د. محمد الداهــي

تقديـــــم

 

حررت الجامعة المغربية النقد الأدبي من شرنقة الانطباعية والجدالية ، وأسهمت في تطوير وصقل أدواته ومناهجه حتى يقارب الظاهرة الأدبية بصبغة علمية ومسافة نقدية. وكان لانفتاحها على المستحدثات المعرفية والمنهجية أثر على مفهوم الأدب. فلم يعد الأدب مقصورا على الأجناس المتداولة ، وإنما استوعب نصوصا كانت رهين محبس النسيان والتهميش لأسباب ثقافية وإيديولوجية وتاريخية . ولقد لعبت ثلة من الأساتذة الجامعيين دورا كبيرا في التعريف بهذه النصوص ، وتحقيقها ، وتجنيسها ، ودراستها بمناهج مسعفة على استشفاف بنياتها الداخلية وشروط إنتاجها وتلقيها.

ورغم أن النقد المغربي حديث النشأة ، فقد استطاع أن يتبوأ مكانة محترمة في العالم العربي ، ويلفت الانتباه إلى ما يتميز به من صرامة علمية، وقدرة على التجديد، وعمق في المعالجة والتحليل ، وجرأة في ملاحقة المستجدات المنهجية والمعرفية. وإن لم يخلق نظرية أو يبدع منهجا، فقد استطاع خلال عقود قليلة من الزمن أن ينتقل من مرحلة التجريب التي كان يحكمها الهاجس المنهجي إلى مرحلة المساءلة التي تقتضي من الناقد أن يدخل في حوار معرفي ونقدي مع المناهج، ويفحص المفاهيم ويعيد النظر في بعضها ، إن لم نقل يعدلها ، وينحتها ، ويبتكر مفاهيم جديدة لمقاربة الظاهرة النصية أو الخطابية المعقدة.

لقد حاولت مع مطلع التسعينات أن أواكب الإصدارات النقدية ، فكانت ثمرته هذه المقالات التي يحويها هذا الكتاب. إن النقاد الخمسة (محمد مفتاح ، محمد برادة ، أحمد اليبوري ، سعيد يقطين، عبد القادر الشاوي، عبد الحميد عقار) - على اختلاف مرجعياتهم وتوجهاتهم النقدية وتباين أجيالهم- تجمعهم كثير من السمات المشتركة ؛ وتأتي في مقدمتها اقتران مؤلفاتهم بالفضاء الجامعي الذي يشترط حدودا دنيا من الصرامة المنهجية والأمانة العلمية، ويحفز على التفاعل مع عطاءات النقد العالمي والبحث عن المعرفة في مظانها؛ وجرأتهم على محاورة النصوص ، ومراهنتهم على تطوير الأداء المنهجي لإنتاج معرفة جديدة. ويمكن أن أجمل الأسباب التي حفزتني على مواكبة الإصدارات النقدية فيما يلي:

أ-إن النقد الجامعي موجه عموما إلى فئة المختصين بحكم صرامته العلمية ومفاهيميه المعتاصة ésotérique ، ولذلك فهو محتاج إلى وساطة نقدية تعمل على تبسيط محتوياته ، ومفاهيمه المعقدة ، ووضعها في أسلوب سهل قريب من أفهام الكثيرين . يحاول بعض النقاد - بحكم تجربتهم في الكتابة والنشر- الاستغناء عن الوسطاء لمد جسورهم مباشرة مع جمهور عريض من القراء. وبما أن النقد هو معرفة علمة ، فهم لا يسلمون من الوقوع في شرك الاعتياص.

ب- يحتاج النقد الجامعي إلى النقد اللفيظ la critique parlée ( بتعبير ألبير تيبودي A.Thibaudet) الذي يعمل على مساءلته والتعريف بفرضياته وتوجهاته ومرجعياته وتبسيط محتوياته في النوادي والصالونات ومدرجات الجامعة، وبواسطة المراسلات واليوميات . ونظرا لقلة هذه الوسائط إن لم نقل انتفاءها، يبقى الدور موكولا إلى الصحافة. وفي غياب صحفيين متخصصين في النقد اللفيظ يضطلع بعض الباحثين والنقاد بهذا الدور لعلهم يذللون المصاعب، ويفتحون المغاليق، ويؤدون الرسالة على الوجه المطلوب. وهذا ما حفزني على مواكبة بعض الإصدارات النقدية ، والتعريف بمحتوياتها وخلفياتها المعرفية ، وإبداء بعض الملاحظات حولها لتوسيع دائرة النقاش ، ومحاولة الإمساك بتلابيب "الحقيقة الهاربة".

ج-إذا كانت مواكبة الأعمال الإبداعية قليلة ، فموكبة الإصدارات النقدية نادرة جدا. وأغلب الدراسات الجامعية التي تناولت موضوع النقد الوصف métacritique لم تر طريقها إلى النشر حتى يتعرف القراء على الخلاصات التي خرجت بها. والحالة هذه ، فإن النقاد والباحثين قد يشعرون أحيانا بالعبث واللاجدوى ، فالمؤلفات التي قضت مضاجعهم وأخذت من وقتهم الكثير لم تثر في نفوس القراء المفترضين ما كا نوا يتوقعونه . لمن نكتب ؟ وهل ما نكتبه ذو فائدة؟ تتنسال الأسئلة بحثا عن نقد "يضيء مسالك الأعمال النقدية ، دون أن يخلقها من جديد ؛ يهيمن عليها عوض أن يحدث ما يماثلها : إنها منارة الإسكندرية"*.

ومما تقدم يتبين أن الكتاب يسعى إلى إضاءة بعض الأعمال النقدية بمقتبس من منارة الإسكندرية ؛ وذلك للكشف عن بعض جوانبها ، وإثارة أسئلة على بعض قضاياها ، وإبداء ملاحظات حولها. وما نتوجس منه هو أن ينوب النقد عن الإبداع ، ويصبح النقد الواصف وكيلا على النقد. فكثرة الوسائط قد تضيق على طرف (المبدع والناقد على حد سواء) وقد تريح طرفا آخر (القارئ) إن كان من فئة من يلح على "حق الكسل". فالأهم هو إثارة شهية القارئ، ودله إلى الطريق للبحث عن الحقيقة في مظانها.

************

-Jean-Yves Tadié , La critique littéraire au XX siècle ,Pierre Belfond ,p15.*

 

 

موارد نصيــة

د. محمد الداهـي

 

واقع وآفاق النقد المغربي

(دراسات نقدية)

المحتــوى

تقديــم

من التعددية المنهجية إلى نسقية الثقافة (قراءة في المشروع النقدي لمحمد مفتاح)

مفهوم  النص: من الحقيقة المجردة إلى الحقيقة المكنة

البحث في نوعية السيرة الشعبية وحكائيتها (من أجل وعي جديد بالتراث السردي)دي)

مساءلة تجنيس السيرة الشعبية ضمن الكلام العربي

مظاهر المصالحة بين النقد والرواية

قضايا منهجية في دينامية النص الروائي

بحثا عن مواضعات السيرة الذاتية

مدخل إلى الرواية المغاربية

خاتمــة

 

 

 
 
 
جماليـــات إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع مـوارد نصيـة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.