جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

 

 

د. محمد أمنصـور(*)

زبيبة والملك لصدام الغيطاني

بين لعنة الديكتاتور وسقوط أقنعة المثقفين !

لم يكن انهيار النظام العراقي ليمر دون أن يترك آثارا بالغة على عالم الأدب والأدباء. فقد انفجرت في الساحة الثقافية العربية قضية ما يسمى (زبيبة والملك لصدام الغيطاني)، وهي القضية التي تعود جذورها إلى مبادرة الشاعر العراقي أسعد الجبوري المقيم في الدنمرك بنشر مقال في موقعه على شبكة الأنترنيت الموسوم بالإمبراطور لكاتب يدعى سليم عبد القادر تحت عنوان (زبيبة والملك لصدام الغيطاني) يتهم فيها هذا الأخير جمال الغيطاني الروائي المعروف بكتابة رواية صدام حسين الأولى (زبيبة والملك)، وهي التهمة التي ما كان الرأي العام الثقافي المصري ليتركها تمر دون ردود فع لقوية، مختلفة ومتباينة، تتراوح بين النفي التام لهذه التهمة واللجوء إلى القضاء (ما أقدم عليه الغيطاني)، وبين ترجيح صحتها والغمز في شخص وسيرة الغيطاني (وهو ما روج له خصومه في معسكر وزارة الثقافة... القصرية). وسواء أصحت هذه التهمة الموجهة للغيطاني أو لم تصح، فقد كان لمقال سليم عبد القادر الفضل في إشعال فتيل سجال صاخب على شبكة الأنترنيت وفي الكثير من المنابر الصحفية (باسثتناء الصحافة المغربية طبعا !!!)، أثار قضية أخلاقية حساسة طالما تم السكوت عليها، ويتعلق الأمر بقضية إفساد ذمم كتاب وشراء أدباء عرب بالأموال والهدايا والجوائز من لدن مخابرات الأنظمة الديكتاتورية.

لقد دافع الغيطاني عن نفسه بالهروب إلى الأمام عندما عوم الموضوع واعتبره مجرد حلقة ضمن حملة منظمة لتشويه سمعة المثقفين المصريين الذين وقفوا ضد أمريكا إبان حربها الأخيرة على العراق، مما يعني أنه استعان بمنطق المؤامرة لمواجهة المأزق. ورغم الدعم الذي لقيه من مجلة الآداب اللبنانية التي أصدرت بيانا في الموضوع دعت فيه الكتاب الكبار إلى التوقيع والتنديد، فإن الذين نبشوا في ماضي الغيطاني أثبتوا بالحجة أنه بالفعل صاحب سوابق في التعامل مع النظام العراقي؛ فقد ألف عام 1975 كتابا عن الجيش العراقي وضع له كعنوان (حراس البوابة الشرقية).

في المغرب، ستحرص الصحافة الثقافية على عدم الانخراط في السجال الدائر في الموضوع، وهو الأمر الذي لا يجد له تفسيرا إلا في صداقات الكثير من حملة الأقلام للغيطاني من جهة، وضلوعهم في التعامل مع النظام السابق الذي كان يحرص على الجمع بين السيف والكلمة من جهة أخرى. والواقع أنه بعد اكتشاف المقابر الجماعية وافتضاح الكثير من جرائم صدام حسين ضد الشعب العراقي (حتى ولو كانت الدعاية الأمريكية تضخم تلك الجرائم !!)، لم يعد أمام كل هؤلاء المتورطين في التعامل مع الديكتاتور سوى الوقوف أمام أنفسهم وقرائهم وقفة شجاعة تجمع بين النقد الذاتي والاعتذار للشعب المسكين والقراء المخدوعين !

وبدل الانخراط في هذا النقاش وتطوير أسئلته التي تتمحور حول علاقة المثقف بالسلطة، ومدى انسجام كلمة الكاتب مع سلوكه، ومفارقة الجمع بين التمجيد النظري لقيم الحرية والديمقراطية وتكريس نقيضها عمليا، بدل ذلك كله، لانجد في الإعلام المغربي سوى الصمت المطبق في موضوع ملأ الدنيا وشغل الناس. وما يقال عن العلاقة بصدام يمكن قوله عن العلاقة بـ (لقرية القرية، الأرض الأرض وانتحار رجل الفضاء)، وهو الإنجاز القصصي «الباهر» ! الذي جعل حاكم ليبيا يتحول بين عشية وضحاها إلى أكبر كاتب ليبي، ولم لا عالمي !؟

إنها محنة ثقافة مزورة تقوم على تزييف القيم، والارتزاق الثقافي، والفصل الفج بين الإنتاج العقلي والسلوك البشري. هي فضائح أخلاقية لكتاب عرب و«مغاربة» من دعاة تخليق الحياة العامة وإقرار دولة المؤسسات ! وكأن الرشوة الأدبية والارتزاق الأدبي وإفساد الذمم وبيع الضمائر لا تدخل ضمن الاغتيال المعنوي لقيم الحداثة وما بعد الحداثة !! وكأنها ليست جرائم ضد الإنسانية !!

وإذا لم يكن من المجدي الآن طرح أسئلة من قبيل: - كيف أصبح صدام حسين روائيا؟ أو كيف أصبح معمر القذافي قاصا عالميا؟ فإن ظاهرة رغبة الدكتاتور في الاستحواذ على بريق العرش الرمزي للأديب وهوسه بالتحول إلى مؤلف يزاحم الأدباء في رأسمالهم الرمزي، أمر يدعو بالفعل إلى الانتباه والتنبيه لما لسلطة المثقف والثقافي من بريق يسيل لعاب حتى هؤلاء الذين لا يكتبون سوى بالدم والذبابات والصواريخ !! قد يكون الروائي المجدد جمال الغيطاني بريئا من هذه التهمة الموجهة ضده (وهو المرجح عندنا) براءة الذئب من دم يوسف، ولكن – مع ذلك – من يستطيع أن ينفي تورطه السابق وتورط الكثير من أقلامنا المحترمة في صناعة أقنعة الديكتاتور؟

وإلى أن تفتح ملفات وفضائح علاقة الكتاب والمثقفين بالأنظمة وأجهزة مخابراتها، بإمكان الكثير من المتورطين ممارسة النقد الذاتي، ولم لا، الاعتراف بالخطأ وإعلان التوبة، أو ليس كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون؟ !

ـــــــــــــ

(*) د. محمد أمنصور أستاذ التعليم العالي بجامعة المولى إسماعيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس (المغرب)، من مؤلفاته: خرائط التجريب الروائي (دراسات)، النسر والألواح (قصص)، القيامة الآن (قصص) والمؤتفكة (رواية).

أسبوعية الصحيفة، العدد 122 (18/24 يوليوز 2003)

 

 

 

د. محمد أمنصور

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.