أسعد الجبوري

أبقار سوداء

إلى جاك بريفير

 

لا تأخذ رأسك َ بين يديك َ وتبكي

يا صديقي بريفير .
دعها تُحرك السكر َ ،
وتشرب القهوة َ بالحليب
ثم .. تمضي دون وداع .
نحن في أواخر الخريف تماماً .
أوردتنا سكك ٌ طويلة ٌ من القصب .
ولكهوفنا روائحها الخاصة ُ بالتقاليد العامة .
إننا يا صديقي
كلما قَدِم َإلينا قطار ٌ جديد ٌ ،
سرعان ما نحطم ُ الأبوابَ
ونهرع إليه ِ حاملين الشموع َ بحجم
القامات .
لكنه (( وا دكتاتوراه ))
يبصق ُ على وجوهنا شيئاً غامضاً ،
فنعود إلى الحظائر مهزومين كفريق
من الأبقار السوداء .
***
لا تأخذ رأسك بين يديكَ وتبكي
يا صديقي بريفير .
ان مظاهر الرعية ِ في بلادي
لم تأخذ شكل الأحصنة .
لقد تفسحت بنهر الفجيعة تماماً .
وها نحن مسالخ ٌ متنقلة .
نجلس ُ القرفصاء َ تحت السرادق
الملتهبة بالحمى ،
وندخن ُ الجزء الكبير من موسيقى المبادرات .
ودائماً ..
نسكن ُ الجنوب .
ترانا ..
ليس لنا غير المواضيع الفادحة :
أن نكون دولاً نامية في معلبات .
ومخلوقات بأرباع رؤوس تخوض
التيه في الربع الخالي أو القطبّ .
لم يبق شيء يا صديقي .
فنحن ضمانة ٌ لاستهلاك الفائض العالمي
من التنكيل والإرهاب .
ان الرغبات سفن ٌ ،
تتحطم ُ تدريجياً تحت صخور جلودنا
المصنعة من الاستغاثات .
وهكذا أيضاً ..
تتوفر عنا المعلومات ُ كالغيوم

الداكنة ِ .
سواء في المقاهي . الحدود . الأغاني .
الملاجئ .
لقد بات الرهان ُ علينا عادة ً موروثة .
في زمن السلام ..
لنا الصحف ُ وحرية التظاهر ضد الجوع
ذهنياً .
وفي الحرب ..
ليس ثمة شئ بانتظارنا غير السفلس
والطواحين والمحاكم .
لا أدري يا صديقي بريفير ،
كيف لهذا الترياق ،
أن يشجع كل تلك الخيول على دخول
الرهان الدولي ،
من أجل صرخة واحدة ٍ
تجعل منا سمكاً مذعوراً في الشباك .
أذكر ُ كل شئ يا صديقي :
قفاز المحارب المعلق على جدار
المتحف .
الأناشيد َ التي تتدهور ُ بين غلاصم
التلاميذ كالدواليب المشتعلة .
مواشي المرارة ،
وهي تتدفق ُ كالشلال إلى المزارع
والأعصاب .
أجل .
أتذكر ُ كل شئ يا صديقي .
ولكن ..
كيف تحسّ بالنوم ِ
ورأسك َ
ممسوك ُ
بقبعة
من الفولاذ .
نحن لا نخاف من طبول الطوابق الشاهقة .
إلا أننا ندرك كمية الأقمار التي تهرول ُ
بأثوابها الحمراء ،
من ممرات سايكس بيكو إلى مداخن
هارلم .
وحتى جبال كردستان المدرعة بالأحلام
وبالشظايا .
بالضبط يا صديقي بريفير .
قبل وبعد خليقة حمامة بيكاسو ،
ونحن لم نزل في الجداول المتداولة
بين المرضى .
نبلغ ملايين الأطنان من الفزع
والنرفزة والموت والصخب والخلاف .
إما الانتصارات ..
فتتوج راس ( فوستر )
حيث أدمغتنا السوداء ،
لم تزل قيد الاقتراع في صناديق التصويت
والمصالح المشتركة .
نعم يا صديقي بريفير :
(( انهم يقتلون الخيول ))
وهنا كل الممرات مثلجة ٌ بالفراق .
وحيث الليل ُ الهلامي يهبط .
وتلتجئ الكواكب ُ للوحدة والانتظار
مرة أخرى .
ما جدوى أن يشاور الطائر ُ وكرهُ الجليدي
الجديد عن أجنحة - فودكا - المشعة بالبراكين
والضرائب والمراهنات .
ست وعشرون عاماً من التشرد يا صديقي ،
الآن ..
تتوحد ُ بهدف مستقل :
تمويل ُ قلبي بهتافات عيونها الدامية
الزرقة .
إن البحر ..
يبدو واضحاً للعصافير ، وهي
تؤسس تحت أجنحتها المسارح َ
المكشوفة .
وها أنذا ..
كلما وضعت ُ المستقبل َ نصبّ عينيّ ،
يخرج ُ طائر ٌ بملابس فرانكو
وعيون مجلدة ٌ بالشفرات .
إنها أحداث ٌ مثيرة ٌ لمظاهر العدم ِ المتألق ِ
بهذا السماد المريع من الكآبة .
وصباحات كالأرانب ،
تلبد ُ في المعاطف ، ساعة
أن تداهمنا الكواكب ُ بالأناشيد .
ويحكَ يا بريفير المُبعثر نفسه ُ بين الانقلابات
الأسواق القذائف الزهور .
لا أدري ،
كم ملعقة ستجرع من التهديدات
هذا المساء .
إنك َ يا صديقي تتخذ ُ طريقك َ
مثل الأزياء إلى جهنم بصورة واضحة .
تماماً ..
كأطفالك المصنوعين من مجوهرات الأغاني
داخل أفران روحك َ المعلبة بالسكاكر
والشمبانيا وإمكانات الغضب المترع ِ
المضاعف بالكراهية والنزيف .
لنقف قليلاً يا صديقي بريفير ونتساءل :
لم َ تُشيّد كل هذه البنايات ،
بينما الإنسان ُ
ي
ت
ه
د
م
على سلالم لا تقود ُ إلا للتشاؤم
والانتحار .
الآن ..
إن كل ما نراه على هذه أو تلك الشاشة ،
ليس أكثر من سفن محترقة عند كل مضيق .
بينما طارق بن زياد ،
بضربة ٍ ،
قد حسم الاختيار َ لتسلية الصقور
بأقفاص الجحيم .
آه يا صديقي بريفير ..
انظر إلى هذا القمر …
أنه بزائدة دودية من الفحم .
تلمسّ هذه الأيام …
إنها بقرون رمادية جارحة .
اطرق هذه الجماجم …
إنها سفن ٌ فارغة من القرميد المشع
بجلود الغزلان الشهيدة .
……. كم تبدو وحدتنا شديدة ووعرة .
إنها أفظع وحدة ً من هاملت .
وأقسى تعقيداً من الأهرامات .
هذا هو حبنا يا صديقي بريفير :
أن تنتحر دفعة ً واحدة ً …
أو تأخذ رأسك َ بين يديكَ كل صباح ،
وتبكي بدموع من خشب .

اللوحـة:

ARNOLD BÖCKLIN, L'Île des morts

 

موارد نصية

أسعد الجبـوري

من عائلة الليل (قصائـد)

المحتــوى

تبـدلات

أبقــار سـوداء

قصـائد

جماليـــات

إضـــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.