4

 

 

عند أوان إغلاق رفائيل كانت الخمرة قد تولت سريا أمر نسج خيوط الألفة بيننا، فلما فطننا لأنفسنا وجدنا أنَّا خمسة: الشيخ، جابر، سفيان، عبد الرحيم، وحامد. كلنا بباب الحانة وقفون،  كأننا واقفون على طلل أو نسترئف أما قاسية. طاب الحديث والمشرب، لكننا سلكنا سبيل الحكمة. انسل الشيخ كعادته إلى مسكنه، أما نحن فاتفقنا على شراء مزيد من الخمر من أحد باعتها السريين، ثم الانعطاف إلى المنزل، حيث يوجد الطعام. لن يكلف الأمر أكثر من ورقة نقدية زرقاء شرابا، ولتذهب العاهرات وحانات آخر الليل إلى الجحيم. هذه هي عين الحكمة. لكن للخمرة عين حكمتها الأخرى. فما جرت الريح في عروقنا حتى هامت الرغبة بكل واحد منا في واد.

قال جابر:

- الأفضل أن نتناول قنينة «روج» واحدة في حانة «البوكس»، ثم ينصرف كل واحد منا إلى حال سبيله...

فيما نحن نتفاوض في الأمر اندس بيننا «الطوخي». رجلٌ يقع خارج الحسابين؛ إذ لا هو بالمقلع عن شرب الخمر، ولا هو بمؤمن مالٍ يجعله من فئة الذين يستحقون أن يقال فيهم: «طوبى لكم ثم طوبى! انصرفتم إلى الأخرى وأنتم سكرانين لم تذوقوا طعم أي من الحسابين». ولذلك، فهو يسلك للحصول على الخمر جميع السبل، الحلال منها والحرام على السواء؛ يشحذ الخمرة، لكن يقوِّد أيضا زوجته وبناته. خفى عليه أمري يوما، حسبني من العابرين، لم يتردد في دعوتي إلى بيته، قال:

- يجب إطلاقا أن تزورني في البيت، وسيعجبك الحال، لا تردد، اتصل بي هاتفيا، في المنزل سيعجبك الحال...

- أي شيء سيروقني في منزله وهو صار شبه متشرد؟! سألتُ سفيان ليجيبني فورا:

- يقصد بناته!

قال الشيخ:

- آه لو عرفتم شأن «الطوخي» أيام كان نجمه ساطعا. كان مديرا لإحدى الشركات الفرنسية، وكان لا يتحرك إلا بسيارة خاصة يسوقها به سائق خصوصي، ولكن الخمرة «أسقطته في الهاوية». يعيش الآن على تقاعد هزيل جدا، ويبيع لعبا بسيطة للأطفال...

أضاف سفيان:

أما الخمر فيتدبر أمر الحصول عليها بالشحذ أو بتقويد بناته للكرماء من الغرباء!

صرفنا الطوخي بذكاء، ثم تسللنا إلى البوكس. هو ذا اللقب الذي أعطيناه لهذه الحانة، بعد إلحاق تعديل بسيط في نطق اسمها، ليمتلئ مدلوله بالمعنى. أن تدخل إلى «البوكس» هو أن تنشطر إلى اثنين، وتمتطي حلبة ملاكمة فعلا، ثم تنازل نفسك. ما تعود إلى المنزل إلا وأنت جريح ما لم تسقِط نفسك بالضربة القاضية، لو زارها جورج باطاي لكان لأعطى لتجربة التخوم نكهة أخرى. يوم عرفني حامد بهذه الحانة، قال:

- علينا أن نذهب في ليلة من الليالي معا إلى «البوكس» كي نسكر مع الشعب. سيروقك الفضاء، لكن عليك ألا تضع في جيبك أكثر من 100 درهم، المكان وكرٌ للصُوص والقتلة وقدماء السجناء...

 

 

رقصـة باخــوس

(رواية)

 

لمحمد أسليـم

المحتـــوى

القسـم الأول

1

2

3

4

5

6

7

8

9
10

11

القسـم الثانـي

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26
27
 

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.