لا تأخذ رأسك َ بين يديك َ وتبكي
يا صديقي بريفير .
دعها تُحرك السكر َ ،
وتشرب القهوة َ بالحليب
ثم .. تمضي دون وداع .
نحن في أواخر الخريف تماماً .
أوردتنا سكك ٌ طويلة ٌ من القصب .
ولكهوفنا روائحها الخاصة ُ بالتقاليد العامة .
إننا يا صديقي
كلما قَدِم َإلينا قطار ٌ جديد ٌ ،
سرعان ما نحطم ُ الأبوابَ
ونهرع إليه ِ حاملين الشموع َ بحجم
القامات .
لكنه (( وا دكتاتوراه ))
يبصق ُ على وجوهنا شيئاً غامضاً ،
فنعود إلى الحظائر مهزومين كفريق
من الأبقار السوداء .
***
لا تأخذ رأسك بين يديكَ وتبكي
يا صديقي بريفير .
ان مظاهر الرعية ِ في بلادي
لم تأخذ شكل الأحصنة .
لقد تفسحت بنهر الفجيعة تماماً .
وها نحن مسالخ ٌ متنقلة .
نجلس ُ القرفصاء َ تحت السرادق
الملتهبة بالحمى ،
وندخن ُ الجزء الكبير من موسيقى المبادرات .
ودائماً ..
نسكن ُ الجنوب .
ترانا ..
ليس لنا غير المواضيع الفادحة :
أن نكون دولاً نامية في معلبات .
ومخلوقات بأرباع رؤوس تخوض
التيه في الربع الخالي أو القطبّ .
لم يبق شيء يا صديقي .
فنحن ضمانة ٌ لاستهلاك الفائض العالمي
من التنكيل والإرهاب .
ان الرغبات سفن ٌ ،
تتحطم ُ تدريجياً تحت صخور جلودنا
المصنعة من الاستغاثات .
وهكذا أيضاً ..
تتوفر عنا المعلومات ُ كالغيوم
الداكنة ِ .
سواء في المقاهي . الحدود . الأغاني .
الملاجئ .
لقد بات الرهان ُ علينا عادة ً موروثة .
في زمن السلام ..
لنا الصحف ُ وحرية التظاهر ضد الجوع
ذهنياً .
وفي الحرب ..
ليس ثمة شئ بانتظارنا غير السفلس
والطواحين والمحاكم .
لا أدري يا صديقي بريفير ،
كيف لهذا الترياق ،
أن يشجع كل تلك الخيول على دخول
الرهان الدولي ،
من أجل صرخة واحدة ٍ
تجعل منا سمكاً مذعوراً في الشباك .
أذكر ُ كل شئ يا صديقي :
قفاز المحارب المعلق على جدار
المتحف .
الأناشيد َ التي تتدهور ُ بين غلاصم
التلاميذ كالدواليب المشتعلة .
مواشي المرارة ،
وهي تتدفق ُ كالشلال إلى المزارع
والأعصاب .
أجل .
أتذكر ُ كل شئ يا صديقي .
ولكن ..
كيف تحسّ بالنوم ِ
ورأسك َ
ممسوك ُ
بقبعة
من الفولاذ .
نحن لا نخاف من طبول الطوابق الشاهقة .
إلا أننا ندرك كمية الأقمار التي تهرول ُ
بأثوابها الحمراء ،
من ممرات سايكس بيكو إلى مداخن
هارلم .
وحتى جبال كردستان المدرعة بالأحلام
وبالشظايا .
بالضبط يا صديقي بريفير .
قبل وبعد خليقة حمامة بيكاسو ،
ونحن لم نزل في الجداول المتداولة
بين المرضى .
نبلغ ملايين الأطنان من الفزع
والنرفزة والموت والصخب والخلاف .
إما الانتصارات ..
فتتوج راس ( فوستر )
حيث أدمغتنا السوداء ،
لم تزل قيد الاقتراع في صناديق التصويت
والمصالح المشتركة .
نعم يا صديقي بريفير :
(( انهم يقتلون الخيول ))
وهنا كل الممرات مثلجة ٌ بالفراق .
وحيث الليل ُ الهلامي يهبط .
وتلتجئ الكواكب ُ للوحدة والانتظار
مرة أخرى .
ما جدوى أن يشاور الطائر ُ وكرهُ الجليدي
الجديد عن أجنحة - فودكا -
المشعة بالبراكين
والضرائب والمراهنات .
ست وعشرون عاماً من التشرد يا صديقي ،
الآن ..
تتوحد ُ بهدف مستقل :
تمويل ُ قلبي بهتافات عيونها الدامية
الزرقة .
إن البحر ..
يبدو واضحاً للعصافير ، وهي
تؤسس تحت أجنحتها المسارح َ
المكشوفة .
وها أنذا ..
كلما وضعت ُ المستقبل َ نصبّ عينيّ ،
يخرج ُ طائر ٌ بملابس فرانكو
وعيون مجلدة ٌ بالشفرات .
إنها أحداث ٌ مثيرة ٌ لمظاهر العدم ِ المتألق ِ
بهذا السماد المريع من الكآبة .
وصباحات كالأرانب ،
تلبد ُ في المعاطف ، ساعة
أن تداهمنا الكواكب ُ بالأناشيد .
ويحكَ يا بريفير المُبعثر نفسه ُ بين الانقلابات
الأسواق القذائف الزهور .
لا أدري ،
كم ملعقة ستجرع من التهديدات
هذا المساء .
إنك َ يا صديقي تتخذ ُ طريقك َ
مثل الأزياء إلى جهنم بصورة واضحة .
تماماً ..
كأطفالك المصنوعين من مجوهرات الأغاني
داخل أفران روحك َ المعلبة بالسكاكر
والشمبانيا وإمكانات الغضب المترع ِ
المضاعف بالكراهية والنزيف .
لنقف قليلاً يا صديقي بريفير ونتساءل :
لم َ تُشيّد كل هذه البنايات ،
بينما الإنسان ُ
ي
ت
ه
د
م
على سلالم لا تقود ُ إلا للتشاؤم
والانتحار .
الآن ..
إن كل ما نراه على هذه أو تلك الشاشة ،
ليس أكثر من سفن محترقة عند كل مضيق .
بينما طارق بن زياد ،
بضربة ٍ ،
قد حسم الاختيار َ لتسلية الصقور
بأقفاص الجحيم .
آه يا صديقي بريفير ..
انظر إلى هذا القمر …
أنه بزائدة دودية من الفحم .
تلمسّ هذه الأيام …
إنها بقرون رمادية جارحة .
اطرق هذه الجماجم …
إنها سفن ٌ فارغة من القرميد المشع
بجلود الغزلان الشهيدة .
……. كم تبدو وحدتنا شديدة ووعرة .
إنها أفظع وحدة ً من هاملت .
وأقسى تعقيداً من الأهرامات .
هذا هو حبنا يا صديقي بريفير :
أن تنتحر دفعة ً واحدة ً …
أو تأخذ رأسك َ بين يديكَ كل صباح ،
وتبكي بدموع من خشب .
|