 |
عباس بيضـون |
|
عن عبد العزيز المقالح |
|
|
لا اعرف منذ كم لم يفارق عبد العزيز المقالح اليمن
لكني اعرف انه جلب العرب والعالم الى اليمن ومكن اصدقاءه الذين لا
يعدون من ان يحظوا بواحدة من فرص العمر، ان يتنعموا بزيارة صنعاء
ومدائن اليمن وهي كلها تحف باقية، وأن يشاهدوا بالعين بعضا من كنوز
الانسانية الاكثر قدما وأن يتمتعوا بالضيافة اليمنية التي لا مثيل لها،
وأن يعودوا غالبا وقد اثروا ابصارهم وبصائرهم ومخيلاتهم. وقد رأيت
غونتر غراس في اليمن مسحوراً، ولم يكن الوحيد في ذلك فمجانين اليمن كثر
وأنا منهم لا يعدون واصدقاء المقالح الذين هم اصدقاء اليمن ايضا كثر لا
يعدون، ولا نقول في المقالح نفسه الا انه كفء لبلده ولتاريخ بلده، وانه
يضيف للعراقة اليمنية في شخصه نظيراً معاصراً .
ولا بأس من القول ان
المقالح نبتة يمنية وان في حكمته ولطفه وكياسته آداباً اختمرت وتهذبت
قروناً بعد قرون.
الذين يعرفون المقالح باليمن
واليمن بالمقالح هم اكثر مثقفي العرب وأصدقاء اليمن في العالم.
فالرجل الذي اصر على
ان مقامه الاول والاخير الثقافة والادب ولم يتسم في يوم إلا بالشعر
والكتابة، واستعفى من كل خلعة اخرى، هذا الرجل لن نختلف على انه في هذا
الباب مثل نادر.
الأرجح ان قليلين كالمقالح
جعلوا من الثقافة سلطة بذاتها، وقليلين كالمقالح آثروا الادب والثقافة
على اي سلطة عداهما.
المقالح حكيم وهو في سمته وسيمائه وصوته ومجلسه
الحكمة عينها، والمقالح محاور بطبعه ومشيئته، والمقالح منفتح على كل
جديد، والمقالح امين لمبادئ لم يتزعزع إيمانه بها على رغم النكسات،
والمقالح متفائل بالمستقبل تفاؤلا نادرا في هذه الايام، والمقالح مقاتل
سلمي .
وهو يقاتل بثباته كما
يقاتل بحلمه وحكمته وسعه صدره.
لكنه مع ذلك كان منذ
لمع في اليمن هدفا يومياً للظلامية والانغلاق والعصبيات.
هذه حرب لم يردها رجل
في سماحة المقالح إنما لا يستطيع المرء ان يكون معاصراً ومنفتحاً
ومحاوراً وسلمياً، ولا يستطيع المرء ان يكون اوسع من العصبيات ولا
يستطيع ان يكون حليماً حكيماً إلا بثمن باهظ بالطبع.
هكذا اعتاد الرجل
السمح المسالم ان يسمع اسمه على المنابر يكفر في المساجد ويتعرض كل يوم
للتهمة في دينه وفي عقيدته، وهذا تحريض مستمر على عزله وإقصائه وقتله.
وفي بلد يقتل فيه رجل
في مرونة ووداعة جار الله، لا بد من ان نخاف على عبد العزيز المقالح.
الاثنان بالتأكيد هما
الوجه الآخر لليمن وهما اليمني الآخر الذي لا يريدون ان يكون له وجه.
نخاف على المقالح
ونعرف انه لا يحميه شيء سوى محبة غامرة منا ومن أصدقائه اليمنيين وغير
اليمنيين، وهم لا يعدون، لكنهم لا يحملون سلاحاً بالطبع ولا يقدرون على
حمايته، وإذا نفذ الظلاميون تهديدهم في عبد العزيز المقالح فإن كل امل
في يمن حديث، وفي يمن عريق ايضا، وفي يمن منفتح وفي يمن عربي وفي يمن
معاصر، سيبدو ضئيلاً إذ إن المقالح منارة هذه القيم كلها.
(عن
السفير).
|
|
|