كريستيان بلانتان / Christian Plantin [*]

لغة المحاجة و اللغة الواصفة métalangage [**]

ترجمة: نصيرة الغماري / المدرسة العليا للأساتذة

ما هو جدير بالملاحظة في الكلام العادي أنه يتحدث عن كل الموضوعات و عن نفسه خصوصا . إنه يسمح بالمرور إلى مستوى " ميتالساني " métalinguistique وهو بهذا يجيز بأن نحاجج و نتحدث عن المحاجة . إننا نتحدث عن المحاجة في اللغة العادية عندما نبذل جهدا في التفكير في هذا التطبيق اللساني. انطلاقا من هذه الخطابات التلقائية تبرز بعض التوجّهات التي تتأسس ضمنها اللغات الواصفة النظرية métalangages théoriques و النظريات الحجاجية .

أ.المحاجة :الأعباء على الكلمة

1 -العلاقة الحجاجية la relation argumentative

* لتكن سلسلة من ملفوظين ،{م1،م2}

بداهة ، نقول لهذا الخطاب علاقة بالمحاجة ،بل إن الأمر يتعلق بالمحاجة إذا ما استطعنا شرح هذا الخطاب بواسطة أحد الملفوظات التالية :

م1 يعلل ،يبرر ، يقرّ ،يدافع عن ، يؤسس،

يسمح بالاعتقاد ،بالقول ،بالتفكير في

يدعم ،يعضد ،يستلزم

يتسبّب في ، يفسّر ، بثبت ، يبرهن على …م2

يقدّم م1 كدليل صادق لقبول ، تصديق …م2

يتلفّظ ب م1 في سبيل ،بقصد ، بنية الحمل على: قبول ،فعل فعل ،فعل قول …م2

وهكذا تستطيع العلاقة "حجة –نتيجة " argument-conclusionأن تصاغ في جملة واحدة كما يمكنها أن تتوضّح تحت شكل ملفوظين موصولين بواسطة رابط connecteur:

م1 من ثم ،إذا ،بسبب ذلك…م2.

و بصورة عكسية ، يمكن القول إن النتيجة م2 هي مؤكدة بالاعتماد على الحجة م1 ،أين تظهر النتيجة في المقام الأول كما في الشروح التالية :

م2 بالنظر ل ،بما أن ،إذ إن ،

لكون ،لأن ،من جهة أخرى …م1.

* يمكن لهذه العلاقة أن تصاغ بطريقة أقل وضوحا إلا أنها تشكل موضوع التطورات المعمّقة في إطار النظريات اللسانية للمحاجة (الفصل 12).

إذا قلنا م1 ، فمن منظور م2

السبب الذي من أجله نتلفظ ب م1 هو م2

معنى م1،هو م2

ب- الخطابات حول كلمة محاجة

إن كلمة Argumentation هي قبل كل شيء كلمة منتمية إلى اللغة الفرنسية العادية .و بهذا الوصف ،لا يمكنها أن تتملص من نصيب الكلمات المشترك للغة الذي هو الاشتغال في إطار شبكة .و لهذا الصنيع نتائج أكيدة بالنسبة إلى التفكير في المحاجة .

ويسمح النص الآتي ، المنتج بفعل تركيب مصطلحات كثيرا ما تجتمع في المحاجة ،بتكوين فكرة عن هذه الشبكة ،حيث إن بعض العناصر الراجعة إلى هذا الحقل " المقولب " أو "المترابط " أعيد تركيبها في خطاب عفوي عن المحاجة ؛و بالتالي خطاب واصفmétadiscours ، يسهُل تصفح تنظيمه وفق الأسطر الآتية:

"للمحاجة وجه معرفيcognitive face :أ ن تحاجج يعني أن تمارس فكرا صائبا .و بواسطة الإجراء التحليلي و التأليفي نبني مادة ،ثم نطرح قضية للنقد ؛إننا نفكّر ونفسًر ونبرهن بواسطة الحجج و العلل و الدلائل.كما نقدّم الدوافع.وبهذا تكون خلاصة المحاجة اكتشافا ،حيث تنتج إبداعا أو لا شيء أقلّ من المعرفة ".

"يعمل المحاجج على عرض البديهي ؛إنه يفصّل منطقا للخطاب في لغة متحكم بها حيث تتوضح فكرة سليمة ،و لكنها مغرية أيضا ،تعرف كيف تكون جادة أو ساخرة ،دون أن تكفّ عن أن تكون متماسكة "

"تشتغل المحاجة وفق الحالة في الحياة العادية .إنها تمسّ في الميدان الاجتماعي الاقتصادَ ، (حيث تسمح بالقيام بالدعاية و تساعد على البيع ) و القضاءَ (الدعوى )و السياسةَ و السلطةَ .إننا نحاجج في الأوضاع المتضمّنة خيارا ،بناء على معارضة ممكنة تحتّم علينا تقديم تبرير ،ومن ثمّ ، يتوجب علينا أن نوظًف الفعل و نتّخذ القرار المناسب".

"إن قدرات المحاجج صاحب الذوق للفحص النقدي تتمظهر في نقاش الأفكار حيث تتواجه الآراء و تتلاقى الاعتراضات ؛غير أن هذا الأخير لا يستلزم أن نتخلى عن إقناعنا للخصم .إنه يفترض إيجاد مسافة ما تسمح بالقيام بالاختيار المناسب ."

"غير أنه يجب أن نحذر هذه الملائكية ،ذلك أن النقاش يتحوّل بسهولة إلى جدل .المحاجة نشاط متّهم بما تحمله من استدلالات زائفة و سفسطات و استنتاجات مضللة و موهمة .إنها تترك الطريق مفتوحا للجدل الفارغ و للنية السيئة .حيث يتحول المحاجج إلى معلّل و مماحك و سفسطائي . ما المحاجة إلا قناع لاستعراض القوى الصرف؛ لذا فإننا نجهد أنفسنا في ضبط استراتيجيات وفي توظيف أسلحة للفوز، في معركة تضع حدا لاستطالة المحاجة القادرة على إفحام الخصم الذي نفقده سياق خطابه ."

من جملة النصوص المقدّمة أعلاه ، يتشكّل لدينا مقطع خطابي من اللغة الفرنسية مجهول النسبة عن المحاجة منظّم إجمالا ،وفق خمسة "خطابات –فرعية "sous-discours:

- خطاب عن المعرفي ؛discours sur le cognitif

- خطاب عن اللساني ؛discours sur le linguistique

- خطاب عن الاجتماعي ؛discours sur le sociale

- خطاب عن التفاعل التعاوني ؛discours sur l’ interaction coopérative

- خطاب عن التفاعل الجدلي.discours sur l interaction polémique

يحتوي هذا المعجم على اقتراحات ثرية ،التي يمكن أن نقرر تعمّقها أو لا . فبالنسبة إلى كلمة "صواب"، على سبيل المثال ،لنقل إنه يجب ألا نضحي بما هو صائب بسبب مقتضيات ما هو عقلي ؛لأن الاستدلال الصائب لا يؤدي حتما إلى القرار الصائب و الانضباط لا يجرّ حتما الإنصاف .علينا أن نسجل أن تكويم العلل ينتج دون أدنى شك محاجة ،لكننا لا نتحصّل على استدلال .

3- ضرورة الاختيار

ليست هذه التأليفات المسبقة – أو الأحكام المسبقة – دقيقة .حيث إننا نقبل على المحاجة مزودين بعلم جوهري عن "ماهية " المحاجة .هذا العلم المشترك عليه أن يؤخذ بعين الاعتبار و يعامل كإشكالية .و بهذا الشرط فقط يصبح من الممكن إنشاء عناصر معرفية عن بعض الأشكال الحجاجية .

إنّ هذه " المفاهيم –القبلية "للخطابات المشتركة لا توجد منقولة كما هي عليه في كل نظريات المحاجة . و بعبارة أخرى ،لا وجود لنظرية حجاجية قادرة على التنظير لهذه المعطيات الحدسية المختلفة في آن واحد .

تؤسس كل نظرية أولويات، تحقق خيارات ،مما يتمخضّ عنه تخصص و إعادة تعريف للمعجم جزئيا على الأقل.

* مثال ذلك ، يمكن أن ينصبّ الاهتمام حول التوظيف الذي يجعل من الحجة شيئا " أقلّ قوة " من الدليل:

إنه ليس دليلا ،و إنما مجرد حجة !

سيدي ،لقد قدمت دلائل ،و ليس حججا !

لذا ، تفهم جملة :

- ليست هذه حجة و إنما مجرد دليل؟

بشكل سيّئ – إلا في حالة السخرية –:

و تسجل علامة الاستفهام هذا اللاّفهم .و بالتالي فإننا على الطريق الموصل إلى تخصيص المصطلحين بطريقة تحدث قطيعة علوم الطبيعة (حيث يسود الدليل ) مع علوم الانسان (حيث يكتفى بالحجة ). و هذه الوضعية هي قريبة من تلك المتعلقة ب "البلاغة الجديدة ".

* لقد رأينا أن الخطاب عن المحاجة يتضمن خطابا –فرعيا جدليا ،يفتح اتجاها نقديا.هذا الاتجاه معدّ من قبل التيار الذي يربط دراسة المحاجة بتلك المتعلقة بالاستدلالات الزائفة ،غير أنّه غير محتضن من لدن التنظيرات الحجاجية كلها. و هكذا ،فهي غريبة جذريا عن نظرية المحاجة "في اللغة " .

ب-المفترقات النظرية

في حالة ما إذا اتخذت نظريات المحاجة كهدف لها تحليل المحاجة في اللغة العادية ،فإنها لا يمكن أن تتجاهل تبعيتها للمعطيات المذكورة أعلاه .و هكذا ،فإن النظام الدلالي للغة التي نفكر بواسطتها حول المحاجة تقدم مخططات أولية للنظريات ، "نظريات قبلية أو نماذج نظرية" التي يجب أن تعتمد عليها. غير أنّ هذا ، لا يستلزم في أي حال من الأحوال بأن يُحكم على نظريات المحاجة بالانحصار في هذه الدائرة الكلامية و من ثمة تبقى أسيرة التكرار .

يمكن أن تتخذ قرارات ،من شانها أن تعيد تعريف ميدان ما ، و الدراسة الحجاجية تحيط بموضوعها و تسمح بتنظير معيّن .و كلّ واحد من هذه القرارات يجرّ معه إعادة تعريف جزئي على الأقل لمصطلح "محاجة".

و بالإمكان اعتبار التقابلات الآتية تقابلات أساسية إلاّ أننا أعطيناها إراديا صياغة مجزّأة .

يحدّد كل تقابل سؤالا تبعا للأجوبة الضمنية أو الصريحة التي تقدّم لهذه الأسئلة ،و بالتالي نجد أنفسنا في إطار هذه النظرية الحجاجية أو تلك .

و هكذا تتحدّد كلّ نظرية بواسطة حزمة من الأجوبة ،التي تأبى إلا أن تكون منسجمة مع هذه الحزمة من الأسئلة .

و بالعكس ،لا يمكن لهذه النظريات أن تتلاقى ،إذا لم نكف عن طرح الأسئلة التي أثارتها.

أ- السؤال 1 : كلام / فكر pensée langage /

المحاجة نشاط لساني يصاحب بنشاط فكري منتج لآثار للفكر .ذلك أننا نطرق ميدان المحاجة بواسطة علوم اللغة .

إن المحاجة هي نشاط فكري يعبر عن نفسه ،و يترك آثارا في الخطاب .حيث ينظر إلى ميدان المحاجة من زاويتي المنطق ( الصوري أو غير الصوري) و العلوم المعرفية.

ب-السؤال 2: لغة/ خطابlangue/discours

* اللغة حجاجية ؛هذا الطرح الملغز قليلا يجعل من التوجيه نحو نتيجة بعينها خاصية دلالية للجمل(مأخوذة خارج السياق) و البحث في المحاجة يرجع إلى لسانيات اللغة بالمعنى السوسوري للمصطلح .(الفصل12)

وإذا ما اعتبرنا ،عكس ذلك ، المحاجة فعلا خطابيا يتعلّق بالتطبيق الكلامي ضمن السياق ، فإننا نكون أمام خيارين ممكنين:

* كلّ كلمة هي بالضرورة حجاجية .و هذه نتيجة ملموسة للتلفظ ضمن الوضعية ؛ حيث يهدف كل ملفوظ إلى التأثير في متلقيه أو في الغير و تغيير نظامه الفكري .كما أنه يرغم أو يحثّ الغير على اعتقاد و رؤية و فعل ما هو مخالف لمعتقداته .وعليه تكون دراسة المحاجة دراسة نفسية –لسانية أو اجتماعية –لسانية .

* فقط بعض الخطابات حجاجية ، و الحجاجية هي أن نبحث في صيغة تنظيم الخطابات ،وهذه وضعية النظريات الكلاسيكية للمحاجة البلاغية .

ج-السؤال 3:المناجاة /الحوارmonologue /dialogue

موضوع تتناول الدراسة المحاجة ك لها ، الخطاب الأحادي (المونولوجي ) بصورة أساسية لاستخراج بنياته .

-تتوافق الصفتان المشتقتان ،مونولوجي و حواري مع الاسمين حوار و مونولوج .

إنّ دراسة المحاجة لها كموضوع الوضعية الحوارية ،ممثلة في المناقشة و المحادثة.

ذلك أنها تستعمل خصوصا الأدوات المستعملة في تحليل التفاعل الخطابي .

د-السؤال 4 :دراسة المحاجة غير معيارية /معيارية non normative /normative

تكمن منفعة المقاربة المعيارية في كونها تجيز نقد الظواهر الحجاجية ؛ذلك أنها تسمح بالتمييز بين المحاجات الجيّدة و الرديئة . و المعايير التي يمكن أن تفرض على الخطاب من أنماط مختلفة .و هناك خياران كبيران ممكنان :

* المعيار الحجاجي هو الفعالية l’ efficacité :

إن الخطاب " المحاجج بطريقة جيدة " هو ذلك الذي يحسن الحمل على الفعل ؛ سواء أ كان انتخابا أم حبا أم شراء.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأمر يتعلق بفعل الفعل و ليس بفعل الاعتقاد؛ذلك أن تصنيفات الإقناع أو الحقيقة أو الاعتقاد أو اليقين هي هنا تابعة لإشكاليات الفعل .

إن هذه المحاجة المقننة بواسطة الفعالية ،هي تلك الخاصة بالإعلانيين و السياسيين ؛فأن تحاجج بالنسبة إلى هذا النمط هو أن تؤثّر.

* المعيار الحجاجي هو الحقيقة vérité:

-تؤكّد المحاجة المحادثة و اكتشاف الصدق فهي الميدان الفسيح للمحاجة في العلوم .

-يمكن اعتبار معيار الصدق معيارا مطلقا ،يسعى إلى احتواء كل المحاجات المشتركة .هذا البرنامج من البحث سيكون متابعا في إطار منطق و منهج موصوفين ،بطريقة مفارقة قليلا ،بأنهما غير صوريين .(الفصل 2،أ و ب )

السؤال5:الإجماع /الاختلاف consensus/dissensus

* يتمثل هدف النشاط الحجاجي في إقامة إجماع و تسوية خلافات الرأي، لأن الانشقاق هو علامة النقص أو الخطأ.لذا كانت المحاجة وسيلة لدمج الخلاف بالإقصاء العقلي لرأي من الآراء المعارضة .

لقد أعدّت هذه الوضعية في إطار النظريات التي اتخذت الصدق معيارا لها (المنطق غير الصوري ، التداولية –الجدلية)

إنّ هدف النشاط الحجاجي هو تفعيل الاختلافات و تعميقها بحيث يمكن للمحاجة أن تساعد على إنتاج الآراء غير المتوافقة .إذ إنّ الاختلاف شرط لتجديد الفكر. هذه الوضعية هي حاليا معدّة من قبل C.A.Willard على سبيل المثال .

ـــــــــــــــــــ

هوامـش:

[*] كريستيا بلانتان مدير البحث في المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي CNRS و عضو في فرقة بحث حول التفاعلات التواصليةinteractions communicatives بجامة ليون-2 و مسؤول عن مجموعة" المحاجة و علوم اللغة "Argumentation et sciences de langage التي تصدرها دار Kimé للنشر ،حيث صدر له كتاب :Essais sur l’argumentation

[**] المقال الذي نقترح ترجمته عبارة عن الفصل الثالث من كتاب " المحاجة " / L’ argumentation, Editions du Seuil

 

 

 
 

 

موارد نصيـة

كريستيان بلانتان

لغة المحاجة و اللغة الواصفة

ترجمة: نصيرة الغماري

 
 
جماليـــات إضـــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.