جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

 
 
 

فاطمـة ناعـوت

الخروجُ بالنقدِ الأدبيِّ من حَيِّز النصِّ إلى فَلَكِ التوجّه الثقافيّ

   

يشيخُ المرءُ حين يعزفُ عن رؤية الجديد، فضلا عن الاعتراف بأحقية وجوده ، لذلك فإن د. مصطفى ناصف – الفائز مؤخرًا بجائزة العويس في الدراسات النقدية – لا يشيخ، إذ هو يؤمن، انطلاقًا من فكرة الاعتراف بالآخر، بأن الكتابةَ ليست بالضرورة التزامًا بصدق التطابق مع النفس ، ولا التزاما بصدق التطابق مع الواقع، حيث ذهب مع الذاهبين نحو التشكك في إطلاقية فكرة الذات والواقع. ويرى أن المقولات المتعارضة، لا ينفي أحدُها الآخرَ، لكنها تتجادل وتتفاعل في كلٍّ مركّبٍ ذي عناصرَ تختلطُ وتمتزج حينًا، و تتسق اتساقًا داخليا حينًا آخر. ويأخذ على الطابع الأكاديميّ الحاليّ في النقد الأدبي تراخيه عن تحمّل المسئولية نحو المجموع الثقافيّ الواسع وأنه لم يتحرك عن منطقة السطح كثيرا. فالتوجهات الأدبية في النقد عند الغرب مثلا، بحكم طبيعة المجتمع الغربيّ، كانت مواقفَ من الصناعة و تطورها والانتقال بها إلى وجهها الجديد وهي ثورة المعلومات ، وعلى هذا فمن الخطأ و العبث في آن، أن نستورد تلك الاستجابات من مجتمعاتٍ صناعيةٍ لنطبِّقها على مجتمعٍ زراعيّ، بل في أولى أطوار الزراعة. ذاك أننا على هذا النحو نفصل الاستجابة عن مثيرها الحقيقيّ، أو نأخذ النتائجَ بغير الأخذ بالمقدمات وعلى هذا يرى د.ناصف أننا قد أسأنا استخدام الأدب في مجتمعاتنا العربية حيث تعاطيناه من مآخذه السهلة الجاهزة فغرقنا في لجّة التباينات والتناقضات الصارخة التي نعاني منها الآن.

في كتابه "النقد العربي نحو نظرية ثانية" ، يستنكر د.ناصف ما يشبه الرومانسية في ممارسة النقد العربي ،حيث يرى أن النقاد حوّلوا النقدَ العربيَّ إلى طللٍ يُبكى عليه. كما حاول إخراج النقد من دائرة خدمة الأدب إلى دائرةٍ أشمل و أوسع صدىً هي سبر المواقف الثقافية للمجتمع وتحليلها، متجهًا إلى البحث عن مفهوم السلطة بمفهومها الواسع قديما وحديثا وسقوطها وخفوت الإيمان بها في العصر الحديث على كل الأصعدة، من خلال تأملات وملاحظات لغوية مستخرجة من نصوصٍ أدبية تحت الدرس. في مقارباته النقدية لعمل أدبيّ، لا يعمد د. ناصف إلى التخديم على النص أو تطبيق مفاهيمَ نقديةٍ وتكييفها على بنيته، لكنه عوضًا عن ذلك يسعى إلى خدمة المفهوم الأوسع للثقافة، وفي هذه الحال يصيرُ النصُّ الأدبيُّ مادةً أو أداةَ تطبيقٍ لرصدِ هذا المفهومِ أو توضيحٍه.ولهذا نراه في أحايين كثيرة يجادل تلك النصوص حتى تنطق بما يشغله. ولعل هذا هو ما فعله في تحليله شعر أحمد عبد المعطي حجازي مثلا، حيث دلّل من خلال بعض نصوصه على فكرة أن المجتمعات النامية تهوى العيش على الأطلال، بالدلالة الفلسفية لمفهوم الطلل لا بالمعنى الحرفيّ المعجميّ للكلمة. فالطللية، حسب د. ناصف، كامنةٌ في العقل العربيّ بوجهٍ عام لأنها فلسفةُ حياة، ورؤيةٌ ثقافية للكون. ففي قلب كل عربيٍّ ثمة طللٌ يبكيه، و لو لم يجده لخلقه ، يحبُّه ويدافعُ عنه، وينكره في الوقت ذاته . وكذلك فإن بداخلنا نحن العرب أزمانًا عديدة تتجاور وتختلط و يعدو بعضها على بعض، ذاك أنّا نقفُ من الحداثةِ موقفين اثنين، نلبسها حينًا، ونخلعُها حينًا آخر ، فإذا خلعناها وقفنا على أطلالنا.

قد يكون من الطريف أن نعرف أن د.ناصف كتب عن صلاح عبد الصبور كتابا لم يرَ النورَ حتى الآن لكنه مازال مخطوطًا( وأنتهزُ هذه الفرصة لأناشده نشره).غير أنه تواصل مع أجيالٍ أحدث من الشعراء حيث تناول نقديًا مراحل الشعر التالية لعبد الصبور وحجازي في كتاب "ثقافتنا والشعر المعاصر" الذي عالج فيه بعض شعراء السبعينيات ومن تلاهم.

هو إذًا غير عازفٍ عن متابعة الكتابةِ الجديدة حدَّ أنه في بعض الأحيان يختبر قصائد حديثة بعرضها على تلامذته في الجامعة، وقد فعل ذلك مع قصيدةٍ لي بعنوان" مياهٌ قديمة"، في محاولةٍ منه لرصد التلقي الجديد لتلك الكتابات الجديدة من خلال الذائقة الجديدة .

" الدراسات الأدبية والوعي الثقافي" هو الكتاب الذي يعكفُ عليه الآن، يدرس في جزء كبير منه تطورات الشعر الجديد الذي اجتاح نقلةً واسعة الأمر الذي أثار في نفسه سؤالا ملّحا عن الحساسية الجديدة في الكتابة وقيمة "الاكتراث"،مداره : هل الكتابة الجديدة محاولةٌ من المبدع لفضِّ نزاعه الداخليّ عن طريق تهميش الأشياء، أو عن طريق قلب المائدة على رؤوس السلف؟ لكنه لا يذهب إلى أن الشعر الجديد بكامله خالٍ من قيمة المقاومة ، فكل مادة ثقافية لا تخلو من قدر من الانشغال بالهمِّ العام والمقاومة. وفي دراسة مطولة له عن قصيدة النثر والجدل المثار حولها قال ما معناه أن هذا الشعر هو رؤية ثقافية عامة ولا ينبغي تفريغها من مضمونها على هذا النحو الذي يخلق كل تلك السجالات.

ويطيب لي في هذا المقام أن أضع تحت ناظري د.ناصف رؤيةً مغايرة حول قضية عدم الاكتراث التي يسمُ بها البعض الكتابات الجديدة، فأقول بوصفي إحدى المساهمات في تلك الكتابات، أن الهمَّ العامَ لا يغيب عن وعي وكتابة الشاعر الجديد، لكن مناطق التقاطها هي التي اختلفت عما سبق، إذ يعمد الشاعر الآن إلى التسلل إلى القضايا الكبرى عبر نقاطها الصامتة الخبيئة غير المطروقة، نقاطها المهمّشة المهملة التي ترفَّعَ الشاعرُ القديمُ عن مقاربتها مما جعل غير واحدٍ من النقاد ومنهم، د. ناصف، يصف الكتابة الجديدة بأنها لم تعد رفيعة.

في حديث سابق لي مع د.ناصف تكلم عن "طاقة الكلمة. فإذا كان العقاد قد أعلن قبل أكثر نصف قرن: " إذا فقدت الثقافة دفعة الحياة، صارت شيئًا يُكتب لا شعيرةً نافعة" فقد ذهب د.ناصف إلى أن دفعة الحياة هنا هي الطاقة التي تحملها الكلمة.فقديما كانت للكلمة طاقة، سقطت تلك الطاقة بفتور الإيمان بالزعامة أو القيادة، وأصبحت الكتابة الجديدة لا تبحث عن طاقة الكلمة لكنها تجنح نحو الاختلاف وحسب. وهو يعني بطاقةِ الكلمة التوجّه العام ووضوح الهدف واستخراج ما في النفس من ذخيرة . والتبعة هنا – يقول د.ناصف - تقع على المجتمع بأكمله لأنه لا يطالب الشعراء بأن يصبحوا مصلحين و مخلّصين في ظل تلك الظروف العسيرة.و وجه كلامه لي قائلا : لا يمكنني وضع كل الكتابات الجديدة في سلة واحدة ، فمثلا محاولة استرجاع الحاسّة العلمية ومحاربة الطغيان الأدبي في الكتابات شيءٌ محمود ، مثلما أجد في كتاباتك مثلا، فأنا، كشيخٍ كبير ينتمي إلى هذا المجتمع، يسرني أن أقفَ على تلك الحساسية العلمية التي خسرنا كثيرا بإهمالها. أما احتجاجه على طرائق تدريس النقد الأدبي في الجامعات المصرية فيقوم على اعتقادٍ عنده بانطلاق التدريس الأدبي في معظم الأحيان من الهوى الشخصي للأساتذة حيث لا خططَ ولا أهدافَ عامةً توجهها. فالحرية الشخصية المطلقة في التدريس الجامعيّ تحمل، إلى جانب وجهها المضيء، وجها محزنا ومقلقا هو جعْلها الدرس الجامعيّ غير ملتزمٍ في كثير من الأوقات بمنظور ثقافي نابع من احتياجاتنا وأزماتنا الحقيقية، وإنما نابع من منظور نخبوية و عزلة.

هو رجلٌ في حال كتابة طوال الوقت، فهو يكتب فيما يتكلم وفيما يفكر. أو بكلمات أخرى : هو يفكرُ كتابةً. أجابني مرةً حين لفتني صِغَر حجم خط يده إلى الدرجة التي تصعب معها قراءته بقوله إنه يكتب كلماته شديدة الصغر حتى يستغرق وقتا في كتابتها ليمنحَ نفسَه فرصةً أكبر للتفكير أثناء الكتابة.له أكثر من عشرين كتابا في التوجهات النقدية، والتوجه الثقافيّ نحو الأدب. بدأها بكتاب "الصورة الأدبية" عام 1959 .و أصدرت له "عالم المعرفة" ثلاثة كتب منها " اللغة والتفسير والتواصل" ، "محاورات مع النثر العربي" و" النقد العربي نحو نظرية ثانية"، و من كتبه الحديثة " نظرية التأويل" و " نظرية الحداثة صوتٌ وصدى"، ثم كتاب تحت الطبع هو "الدراسات الأدبية والوعي الثقافي".وعندي أن هذه الكتب شديدةُ التماسك حيث لا تعمد إلى منهجِ الأخذِ من كل شيءٍّ بطرف وإنما هي كتاباتٌ يُسلِم بعضُها إلى بعض نحو مشروعٍ فكريٍّ متكاملٍ وفْقَ منظومةٍ من الأهدافِ والرؤى المحددة، الأمر الذي جعل كتاباته تحمل رسالةً تتنامى وتكتمل معالمُها من كتابٍ إلى آخر. تحية إجلالٍ واعتزاز بهذا المفكر ذي الروح الوثابة .

قراءة مقال آخر لفاطمة ناعوت في الموقع الحالي

أرشيـف الموقـع

قراءة مواد شعرية لفاطمة ناعوت في الموقع الحالي

 

 

 

فاطمـة ناعـوت

atma_naoot@hotmail.com

جماليـــات

إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.