تعالي
يا ناني
فالقطط
مغمضة
العينين
أذكر
تماما يا ناني
،أذكر جيدا
،كنا صغارا
،تخافين
القطط . وكنت أهمس
في الظلمة
:تعالي يا ناني
فالقطط مغمضة
العينين .
أذكرك جيدا رغم هذه
السنوات
الطويلة.رغم
السنوات،هذه
العبارة
تأتيني مثل قصيدة
محفورة في
القلب :
تعا..لي
نا ..ني
فا ..لقطط
مغمضة
العينين.
في الثالثة
عشرة من عمري
مارست
التدخين.كنت انتظر
نوم والدي
لأسرق سيكارة
منه ثم أدخنها
.ومع كل سيكارة
كنت أحس بأنني
أكبر،وأحاول
أن أتكلم بصوت
رجولي خشن.
كانت
أمي تعرف
وتقول لي : اعقل
يا ولدي ! ..كنت
أضحك
وأقول ، يا أمي
الطيبة دعيني
أتعلم على
الأشياء . ومع
كل سيكارة
كانت نوبات
السعال تقل
عندي .
وحينما
أدمنت عليها
،علم والدي
بالأمر
،صفعني وهو
يصرخ " منذ
الآن تريد
التعود على
قلة الأدب ! " .
بعد سنة
من ممارستي
للتدخين ماتت أمي .
كان
يوما شتائيا
كئيبا .أحسست
فيه بأنني أهوى
في هوة عميقة .
كان التراب
رطبا وكنت
أبكي،بينما
كان وجه والدي
يبدو جامدا .
أنزلوها إلى
القبر.المرأة
التي أحبتني
انتهت .أسدلوا
عليها التراب .رجعنا
.في البيت
أحسست بأنني
وحيد على حد
الموت .
اذكريني
جيدا يا ناني
. في طفولتي
أكلني القمل
.زوجة أبي لم
تهتم بي.
وأكلني القمل
.كنت أقذر طفل
في الزقاق
.حاولي لأن
تتذكري يا ناني
.منع الكل
أطفالهم من
اللعب معي .كنت
الوحيدة التي
أتمنى أن ألعب
معها ،وألمس
فستانها
الجميل بيد
مرتعشة ،لكنك
كنت مثلهم
تبتعدين عني .
كنت أناديك
بصوت كالرجاء :
تعالي ناني
فالقطط
مغمضة
العينين ! .
لكنك لم تأتي
قط . أكلني
القمل .من
وحدتي صنعت من
الطين
هياكل صغيرة
على هيئة
أطفال . كنت
أتكلم وأتشاجر
معها . كانت
هياكل الطين
هي أصدقائي .
كانت لي
أمنيات
كثيرة يا ناني
.تمنيت لو أن
لي خنجرا
طويلا اشق به
بطن زوجة أبي واملأ
أحشاءها
بالقمل .
تمنيت لو لمرة
أن يضحك
فيها أبي
بوجهي
ويسألني ما
أريد
؟!..صدقيني يا ناني لو
سألني ..لما
قلت له قط :
اشتر لي لعبا وفواكه
.بل كنت سأقول له : " أطلب
منك أن تحبني ."
بعد
سنتين مات أبي
. هرعت إلى
هياكل الطين
.كانت فرحة .ناديت
أسماءها هرعت الي
وقبلتني.هياكل
الطين كانت
وفية .لم ابك
أبدا .
بعد
شهرين قالت لي
زوجة أبي :
لماذا تكرهني
؟ وضعت يدها
على في يدي .
صرخت ،لقد
جعلت القمل
يأكلني .
هجرني كل
أطفال
الزقاق ! ..انس
ذلك قالت .
ضغطت على يدي
.لقد كبرت
،قالت صرت
رجلا . ألا تودني
؟ قالت . وبكل
ما في أعماقي
من حقد بصقت
عليها .شعرت
بفرح طاغ
لأنني استطعت
ذلك .وألقيتها
مثل حذاء مهمل
خارج الباب
.طردتها يا ناني
. وفتحت
النافذة
،شممت بكل حسرة
وبملء رئتي
رائحة
المدينة
.وأحسست بأنني
أعيش .
مرت سنوات
من عمري .وجدت
نفسي جنديا
،أتبادل
الشتائم
والمزاح مع
أشخاص لا
أعرفهم . تعودوا
على خشونتي
،وعلى
الشتائم التي
لم يمن يجيدها
غيري ..في هذه
السنوات
الأربع
تشاجرت عشر
مرات .سجنت
.لكنني ما
نسيتك يا ناني .
في
ليالي الصيف
حينما كنت
أتمدد في
فراشي على سطح البيت
..كان النور
يأتيني رائقا
من نافذتكم .في
الساعة
الثامنة
تماما تقول لك أمك :
حان وقت نومك
يا ناني،ليلة
سعيدة.وكنت
ترحلين
بخطوات رشيقة
مثل أميرة أسطورية
إلى فراشك
.كانت متعة
كبيرة لي لأن
أراك وأسمع كل
ليلة هذه
العبارة التي
تتكرر " ليلة
سعيدة يا ناني " .
رأيت
أشياء كثيرة .أذكر
القرية التي
زرتها مع بعض
الجنود كيف
يفتك المرض
بالبشر. حاول
الكثيرين
منهم الهرب من
القرية .كانوا
ينتهون . وقفت تحت نخلة وأخذت
أبكي ..كانت
القرية
تحتضر.كان
هناك طبيب
واحد وممرضتان
وجنود لحفر
القبور. تحت
النخلة بكيت
.بكيت لأنني
لم أستطع إنقاذهم .حفرنا
لهم قبرا
كبيرا وأهلنا
عليهم ترابا
كثيرا .
في
الثلاثين من
عمري تعرفت
على ـ إخلاص ـ .
كانوا يقولون
عنها عاهرة .لكنني
أحبتني.وكانت
تقول لي وهي تتقاضى
الثمن :شكرا .
في يوم قالت
لي ،لا تدفع .
حينذاك عرفت إنها
تحبني . كل شيء
فيها كان أنت
يا ناني ..
تشاجرت مع
شخصين بسببها
. في كل ليلة
كانت تأتي
وتقول :
أشتهيك . كانت
أنت يا ناني ! أحببتها
لأنها أنت .
لآن في عينيها
ذلك البريق
الذي لم أنسه
في عينيك .
كانت تقول لي
: " أبي كان
يقول لي
ستكبرين يا إخلاص
وتكونين
طبيبة
،وتنتهي حالة
العوز وتشفين
بابا من المرض
.أذكر من
طفولتي
الصورة التي
أنا فيها في
حضن بابا
،أضحك فيها
بوجه المصور
الذي قال لي
،أن عصفورة
ستخرج من
العدسة وتأتي الي .."
كنت
أضحك معها .
أصبت منها بالسفلس
،شفيت من
المرض لكنها
فجأة غابت
.تركتني .وأحسست
إنني طفل
الأمس الذي
يهجره أطفال
الزقاق .
في
الثانية
والثلاثين من
عمري تزوجت من
فتاة طيبة
.كنت أداعبها
وأقول لها : هل
تعرفين ناني؟
كلا كانت تقول
بغضب .أضحك
.أقول لها ،إنها
الطفلة التي
لا تكبر .طفلة
تخاف القطط
.أنا أعرفها
.ثم أغني
بصوت مسموع :
تعالي يا ناني
فالقطط مغمضة
العينين . لقد
كبرت ،كانت
تقول
لي وهي تهز
رأسها ثم
تتركني معك يا
ناني .
أحسك
تأتين مقلمة
الأظافر
،نظيفة
،تقولين ،هيا
تلعب . ومع
عبارتك أصغر
وأعود طفلا
.نهرع،نطرق
الأبواب
،نرمي
النوافذ
بالحجارة
.ونضحك . أنت
معي دائما يا ناني حتى
في الأيام
التي أسكر
فيها .
في ليلة
وأنا أعود إلى
بيتي ،كتبت في
وسط الشارع
بحروف كبيرة :
ـ أحب ناني
الصغيرة .
قمت
ورأيت شرطيا
يقف فوق رأسي
. قال بصوت
غليظ :
ـ ماذا
تفعل ؟
قلت : إنني
سعيد .
نظر الي
بقسوة ,ويبدو
أنه شم رائحة
الخمر لهذا
قال : أنت
مخمور !
أجل
،قلت مبتسما .
ـ اذهب
بهدوء و إلا
سوف اقتادك
إلى المخفر !
حسنا،
قلت ،وأديت له
تحية عسكرية .
ومرت
سنوات طويلة .
في هذه
السنوات
الطويلة يا ناني،صرت
أبا لثلاثة
أبناء . شاخت
زوجتي .ملأ
البياض شعرها
. رأيت ابني
الكبير يدخن
.تذكرت نفسي
ولم
أصفعه.لديه أيضا
مجلات
جنسية.وابنتي
في الخامسة
عشرة.في
كتابها
المدرسي عثرت
على قصيدة حب نقلتها من إحدى
المجلات.تستمع
إلى الأغاني كثيرا .
أصغر أطفالي
مريض ،ويبول
أكثر من
المعتاد،وأمه
قلقة عليه.
ربما
أطفالي يرونني
إنسانا ثقيل
الحركة.لا
أتكلم
كثيرا،لا أتذوق
الأشياء.إنهم
يا ناني
لا يعرفون الطفل
الصبي الذي في
داخلي.أنت فقط
تعرفينني. إنهم لا
يعرفون إنني
أعرفك وأنت
طفلة
جميلة.أنت
صديقتي يا ناني. أنا
شيخ في الستين
،وأنت الطفلة
التي لا تكبر
.الساعة الآن الثامنة .هل
تنامين كعادتك؟
..ليلة سعيدة
يا ناني
.لا تشيخي
أبدا ! لا
تكبري أبدا !
الأولاد
يتعشون مع
أمهم ،وأنا
جالس في
غرفتي.النافذة
مفتوحة
،والصمت
يملأني .وأنت
في أعماقي مثل
حورية رشيقة
الحركة .
خذي كرتك
وتعالي
نلعب.نعبر
الساقية التي
كانت تفصل
بيتنا عن
بيتكم . سأكتب إليك
يا ناني .لا أعلم أين
أنت الآن .
سأكتب إلى ناني
فوق مظروف
الرسالة
فربما سيعرفك ساعي
البريد يا ناني
،ربما سيعرفك !
الليل
يغلف كل
مكان.كل مكان
يا ناني.لسي هناك إلا
أنا . الصبي
الذي حفظك
وعرفك.تعالي
يا ناني
،كل شيء هاديء
ونائم .أعرفك تخافين
القطط..هه
..أيتها
الطفلة
المحبوبة
التي أرى
فيها تاريخي
. تعالي نهرع
،نطرق
الأبواب
،نقذف النوافذ
بالحجارة. لن
يرانا أحد ،لن
يعرفنا أحد .
تعالي
يا ناني
فالقطط مغمضة
العينين .
تعا..لي
نا ..ني
فا ..لقطط
مغمضة العينين