جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

عبد الحميد حَسو

العولمة والهوية الثقافية

 

مع بداية التسعينات، وانهيار المنظومة الاشتراكية، وتحول العالم إلى القطب الواحد بتربع أمريكا على عرش العالم، ظهر اصطلاح العولمة على السطح وأصبح موضوع الساعة، وهو لا يعدوا في هدفه أمركة العالم أجمع. والعولمة ليست ظاهرة جديدة، بل قديمة قدم التاريخ، عندما كانت تتصدر حضارة ما كباقي الحضارات وتقود العالم، فهي حصيلة النظريات السابقة التي أعدت ببطء قلب البنيات الاقتصادية والإنتاجية والعلمية والسياسية في كافة أنحاء الكرة الأرضية لتسقط مرة واحدة في جعبة أمريكا والصهيونية العالمية من خلفها. ولكن، ما هي الظروف والأدوات التي ساهمت في تشكيلها؟ هل ترمي إلى توحيد الثقافات المتعددة؟ هل تعني التوحد ونهاية الصراع والتناقض؟ هل هي شر مستطير ووجه كالح من أوجه الاستغلال، أم هي خير عميم وفرصة ثمينة سانحة فنغتنمها وننخرط في سلك المنتفعين بخيراتها؟. الكثير من الأسئلة تطرح نفسها بقوة على بساط البحث، ولكننا نجمل هذه الأسئلة كلها بسؤال واحد، "ما العولمة"؟.‏

يتصدى لهذه المهمة المفكران العربيان، الدكتور صادق جلال العظم والدكتور حسن حنفي، وهما أقدر المفكرين العرب على الإجابة عن هذا السؤال عبر هذه الحوارية التي تحمل عنوان، (ما العولمة) الصادرة عن دار الفكر بدمشق.‏

في بداية بحثه يتساءل الدكتور حسن حنفي، هل هناك عولمة من وجهة نظر الإسلام؟ ثم يعود ليتساءل ثانية عبر تحويل السؤال الأول، فيقول: ما دامت وجهات النظر في العولمة تتعدد، لماذا لا تكون هناك عولمة من وجهة نظر إسلامية؟ ثم يضيف: صحيح أن هناك وجهات نظر مختلفة بين اليمين المؤيد لمسار العولمة والذي يراها ظاهرة إيجابية، واليسار المناهض لهذا المسار والذي يراها ظاهرة سلبية، وأحد الأشكال الجديدة للهيمنة الغربية الرأسمالية، وقد تكون هناك وجهات نظر مختلفة بين اليسار التقليدي الذي يراها أحد أشكال الاستعمار الجديد واليسار الجديد الذي يرى إمكانية التوافق معها دون التنازل عن الإرادات الوطنية المستقلة. فالخلاف في وجهات النظر في العولمة بين اليسار واليمين، بين الاشتراكية والرأسمالية، بين النظم الوطنية والنظم التابعة، بين الخصوصية والعولمة، وليس بين وجهة نظر إسلامية ووجهة نظر غير إسلامية، ماركسية أو قومية أو ليبرالية. ويشير الدكتور حنفي إلى أنه قد يفهم من وجهة نظر إسلامية ما يسمّى منذ ثلاثة عقود من الزمان (إسلامية المعرفة) وأن الإسلام له رأي في كل شيء خاصة في العلوم الإنسانية كما تعبر عن ذلك دراسات (رابطة علماء الاجتماع المسلمين)، وذلك بأخذ نتائج العلوم الاجتماعية الغربية، ثم غربلتها بناءً على التصور الإسلامي المستمد جزئياً وانتقائياً من الآيات والأحاديث طبقاً لأهواء العلماء وأمزجتهم وانتماءاتهم السياسية وعقودهم الوظيفية. ونظراً لإشكالية موضوع العولمة، يرى الدكتور حنفي، إنه قد يتفق إسلامي تقدمي مع يساري وطني في التحليل الكيفي أكثر مما يتفق علماني وطني مع علماني عولمي كوسموبوليتاني (المواطنة العالمية)، فالخلاف ليس في الإسلام واليسار إذا كان كلاهما يمثل رؤية وطنية تقدمية، بل الخلاف بين الإسلام الوطني والإسلام التابع، بين اليسار الوطني واليسار التابع. ونظراً لتعدد الآراء والمدارس الفكرية الإسلامية فمن الصعب معرفة وجهة النظر الإسلامية، فلا توجد وجهة نظر واحدة بل وجهات متعددة، بل ومتعارضة طبقاً لموقف العالم السياسي والاقتصادي ووضعه الاجتماعي. إنما وجهة النظر الإسلامية التي لا خلاف عليها هي رعاية المصالح التي يسهل معرفتها بالإحصاءات الدقيقة لمكونات الواقع.‏

كما يرى الدكتور حنفي العولمة في بعدها السياسي، أحد أشكل الهيمنة السياسية بعد انهيار أحد المعسكرين وانفراد المعسكر الآخر بالسيطرة على العالم، فباسم العولمة تمحى الإرادة الوطنية المستقلة للدول والشعوب. فالعولمة شكل من أشكال الهيمنة والدولة الوطنية المستقلة نقيضان، وجود أحدهما ينفي وجود الآخر.‏

ويؤكد الدكتور حنفي على أن مخاطر العولمة على الهوية الثقافية إنما هي مقدمة لمخاطر أعظم على الدولة الوطنية والاستقلال الوطني والإرادة الوطنية والثقافة الوطنية، فهي تعني مزيداً من تبعية الأطراف للمركز، تجميعاً لقوى المركز وتفتيتاً لقوى الأطراف، لكنه يؤكد في الوقت نفسه على أن الدفاع عن الهوية الثقافية ضد مخاطر العولمة لا يتأتى عن الانغلاق على الذات ورفض الآخر، فهذا تصحيح خطأ بخطأ، ومجموع الخطأين لا يكون صواباً، إنما يتأتى ذلك أولاً بإعادة بناء الموروث القديم المكوّن الرئيسي للثقافة الوطنية، وثانياً كسر حدّة الانبهار بالغرب ومقاومة قوة جذبه، وذلك بردّه إلى حدوده الطبيعية، والقضاء على أسطورة الثقافة العالمية، ويمكن التخفيف من غلوائها ثالثاً عن طريق قدرة الأنا على الإبداع بالتعامل مع ماضيها وحاضرها، بين ثقافتها وثقافة العصر.‏

أما الدكتور صادق جلال العظم فيقول في مقدمة بحثه: جئت لا لأمتدح العولمة أو لأهجوها أو لأدفنها، حية أو ميتة، بل لأفهمها. يقول هذا الكلام لأنه يرى أن المطلوب في هذه اللحظة هو فهم العالم وتفسيره بشكل أفضل، وربما قبل فوات الأوان. ويقول هذا الكلام لأنه يرى أيضاً أن ظاهرة العولمة مازالت قيد التشكل والتكوين والصنع مما يعني، بالتالي، أولاً، أنها مازالت قيد الوصف والرصد والدرس والتحليل والتفسير في كل مكان عموماً، وثانياً، أن كل شيء عنها وحولها مازال، حتى اللحظة موضع سجال ونقاش وجدال وفرضيات واقتراحات وإشادات لا أكثر.‏

ويقول الدكتور العظم عن العولمة: إنها ليست سوى (عمولة) حيث تبدو الولايات المتحدة فيها بصورة البلطجي العالمي الذي يحمل بلطته مهدداً للحصول على (عمولة)، إنها عولمة الارتزاق والعسكرة، القائمة على إشاعة ثقافة كوسموبوليتانية (المواطنة العالمية) استهلاكية سفه في ابتذالها وتفاهتها الإعلامية المغتصبة للعقل. فنظام العولمة لا يكتفي بالحصول على مواد خام وطاقة رخيصة من الأطراف على الطريقة القديمة، بل يحصل أيضاً على مصادر جديدة ورخيصة لقوة العمل، مدعومة بجيش العمل الاحتياطي المتوفر والمتشكل عولمياً. من هنا الشكوى الكبيرة في بلدان المركز من أن العولمة تخلق البطالة في بلدان اعتادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على العمالة شبه الكاملة.‏

ثم يتساءل الدكتور العظم، هل سيؤدي أخذ العولمة مجراها الطبيعي إلى نشوء نمط إنتاج واحد يسيطر في كل مكان وفي كل القطاعات والأصقاع على وجه الكرة الأرضية على الرغم من تفاوت مستويات إنجاز الإنتاج هذا من مكان إلى آخر؟ ولا يعطي الدكتور العظم جواباً ولو احتمالياً لهذا الإشكال بل يكتفي بالقول: لا أعتقد أن أحداً يعرف الجواب. لكن السؤال جدير في نظره، بالتأمل والبحث والدراسة والاستقصاء والنقاش. وفي التحديات التي تطرحها ظاهرة العولمة على الدول العربية اليوم، ينقل لنا الدكتور العظم عن الخبير الاقتصادي مفيد حلمي قوله: ليس من المفيد للدول العربية الآن إضاعة الوقت في صياغة المبررات للتشكيك في مسألة العولمة وأخطارها على العرب مع كثرتها وتنوعها. كما ليس من المفيد بالمقابل استهلاك الوقت الثمين للتسبيح بحمد العولمة والنوم على وعود أصحابها ورعاتها الأقوياء في الساحة العالمية، الذين يبشرون بخيرها للبشرية جمعاء وللعالم بمراكزه وأطرافه. فالقضية الجوهرية بالنسبة للدول العربية الآن ليست وقف زحف العولمة أو التعلق بركابها، وإنما أن تتعامل مع هذه الظاهرة أو النظرية المعلنة المجسدة بالنظام الاقتصادي العالمي المعاصر، بمنتهى الحكمة والمسؤولية والواقعية والموضوعية، منطلقة من اعتمادها على الذات الوطنية، أولاً، وعلى الذات العربية الأوسع شمولاً وعمقاً، ثانياً، وعلى تعاملها مع الظواهر الاقتصادية العالمية الأساسية، ومنها الآن ظاهرة العولمة الأكثر بروزاً وتأثيراً من مواقع المشروع الاقتصادي العربي المتكامل الموحّد الأكثر تجاوباً مع لغة العصر.‏

عن الأسبوع الأدبـي

أرشيــف

 

 

 

 

 
 

 

 

 

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.