مصطفى واعراب

المعتقدات السحرية في المغرب

أمراض الرضع والعقم في يد الجان

 

 

نحاول في هذه الحلقة من أمراض الرضع والعقم أن نتطرق إلى حالات يعاني منها المجتمع العربي، وتكثر بشكل كبير في المغرب، ومن هنا نبدأ بأمراض الرضع وأم الصبيان والصُرَّة.

يكون الطفل الرضيع خلال الفترة المتراوحة بين لحظة ولادته وبروز أسنانه الأولى كائنا هشا، بالفعل، في أطوار نموه الأولى, فمناعته الضعيفة تجعله معرضا للكثير من الأمراض والتشنجات، أو حتى الموت الفجائي المعروف طبيا، ولكن ضعف الرضيع له، في المعتقدات الشعبية عواقب أخرى؛ حيث يكون هدفا سهلا لاعتداء أنواع من إناث الجن الشريرة.

كما تسهل اصابته بأمراض يتسبب له فيها «شمُّه» للمستحضرات السحرية, ولتفادي كل ذلك، ليس ثمة أسهل من توفير الحماية الضرورية للصغير، من خلال حلق شعره في اليوم الأربعين لولادته.

الصرة

عادة لا يتم اخراج الرضيع من البيت ليلا، قبل تجاوز عتبة الخطر التي تتحدد في إكماله 40 يوما من عمره، فخلال الأربعين يوما الأولى من حياته يكون الطفل من الهشاشة، في مواجهة القوى السحرية التي قد لا تؤثر على الكبار، بحيث إنه يكفي أن يمر طائر البوم (طير الليل) فوق الرضيع أثناء تحليقه الليلي كي يعرض الرضيع لخطر الموت.

بل حتى طيران البوم فوق ملابس الصغير المنشورة على حبل الغسيل ليلا، يعتبر كافيا لحصول الأثر الخطير نفسه، فما أن يلبس الرضيع تلك الثياب أو يلف في الخرق التي تخطاها طير الليل، حتى يصاب بالإسهال ويذوي بسرعة، أو يصاب بداء رمد العينين المزمن! لكن الاصابات المرضية التي يتعرض لها الرُضع لا تكون ناتجة عن حوادث عارضة من قبيل تحليق طائر الليل فوقهم أو فوق ملابسهم فحسب,,, بل تكون في الغالب بفعل فاعل شرير، كما هو الحال بالنسبة للصرة.

إن الصُرَّة في اللغة الدارجة هي كل ما يُصَرُ فيه, ويشيع استعمال هذه الكلمة في التطبيب الشعبي على اعتبار أنها تكون غالبا عبارة عن قطعة ثوب سوداء تحتوي على مواد سحرية بهدف الحاق الأذى بشخص معين، ويصر الإنسان الشعبي على أن الصرة هي أساس ما يصيب الأطفال من سوء التئام عظام الرأس, وتكون في الغالب عبارة عن قطعة ثوب تربط في شكل كيس صغير يعلق تحت الثياب، ويتضمن بعض المستحضرات ذات التأثير السحري، تذكر منها نادية بلحاج: دم المغدور، التراب المجلوب من المقابر، جلد وعظام الحيوانات والحشرات السامة كالوزغة (أبرص) والزجاج المتناثر خلال حوادث السير,,, إلخ، أما كيف تؤثر تلك المواد على صحة الرضيع، فإن العامة تعتبر الرضيع كائنا حساسا جدا إلى درجة أن تواجد الرضيع في غرفة بها إحدى تلك المواد السابق ذكرها أو جميعها، يعتبر كافيا لإلحاق اختلالات صحية خطيرة به تتمثل في الصراخ الشديد بشكل مفاجئ مع إسهال مصحوب بقيء.

ويتم اتهام إحدى النساء، يكون معروفا عنها تعاطيها للسحر، بأنها السبب فيما جرى, وفي العادة تزور امرأة بيت الرضيع لتجريب شدة المفعول السحري للصرة عليه، أو بهدف الانتقام من والدته، من خلال إيذاء طفلها.

وفي العادة أيضا ان الرضيع الذي ينفلق رأسه بسبب تأثير الصرة، تعالجه إحدى النساء المتخصصات، إذا لم تكن الاصابة خطيرة وقاتلة، ويكون معروفا عن هذا النوع من المعالجات عدم تعاطيهن للسحر كشرط لازم ليتحقق إبطال مفعول الصرة, كما يعالج الفقيه «الكوَّاي» (المتخصص في العلاج بالكي) إصابة الصرة، حيث يكوي بطن وظهر وكعب الرضيع بالرأس الحادة للسفود (السيخ) من أجل الدفع بالجني الذي استوطن الجسم الهش إلى الخروج منه، وطبعا بطرد الجني، يشفى الرضيع,,.

أم الصبيان

تعتبر (أم الصبيان) أو (التابعة) في المغرب مرضا يصيب الأطفال الصغار (الرضع خصوصا)، وفي الوقت نفسه اسم علم للجنية الشريرة التي تصيبهم بذلك المرض, وفيما يبدو، فإن الاسم/ الأسطورة نشأ في سياق تجسيد قوى الشر التي تحملها العامة مسؤولية الاصابة بالأمراض حيث منحتها أرواحا وشخصيات خفية حتى تكون أكثر قربا من الادراك, ولم يخرج السحر الرسمي عن السياق ذاته، حيث يسهب السيوطي في (كتاب الرحمة) في رسم ملامح أم الصبيان.

كأكثر المتمردين من الجن والشياطين قسوة وبشاعة في التنكيل ببني البشر، وخصوصا الأطفال منهم ولتأكيد صدق كلامه، ينسب إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) قوله: «بينما أنا سائر في أزقة المدينة إذ لقيت امرأة كاملة الوجه واللون زرقاء العينين، فقلت: أين تريدين؟ فقالت: جئت للذي في حجر أمه آكل لحمه وأشرب دمه وأدق عظمه فقلت (الحديث منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم دائما): لعنة الله عليك يا ملعونة؟ فقالت: لا تلعني يا رسول الله، فإن لي اثني عشر اسما من عرفهن وعلقهن فإني لا أقربه، إلخ.

وفي مقام آخر من الكتاب المذكور تقدم أم الصبيان نفسها كما يلي: «أنا التي أخلي الديار وأنا معمرة القبور وأنا التي مني كل داء وكل مضرة, نومي على الصغيرة فيكون كأن لم يكن (,,,) ونومي على المرأة عند الحيض أو عند الولادة فتعقر ولا يعمر حجرها (,,,) وأما الصغار فندق عظمهم ونأكل لحمهم ونشرب دمهم ونخلي حجور أمهاتهم ونحب من الصغار والنساء أكحل العينين أحمر الوجه,,, إلخ», ويصور صاحب الكتاب «الرحمة» الملامح المرعبة لتلك الجنية المتمردة في شكل «عجوز من الجن أنيابها كأنياب الفيل وشعرها كسعف النخيل، يخرج من فيها (فمها) الدخان ولها صوت كالرعد القاصف وعيناها كالبرق الخاطف ذات خلق بديع ومنطق شنيع (,,,) تسكن الهواء بين السماء والأرض».

لقد تعمدنا الاستطراد في وصف «أم الصبيان» صاحبة الإثني عشر اسما، حسب ما جاء في واحد من أشهر مصنفات السحر، حتى يسهل علينا تصور الرعب الذي يحدثه في نفوس العامة تسلط كائن أسطوري بهذا الحجم وهذه البشاعة على رضيع، هو أكثر قليلا من كتلة لحم طرية تتحرك في قماط.

وفي الفولكلور المغربي تلقب أم الصبيان بـ «الخادم قمقومة»، وعندما تسلط أذاها على الرضع، يستشعر الاهل ذلك من ملاحظة «قفز» الرضيع في نومه، فهي أثناء ذلك تقوم بضربه وقرصه ليشرع في نشيج من البكاء المسترسل حتى الموت.

والحال أن أم الصبيان (حسب معتقد آخر) تصيب الطفل فيأخذه القيء وهو منكس العينين، وهذه الأعراض يكفي لعلاجها حسب النساء المجربات طلي حفرة قفا الصغير بقليل من القطران, وحتى إذا لم يسمع أحد يوما عن طفل التهمته أم الصبيان، أو دقت عظمه أو شربت دمه! فإن الأسطورة لا تزال مع ذلك قائمة، ومن الأمهات كثيرات يطلقن على الأعراض السابقة الذكر: الشهاقة، الجدة، الحرة، أم الليل الخنفسة أو الهمة, وهي من الأسماء التي تعرف بها أم الصبيان (نقصد أسماء الاصابة التي تحدثها لدى الرضع).

وقد عرفت بعض الأضرحة بتخصصها في علاج أمراض الصغير, وللمفارقة أن منها من يحمل اسم «سيدي مول الصبيان»، مثل الولي الذي يوجد ضريحه وسط حي الواحة (الوازيس) بالدار البيضاء الذي تقصده الأمهات لعلاج فلذات الأكباد من «أم الصبيان» ومن غيرها من الأمراض, وتشمل طقوس العلاج به.

- التوضؤ بماء البئر المقدسة المجاورة للضريح.

- تمرير سلسلة حديدية على أرجل الزوار المرضى لطرد الشر.

- حك المناطق المريضة من جسم الصغار بحجر مستدير أملس.

ولأجل وقاية الرضيع من الضربات القاتلة لـ «الخادم قمقومة» يتم حمله إلى زيارة أحد أضرحة أولياء (ركراكة) الأربعين باقليم الصويرة, أو يكون غطاء الرضيع ثوبا اسود, وهو- على نحو ما أسلفنا- اللون الذي يتم التوسل به إلى ملك الجن ميمون الكناوي.

وعموما لا يكاد يخلو سرير رضيع من تميمة الوقاية من «أم الصبيان» (المكونة من «صرة» قطعة ثوب اسود، يوضع فيها قليل من الشب والحرمل، وتدس تحت رأس الرضيع، فتحميه من أذى الجن، وفي مقدمهم أم الصبيان).

حلاقة رأس الرضيع

من بين أشهر الطقوس السحرية وأكثرها أهمية في حياة الرضيع، نذكر حلاقة رأسه في اليوم الأربعين من عمره، ويتم ذلك الطقس عادة في أضرحة الأولياء، وخصوصا منهم المشهورين بمنح النساء المولود الذكر، مثل مولاي بوشعيب بآزمور (عطاي العزارة) (أي واهب المواليد الذكور), وفي جينيالوجيا الأولياء بالمغرب، تعتبر بركة حلاقة الرضع تخصصا يتوارث أبا عن جد, ففي وسط السلالة المنحدرة من الولي، يلزم كل فرع من الشجرة تخصصه، هكذا يقضي العرف.

إن الحديث إلى أحد «حلاقي البركة» هؤلاء، بدا مثيرا أكثر من دهشة، حين كشف عن جوانب غامضة من معتقداتنا الشعبية، لم نقرأ عنها في أي مرجع؛ حيث يقول: «إن الأربعين يوما الأولى من حياة الإنسان لا تحتسب من عمره، فهي فترة «تسبيق» تكون خلالها حظوظه في الحياة مساوية مع حظوظه في الممات! ولذلك- يضيف- لا يعتبر الطفل مولودا بالفعل إلا بعد انصرام الأربعين يوما الأولى من عمره», وتفسير فترة «التسبيق» حسب نفس المتحدث، الرضيع الذي يموت اليوم- مثلا- يعود تاريخ وفاته «الحقيقي» إلى أربعين يوما، والفترة التي استمر خلالها على قيد الحياة، ليست سوى تلك الأربعين يوما له من عمره «احتفظ له بها في اللوح المحفوظ».

وفي اليوم الأربعين من حياة الرضيع، تأخذه والدته أو ذووها إلى ضريح الولي محملة بالشموع وبكيسين صغيرين من التمر ملفوفين في ثوب أخضر هكذا يقضي العرف.

يتناول «الحفيظ- الحلاق» قطعة من القصب ويُشرّحها إلى نصفين، يضع بينهما شفرة حلاقة ثم يربطهما بخيط، ليحلق بهذه الآلة شبه البدائية شعر قفا الرضيع ومن حوالي أذنيه، وفي ختام عمله، يحتفظ بالثوب الأخضر وبكيس من التمر لنفسه، بينما «يبخّّ» (أي ينفث بُصاق «بركته» على الكيس الآخر لتعود به الأم إلى بيتها, وتفاديا لاستعمال شعر الرضيع في عمل سحري محتمل، تعنى الأم بجمع كل ما استعمل في حلاقة رأس صغيرها (قصب، شفرة، شعر) وتلفه في ثوب أبيض لتدفنه في مكان لا يقربه فيه أحد، يكون غالبا ركنا من أركان المقبرة المجاورة للضريح.

وحسب «الحفيظ» المتخصص في حلاقة رؤوس الرضع بضريح مولاي عبدالله أمغار إقليم الجديدة، فإن تلك الطقوس توفر للصغار حماية من التأثيرات السحرية التي قد يتعرضون لها كالصرة ودم المغدور وأم الصبيان.

ولا ينبغي تجاوز موعد الأربعين يوما ولو بيوم واحد، لأن ذلك يجعل الحماية غير مضمونة, كما لا يجوز استعمال آلات الحلاقة العصرية التي يبطل استعمالها المفعول الوقائي للعملية.

العقم

تكتسي عملية الإنجاب أهميتها القصوى في المغرب، من كون العقلية السائدة تعتبر أن الأولاد هم بمثابة الأوتاد التي تثبت البيت الأسري (الخيمة), فالبيت الذي بلا أولاد، بلا أوتاد، أي مجرد «خيمة» في مهب الريح، ولذلك فإن المرأة التي لا تنجب في غضون الأشهر أو السنوات الأولى من زواجها ينتابها قلق حقيقي، فتخشى على حياتها الزوجية من التمزق.

إن العقم حسب المعتقد قد يكون قدرا أو عملا من أعمال السحر الانتقامي، فقد سبق أن أشرنا إلى بعض الوصفات التي يلجأ اليها لإحداثه لدى المرأة، حين الحديث عن الخصائص السحرية للحيوانات, وفي كل الاحوال يتدرج العلاج من الوصفات الشعبية إلى الأضرحة المتخصصة، وصولا إلى الفقهاء السحرة ذوي الاختصاص في الحالات المستعصية.

ومن العلاجات الشعبية للعقم، نذكر: تناول المرأة العاقر للحليب الرائب مخلوطا بأصفر البيض والحلبة، وتناول الزوجين اللذين لا يستطيعان الحصول على أطفال لوجبة أكل مهيأة بـ «المساخن», والمساخن هي عبارة عن خليط من سبعة توابل تطحن، وتستعمل كعناصر علاجية مع العديد من الأطباق، وهي معروفة أكثر في صفوف العامة تحت اسم «راس الحانوت» ولعلاج العقم يطبخ طائر دجاج بلدي أو طبق كسكس أو طاجين (طبق مرق) باللحم مع اضافة راس الحانوت, وبعد أن يعود الزوجان من الحمام البلدي، يتناولان الوجبة العلاجية وينصرفان بعدها للمعاشرة الجنسية.

وفي اعتقاد العامة ان «المساخن» تقوم بتسخين جسم الإنسان وتطرد منه «البرودة» التي هي أصل الداء، ويعتبر العقم الذكوري على الخصوص ناتجا حسب المعتقد عن نقص في الفحولة، التي هي برودة «النفس».

وفضلا عن اشكال العلاج المطبخية، أي تلك التي تقدم مع الأكل والشراب، ثمة أشكال أخرى متعددة ومتنوعة كتلك التي تتضمن طقوس التبخر لطرد لعنة العقم أو الاستحمام بمياه أماكن مقدسة لها بركة إحداث الأثر المطلوب، كمياه العيون المالحة بمغارة «ايمنفري» قرب دمنات، أو المياه الباردة المستخرجة من بئر سيدي يحيى بنيونس في وجدة الخ.

الحمل

عندما تحمل المرأة، يصير لزاما عليها التزام بعض الاحتياطات من أجل سلامة جنينها وأهم هذه الاحتياطات من وجهة نظر المعتقد الشعبي هي: تجنب الاحتكاك بأماكن تواجد المواد السحرية كمحلات العطارة أو الاحتكاك بالنساء المتعاطيات للسحر، لأن الجنين قد يتأثر سلباً لذلك ويتعرض لتشوهات خلقية أو للموت حتى!

ولا ينبغي معاكسة رغبات المرأة الوحمى (التي تتوحم) بل يجب الاسراع بتلبية كل ما تشتهيه نفسها، وإلا فإن من شأن حرمانها (أو حرمان الجنين في الحقيقة) أن يترك آثارا سيئة في الطفل الناشئ، ستخلف علامة على مكان ما من جسمه، ولا تظهر إلا حين يولد, وتسمي العامة تلك العلامة «إمارة (علامة) الوحم» أو التوحيمة وهي تأخذ دائما شبها قريبا من الشيء الذي حرمت منه الأم!

وخلال فترة الحمل دائما، ينبغي على الأم ألا تطيل النظر إلى كل ما له هيئة غير جميلة؛ كالأشخاص ذوي الخلقة الذميمة أو الحيوانات (قردة، على الخصوص), والسبب في ذلك ان الجنين الذي يتشكل في رحمها، سوف يأخذ الصفات القبيحة الظاهرة، لما شاهدته.

وإذا كانت المرأة لا تلد سوى البنات، فإن ذلك يعني- مرة أخرى- انها واقعة تحت تأثير عمل سحري، ينبغي عليها أن تتخلص منه, والمعروف أن هناك وصفات تنتج، حسب العامة إنجاب المرأة للفتيات فقط، وتلجأ اليها قريبات الزوج حسب المتداول، كي يدفعن به إلى تطليقه زوجته انتقاما منها, ولأجل تحقيق ذلك يقمن مثلا بإحدى الوصفتين التاليتين:

- تُؤخذ أفعى أنثى ولدت لتوها، وتقطع إلى أجزاء يمثل كل جزء منها عدد البنات التي يرغب في أن تنجبها المرأة، وتطبخ ثم تقدم للمطلوبة لتأكلها.

- تُؤخذ شعرة من رأس المطلوبة، وتعقد عددا من المرات يماثل عدد البنات المراد أن تحصل عليه، ثم توضع الشعرة في خبز مثلا وتقدم اليها لتأكلها من دون أن تدري!

ولكي تلد المرأة مواليد ذكوراً فإن الوصفات السحرية كثيرة كذلك، بدءا بأن تأكل المعنية من يد طفل لا تلد أمه سوى المواليد الذكور، أو أن تذبح ثعبانا ذكراً ولد لتوه، ثم تقطعه عددا من الأجزاء مماثلا لعدد الأولاد المرغوب في إنجابهم، وتطبخه لتأكله.

إن عدم انجاب الذكور يكون في كثير من الأحيان مبررا لتسويغ طلاق الرجل لزوجته، ويبدو تفضيل المواليد الذكور على الاناث اجترارا لعقلية هي من بقايا تفكير إنسان المجتمعات الزراعية والرعوية، التي كان مطلوبا فيها من المرأة أن تلد الكثير من الأولاد، سيؤمنون للأسرة القيام بالأشغال الفلاحية الشاقة, كما يضمنون استمرار تداول اسم العائلة, ولم تستطع المجتمعات المغربية المعاصرة التخلص من سيادة هذه العقلية المتخلفة المستبدة، حتى الآن، بأذهان وسلوكيات أكثر الناس تعلما و«وعيا».

الإجهاض

ينبغي التمييز هنا بين الاجهاض الإرادي الذي تلجأ اليه النساء اللواتي حملن «سفاحاً» ويرغبن في التخلص من حملهن درءا للفضيحة، والاجهاض اللاإرادي المتمثل في فقدان المرأة لحملها من دون رغبة منها.

بالنسبة للاجهاض الإرادي (أو لنقل بشكل أكثر دقة) الاضطراري، وبالنظر إلى كون الاجهاض الطبي ممنوعا قانونا ومعاقبا عليه لأنه حرام شرعا، فإن الاشكال التقليدية (حتى لا نقول البدائية) للتخلص من الأجنة، تظل للأسف، منتشرة بشكل واسع, وينتج عنها الكثير من الوفيات والاصابات الأخرى الخطيرة، وتستعمل الراغبات في الاجهاض عادة بعض المواد المخدرة مثل الكيف، أوراق التبغ (طابا) أو نباتات ومواد اخرى كأوراق الدفلى والحرمل والقطران والكبريت وغيرها، من المواد التي تعتبر مجهضة للأجنة، بعد أن تقوم المرأة بادخالها في فرجها (,,,).

ومن الوصفات الطريفة التي تحفل بها مصنفات السحر في باب الاجهاض، ينصح السيوطي بأن يسخن عش الخطاف وتدهن به المرأة سترتها، فيسقط الجنين, وأما بالنسبة لحالات النساء اللواتي يفقدن أجنتهن من دون رغبة منهن، خصوصا اذا كان الاجهاض متكررا، فإن ذلك يعتبر من الاعمال الشريرة للجان، حيث تقوم جنية بالدخول إلى رحم المرأة كلما حبلت، وتخنق لها جنينها.

ولتخليصها من هذا الشر المسلط، يصنع لها الفقيه الساحر أربعة جداول تحتوي على المسك والجاوي ويطلب منها أن تعلقها في الأركان الأربعة لغرفة النوم, ثم تذبح بعد ذلك دجاجة سوداء، وتخلط كبدها وقانصتها (معدتها) مع الشعير والريحان وأوراق الدفلى، وتعد من ذلك وجبة كسكس تتناوله المرأة برفقة زوجها, وبقية الوصفة أن يقوم الساحر بصنع مربع سحري في غرفة النوم من خلال نصب أربعة أوتاد تربط إلى بعضها بأربعين ذراعا من خيط الصوف، ويوضع فراش النوم داخل المربع السحري الذي لن تستطيع الجنية دخوله، ويطمئن الزوجان بعد ذلك إلى أن مجامعتهما الجنسية وما سينتج عنها من حمل سيصبح في مأمن وتحت حماية التمائم الأربع والمربع السحري المكون من أربعة أوتاد وأربعين ذراعا من الخيط.

ترقيد الجنين

يعني فعل رقد في اللغة العربية أنام, وترقيد الجنين هو تنويمه لفترة طويلة قد تبلغ أضعاف فترة الحمل الطبيعية, ويعود اصل الاعتقاد في وجود حالات الجنين «الراقد: لدى بعض النساء إلى المراحل التاريخية التي سبقت ظهور وانتشار وسائل منع الحمل,,, ففي مجتمع ساذج وسهل التصديق كمجتمعنا والعبارة للطبيب الفرنسي «موشون» يصدق الناس، خصوصا في المجتمعات القروية المنعزلة ان امرأة غاب عنها زوجها منذ سنين بعيدة (بسبب الوفاة أو الهجر) اكتشفت متأخرة انها حامل منه وان حملها كان «راقدا» في رحمها طول تلك السنين، إما تحت تأثير صدمة الفراق أو بعمل سحري من خصومها وأعدائها.

وتدعم هذا الزعم مصنفات السحر الشهيرة التي تقدم العديد من الوصفات «لترقيد الجنين في بطن أمه» أو «لعلاج الجنين الراقد في بطن أمه».

فكيف يستطيع السحر أن يجعل الجنين ينام لسنوات عديدة ضدا على قوانين الطب والطبيعة؟

يقول السيوطي في «كتاب الرحمة:» لترقيد الجنين في بطن أمه «تأخذ المرأة الكمون والعرعار وتدقهما ناعما، وتفطر عليهما ثلاثة أيام فإنه يرقد بإذن الله تعالى» (كذا).

أما إذا أرادت أن تحدد فترة رقاد الجنين بارادتها فما عليها إلا أن تقوم بوصفته الأخرى التي تقول فيها: تأخذ المرأة الطاجين وتكبه على بطنها فإن كبته مرة يرقد عاما وإن كبته مرتين يرقد عامين وإن كبته أكثر يرقد أكثر، وتفطر على نصف أوقية كمون في عسل والآخر تخبيه (تحتفظ به)، حتى تريد ثورانه (أي إيقاظه) ثم تستعمله, ولاقناع الناس، يضيف عند نهاية الوصفة عبارة «وهو صحيح مجرب».

ويبدو أن منشأ الاعتقاد في «الراكد» (الراقد) يعود إلى أزمنة سابقة كان خلالها المجتمع يمارس نوعا من التواطؤ الجماعي بنسب الحمل الذي يقع لفتاة أو امرأة خارج اطار الزوجية، إلى الجن، أو أن يتم في حالة المرأة التي سبق لها الزواج، ادعاء ان حملها شرعي من زواجها السابق وانه كان راقدا,,, إلخ.

ومع مرور الوقت، ترسخ الاعتقاد لدى الأجيال في حقيقة «الراكد», لكن يبدو ان الانتشار الواسع لوسائل الحمل، جعل المفهوم طوراً يدخل الانقراض كممارسة وإن كان لا يزال حاضرا كمعتقد.

إنجاب الذكور

وليست هذه الممارسات والمعتقدات قديمة ومنقرضة كما ادعى احد أساتذة علم الاجتماع كنت أجريت معه حوارا صحافيا، فقد نشر مركز الدراسات والأبحاث الديموغرافية بالمغرب في العام 1998، نتائج بحث كان قام به فريق من الباحثين المغاربة بإحدى مصحات الولادة بالرباط، حول تمثلات النساء المغربيات للقضايا المرتبطة بالحمل, ويستفاد من الكتاب المنشور بالفرنسية أن ربات البيوت المغربيات مازلن يقمن باجترار الكثير من المعتقدات القديمة حول الحمل والجنين.

فالذي يشكل الوليد في بطن أمه، حسب تصريحات المستجوبات، هو ملاك يقوم بعد أن ينتهي من مهمة تكوين أعضائه بكتابة قدر المخلوق الصغير على جبينه, وحسب بعض النسوة، فإنه من الممكن تغيير جنس الجنين بحسب المطلوب، لكن خلال المرحلة التي تسبق «سقوط التيلاد (الجنين) في الرحم» وتسمى العملية هذه «قْلِيبْ الْكَرْشْ» أي قلب البطن أو تغييرها، وتتم بواحدة من الطرق الثلاث الآتية:

1- المرأة المتزوجة حديثا، والتي ترغب في ان يكون مولودها الأول ذكرا، عليها ان تتحزم بالأغصان الملتوية لدالية (شجيرة) العنب طيلة مدة حملها.

2- خلال فترة النفاس، تتجرع المرأة «النافسة» محلولا يتكون من الحليب الممزوج بالبيض وحب الرشاد على الريق.

3- إذا ولدت المرأة وكانت ترغب في أن يكون جنينها اللاحق من جنس مختلف، فما عليها إلا أن تأخذ «المصران الغليظ لكبش وتقلبه (يعني الجزء الداخلي من المعي الغليظ يصبح خارجا)، لتستعمله كحزام حول بطنها مدة معينة.

وتسمي النسوة «حَبَّ الرشاد» بـ: «حب الرجاء»، لانه في اعتقادهن وسيلة للتضرع إلى الله لطلب تحقيق رجاء يأملن بلوغه، ولذلك يدخل كثيرا في وصفات طلب المواليد الذكور.

ويعتبر عدم احترام الوحم، حسب نتائج البحث إياه دائما، الذي يجعل المرأة تتمنى أكل أو شرب شيء برغبة محمومة, مثيرا لرسم ستبقى آثاره ظاهرة على بشرة الجنين مدى الحياة، فالمرأة التي تطلب- مثلا- موزة ولا يلبى طلبها، فإن رسما في شكل شبيه بالموزة سيرسم في مكان ما من جسم الوليد، إمارة على «الخلعة والفقصة» (الخوف الشديد والإحباط) اللذين استشعرهما بعد عدم تلبية رغبة الأم التي هي في النهاية رغبته.

قد تصيب العين الشريرة المرأة الحامل فتسقط حملها أو تلده ميتا لكن الجنين ما دام في البطن، فهي لا تصيبه مباشرة بأذاها لأنه محصن.

والجنين قبل بلوغ شهره الثالث هو مخلوق بلا روح، بحيث لا يزرع فيه الله الروح إلا ابتداء من شهره الثالث, وإذا مات الوليد فإنه يتحول إلى حمامة (رمز السلام) تطير إلى الجنة لتخلد فيها، وسيكون له «غدا يوم القيامة» حق الشفاعة لانقاذ والديه من النار, ولذلك يسمى الجنين المجهض دون قصد وكذا الوليد المتوفى عند الوضع «وليدات الجنة» (أطفال الجنة)، ويعتبرون صدقة قدمها الوالدان تقرباً إلى الله، وطمعاً في شفاعته.
 

 

موارد نصيـة

مصطفى واعراب

المعتقدات السحرية في المغرب

المحتــوى

المرابطون والموحدون شجعوا السحرة وكانت لهم أسواق عامرة يؤمها الناس

السحر الدفاعي,,, ملاذ العوانس والعشاق والباحثات عن الإنجاب

أنواع السحر بين الرسمي والشعبي

السحر بالكتابة بين الحروف والجداول والأرقام

طقوس طرد الشر والخصائص السحرية للحيوانات

الدم والقربان,,, مشاعر سحرية غامضة ومخيفة

العلاج بالسحر

سحر المحبة والتفريق

قبائل الجان أو جماعة الطابو

الجان الحامي... الجان المؤذي

  ملوك الجان السبعة

زواج الجان من الإنس

المحكمة الكبرى للجان !

إسقاط القمر!

السحر بالموتى ,,, علاج النساء المراهقات

العين الشريرة,,, أقدم المعتقدات السحرية

الفأل وقراءة الغيب

أمراض الرضع والعقم في يد الجان

الجان,,, والتنقيب عن الكنوز

سحر «التابعة» وشرور الآخر

«التوكال»,,, أصعب مواضيع السحر الأسود

ربط الرجل وكوابيس الأحلام

طائفة «كناوة»,,, أتباع ملوك الجان

سحر الأحرف والأرقام والرموز

عادات الزواج ومخاطر الجان

معتقدات سحرية خرافية في المغرب

جماليـــات إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.