أحمد الشهاوي يتحدى فتوى الأزهر

لن أفعل مثل نجيب محفوظ أو علي عبد الرازق وأنصاع لفتوى الأزهر بل سأطبع كتابي عشرات الطبعات

26 من أصل 28 عضوا من مجمع البحوث الإسلامية ومعهم شيخ الأزهر لم يقرءوا كتابي و"بَصَمُوا" بالإجماع على أنه مخالف للشريعة

فتوى الأزهر تؤسِّس لفقه المصادرة والإلغاء والنفي ولا يعرف من أصدرها فضيلة الاختلاف أو تراث الأسلاف

الشرعية الدينية في يد الله وحده وليست في يد أية مؤسسة أو سلطة

عشتُ في عصر أرى فيه "علماء" الأزهر يرفضون القراءة ويكفِّرون غيابيا وسماعا ثم يحرِّضون العامة ضدي

 

 

 

 

ما تعليقك على الفتوى التى أصدرها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر- وهو أعلى سلطة أو جهة أو هيئة إسلامية فى الأزهر- فى اجتماعه برئاسة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى، بمصادرة كتابك "الوصايا فى عشق النساء".

كونى استندتُ إلى النص الديني الإسلامي (القرآن الكريم، الحديث النبوى، الحديث القدسى) – وهذا دأبى وحقي- تعامل معي بعض الإخوان المسلمين وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية بالإجماع وشيخ الأزهر الذى رأس اجتماعهم "بصورة تبسيطية وحيدة الجانب"، وكان تعاملهم اختزالاً لنصوص الكتاب وسدا لأبواب المعرفة والتأويل، لأن أي نص له أوجه عديدة ينبغى النظر إليها، فلا يصح أن يؤخذ الدين سلاحاً مزدوجاً بين الخصوم – بحكم كونى صرت÷ خصماً فى نظرهم- ولم أدَّع لنصي قداسة من أى نوع، فهو نص بشرى أردتُ له أن ينفع الناس- وأتصور أنه سيمكث-؟ لأن الإخوان المسلمين أو أعضاء مجمع البحوث الإسلامية الثمانية والعشرين ليس هم الذين يقررون نفعيته أو ضرره، حتى دونما أن يقرءوا كتابى "الوصايا فى عشق النساء" وأردتُ له أيضاً أن يُتعامل معه بالنقد والجدل، لأنه نتاج تجربتى، وثمرة عقلي، وجُماع روحى. وأظن أن كتابي نص عرفاني صدر عن إلهام شاعرٍ، وبنقده وتفكيكه يتبين لقارئه أنه نص يبين عن عقل مفكر، له مفهومه إزاء العالم، ورؤيته نحو الروح والقلب، وتجاه الموروث وليس من يؤسسون دوماً لفقه المصادرة والإلغاء والنفى ولا يعرفون فضيلة الاختلاف أو وسطية الإسلام واعتدالة أو من تهجَّموا عليَّ من بعض الإخوان المسلمين هم الفرقة الناجية، وغيرهم – وأنا منهم – من الفرقة الهالكة الضالة ليضفوا على أنفسهم صفة القداسة والتنزيه، كأن بأيديهم صكوك الغفران، والنجاة من التهلكة، فهم الذين يقررون من المسلم ومن الكافر المرتد الزنديق، مع أن الاختلاف حق شرعي لكل مسلم (إنسان) والشرعية الدينية فى هذا البلد فى يد أكثر من جماعة، وأكثر من طائفة وأكثر من مؤسسة، بينما الحق والحقيقة أن الشرعية الدينية فى يد الله الذى يده – سبحانه- فوق أيدي الجميع.

لم أر واحداً جادلنى بالحسنى، ولم أر أحداً منهم قد قرأ كتابي (عضوان فقط قرآه من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية د. عبد العظيم المطعني عفاه الله وشفاه، ود. عبد الرحمن العدوي رضي الله عنه، والاثنان أفوِّض أمري إلى الله فيهما)، وجميعهم يعترفون بفخر أنهم لم يمسسوا الكتاب باعتباره من الكبائر، إنهم وضعوا أنفسهم أمام مساءلات قانونية ودينية وأخلاقية، ولا أدري كيف سيواجهون الله يوم الحساب، بعدما ارتكبوا جريمة تلويث سمعة مسلم لمجرد اختلافهم في الرأي معه، لم يحاججوه، فلاهم يقرؤون ولاهم يكتبون "لا يعملون ويؤذي نفوسهم أن يعمل الناس".

إنهم يحرِّضون العامة من الناس ضدي، وهذا ليس جديداً في التاريخ الإسلامى، وكان ذلك يتم لأسباب سياسية، ليس للدين صلة بها، وكانت التهمة جاهزة "الزندقة"، "الكفر" والأمثلة أكثر من أن تُحصى ودائماً ما تنتهى بالقتل أو التشريد أو النفى أو الحرق (الكتاب وصاحبه).

وإذا كان الله قد أمر فى كتابه الحكيم بمجادلة المشركين بالتي هي أحسن "وجادلهم بالتى هى أحسن" الآية 125 سورة النحل، وعلى الرغم من أنني لست مشركاً – والعياذ بالله- فلم يجادولنى بالتي هي أحسن، فكان أسلوبهم السباب والشتائم والتكفير والاتهام بالزندقة (راجع مقالات وتصريحات: المطعني، حلمي القاعود، العدوي، شوقي الفنجري، آفاق عربية، الحقيقة وغيرها) ولماذا لم أر أحداً منهم يرد بالحجة مثلما فعل ابن رشد مع الإمام الغزالى عندما كتب كتابه الشهير "تهافت التهافت" رداً على كتاب الغزالى "تهافت الفلاسفة".

ربما لأنني عشتُ فى عصرٍ أرى فيه بعضًا من أعضاء التيار الإسلامي يرفضون القراءة أصلاً، ويشتمون "على السمعة"، وهذا لعمري من أكبر الكبائر.

بل وصل الأمر إلى أن يجتمع ثمانية وعشرون عضواً من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية يرأسهم أو يتقدمهم شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي وهم من المفترض أنهم أكاديميون وأساتذة جامعات يعرفون المنهج والعلم، ولا يكون من بينهم غير اثنين فقط قرآ الكتاب أما بقية الأعضاء فقد وقَّعوا أو بالأحرى والأدق "بصموا" على تقرير الدكتور عبد الرحمن العدوي، دونما أن يعرفوا ما فى الكتاب، فهل هذا من الإسلام أو العلم أو من العدل فى شئ، وهل هذا الإجراء الباطل- طبقاً حتى للائحة الداخلية لمجمع البحوث الإسلامية- ما علمهم إياه الله ورسوله، وهم يدَّعون أنهم مندوبون عنهما (سبحانه، وصلى الله عليه وسلم) فى الأرض.

وأرجو أن يكون أحدهم قد قرأ ما يقوله القاضى الجرجاني فى كتابه "الوساطة بين المتنبى وخصومه" صـ 64 (فلو كانت الديانة عاراً على الشعر، وكان سوء الاعتقاد سببا لتأخر الشاعر، لوجب أن يمحى اسم أبى نواس من الدواوين، ويحذف ذكره إذا عدَّت الطبقات، ولكان أولاهم بذلك أهل الجاهلية، ومن تشهد الأمة عليه بالكفر، ولوجب أن يكون كعب بن زهير وأبن الزبعرا وأضرابهما ممن تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاب من أصحابه بكما خرسا وبِكَاء مفخمين، ولكنَّ الأمرين متباينان، والدين بمعزل عن الشعر).

دعنى أذكر فقط بأن نظام "الأخوة الإسلامية" الذى أقره الرسول عليه الصلاة والسلام كان خالياً من الإقصاء، "كان نظاماً تجميعيا يؤلف بين المختلفات من أجل وحدة أرفع وأصلح".

أما نظام "الإخوان المسلمون" فهو قائم أساساً على "إقصاء كل من لا ينتمى إلى هذا التنظيم مسلماً كان أو غير مسلم".

وما حدث لـ "الوصايا فى عشق النساء". لم يدخل فى إطار الدين، وإن كانت الإجراءات التى اتخذت من قبل بعض الإخوان المسلمين وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية أخذت شكلاً دينياً، يحافظ على الإسلام، بينما في واقع الأمر كانت إجراءات اتخذها حزب سياسى على حساب كاتب وشاعر مسلم لم ينل إلا التكفير والاتهام بالزندقة ويتعلم الحلاقة فى رؤوس اليتامى على حد تعبير عبد المنعم أبو الفتوح الذى هو أدرى منى بالحلاقة، لأنه أسطى كبير ومرجع إسلامي فى تنظيم "الإخوان المسلمين" ما كان ينبغى له أن يستخدم هذه التشبيهات المسفَّة، لينضم إلى زمرة الذين سبقوه أو رافقوه فى السباب والشتائم دون أن يقرءوا الكتاب مثله، ولا أدرى كيف وافق على إجراء حوار مطوَّل مع سعيد شعيب فى جريدة العربي حول كتاب لم يقرأه، أم أن عدم قراءة الخصم الكافر الزنديق سمة بعض الإخوان المسلمين حتى لو كانوا من القيادات، على الرغم من أنني أرسلته إلى كثير منهم.

كان أحرى به أن يقتدي بأهل السلف الذين كانوا يطالعون بدقة كتب الزنادقة والخارجين والمارقين، بإعتباره أنني – على يديه- صرتُ واحداً منهم – لا أدرى من ذا الذي خوَّل الإخوان المسلمين أو أعضاء مجمع البحوث الإسلامية أن يكون "الإسلام" هويتهم وحدهم ودونهم صار "آخر" لابد من نفيه وهذا "الآخر" يقول لهم جميعاً إن العامة والخاصة على حد سواء يستشهدون بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما يستشهدون بالأمثال العامية والأقوال المأثورة، لأن الدين موروث ثقافى متراكم عبر التاريخ مثلما هو شعائر وعبادات وعقائد وطقوس تؤدى.

وإذا كان النص الأدبي يستمد سلطته من كينونته الجمالية أولاً، فإن هذه الكينونة تتأسس على جماليات متعددة منها ثقافة صاحب النص، وأطنني من الذين يجرى النص الديني المقدس فى دمائهم، كما لو كنتُ مالكه، لأن كل مسلم بالقرآن والسنة يصير صاحب سلطة وسلطان.

ولم يحدث مرة أن تعمدتُ الإتيان بنص ديني فى كتاباتي، وإنما يأتي ذلك عفوياً دون تقصُّد، كي أري العالم بشكل أرقى، وأفهم ذاتي على نحو أَجَلّ، وأُحْدِثُ ذلك التواصل الذى كاد ينقطع مع النصوص المكوِّنة والمؤسِّسة.

· ما ردك على الاتهامات التي جاءت فى بيان الأزهر؟

o يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فى حديثة "من كذب عليَّ عامدا متعمدا فليتبوأ مكانه من النار"، وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية وبعض الإخوان المسلمين، لم يقرءوا كتابي "الوصايا فى عشق النساء"، وقرروا أنه مخالف للشريعة ومسئ للإسلام "وبصموا" على تقرير "د. عبد الرحمن العدوى" دون قراءة، وهذا كذب على الله، وعلى الرسول، وعلى المسلمين، وعليَّ، وعلى أنفسهم، بل وجهل، والجهل كما تعلم أب لكل الجرائم التى تُرتكب أو من المنظور لها أن تُرتكب مستقبلاً، فالأزهر أفتى عام 1959 فى رواية نجيب محفوظ "أولاد حارتنا" (تقريرا أبو زهرة، محمد الغزالى)، ونفذت، الفتوى عام 1994 بمحاولة ذبحه من جاهل، لكنَّ الله سلم ونجا محفوظ، وظلت الفتوى ماثلة وشاخصة على الرغم من أن الرجل كان قد وعد بعدم طبع روايته داخل مصر، ولكنني رغم الفتوى بشأن كتابي سأطبع كتابي عشرات الطبعات داخل مصر، وتلك فتوى لا ترهبني، ولا تفت من عضدى، ولا تقلِّل من حريتي فى الكتابة والنشر.

ولن أفعل مثل نجيب محفوظ، أو علي عبد الرزاق بشأن كتابه "الإسلام وأصول الحكم" عام 1925 حيث رفض إعادة نشر كتابه حتى وفاته عام 1966، ويقال إنه أوصى بعدم نشره.

فكتابي لم يقرأ بعيون أدبية، لأن مجمع البحوث الإسلامية ليس من بين أعضائِه من عُرفَ عنهم ممارسة الكتابة الأدبية أو النقد أو الفكر.

"الوصايا فى عشق النساء" كتاب لا يتعارض مع الدين أو الذات الإلهية، وتم تفسيره على هوى من قرأوه (إذا كان هناك من قرأ منهم)، وكل يتبع هواه، فلابد أن يُقوَّم العمل الأدبي من خلال منهج نقدي، وليس عن طريق أساتذة متخصصين فى الفقه والشريعة وأصول الدين والحديث، منقطعى الصلة عن الكتابة الأدبية والإبداع، ولو طُبِّقَتْ فتوى علماء أقصد رجال الأزهر فى كتابي وكذا بعض من أعضاء الإخوان المسلمين، فستكون النتيجة مصادرة الأدب العربي كله، وسيكون فى المقدمة علماء وفقهاء وقضاة وأصحاب مذاهب وأئمة متشددون ومعتدلون على السواء مثل ابن حزم الأندلسى، جلال الدين السيوطي، (الذى وصفه د. المطعنى فى مناظرة تليفزيونية معي بأنه (ياللأسف والعار) حاطب ليل) وابن قيم الجوزيه، وابن الجوزي.

إن قراءة الأزهر لكتابي قراءة خاطئة وسطحية وظلامية، مثلما حدث مع علي عبد الرازق وطه حسين ونجيب محفوظ وآخرين إن هذه القراءة الخاطئة للنصوص الأدبية شاعت واستفحشت فى مصر، وإن بعض الأزاهرة وبعض الإخوان المسلمين يؤوِّلون الأسطر المنتزعة من سياقاتها، وهم ليسوا من أهل الاختصاص في الأدب، بل تحولوا إلى نقاد له، إن هؤلاء وهؤلاء باتوا يُشكلون احتياطاً أو مخزونا استراتيجيا للجماعات المتأسلمة أو التى تتسربل بالدين وتتعَمَّم بالإسلام، فـ"اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". وصاروا مصدرًا للحق والحكمة، ويمارسون فرض الوصاية على عقول المسلمين، وتلك هي المتاجرة الحقة بالدين. و"الأزهر ليس سلطة دينية، لأن الإسلام لم يعرف مفهوم السلطة الدينية، بل الذى عرفته هى الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى، وعرفتها الدولة العثمانية في عصور الانحطاط، فالإسلام الحقيقى يرفض الوصاية". فليس بعض الإخوان المسلمين وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية "الملاذ في المحن، والمرجع في الأزمات"، وليس عندهم فصل الخطاب.

أعود إلى المستشار مأمون الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين، لعل من يتبعونه يفقهون ما يقوله: "لا نحكم على الأفراد، وكل من يؤمن بأن لا إله إلا الله نصلِّي خلفه" و"لا يمكن أن نقبل تنصيب البعض من أنفسهم قضاةً بعدما عرفوا بعض المعلومات البسيطة في الدين ويفرضون وصايتهم على المجتمع للتحقيق والقضاء والحكم والتنفيذ وهو ما قد يؤدي إلى فوضى" و"لا نكفِّر بعضنا بعضًا" ـ جريدة الجيل 7 من أكتوبر 2003، كما أنه يقول إن هناك "اختلاف في الرؤى وهناك اختلافات في المذاهب وهو أمر طبيعي".

ليعلم هؤلاء وهؤلاء ـ جميعًا ـ أنهم "دعاة لا قضاة" حسب اسم الكتاب الذى أصدرته جماعة الإخوان المسلمين عام 1968 ميلادية. لكن جماعة الإخوان المسلمين ـ وهذا ما حدث معي حرفيا ـ "تمارس السياسة دون أن تعترف أنها جماعة سياسية، أي أنها ترفع شعار أنها جماعة دعوية، ومع ذلك فإن العمل السياسي داخل الجماعة يكاد يحظى بالدور الأكبر. هذا الأمر أوجد التباسا كبيرا في طبيعة خطاب الجماعة، وفي طبيعة الأدوار التى تمارسها" ـ أبو العلا ماضي في 5 من أكتوبر 2003 جريدة الشرق الأوسط.

وإذا كانت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة قد أصدرت فتوى بجلسة 2 من فبراير سنة 1994 ميلادية (ملف رقم 58/1 – 66) من أن الأزهر الشريف هو وحده صاحب الرأى الملزم لوزارة الثقافة في تقدير الشأن الإسلامي للترخيص أو رفض الترخيص بالمصنفات، وأن شيخ الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية ـ وما يتبعه من إدارات هو صاحب الولاية في فحص المؤلفات والمصنفات التي تتعرض للإسلام لإبداء الرأي فيها". إلا أن هناك قرارا أصدره رئيس الجمهورية بأن الأزهر لم يعد جهة مصادرة، وجاء قراره بعدما كان يقوم أعضاء من مجمع البحوث الإسلامية بمصادرة كتب من داخل أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب، باعتبار أن الأزهر كان له حق الضبطية، والقانون المصري عموماً لا يعطي الحق للأزهر بأن يكون جهة لمراجعة الكتب. والقوانين "ليس فيها حكم واحد يجعل للأزهر وصاية على أجهزة الدولة فيما يسمى بالشأن الإسلامي"، وليس من المهام التي أوكلها القانون للأزهر "... ما يتصل بالرقابة على الفكر والإبداع أو إقامة محاكم تفتيش لمحاسبة الأعمال الأدبية على ما فيها من احتمالات المساس بالدين" حسبما جاء في مقال للدكتور جابر عصفور نشره في جريدة الحياة اللندنية.

· كيف ستواجه الأمر، خصوصًا أنك تحارب على جبهتين في الوقت نفسه جماعة "الإخوان المسلمون" والأزهر بفتواه الصادرة بالإجماع ومباركة شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي.

o أحيل الجميع إلى التراث الإسلامي، وما تركه الأئمة والفقهاء والعلماء من الأسلاف، وهم أكثر علمًا وتفقها في الدين من كل رجال الأزهر. كما أحيلهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وبعدها (سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). فقد قال الرسول (ص): "إنما الشعر كلام مؤلف..."، ولهذا قال الخليل بن أحمد الفراهيدى (واضع علم العروض): كان الشعر أحب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كثير من الكلام. وقال الرسول (ص): "لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين"، كما قال الرسول (ص) أيضا: "إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكما"، وهو القائل: "إن من الشعر لحكمة، فإذا ألبس عليكم شىء من القرآن فالتمسوه في الشعر، فإنه عربي".

"ولعل في حُكم الرسول (ص) على شعر امرئ القيس دليل على ما كان يتمتع به من قدرة نقدية وموهبة لتذوق الشعر الحسن، إذ عرف فضله، وأدرك مكانته بين الشعراء، فجعل له زعامة الشعراء الجاهليين حين أقبل وفد من اليمن، فقالوا: يا رسول الله لقد أحيانا الله ببيتين من شعر امرئ القيس، فقال: ذاك رجل مذكور في الدنيا، منسي في الآخرة، شريف في الدنيا، خامل في الآخرة، يجىء يوم القيامة في يده لواء الشعراء" الإسلام والشعر ـ سامي مكي العاني ـ عالم المعرفة 1983 صفحة 54.

مشكلتي مع الإخوان المسلمين والأزاهرة أنهم أنكروا الحديث النبوي الذى افتتحتُ به كتابي، وكذا إفادتي من القرآن والسنة في "الوصايا في عشق النساء".

فبالنسبة للحديث النبوي: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة تتغنَّى: هل عليَّ ويحكما إن هويتُ من حرج، فتبسم وقال: لاحرج إن شاء الله". وذلك الحديث هو الذى حرَّفه وألَّف غيره ودسَّه عليَّ نائب الإخوان المسلمين في البرلمان المصري، وكان من المفروض أن يُحاسب على كذبه وافترائه على الرسول (ص).

والحديث المُثبت في كتابي موجود في كتاب "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" لابن قيم الجوزية وهو فقيه متشدد وتلميذ لابن تيمية، ولن يفتري على الرسول (ص). كما أن لهذا الحديث رواية أخرى ذكرها الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه "شرح شواهد المغني" الجزء الأول صفحة 334 مكتبة الخانجي في القاهرة وهي: "سمع رسول الله (ص) يومًا جارية لحسان بن ثابت تغني بالشعر وتلهو، فتبسم ولم ير حرجا في ذلك".

أما إفادتي من القرآن الكريم والحديث النبوي والحديث القدسي، فليس جديدا على تجربتي الشعرية والنثرية منذ ديواني الأول "ركعتان للعشق" 1988 ميلادية مرورا بـ"الأحاديث ـ جزآن ـ"، "كتاب الموت"، "قل هي"، "أحوال العاشق"، "كتاب العشق"، كما أنه ليس جديدا على الشعر العربي، وهناك آلاف الشواهد والأمثلة على ذلك، لأن الشاعر يأخذ من القرآن والحديث نصًّا وروحا، عبر الاقتباس والتوظيف والاستلهام والإفادة، فمجنون بن عامر ـ مثلاً ـ يُقْسِمُ قسما قرآنيا مستعينا بما ورد في القرآن قائلا:

ألا زَعَمَتْ ليلى بأن لا أحبُّها

بلى. والليالي العشرُ والشفع والوترُ

وهذا تأثرا بقوله تعالى: "والفجر وليال عشر والشفع والوتر" سورة الفجر، آية 2، 3.

ومنه قول ذي الرُّمة:

وعينان قال الله: كونا فكانتا

فعوليْن بالألباب ما تفعل الخمرُ

وذو الرمة يشير في هذا البيت إلى قوله تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" سورة يس آية 82.

وأنا تعاملتُ وأتعامل مع القرآن باعتباره كتاب أدب، وبلاغة معجزة، إلى جانب أنه كتاب تشريع، فهو بالنسبة لي سماء اللغة، والكتاب الأقدس، والمصدر الأول، وجامع التراث، والمرجع الأساسي في القصص والتخييل والإيقاع والموسيقى. لذا أندهش لرأى الأزاهرة وفتاواهم التي تؤكد أنهم لم يقرءوا تراثهم القراءة الحقة ولم يعرفوا أن هناك أشكالا عديدة للإفادة أو الاقتباس أو التضمين من القرآن والحديث، وهذا موجود ومترسِّخ منذ صدر الإسلام وازدهر في العصر الأموي، ونادرا ما نجد شاعرا غير متأثر بالقرآن والحديث، لأنه رضعهما مع لبن أمه، فكيف نحرِّم على الشاعر أن يحيا النص الديني داخل نصه، هل معنى فتوى الأزهر أن يذهب الشعراء إلى كتب الديانات الأخرى كالتوراة والإنجيل وكتب الديانات الوضعية وهي كثيرة ومنتشرة ويعتقد ويؤمن بها الملايين، وبذلك يهرب من سوط الأزهر، وصوت رجاله مندوبي الله في الأرض.

فللشاعر أن يقتبس من القرآن، محوِّرًا بشكل بسيط أو كبير في الجمل المقتبسة وأن يرتبها بالشكل الذى يجعله يحافظ على الوزن وينسجم مع القافية إذا كان ثمة قافية. وهناك من يقتبس المعنى أو الفكرة فقط من القرآن. وثمة من يشير بحيث يفهم اللبيب. وهناك شعراء يقتبسون الآية ويضمنونها شعرهم دون تغيير أو تبديل، وهم قلة، لأن الالتزام به صعب، وقد لا يستقيم تطبيقه مع وزن الشعر أو قافيته.

وقد كان الشاعر النعمان بن بشير الأنصاري من أكثر الشعراء تأثرا بالقرآن، واقتباسا منه، فقد كاد ينظم الآيات القرآنية شعرا. ومع ذلك لم تصدر فيه فتوى تتهمه بالكفر والزندقة والخروج على الإسلام، وهناك عمر بن أبي ربيعة وكان أكثر شعراء عصره حفظا للقرآن الكريم وتأثرا به فى غزلياته، وثمة أسماء أخرى مثل: صفي الدين الحلِّي، وجمال الدين بن نباتة المصري، أبو فراس الحمداني، والبهاء زهير، ابن سناء الملك (وكان قاضيا)، وابن حجر العسقلاني وآخرين استفادوا من النص القرآني والنص النبوي في شعر الغزل الذى كتبوه.

ولم يقل أحد لهؤلاء ابتعدوا عن القرآن؛ الذي يمثِّل لهم ولي الذروة العليا في البلاغة العربية. كما أنه يحمل خصائص فنية تصل إلى حد الإبداع والإعجاز. ثم يأتي الأزهر الآن ويحرمني من الإفادة. إنني بتمثُّلي القرآن، واقتباسي منه، أقترب أكثر من الكتاب الباقي والنافع في كل زمان.

وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه: "بُعثتُ بجوامع الكلم" و"أنا أفصح من نطق بالضاد". ألا يستحق صاحب هذين الحديثين النبويين أن أفيد من أحاديثه على مستوى البناء واللغة والمحتوى وهو الذى له في العلاقة بين المحب والمحبوب، الرجل والمرأة أحاديث كثيرة، ليقرأ الأزاهرة صحيح البخاري، وما تركته عائشة رضي الله عنها بشأن العلاقة بينها وبين الرسول (ص). إنني لو جمعتُ ما تركه الرسول من أحاديث عن تفاصيل العلاقة الروحية والجنسية بين الرجل والمرأة لفزتُ بأثر فريد لن نجد له مثيلاً في أية لغة، أو أية ملَّة. فلماذا يضيِّق علينا الأزاهرة والإخوان المسلمون الدنيا الواسعة، في حين أن الله ورسوله قد وسَّعاها.

إن للشاعر أن يقتبس نص الحديث ويغيِّر في ألفاظه وتراكيبه، كي يحافظ على الوزن والقافية. ومن الشعراء الذين اقتبسوا من الحديث، وتصرَّفوا في تركيبه بما يوافق الوزن والقافية الشاعر الأموي هدية بن الخشرم، حيث يقول:

وأحبب إذا أحببتَ حبا مقاربا

فإنك لا تدري متى أنت نازعُ

وابغض إذا أبغضتَ بغضا مقاربا

فإنك لا تدري متى أنت راجعُ

والبيتان مأخوذان من حديث الرسول (ص): "أحبب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وابغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما".

وللشاعر أن يختصر كلمات الحديث النبوي أو القدسي بكلمات قليلة، تناسب طبيعة الشعر ولا تخل بالمعنى أو يرمز إلى حديث بإشارة سريعة. وهناك أسلوب آخر وهو اقتباس النص الحرفي للحديث، وهذا اللون قليل وصعب، كما كان في اقتباس القرآن قليلاً وصعب التحقيق. لعل أعضاء مجمع البحوث الإسلامية يتخلَّون عن التوكيل الخاص بالدين الذي يملكونه لو رجعوا إلى تراثهم، وإلى كتب أساسية ناقشت كيفية الاستفادة من القرآن والحديث في النص الشعري مثل: أثر القرآن في الشعر الحديث، الإسلام والشعر وغيرهما من المراجع المعروفة.

ولن أجد أحسن من قول الله تعالى: "وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون" العنكبوت آية 48-49n

 

تضامنوا مع الشاعر أحمد الشهاوي

ahmad_shahawy@hotmail.com

 

موارد نصيــة

قضايا وملفـات

الأزهر يفتي ضد وصايا الشهاوي

الشاعر أحمد الشهـاوي

 

 

 
 
 
جماليـــات إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع مـوارد نصيـة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.