من
الحي بأنني
الأسود
الوحيد في
عائلتي .في
ذلك اليوم
هجمت على أمي
..ألقيتها على
الأرض بقسوة :
تكلمي هل أنا
ابن أبي ؟
صرخت
في وجهي .. تفو
عليك أيها
الأحمق . هل
تصدقهم ..هل
تصدق أن حسان
ليس أباك ؟ لا
..وحق كل
الأئمة
والأنبياء
أنت من صلبه
.بكيت على صدرها
. صرت من الحزن
نهرا محبوسا
.لماذا إذن أنا
اسود كالفحم
؟. قالت : حلمت
بهذا يا ولدي
حينما كنت
حاملا بك . ولي
صالح قال لي
ذلك في الحلم .
ونذرت النذور
كي تكون جميلا
كالنبي يوسف
وشجاعا
كعنترة .
في
كل مساء ،كنت
اسمع صوت
تراتيل وذكر
.أقول يا أمي
من الذي يتذكر
؟ تقول إنه
الشيخ عابد .
كان هذا أول
مرة أسأل عنه
؟ اسمعه كثيرا
، ورغم إني لم
أره..إلا أن الفضول
لم يدفعني
للسؤال عنه
إلا اليوم.في
المدرسة قالت
عليه : تعال
معي إلى البيت
.. قلت :وماذا
نفعل هناك ؟
قالت : نقرا الدروس
ونتحدث ونأكل
حلوى كثيرة
.لم أكن أود
الذهاب إلا أن
كلمة الحلوى
وحدها
،جعلتني أقرر
الذهاب معها .
ثم قالت بهمس:
هل ستأتي ؟
اجل .قلت .وقرصتني
من فخذي فصرخت
:آي..فالتفت
معلم العربية
وقال :من
هذا الكلب
؟في الطريق
قالت عليه
:أختي الكبيرة
تدخن وتحفظ
أغاني( عبدا
لحليم ).كانت
الأشجار في
الطريق تضحك
لنا والبنايات
تبدو صلعاء
مثل راس معلم
اللغة العربية
،وشرطي
المرور
يتثاءب وفي
داخله يشتم السيارات
(أللعنة
توقفوا لحظة
كي أنام قليلا
،لي الحق في
هذا)
فتحت
الباب
،ودخلنا .لم
يكن هناك أحد
.جلسنا ..أحضرت
الحلوى.أكلت
بنهم.كنت
محروما ووجود
الحلوى ألان
فرصة ذهبية كي
املأ بها
معدتي .لا
تأكل كلها
.قالت :(ستزعل
أمي).وقفت
أمام المرأة
.وقالت:(هل أنا
حلوة ؟).(لا
اعرف) ،قلت
.قالت
(نعم.هكذا
يقول غني
لأختي الكبيرة)
.قلت )
ومن هو غني؟)
قالت (إنه
صديق أختي(
قلت
:(إذن أنت حلوة)
.جلست قربي
.كان في
عينيها جنون لم
أره من قبل
.إنها ليست
عليه التي
تتمخط بين لحظة
وأخرى في الصف
.(لم لا
تقبلني؟)
،قالت (.وما الداعي؟)
،قلت .قالت
:(هكذا يفعل
الكبار)
.وأحسست انه
من العار علي
أن لا أتصرف
مثل الكبار
.لم أكن اعرف
عمري في ذلك
الوقت ،وقلت
لكم في البداية
انه لا يهم.في
الطريق كانوا
يتحدثون عن
رجل شنق نفسه
لأنه أصبح لا
يتحمل الوحدة
والإهمال من
أهل
الحي.ابتسمت
.وقلت صحيح
أنا صغير السن
،لكن الحياة
جميلة وحرام
أن ينهيها
الإنسان بيده
.وغنيت أغنية
جديدة،واعدت
النشيد المدرسي
للمرة
العاشرة
،وشعرت برغبة
طاغية في أن
يخرج شخص ثان
من أحشائي كي
أتصافحه
واقبله
.في
البيت عرفت
الحقيقة .قالت
والدتي في
بكاء :صحيح
إنني كنت
سعيدة معه
وإنه كان يجيد
البكاء في
الأحزان
والنكات في
الفرح إلا انه
وبعد مرور
سنوات طويلة
من الوحدة
،شعر باليأس
من الوحدة .
,لإصرار أهل
الحي على
مقاطعتنا..قبل
أن يرحل قال
:هل صحيح أن
الولد الأسود
من صلبي ؟قلت :
اجل .فأغمض عينيه
وتدلى رأسه في
لحظة .وشعرت
بحقد فائر نحو
الحي .مادمت
من صلب أبي ورحم
أمي ،إذن
لماذا لم
يعتذروا لسوء
ظنهم ؟ لم لم
يأتوه
ويملاؤا
وحدته ؟ هو
كان يحبهم .
ضجر من الوحدة
و سماع أخبار العالم
انتهى كل شئ
فيه فانتحر
.كل ذلك بسببي .ربما
تصرف بغباء
ولكن هذه
الأسباب تبدو
معقولة
بالنسبة له .
دخل
علينا الشيخ
،فقامت أمي
مرتبكة وقبلت
يده ،وكذلك
فعلت أنا .قال
الشيخ :لا
عليك يا بنيتي
.الموت حق وكل
من عليها فان
.يرحمه الله
.الله واسع
الرحمة وسوف
لن ينساكم
.بكت أمي وهي
تقول :تركني
وحيدة .أليست أنانية
منه أن يرحل
في ظروف مات
هو بسببها ؟
قال
الشيخ وهو
يمسد بيده على
شعري ،لمساته
جعلتنني
أتمنى أن أعود
طفلا في
القماط
،ابتسم لكل شئ
،وارى كل ما
يمتد إلى فمي
رحيما كثدي أمي
.يا ولدي . قال
الشيخ ،سوف
أكون عونا
لكما ،أنا رجل
مسالم وسوف لن
يأتيكما مني
إلا كل خير.
وصلى الشيخ
على أبى
وكفناه ثم
حملناه إلى
القبر .هناك
فقط بكيت
.أحسست إن يدي
والدي اللتين
طالما
داعبتني
وأعطتني
النقود سوف
تتحولان إلى
عفونة ودود
.قلت
للشيخ:أ هل
الحي هم الذين
قتلوه
بإهمالهم
واتهاماتهم .أبى
كان رجلا
بسيطا يحب أمي
ويحبني
..لكنهم قاطعوه
بسبب لوني أنا
.لم دخل الولي
إلى حلم أمي وأوصاها
أن تنذر
النذور ليكن
لوني اسود ، لم ؟.
ضحك الشيخ
.وأية قيمة
للعبد إذا كان
يكرهك أم يحبك
؟المهم هو حب
ورضاء الله
.ليس لحب الله
حدود.
في
البيت كانت
والدتي تحمل حزن
شجرة الخريف
.قالت :أنت رجل
البيت ألان يا
ولدي .في
عاداتنا
الرجل هو الذي
يحكم والمرأة
تطيع وأنت
الآن رجل
البيت وعليك
تحمل تبعته
.قلت : ربما
صغري في السن
يمنعني من التفكير
فيه يجب علي
عمله .أسائلك
أنت يا أمي عن
ذلك . قالت :وما
أنا إلا امرأة
ناقصة العقل والدين
اذهب للشيخ
واسترشد بما
يقول .حاضر يا
أمي،قلت .قبل
يديه حين تدخل
عليه ،قالت .
وذهبت وكان
الشيخ يتهجد
.وحينما
شاهدني رحب بي
هاشا في وجهي .
تعال
،قال،وأقعدني
إلى جانبه
قبلت يده وقلت
:يا سيدي أريد
أن اعمل،وسوف
اترك المدرسة
.قلتها وفي
ذهني صورة
علية .
قال
بحزن :لاحول
ولا قوة إلا
بالله .العلم
واجب للمؤمن
الصالح .قلت
:سوف نموت من
الجوع ،وأمي
أوصتني
باستشارتك .يا
ولدي
،قال:رحمة
الله واسعة
.اذهب إلى
السيد ( ح
)وبلغه سلامي
فلعله يستطيع
أن يساعدك .
قبلت
يده . وذهبت
إلى ( ح) .وكان
جالسا على
مكتبه يأكل
الفستق .ماذا
تريد يا ولد ؟ .
أرسلني الشيخ
عابد إليك .
أوه ،قال:الشيخ
سيدنا
واحترامنا له
كبير .لكنني
أستطيع
مساعدتك فيما
إذا استطعت أن
تحكي مع المدير
( ع) وعليك أن
تبكي وتتذلل
وتقبل حذاءه
كي يوافق على
ترقيتي ،وقل
له بأنك ابني
.وحينما أترقى
،سأساعدك .يا
عيني الشيخ
تاج راسنا
وكلمته
مسموعة و لا
ترد.خذ
العنوان .
سيدتي
، قلت بذلة .
أنا ابن
الموظف ( ح )
الذي يعمل عند
زوجكم
المحترم .
والدتي
تموت،وانأ
جوعان وعلى
وشك أن اترك
المدرسة،
أتوسل إليك أن
تدعينني احكي
مع السيد ( ع
)المحترم
.نظرت إلي
للحظات . ومن
قال لك أن
بيتنا مأوى
للأيتام ،وان
زوجي مدير
جمعية الرفق
بالحيوانات
.تذللت.سيدتي
أرجوك . صرخت
اذهب
وإلا..أردت
الذهاب .بدت
عليها وكأن
فكرة ما خطرت
لها .نادتني :
تعال..تعال
.أخذت مصة من
سيكارتها .خذ.
أعطتني نقودا
.( ع ) ليس هنا سوف
يعود غدا.لي
صديق سوف يأتي
عندي و( سوسو)
لا يحبه
ودائما ينبح
في وجهه بحيث
يمنعه من
الدخول ،وأنا
أريد أن أرى
هذا الصديق
لأمور لاتهمك
.إذا استطعت إبعاد
الكلب من
البيت حتى
المساء
،فسأدع ( ع ) يوافق
على كل ما
تطلبه .أعطتني
الكلب الذي
بمجرد ما أن
رآني حتى
ابتدأ ينبح
ويعوي
كالمسعور .لا
تخف .قالت
سيتعود عليك .
وذهبت .
في
الشارع اخذ
الكلب ينبح في
وجهي ويحاول
عضي .بصقت
عليه عدة مرات
.تفو العن
دينك إذا لم
تسكت .وابتدأ
الناس ينظرون
بدهشة إلى صبي
حافي القدمين
وكلب نظيف
تبدو عليه
العافية
.ومررنا من
أمام دكان
جزار ،فتحول
الكلب إلى
حيوان مسعور
لا هم له إلا
النباح .تحول
إلى جبل لا
يتحرك خطوة عن
دكان الجزار .
ولم أجد بدا من
أن اشتري له
عظما .وحينما
مددت يدي إلى
جيبي وجدته
مثقوبا .لاشك
أن النقود
سقطت في
الطريق .سألت
عن الثمن فرد
علي الجزار
بغلظة .الكلب
أصبح لا يتحرك
.سألت نصائح
الشيخ التي في
شراييني
،فأشارت علي
أن المساء
يأتي وان
الكلب جوعان
وعلي أن أطعمه
.قلت :إنني لا
أملك الثمن .
قالت
النصائح التي
في
شراييني:اشحذ
.جلست قرب رصيف
.أغمضت عيني
وفتحت يدي .في
ذاكرتي أصبحت البنايات
المدينة
تتهدم
والسماء تمطر
خبزا ولحما
.كم عمري ؟
قالت لنفسي ،لا
اعرف بالضبط
ولا يهمني ذلك
.المهم إنني
أستطيع أن
افهم الأشياء
،وإنني فعلا
افهم كل شيء.لكنني
صامت لا احكي
لان أمي قالت
،ما نحن إلا
بشر ناقصون .
فتحت
عيني.وجدت
أمامي بضعة
نقود معدنية
.أخذت أعدها
.وفجأة قبض
شرطي على كتفي
.قم أيها الكلب
..هيا..! وجرني
معه..وهرب
الكلب .أردت
أن اركض خلفه
فهو كل شيء
ألان بالنسبة
لي .لكن يد
الشرطي على
كتفي كانت كالصخرة
.ساءلوني عن
أسمى وعنواني
ووالدي .قلت :إنه
مات .لم تشحذ
،قالوا
.قلت:لأن
الكلب جوعان .ضحكوا
.تشحذ من اجل
كلب أيها
البطر !هل
لديك ماؤى
؟وأفهمتهم أن
لي أما تحب
الشيخ وتقول
إنه سيدنا
وإنني ابحث عن
عمل ولا أحب
التشرد .ابق
هنا حتى نتأكد
من العنوان .
في
الصباح
خرجت.المدينة
كما هي ناس
وسيارات وضجيج
. تنفست بعمق
،وتأملت
الشمس .مشيت
.وماذا املك
غيره .أيها
الأسود .قلت
في نفسي ،مات
أبوك بسببك
.إنني وحيد
أريد أن اعمل
،ليخرج من داخلي
شخص كي أتعرف
عليه واقبله .
ووصلت
إلى بيت السيد
( ع ).بمجرد طرقي
للباب ،فتح
الباب
ورأيتها هي
.قلت:إن
الكلب..في هذه
اللحظة ظهر
وراءها رجل
.أي كلب ؟قال
الرجل .كلبكم
.قلت .غمزت لي
المرأة مشيرة
بأن أسكت
.اجل..أضعنا كلبنا
أمس هل وجدته؟
قال الرجل
بلهفة:لو وجدته
سأعطيك ما
تريد .وبدون
أن تترك هي
مجالا له
للكلام قالت
:هيا أبحث عنه
.فبدونه سوف
لن تحصل على
المكافأة
المخصصة إلى
كل من يجده .
في
الشارع تحولت
من قمة الرأس
إلى أخمص
القدمين إلى
عيون تبحث عن
الكلب .في
المدينة
عشرات الشوارع،
آلاف
السيارات
آلاف الناس
.آه لو أجده
..بقيت في
الشارع أياما
ابحث عن الكلب
.أجوع،واسرق
الأرغفة من
الأفران
،أنام في زوايا
تفوح
بالعفونة
ورائحة البول
.ضجرت ..آه لو أتحول
إلى فم يصرخ
بعنف..؟!
* *
*
ويسكت
الولد الأسود
.تاركا لي
فرصة الحديث
.الولد
الأسود،من
اجل أن يأتي
بالخبز إلى
أمه المتضورة
من الجوع .
حاول أن لا
يرجع خائبا
.لكن حلقة
مفرغة كانت
تتلقفه .حينما
ذهب إلى الشيخ
كان في ذهنه
أشياء كثيرة
وكبيرة .كان
مصمما أن لا
يكبر في
البارات،ولا
في مدرسة يقول
مدرسها عنه
كلب .وفي ذهنه
أيضا أن يسأل
الشيخ عن
الحلقة
المفرغة التي
تبتلعه ،كان
التفكير فيها
يعذب الولد
الأسود .كان
الولد الأسود
يود أن يصرخ
في وجه الشيخ
:لماذا أكون
طرفا في لعبة
عابثة ؟ العمل
عند ( ح) و( ح )
محتاج إلى( ع)
و(ع ) عنده زوجة
،والزوجة
عندها عشيق ،والعشيق
يخاف الكلب
،والكلب يريد
عظام
،والعظام عند
الجزار
،والجزار
يريد نقود،والنقود
في جيوب الناس
،والناس ما
عندها رحمة
،والرحمة عند
الإله
،والإله لا
يعطي حقه إلا
الشيخ .واقترب
الولد الأسود
من بيت الشيخ
.دفع الباب
بقوة ،وأستعد
ليصرخ في وجه
الشيخ لكنه
وجد الشيخ
ميتاً !
21 /2/1974
أنقرة