أيدت محكمة الاستئناف الأردنية قرار محكمة بداية جزاء عمان بحبس
الشاعر موسى حوامدة ثلاثة اشهر ودفع الرسوم، محولة القضية من
تهمة مخالفة قانون المطبوعات إلى جنحة، على خلفية كتابه الشعري
شجري أعلى الصادر في بيروت عام 1999عن المؤسسة العربية والذي
قامت دائرة المطبوعات والنشر الأردنية بمصادرته في شهر مارس آذار
عام الفين بحجة تغيير العنوان من «أستحق اللعنة» إلى «شجري
أعلى»، وجاء ذلك بعد الضجة التي أثارها الإسلاميون ضد صاحب «شجري
أعلى» في المساجد والتي أعقبتها حملة من الفتاوى أطلقها عدد من
نواب وأعضاء الحركة الإسلامية بتكفير الشاعر والمطالبة بهدر دمه
وتطليق زوجته، الأمر الذي تبنته الحكومة الأردنية فيما بعد ووجهت
له تهمة الردة رسميا في المحكمة الشرعية.
وظلت القضية تدور في المحاكم الشرعية ومحكمة الاستئناف الشرعية
أكثر من سنة ونصف وبعد خمس محاكمات رسمية ردت القضية نهائيا
وأسقطت تهمة التكفير عن الشاعر في شهر تموز عام 2001، لكن دائرة
المطبوعات والنشر الأردنية أعادت رفع القضية من جديد أمام محكمة
بداية جزاء عمان، وبعد عام كامل من الجلسات والمحاكمة حكمت
المحكمة برئاسة القاضي وليد كناكريه ببراءة الشاعر في منتصف عام
2002. لكن المدعي العام الأردني رفض الحكم وأحال القضية من جديد
إلى محكمة بداية جزاء عمان حتى أصدرت من جديد، وبرئاسة القاضي
نشاـ الأخرس، حكم حبس الشاعر حوامدة ثلاثة اشهر في 8 أيار العام
الجاري، إلا أن الأستاذين جواد يونس ومحمد عياش ملحم محاميي
الشاعر رفضا الحكم وقدما لائحة استئناف خلال المدة القانونية،
لكن محكمة الاستئناف رفضت إعادة النظر في الحكم وأكدت عليه محولة
التهمة من مخالفة قانون المطبوعات إلى جنحة ؛ وجاء في قرار محكمة
الاستئناف التي عقدت برئاسة القاضي عبد الكريم فرعون وعضوية
ياسين العبد اللات وأحمد ولد علي، أن النيابة العامة كانت قد
أسندت للمستأنف جنحة مخالفة أحكام المادة 35 من قانون المطبوعات
والنشر وإهانة الشعور الديني خلافا للمادة 278 من قانون
العقوبات، وذلك على سند من القول أنه وبتاريخ 5-5- 1999 تقدم
المشتكى عليه( موسى) لدائرة المطبوعات والنشر من اجل اجازة مخطوط
تحت اسم استحق اللعنة حيث تمت الموافقة على إجازته شريطة أن يقوم
المشتكى عليه بحذف وشطب بعض العبارات التي تشمل على تحقير إحدى
الديانات والمذاهب المكفولة حريتها في الدستور والإساءة إليه إلا
أن المشتكى عليه لم يقم بهذا الشطب بل قام بطباعة هذا المخطوط
بعد تغيير اسمه من استحق اللعنة إلى شجري أعلى الذي لم يعرض على
دائرة المطبوعات والنشر وبتاريخ 8-5اصدرت محكمة الدرجة الأولى
حكمها القاضي بإدانة المستأنف بجنحة إهانة الشعور الديني والحكم
عليه بالحبس ثلاثة اشهر مع الرسوم.
ورفضت محكمة الاستئناف
قبول أي من أسباب الاستئناف التي قدمها المحامي جواد يونس والتي
نصت على ان محكمة البداية لا تملك صلاحية النظر بجرم إهانة
الشعور الديني بخصوص ما نشر في ديوان شجري أعلى وان دعوى الحق
العام لا تقام بغير النيابة العامة وان قرار الظن انحصر في جرم
مخافة أحكام المادة 35 من قانون المطبوعات والنشر وان الحكم قام
على البطلان في الإجراءات ومخالفة القانون والأصول لعدم إجراء
الخبرة الفنية فيما جاء في قصيدة يوسف بل تجاوز ذلك إلى الحكم
بالعلم الشخصي أدى إلى فهم مغلوط للنص وان جريمة إهانة الشعور
الديني تقع في دائرة الجرائم التي تمس الأديان حيث تطلب المشرع
توافر عناصر منها ان يكون النشر غير مجاز وان تتوفر في النشر
إرادة ارتكابه قصدا وانه تمت محاكمة المستأنف أمام المحاكم
الشرعية وبرئت ساحته لكن محكمة الاستئناف رأت أن محاكمة المستأنف
أمام المحكمة الشرعية لا تؤثر من حيث النتيجة على الحكم كون
قانون العقوبات افرد حكما خاصا لمرتكب هذا الجرم بمعزل عن
القوانين الشرعية التي تطبق على مرتكبه أمام المحاكم الشرعية كما
أن من حق المحكمة أن تعدل وصف التهمة المسندة للظنين الذي يحاكم
أمامها أعمالا للمادة 234 من أصول المحاكمات الجزائية وان من حق
المحكمة محاكمته أيضا على جرم إهانة الشعور الديني إضافة إلى
مخالفة قانون المطبوعات والنشر.
كما رأت محكمة
الاستئناف أن في قصيدة يوسف الواردة في شجري اعلى مغالطة واضحة
وتكذيب وإنكار لما ورد في سورة يوسف عليه السلام في القرآن
الكريم وحيث إن ما ورد في هذه القصيدة وبغض النظر عن المرامي
الكامنة في نفس الشاعر نجد فيه إساءة واضحة لمشاعر المسلمين، كما
أن إجازة النشر كان بشرط تغيير بعض المواضيع في المخطوط ولعدم
التزامه بنص المادة 35ب تم سحب الإجازة الممنوحة كما أن إجازة
دائرة المطبوعات لا تضفي المشروعية على جريمة ارتكبت ويعاقب
عليها القانون مما يجعل هذا السبب غير وارد على الحكم المستأنف
ولا ينال منه ويغدو مستوجبا.
الشاعر موسى حوامدة من
جانبه قال بعد تسلمه قرار الاستئناف الجديد: لا اعرف كيف تقر
محكمة الاستئناف عدم التزامي بحذف أو شطب ما طلب مني، رغم أن ذلك
لم يحصل فالدائرة أجازت الكتاب كاملا ولم تطلب مني حذف أي مقطع
شعري كما أن دائرة المطبوعات لم تقدم ما يثبت ذلك لدى محكمة
البداية فكيف تقر ذلك محكمة الاستئناف، صحيح أنني غيرت اسم
المجموعة لتلافي أي نقد ديني وسلمت نسخا من الكتاب للدائرة ولم
تعترض عند صدور الكتاب، وقال حوامدة: احترم القضاء ولا أريد أن
اشكك في نزاهة القضاة لكن محكمة بداية جزاء عمان لم تأخذ برأي
النقاد والخبراء في تفسير القصائد كما انها أغفلت عنصرا أساسيا
في القضية وهو المقاصد او المرامي النبيلة للشعر والتأويل الذي
حث عليه القرآن واستغرب أن المحكمة المدنية أقل رحمة من المحاكم
الشرعية التي برأتني وقبلت تفسيري للقصائد ولم تصر على تكفيري بل
بالعكس أن محكمة الاستئناف الشرعية الأولى قدمت بيانا أدبيا
وفقهيا متسامحا في قضية الإيمان والتكفير، فإذا كانت المحكمة
الشعرية او الشرعية على الأدق قد أسقطت القضية فكيف لا تأبه
محكمة الاستئناف بذلك وتحول التهمة من مخالفة إلى جنحة وتؤيد
استخدام أعلى حد للعقوبة.
وأضاف :كان على محكمة الاستئناف مع احترامي لها أن تميز بين
الشعر والقول العادي فانا لم اشتم الدين أو اسب احد الرسل لا سمح
الله، ولم تتوفر عناصر جرمية لإهانة شعور المسلمين فأنا مسلم
وأحترم الإسلام والقرآن والمسلمين وليس لي غاية في تأليب أحد ضدي
أو حتى مجرد ازعاج أو إهانة مشاعر احد، كما أن إهانة الشعور
الديني يجب أن تكون ضد دين آخر، وليس ضد دين المتهم نفسه وأن
تتوفر عناصر الجريمة أي أن يكون قاصدا ذلك، وهذا لم يكن متوافرا
عندي مطلقا، وكل ما ورد عبارة عن رؤيا لقصة نبوية وردت للعبرة
وتحتمل تاريخيا كل تأويل فكيف حين تأتي في قصيدة أو كتاب شعر، أن
الشعر فوق المنطق والكلام العادي وأسبق منهما، كما أن عصر جسد
الشعر في قبضة القوانين ضيقة الأفق سابقة خطيرة في ظل توالي تقدم
الحياة نفسها وتحديث القصيدة العربية.
خاص
بأصداء
|