جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

 
 
 

ابحث في الموقـع

 

 

 

 

 

محد الراشـق (المغـرب)

الزجل المغربي بين وهـْم المكتوب وحقيقة المحكي <1>

دراسـة

 

الزجل المغربي بين وهـْم المكتوب وحقيقة المحكي <1>

بقلم: محمد الراشـق

 

أعتبر هذه المداخلة حول " الزجل من المحكي إلى الكتابة" بمثابة أرضية من الأرضيات التي يجب أن تبسط للنقاش والحوار، ومن أجل إغناء معين الدراسات الموجودة والمتعلقة بأنواع الزجل المغربي الشفهي والمدون...

ولا شك أن المحور المقترح لهذه الندوة، سيساعد في خلخلة مجموعة من القضايا وليست قضية واحدة، لأنه محور يتكأ على ذرائع القصد منها محاولة ملامسة ما ظهر وما خفي من الموضوع المراد مناقشته..

وسأحاول أن أركز في هذه المداخلة التي اخترت لها عنوان: " الزجل المغربي بين وهم المكتوب وحقيقة المحكي" على طرح مجموعة من المسائل التي نعتبرها من صلب تفكير الباحثين والمهتمين بالأدب الشعبي ومنه الزجل المغربي، وحيث لاحظنا مايلي:

- كون الدواوين التي ضمت أعمالا زجلية كاملة لايتعدى عددها الأربعة، وذلك منذالإنطلاقة الافتراضية <2> للقصيدة الزجلية الكلاسيكية عام 223 هجرية الموافق ل838 ميلادية <3>إلى سنة 1395هجرية الموافق ل1976 ميلادية.. حيث حدد هذا التاريخ الأخير مسارا جديدا وحداثيا بالنسبة للإبداع الزجلي المغربي، بإصدار أول ديوان زجلي مكتوب في وقتنا المعاصر من توقيع الزجال المغربي أحمد لمسيح <4>

أما أصحاب الدواوين في الفترة التاريخية التي ذكرناها فهم: عبد القادر العلمي، التهامي المدغري، السلطان مولاي عبد الحفيظ، والحاج إدريس بن علي الحنش <5>. وباقي الأعمال الزجلية بأنواعها فقد توزعت مابين ذاكرة " الحفاظة والخزانة، والمنشدين ..أو جاثمة داخل ما يعرف " بالكنانيش" التي لايصل إليها إلا واصل، إذ سرعان مايستولي عليها ويحتكر ما فيها بأنانية مرضية..

- ورغم محاولات الزجالين والمتعلقة بإ صدارأعمالهم مكتوبة أو مسموعة، إلا أن التراكم الموجود منذ إصدار أول ديوان زجلي عام 1976 إلى سنة 2005 ، ليس بالمشجع نظرا لمجموعة من الظروف، وأن الاكتفاء بالنشر على أعمدة الصحف ليس بالكافي،و حيث أن مجموعة من الزجالين تبقى أعمالهم في عداد الشفهي مادامت تقدم نفسها للمـتلقـّي محكية وملقاة.فقط.. بل أن الأستاذ أحمد لمسيح ذهب أبعد من ذلك حينما صاغ تساؤلا منهجيا يهم النص والدراسة معا حين قال: "هل غياب المدوّن من الزجل يعيق الدراسة والتصنيف؟"<6>..

- ثم أن النظرة السكونية قد ساهمت في تعطيل آليات الانتقال من مرحلة الشفهي إلى الكتابة والتوثيق.

- وأمّا النظرة التفاعلية فتنقصها جرأة التعامل مع النص الزجلي الجديد، كما أنها تتعامل مع النص الزجلي الكلاسيكي دائما في إطار النوع الواحد الموجود..

وهـْم المكتوب أنواع الزجل المغربي

واليوم، ينظر الباحث والمهتم إلى مجموعة من الأنواع الزجلية الشفهية، نظرت المتحسّر والمتألم على ضياع معظمها، وهي التي كانت في الأمس تأسّس لبناء كيان زجلي متعدد الأنواع والأشكال والتـّيمات ، والأوزان والإيقاعات..

أشكال زجلية تضعنا أمام موقف صارم لاجدال فيه، كون كياننا الإبداعي الأصيل، هو اليوم في خطر أكثر من أي وقت مضى.. لأن زمن " الحفاظ والخزان" هو قريب من الانتهاء، أو قل قد يصبح في حكم النادر جدا.. ثم أن هذه الوسائل التكنولوجية البديلة، لم نحسن استثمارها إلى حد الآن. بل لا نوظفها في مجال نقل ما تبقـّى من أزجال كامنة في حالتها الشفهية، إلى مجال مأمون. وأعني به التدوين بكل الوسائل المتاحة.. كتابة وتسجيلا بالصوت والصورة، بل أصبح اليوم أمام الباحث والمهتم عالم الإنترنيت الرحب والمتعدد الخدمات.. بحيث يمكن استعمال كل الوسائل قبل إخضاع المادة لعملية التوثيق الأساسية..

وسيزيد هذا الوضع تأزما، إن نحن أصررنا على معالجة هذه الإشكالية بصيغة المفرد. أي بالنظر إلى الزجل على أنه نوع واحد، بدل الاهتمام بكل أنواعه ،بدون إقصاء ولا تهميش...

ويمكن القول على أن هذه الأنواع الزجلية، من بدايات التأسيس إلى مراحل التكريس وإتباث الذات المبدعة وما تبعها من مراحل التطور والتجديد. قد عاشت لحظاتها الشفهية بامتياز، رغم إشارات التمويه ،التي اعتقدنا من خلالها، أن أعمال رواد القصيدة الزجلية الكلاسيكية التأسيسية، قد دوّنت وكتبت بالفعل..

ففي إشارة للدكتور رضا محسن القريشي <7> وهو يقدم كتاب " بلوغ الأمل في فن الزجل" لتقي الدين أبوبكر حجة الحموي ، ذكـّر بأن هذا الكتاب هو توثيق لكتاب " العاطل الحالي والمرخص الغالي لصاحبه صفي الدين الحلي.. بحيث أنه اعتمد عليه فيما يخص الزجل المغربي <8>.

ويظن الدارس أن مبتغاه قد تحقق ، وقد يجد الزاد الكافي فيما يخص المادة الزجلية لأصحابها المعروفين في وقتهم، كابن غزلة ، ورميلة أخت عبد المومن الموحدي، وأبو بكر بن عمير المغربي، ومحمد بن حسون الحلا وغيرهم.. لكن الأمر لايعدو أن يكون عبارة عن نتف أبيات مبتورة لا توصل إلى شيء يذكر..

وبالمقابل نجد معاصريهما ابن قزمان، ومدغليس بمغرب الأندلس قد كتبا بالفعل ديوانين تذكرهما المصادر المختلفة ، من بينها كتاب تاريخ الأدب الأندلسي للدكتور المحقق إحسان عباس. حيث يورد على أن ديوان ابن قزمان هو أنفس أثر زجلي أندلسي.. وقد نسخ بمدينة

صفد في فلسطين في منتصف القرن السادس الميلادي. وقد نشره دافيد جنزبرج عام 1896 في شكل لوحات مصورة <9>. وبالنسبة للزجال مدغليس، فقد جاء خبر ديوانه عندما علق الدكتور إحسان عباس في نفس المصدر على بعض آراء صفي الدين الحلي حيث قال: "..

وأمر آخر وهم فيه الحلي، وهو أنه عد قصائد مدغليس الثلاث عشرة التي وجدها في ديوانه أزجالا <10>..

وفي مصدر آخر<11> نقرأ "أنه كان لعبد المومن الموحدي بعد ابن قزمان يد طولى في ابتكار أصول الزجل وأصوله وترفيل أوزانه، وهي صفات المنظر والمؤسس والمبتكر، لكن أين هو الدليل المكتوب لتأكيد تلك الصفات. !؟ وحتى صاحب العقيدة الأدبية ابن الرباط عند تقديمه لعبد المومن الزجال ، لم يؤكد كلامه إلا ببيتين يتيمين يقولان:

يا عــصافير لــجـنينــة ربـــــي نـــــشــــاكـــــــم

الجمل بطولو وعرضو "لم" * ما قد يطلع حــــداكم <11>.

كما يذكر صاحب " الجذوة" ميمون بن علي بن عبد الخالق. أن إبن خبازة يعد من الزجالين الكبار، ولم يعثر على بيت واحد له يزكي هذه الشهادة <12>.

وفي مصدر سابق نقرأ" أنه في العهد الموحدي قد نسج المغاربة العديد من القصائد التي تستلهم تجربة الشستري... " فباستثناء اطلاعنا على تجربة محمد الشرقي الملقب بالبهلول عام 400 هجرية الموافق ل1010 ميلادية حيث أبدع نصا فيه الزجل والمعرب و اشتهر "بالفياشية" والذي يقول مطلعه:

أنـــا مانـي فيــــاش واش علي منـي

نقنط من رزقي لاش والخالق يرزقني <13>.

كما أن المرحوم محمد الفاسي، فعندما جمع وكتب أزجال " رباعيات نساء فاس" <14>.. قد أقر بتدوينه لجزء قليل من كثير ضاع وانمحى.. ويجب أن ننبه هنا على أن الأزجال التي أبدعتها المرأة المغربية ، لاتقتصر على منطقة دون أخرى، ورغم ضياع معظمها.. إلا أن آثارها لازالت بادية ، وتنتعش على الخصوص في المواسم والمناسبات المختلفة، ومنها على الخصوص " لمزوكيات ، والتحوضير، ومرددات الأشغال المختلفة، ولعروبيات المعبرة عن لحظات الفرح والحزن..

ثم أن هذا" غيض من فيض "كما يقول المثل . لكنه يشعرنا بأن الشفهي هو المسيطر على كل أنواع أزجالنا، والتي تقتضي في واقع الأمر عملية توطين تحدد جغرافيتها، ومن ذلك يمكن إحصاءها والتعريف بها.. وكذا من أجل تسهيل اتخاذ المبادرات الفردية والجماعية فيما يتعلق بعمليات التدوين والتوثيق، ونأمل أن تتظافر الجهود مجتمعة لأجل إطلاق عملية وطنية كبرى لتدوين وتوثيق موروثنا الزجلي بكل الوسائل الممكنة..

وقد حاولت وضع لائحة أولى ترصد مجموعة من الأنواع الزجلية المهددة بالضياع.. وأعترف على أنها ليست باللائحة الكاملة، ولا أدّعي أني أعرفها كلها لكني أتركها مفتوحة لكل إضافة محتملة، وهذه الأنواع هي:

- مجموعة من السرارب الحسناوية والغرباوية والشرادية والملحونة

- مجموعة من أزجال السوسية ، ولامان ، وعليّ ليمين.

- مجموعة من أزجال غيوان بني يزغة.

- مجموعة من الأزجال الميسورية.

- مجموعة من الأزجال الفيلالية وواد درعه والمرتبطة بغناء البلدي.

- مجموعة من أزجال العيطة بأنواعها.

- مجموعة من أزجال حمادة ، ولعروبيات، والغابة ، ولمزوكيات والمرددات

- مجموعة من أزجال المغرب الشرقي من واد أمليل إلى فكيك، والأخرى المرتبطة بإيقاع العلاوي، والركادة...

- مجموعة أزجال، والحوزي، والزعري، والحياني والمرتبطة بإيقاع الهيت، والرمى..

- مجموعة من أزجال الملحون ، والدكرات ، والدقة الرودانية والمراكشية.

- مجموعة من أزجال الهيري والحساني .

- مجموعة من أزجال جباله ، والعيوع،وقصائد ألالا يلالي.

- مجموعة من أزجال لمعلماتْ، واللـعّبات، والحضّـرات

- ......................................................................................................

- .....................................................................................................

- ......................................................................................................

- .....................................................................................................

- ....................................................................................................

- ....................................................................................................

وبجدر بنا أن ننوه بكل التجارب والمحاولات الفردية والجماعية، الإبداعية والفنية. والتي على الأقل قد صمدت طويلا أمام رياح الإقصاء والتهميش. وللتذكير، فمعظم الأزجال التي وصلتنا، أو صل جزء منها، هي مرتبطة بالغناء، أو قل أنها أزجال غنائية، وهذا جانب تلزمه دراسة منفصلة انطلاقا من بعض الفرضيات المطروحة للنقاش، والتي تقول بأن الحاجة إلى الغناء هي التي أوجدت الزجل<15>... بل أن بعض الدراسات، تؤكد على أن نوع " عروض البلد" قد واكبه لحن وغناء، وهو اللون الذي كان يعتقد أنه من خصوصيته السرد فقط.. فقد ورد في ترجمة محمد بن حسن الفهري السبتي المتوفى سنة 661 هجرية الموافق ل1262 ميلادية. أن والده أبا علي حسن بن عمر كان " قوّالا".. يغني في المحافل والأسواق.. ويعقـّب البحاثة محمد المنوني رحمه الله على ذلك ، بما يفيد أن عليا كان يتغنى بالشعر الغير المعرب <16>..

وهذا بالطبع لايخص منحنيات واتجاهات القصيدة الزجلية الجديدة، لأن مرتكزاتها مختلفة، ومرجعياتها متنوعة، وتمتلك تصورات خاصة بها.. وإنْ هي نظرت فيما يخص مجال الغنائية، فقد تفعل ذلك بعمق وشمولية.. حيث أنها تنظر إليها من جانبها الاصطلاحي..

وهذا أقرب إلى ما ذكره الأستاذ العلامة محمد الفاسي. عندما حاول تفسير لفظ " العشاقي" حيث قال: " أن لفظة غنائي لاتعني الشعر الذي يغنـّى.. وإنما ما يعبـّر عن إحساسات باطنية وعواطف وانفعالات. أمام مظاهر الطبيعة أو بسبب تأثر سارّ أو مألم <17>..

النظرة السكونية للتدوين وتوثيق أنواع الزجل

إن النظرة السكونية العدمية، قد تعسفت على أنواع الزجل بالمغرب بدون استثناء لأسباب واهية. وفرضت عليه لائحة طويلة من الشروط، ومنها حصوله على رخصة التجنيس، في الحالتين الشفهية والكتابية، وفي هذا الصدد فإن علامات الإستفهام التي استعملها الزجال المغربي الأستاذ أحمد لمسيح عندما قدم لملف " قصيدة الزجل الحديث بالمغرب" <18>. لابد أن تكون قد تحسست وتوجست نظرات السكونية، فجابهتها ببلاغة السؤال.

وقد وصف الدكتور عباس الجراري هذه الشردمة "بالمتسلطة، والطامسة، والمزيفة، والمتخلفة فكريا بفرضها لمواقف التنكر والتشويه ضد التراث الذي صدر عن الشعب في جميع المجالات "<19>..

وللإشارة فإن أصحاب هذه النظرة " الشوفينية" تناسوا مقولة المنظر " جان ماري شيفر" البليغة حين قال: " أنه لم يتم بعد، الحسم منذ أرسطوإلى الآن في مسألة الأجناس الأدبية. وتحديدها يضعنا أمام مشاكل أكثر صعوبة..." <20>

وحينما نطرح قضية زجلنا الشفهي فإننا نفعل ذلك من باب عشقنا واحترامنا لهذه الأنواع التي هي من صميم إبداعات الشعب المغربي،هذا الشعب الذي وصفه الدكتور عبد الكبير الخطيبي <21> " بالشعب العتيق المتنوع الفروع، الذي دوّن ذاكرته لافي الكتابة، ولكن في الصوت والأدب الشفهي..... وفي الفنون اللـّـكتابية..."<22>.

وفي هذا المجال، فإنه ينتفي التمايز بين الأجناس المختلفة. فالمعروف عن المغاربة كما تقول المصادر، قلة ميلهم إلى التسجيل والتدوين <23>. وعلى إثر ذلك قد وصفوا بضعف الاعتناء بالأخبار والوقائع. وبأنهم أهل دراية لا أهل رواية. حيث أنه كان من نتائج ذلك، التسيب والإهمال ، وضياع جهد الإنتاج. وفي هذا الصدد يقول الدكتور عباس الجراري: "..

أنه من المؤسف حقا أن يكون كثير من إنتاج أدبائنا من الكتاب والشعراء قد ضاع لسبب من الأسباب <24>. وهو ما حصل بالضبط للزجل المغربي بأنواعه...

إن هذه الثقب السوداء في تاريخ أنواع الزجل المغربي، بسبب تعطيل آليات الكتابة والتدوين بالأشكال المختلفة من طرف النظرة السكونية، هي نفس النظرة التي عطلت آلية التوثيق، والذي يعتبر مؤصلا للتدوين وليس مكملا له فقط. وهي عمليات تهم النصوص ، والأعلام، والمصادر، والبيانات، والكنانيش، والمذكرات، والإحصاءات...<25>

والتوثيق في الأول والأخير، هو كل عملية ترمي إلى تأكيد أقوال وأفعال بالوثائق اللازمة. وهذا هو المراد الذي نريد تحقيقه من الدعوة إلى توثيق أنواع الزجل المغربي الشفهية..

ملامح النظرة التفاعلية اتجاه الزجل المغربي

إنّ التفاعل في الدرس الأدبي يحمل أكثر من معنى، ولكن بالنسبة للباحث في الأدب الشعبي والتراث المغربي، يحس بعمق توجهها أكثر. لأنها تأسست بناء على نوايا حسنة، وبنظرة مغايرة.. بل نلمس أنها جاءت بملامح مشروع مشترك بين الثقافة العالمة والثقافة الشعبية ككل، ومنه الزجل المغربي. وكل ذلك في سبيل تأسيس نواة مشروع ثقافة وطنية موحدة وعادلة.. وفي هذا الاتجاه يقول الدكتور الباحث سعيد يقطين: "... إذا تجاوزنا التصنيفات الثنائية للثقافة إلى عالمة وشعبية، وتعاملنا مع الثقافة باعتبارها نسقا مركبا من الأنساق الفرعية، فإننا سنلاحظ كل ما أدرج تحت مفهوم الثقافة الشعبية عندما نتأمله جيّدا ، نجده لايختلف في العديد من مواصفاته ومتخيلاته عما يتجسّد في الثقافة العالمة" <26>…

وبهذا فالنظرة التفاعلية هي عكس "السكونية". لم تشترط على أدبنا الشعبي ومنه على الخصوص الزجل، لا تجنيس ولا تقعيد، ولم تنظر إليه من باب الاستعلاء اللغوي. على اعتبار اتكاءه على المنظومة اللهجية <dialecte> بل اقتنعت، أن اللغة الرسمية واللهجة يشكّلان الإطار الاجتماعي لكلام الفرد الذي يتم في إحدى الصورتين: إما بالنطق أو بالكتابة <27>.. وأن لغة الزجل تطورت وتستمر في هذا التطور عبر الأجيال حتى لاتجمد وتموت <28>.. أو يعاني شعراءها من إشكالية جدار اللـّغة المانع للتواصل والتداول..

كما أن هذه التفاعلية، لاتعترف بمصطلحات متعسفة مثل: سلطة البلاغة/ والبلاغة المقموعة وثقافة مركزية وأخرى حوشيه ، ونص شفوي/ هو ظل النص المكتوب المتعالي دائما..

وبذلك فإن أقطاب هذه النظرة المتنوّرة، هم من يحاولون الانتقال بالزجل المغربي إلى مستوى يليق به علميا من خلال تشجيع الطلبة للقيام بإعداد رسائلهم الجامعية، في تخصص الزجل بأنواعه.

وفي المقابل فإن التفاعلية قد وجدت ضالـّـتها المرجوّة في أنواع الزجل المغربي في شكليه السردي والغنائي، وجدوها محكية ومدوّنة، ومتعددة المواضيع. فيها الشعر والموسيقى، والحكاية والأمثال، والمعرفة والتصوف، والملاحم والأزليات والسير، ومتشبعة بالرّوح الدينية والوطنية والإنسانية.. ومحمّلة بالرسائل العميقة والمؤثرة. والمرصّعة بالمعرفة التلقائية الهادفة..

ولابد أن نذكر على أن مشروع التفاعلية لازال في محاولاته المحتشمة، ولم يتح الفرصة كاملة لا لأنواع الأزجال الكلاسيكية ، ولا لكيان القصيدة الحديثة وأعلامها، وكل ما في الأمر إلى حد الآن أن اهتمامها بالأدب الشعبي قد تأسّس بناء على تجارب، تعتبر البدايات الأولى للزجل بصفة عامة ، كما تأسس على أمثال وحكم مغربية صميمة، لكننا نعتبرها مرحلة ضرورية لجسّ نبض هذا التعاون الإبداعي المتبادل، والذي يروم توثيق وتدوين وتقديم بعض الأعمال المتضمنة لأحداث تاريخية، أو اهتمت بحياة النّاس الاجتماعية والاقتصادية في عصر من العصور.

ومن هذه الأعمال التي اشتغلوا عليها، ملعبة لكفيف الزرهوني التي ذكرها ابن خلدون في مقدمته، وحققها وقدمها الدكتور محمد بن شريفة <29>. وتناولها أيضا الدكتور سعيد يقطين وقرأها تفاعليا.

إن ملعبة لكفيف الزرهوني قد نجت بأعجوبة من عوادي الضياع والإهمال، بعد أن ضاعت مثيلاتها.. كالملعبات المنسوبة لبعض اليهود المغاربة، وأبياتها عدت بنحو الخمسمائة، وملعبة ابن يخلف الجزائري ،التي ذكرها ابن سعيد في المقتطف <30>.وملعبات أخرى ذكرها ابن خلدون في مقدمته أيضا <31>.

ويكفي أن نذكـّر باستفادة زجل الملحون من ملعبة الزرهوني في يخص وضع تقاليد خاصة بقصيدة الملحون، حيث كان الاعتقاد أن هذه التقاليد هي من اختراع عبد الله بن حساين <32>.

ودائما فيما يخص مبادرات التفاعلية، فإننا نستحضر ما قام به الشيخ المرحوم عبد الله كنون حينما دوّن واشتغل على نص زجلي، للشيخ علي بن داود ، من العهد السعدي <33>. عنوان هذا النص: " خْصام الجواري العشر". وقبل تعرفه على هذا النص، اعتقد عند دراسته وتحليله للمقامة الحضرمية لعبد المهيمن، أن هذا الأخير قد امتاح عمله من قصص ألف ليلة وليلة، حتى جاءه الخبر اليقين من الفقيه داود رحمه الله والذي مدّ ه بالنص الزجلي المذكور. حيث تأكّد له وبالملموس أن " المقامة الحضرمية" هي من وحي الأديب الشعبي.

وفي هذا الصّدد يقول الشيخ عبد الله كنون: " .. وهذا الرأي مجرد احتمال قد تحقق الآن، ولم تمض على إذاعته بضعة شهور<34>. وقد استعمل الأستاذ عبد الله كنون كل الأساليب

الجميلة، للتعبير عن امتنانه وتقديره للشعر الشعبي.. إلى أن يقول: " أمّا الزجل فإنه على العكس من ذلك فقد ارتفع بالقصة من المستوى العامي الصرف، إلى مستوى أدبي يتناسب والعمل الفني الذي أفرغ القصة في قالبه... كما نوّه بصاحب النص، ووصفه بأوصاف المتمكن الحاذق وبأنه " شأن هؤلاء الزجالين الممتازين <35>.. كما وصف الأدب الشعبي بالغنى والتنوع في الشكل والمعاني والأخيلة.. ثم خاطب القراء بقوله: ".... وعلى كل حال فهذا لون من ألوان أدبنا الشعبي نعرضه على القارئ العربي مغربيا وغيره.. ونحن متيقنون أنه سيجد لذة عقلية فذة، وأنه سيطرب من بعض معانيه وتصويراته الجميلة، وأنه سيعتبره أثارا من آثار العبقرية الفنية عند الطبقات الشعبية العربية <36>..

وقد دوّن الأستاذ عبد الله كنون نص علي بن داود عام 1960 بمجلة تطوان، ثم بكتابه الموسوعي" النبوغ المغربي في الأدب العربي".كما دوّن أزجالا أخرى في أكثر من مرجع ، لعبد القادر العلمي، والشيخ الحراق، ولابن شجاع التازي، وللكفيف الزرهوني..

وقصيدة " خصام الجواري العشر" تتركب من 262 بيتا، تبرز قوّة التخييل عند الشاعر، وبراعته في نحت مفردات معبرة ، تشدّ القارئ والمستمع من أول بيت إلى آخره، أو قل من بداية الحكاية إلى آخرها...

إن مساهمة الشيخ عبد الله كنون، سبقتها مساهمات أخرى نعتبرها على درب التفاعلية ،حتى وإن كان هذا المصطلح لايعني شيئا للباحث في زمنه المنصرم، لكن " النية أفضل من العمل" و في هذا المجال حضرت النية والعمل معا، ومن باب الوفاء لابد أن نذكّر ببعض مساهمات الأجانب الذين نظروا إلى أدبنا الشعبي ومنه الزجل ،نظرة المتحمس والمشجع.. وتحضرني هنا أسماء المستعرب الأستاذ جورج كولان، المتضلع في اللهجات المغربية والعارف بأنواع أزجالها وله كتاب في لهجة تازة،وآخر بعنوان" منتقيات مغربية".. والمستشرق ليفي بروفنسال باحث في التاريخ المغربي وتراثه، وله عدة كتب في هذا المجال منها على الخصوص كتاب في لهجة درعة.... والأستاذ سونيك الذي عـّرف بأزجال المغرب وغناءه بالخارج، وجمعها في كنانيش أفادت الدارسين، ومن أهم كتبه: " أغاني المغرب العربية" الذي أصدره بباريس عام 1902......

وأختم حديثي في هذا الموضوع بطرحي لسؤال ينضاف إلى باقي الأسئلة التي طرحت ، ولازالت تنظر أسئلة أخرى بدل الإجابة... نحو: هل أدركنا زمن الكتابة بالفعل؟ وهل استفدنا من زمن المحكي بالقوة؟ أم نحن الآن كمن يقف بين المنزلتين؟.....

محمد الراشق : زجال ، باحث في الأدب الشعبي

errachek@yahoo.fr

المراجع والهوامش:

1- عنوان المداخلة التي شاركت بها في الندوة التي انعقدت في إطار فعاليات الملتقى الأول للزجل ببن سليمان، من تنظيم وزارة الثقافة وعمالة إقليم بن سليمان يومي 6 و7 ماي2005 . وهي دورة الزجال الطيب لعلج، وتكريم الزجال محمد شهرمان.

2- لا يسعنا إلا التاريخ الافتراضي، لأن الباحث لايمكن أن يجزم ويقطع بوجود تاريخ محدد، ثم أننا بصدد أنواع من الأزجال السردية والغنائية والملحمية.. وقد نجد لكل نوع بداياته، فبداية أزجال الملحون مثلا ليست هي بداية أزجال العيطة وقس على ذلك...

3- هو تاريخ يخص بداية نوع من الزجل المغربي، هو زجل فن الملحون، والذي اقترن مع الشيخ الزجال عبد الله بن حساين.

4- هو ديوان: رياح... التي ستأتي، والذي صدر عام 1976 بالرباط

5- المعروف أن الذين توفروا على ديوان خاص هم إمّا من الملوك، أو من المقربين جدا.

6- أحمد لمسيح: عتبات المسالك، مجلة آفاق " اتحاد كتاب المغرب"، العدد3/4 ،1992 ص7

7- هو العالم العراقي والباحث المتميز الذي حقق كتاب: " بلوغ الأمل في فن الزجل" لتقي الدين الحموي.

8- تقي الدين أبو بكر حجة الحموي: بلوغ الأمل في فن الزجل" وزارة الثقافة والإرشاد القومي وإحياء التراث العربي دمشق سوريا. ص28

9- إحسان عباس: تاريخ الأدب الأنداسي ، عصر الطوائف والمرابطين، دار الثقافة بيروت ، الطبعة الخامسة، ص252

10- المرجع السابق: ص252

11- عباس الجراري: الزجل في المغرب، " القصيدة". مطبعة الأمنية الرباط 1970، ص540

12- المرجع السابق: ص540

13- عبد العزيز بن عبد الجليل: مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء . الطبعة 2 عام 2000، ص43

14- محمد الفاسي: رباعيات نساء فاس، منشورات عيون، الدارالبيضاء، 1986

15- أناقش هذا الطرح في إطار كتابي المخطوط: " بعض من أنواع الزجل بالمغرب" من الغنائية إلى التفاعلية – دراسة ونصوص- ومن بين محاوره: الزجل الغنائي أو الغنائية في الزجل- هل الغنية الشعبية هي أم الزجل؟- أهمية الزجل في الأغنية" ترانيم ومرددات- والزجل ذوق جديد للغناء.

16- عبد العزيز بن عبد الجليل: مرجع سابق ، ص 60

17- محمد الفاسي: معلمة الملحون، ق1 ج ألأول، مطبوعات أكاديمية المملكة،1986 ،ص 115 .

18- أحمد لمسيح: مرجع سابق، ص من 7 إلى 12

19- عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، الجزء الأول مكتبة المعارف للنشر والتوزيع الرباط، ص6

20- علي أيت أوشان: السياق والنص من البنية إلى القراءة، دار الثقافة البيضاء ص141.

21- عبد الكبير الخطيبي: مقدمة لمفهوم الثقافة الشعبية، مجلة آفاق" اتحاد كتاب المغرب" العدد:9 ، يناير 1982، ص10

22- المرجع السابق: ص 10

23- عباس الجراري: المرجع السابق، ص4

24- المرجع نفسه: ص5

25- عبد اللطيف الفرابي: عباس الجراري باحثا وناقدا، مطبعة نجم الجديدة،1989 .ص5

26- سعيد يقطين: الثقافة الشعبية والثقافة الوطنية.. بحث في التفاعل الثقافي من خلال ملعبة " لكفيف الزرهوني". المناهل : مجلة فصلية. وزارة الثقافة الرباط

27- محمد حسني: اللهجات المحلية العامية لماذا؟ وإلى أين؟. اللسان العربي. العدد:20.1983 .

28- المرجع السابق: ص21.

29- محمد بن شريفة: ملعبة لكفيف الزرهوني ، تقديم وتعليق وتحقيق ، المطبعة الملكية 1407-1987

30- المرجع السايق: ص37

31- ذكّر ابن خلدون بأسماء ملعبات مغربية وتونسية ضاعت مع الأسف إلا ملعبة " لكفيف الزرهوني التي دونها في مقدمته وأنقضها من نفس مصير أخواتها. وقد أرجع بعضها إلى نوع عروض البلد، وأرجع أخرى إلى نوع الجفريات

32- يلاحظ أن الزجال عبد الله بن حساين، قد استفاد من نص الملعبة، وأعانته في وضع تقاليد خاصة بقصيدة الملحون الزجلية، والتي منها: البدء بالبسملة، والصلاة على الرسول، والدعاء، وتاريخ النظم والرمز له...

33- عبد الله كنون: مجلة تطوان، منشورات الجامعة المغربية، كلية الآداب تطوان، العدد5-1960، ص28 .

34- المرجع السابق: ص 45

35- المرجع نفسه: ص46

36- المرجع نفسه:ص56

 

 
 

أرشيـف الموقـع

 

 

محمد الراشـق

errachek@yahoo.fr

 

 

 

 

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات مقـــــــالات تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.