1) ما هي في اعتقادكم
القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها المجلات الثقافية
الالكترونية ؟
الحديث عن وجود «قيمة مضافة» بصيغة الإمكان يُضمر تصور وجود
مستوى تتكافأ فيه المجلات الورقية ونظيرتها الرقمية، ثم بعد
ذلك «قد» تضيف هذه إلى تلك شيئا ما و«قد» لا تضيف.
نظريا التكافؤ ممكن، بل ومتاحٌ للمعاينة واقعيا، من خلال
تصفح بعض مما يُنشر في الشبكة؛ فالنسخ الإلكترونية لمجلات،
مثل «الكرمل» و«نزوى» و«فكر ونقد»، هي إعادة إنتاج حرفي
لإصداراتها الورقية، بل وربما بخصم: في «فكر ونقد» تغيب
إعدادات الصفحة الأصلية، وفي «نزوى» تغيب الصور المنشورة في
الطبعة الورقية... الرقمية وسيطٌ يستوعب مُجمل مُكونات نظيره
الورقي المطبعي ويتجازوها من حيث إتاحته نشر ليس الكتابة
الخطية والصورة فحسب، وهو ما يقف عنده النشر الورقي، بل
وكذلك الصوت والملفات السمعية - البصرية، فضلا عن قابلية
المنشور، نصا مفردا كان أو منبرا بكامله (صحيفة، مجلة،
كتاب)، للارتباط تشعبيا بمجمل النصوص الموجودة في الشبكة،
بمعنى وضع نصوص الإحالات كاملة بين يدي القارئ.
2) إلى أي حد يتجاوب
المثقفون العرب مع منابركم الثقافية الالكترونية ؟
مع حادث الرقمية، تعدلت الخريطة الثقافية، في الوطن العربي
وغيره، بحيث صرنا الآن إزاء صنفين من المثقفين: صنف يمكن
نعته بـ «التقليدي الورقي»، وآخر بـ «العصري الرقمي».
الأول لازال متقوقعا في عالم الورق قراءة ونشرا، يساهم في
مضاعفة التقليد الشائع (السلفي والأصولي) على نحو غريب لأن
للسلفيين والأصوليين صروحا هائلة اليوم في الشبكة. ويكاد هذا
النوع يغيب كليا عن الشبكة لأن حضوره فيها يكون غالبا بشكل
غير مُباشر، إذ يتم فقط من خلال النسخ الإلكترونية لمنابر
إصداراتهم الأصلية صحفا كانت أو مجلات (القدس العربي،
الزمان، الشرق الأوسط، الكرمل، نزوى، الخ.). وهذه الفئة لا
سبيل للحديث عنها.
أما الثاني (العصري الرقمي)، فيتألف من خليط من الأصناف
الفرعية التي يمكن التمييز فيها بين ثلاثة أساسية: هناك
مُخضرمون يزاوجون في النشر بين الورق والرقم، وآخرون حصلوا
على وضعهم الاعتباري بوصفهم أدباء في الشبكة فلازموا النت،
وهؤلاء قلة، ثم آخرون انطلقوا من الأنترنت، حيث حصلوا على
شهرة واسعة، ثم التحقوا بالنشر الورقي. ما يوحِّدُ هذه
الأصناف الثلاثة عموما هو التهافت على منابر النشر، بحيث تجد
النص الواحد يُنشر في عدد كبير من المنابر دفعة واحدة، بصرف
النظر عن اختلاف توجهاتها، ثم الاحتشاد في منابر معينة، مثل
كيكا ودروب.
من حيث الإقبال على المنابر الرقمية، أظن من الضروري التمييز
فيه بين نوعين: تردد للقراءة والمطالعة والتصفح، وآخر للنشر.
شخصيا، أجد لمواقعي الثلاثة: الشخصي، ومجلة ميدوزا
ومنتدياتها، إقبالا جيدا عموما، سواء من حيث الترتيب على
مستوى المواقع المغربية أو العربية، وكان بالإمكان أن يكون
أفضل بكثير لو واصلتُ التحديثات الشهرية التي توقفت في يونيو
من عام 2005 لأسباب تتعلق بغياب فريق يتولى هذه التحديثات،
لكن أيضا بسبب اجتناب الاحتشاد آنف الذكر.
3) هل تعتبرون أن
الإعلام الثقافي الالكتروني يمكن أن ينهي وظيفة ودور الإعلام
الثقافي الورقي أم ترون أنهما يكملان بعضهما البعض ؟
الجواب عن سؤال مثل هذا، يقتضي التمييز بين مستويات من
التوقع، من جهة، وتحديد السياق المعني بالعلاقة بين الرقي
والورقي من جهة ثانية:
في التوقع، يجب الفصل بين أمداء ثلاثة: قصير، متوسط، وبعيد:
في المدى القصير لا شيء يبدو منبئا بنهاية مؤسسة النشر
الورقي، وضمنها الإعلام الثقافي؛ فالمطابع لازالت تدور بكثرة
وعدد السحوب مرتفع، وواجهات المكتبات تعرض الجديد تلو الجديد
والأكشاك تعرف رواجا كبيرا، ولكن ثغرة تم فتحها من لدن
الرقمية، هي تشتغل الآن، وستواصل اشتغالها... في مدى متوسط،
ستتعادل المؤسستان. وهناك ستبدأ المعركة بين القطاعين، لأن
التزايد المتواصل للمساحة التي سيشغلها الرقمي سيُشعر مؤسسات
النشر التقليدية بأن بنيانها العريق المشيد منذ قرون هو مهدد
بالتقويض من الأساس. وفي المدى البعيد، ستختفي المؤسسة
الورقية تماما كما اختفى وراقو العصور الوسطى على إثر ظهور
المطبعة. يقال إن تداول الورق سيختفي في غضون ثلاثة عقود.
يبدو الأمر صعب التصديق الآن، ولكن ألم تواجه المطبعة لدى
اختراعها بالاستخفاف نفسه؟
أما مسألة ضرورة استحضار السياق، فيقتضيها واقع الفجوة
الرقمية الشاسعة التي تفصل دول الشمال عن نظيرتها في الجنوب
التي تأويها حشود ممن يسمون بـ «المطرودين من الجنات
الافتراضية». فحسب منظمة نقابية أمريكية فقد 000 18 صحفي
أمريكي وظائفهم في عام 2006 على إثر التمدد المتزايد الذي
تشهده الصحافة الإلكترونية. بحكم انتمائنا للجنوب، من الصعب
أن يقع هذا الأمر غدا. بل وقد يجد التأمل نفسه إزاء أسئلة من
ضرب آخر مثل: بالنظر إلى الانتشار الواسع لنسبة الأمية
بمعناها البدائي (عدم معرفة القراءة والكتابة لا غير)، هل
نضطر لاجتياز قرون أخرى في ظل الثقافة الورقية أم لا مناص من
حدوث طفرة تضع الجميع في مستوى واحد؟
المعطيات السابقة تبدو بعيدة عن السؤال، ولكنها تحدد برأيي
مصير هذه الوظيفة التي تبدو الآن متكاملة بين قطاعي الإعلام
التقليدي ونظيره الرقمي، ولكنها تتعرض لخلخلة عميقة لن تبدو
آثارها الآن بشكل جلي، وستتبلور بمقدار توغلنا في الألفية
الثالثة التي نعيش لحظاتها الأولى.