محمد أسليــم

قربانيــــــات

إلــى فقيــه الخميســات

سيارة الأجرة الكبيرة واقفة. مقاعدها الخلفية فارغة إلا من سيدة غَطَّتْ وَجهَها بسبورة. وأنا لي حساسية كبرى تجاه هذا النوع من النساء لأنهنَّ متى خيم ليل الرغبة على إحداهن استأثرت بأنواره دون أن تذيق جليسها من طعم الأنوار شيئا. ولذلك جلستُ في أقصى الجانب الأيسر تاركا إياها جالسة في أقصى اليمين. مضى وقت طويل. لم يكتمل نصاب الراكبين. أعربتُ عن قلقي بكلامٍ لم أنتظر من ورائه أي إجابة. لكن ما أن أنهيت كلماتي حتى خرجتْ من الجالسة امرأةٌ أخرى لا علاقة لها إطلاقا بالأولى: تكلمتْ وتكلَّمَتْ وتكلَّمَتْ إلى أن انسدلتْ حُجُبُها جميعا وبانت علامتها المقدسة. أيقنتُ أنها امرأة قُرْبَانية. وإذاً، فلا أمل اليوم في الاستمتاع بشطائر اللَّحْم. اسمع يا مستر أحمد. في مصلحتك مواراة خواطرك. إن تجلس بمحاذاتها تستأثرْ (هي) بالاستمتاع بجسدك دون أن تذيقك من طعم جسدها ميليغراما واحدا. فقد علمتك طول الأسفار أن للنساء القربانيات بحور شهوات لا يهتدي إليها جَزْرٌ، لكنهن ما يظهرن من رغباتهن إلا قِفارا بحيث تجلس إحداهن بجانبك وتغتصبك وتنزلُ سبعا دون أن تفطن (أنت) لشيء مما أنزلتْ، وإن سولتْ لك نفسك الاقتراب من محرابها قيد أنملةٍ فالويل كله لك: تحتويك بنظرات اشمئزاز حقودة مستنكرة محتقرة.. لا، ستستمتع اليوم بجسدٍ. ها هي أنثاك قاصدة إياك. امترقتْ حسناءٌ عاريةٌ بابَ السيارة ومسافراً آخر كأنها تخشى أن تفوتها فرصة السَّبق إلى الجلوس بجانبي. غير أن المرأة القربانية صدَّتْهَا آمِرَةً:

- اخرجي واجلسي جهة النافذة، ثم اتركي الولد الآخر يجلس قرب هذا، فنحن لا نحب الاختـلاط!

ماذا؟! لا تحب الاختلاط، ثم «ترغمني» على الجلوس بمحاذاتها؟! أتراها تريد الاستئثار بجسدي؟ تود الحيلولة بيني وبين أن تنعطف بي شهوات السفر إلى الفتاة الجميلة ذات الساقين العاريتين؟

ما أن غادرت السيارةُ محيط المدينة حتى أحسستُ بعمودٍ رخاميٍّ يحتكُّ بفخذي الأيمن. استجبتُ للاحتكاك باحتكاكةٍ حذرة. تَواصَلَ التَّمَاسُّ المسروق. وُضِعَتْ يدٌ فوق الفخذ الأنثوي مقتربة من يدي التي كنتُ وضعتُها بدوري فوق فَخِذِي تهيؤا لتعزيز لمس الفخذ بلمس اليد. قرَّبتُ يدي من يدها. لم تقل شيئا. رفعتها بحذر شديد بحيث جعلتها تلامسُ بمنتهى اللطف يَدَهَا: «إذا لم تقل شيئا أنزلتُ يدي فوق يدها، وإن احتَجَّتْ أو سَحَبَتْ يدَها بسرعة قلتُ عفوا ثمَّ أعدتها إلى وضعها الأسبق». لم تقل شيئا. «حسنا. أهكذا أنت؟! أهذه أنت؟! امرأة قربانية؟! وإذاً، فلا سبورة ولا يحزنون. سأغمس الأصابع في شطائر اللحم إلى أن أودع فيك بذرة الكائن المودَعَة بداخلي». فتحتُ صفحة يدي. أطبقتُ كفي على كفها. استجابت لندائي بنداء أعمق: أحكمتْ إطباق يدها على يدي. اشتبكت الأصابع. كأننا سنعقد عهدا أو ميثاقا. أربَكَنِي استسلامها التلقائي المفاجئ. كدتُ أطير فرحا. قلتُ: «مَهْلاً»، ثم رفعتُ ساعدي الأيمن ودسسته وراء ظهرها قائلا: «هوُ لكِ وِسَادا». جعلتُ كفَّ يسراي مكان الأول. لم تقل شيئا. استحوذ عليَّ الجشع، جسمي يرتعش... لكَ شطائر اللحم مجاناً اليوم يا أحمد. لك الشطائر خَارج مزاد القوانين وهذيان القيم. أريد مضاعفة اللذة. اليُمنى معانقة جارتي، واليُسرى مطبقة على كفها. لم تقل شيئا. لا، الفخذ أحسن. اخل سبيل كفها وادسُسْ يسراك بين عموديها الرخاميين. فَعَلْتُ. لم تقل شيئا. واصِل التسلل والاحتكاك واللمس. لم تقل شيئا. غازل حزامها وصفحة بطنها. لم تقل شيئا. رفعتني نشوة اللذة إلى السماء. أنا الآن فوقَ نفسي، في آفاق مني ما سطَّرَها كتابٌ ولا اهتدى إليها قانون. في مثل هذه الأوضاع يخيَّلُ إلي أني وجليستي ممددين في غرفة نوم ميِّتَيْنِ، ما يذكرنا بالحياة إلا ذهولٌ نشوانٌ يَسْري في جَسَدينا كإكسير سماوي. نحن الآن زهرتا آسٍ، لوتس، أبنوس، محارتان، بلورتان، قطرتا ندى، خميلتان تترنحان لذة كما يترنح مُحيّا البحر تحت هبات النسائم الرقيقة. لكن بقدر ما كانت نشوة اللذة ترفعني كان مزيج من الخجل والرهبةِ الخَشُوعَة يستحوذ عليَّ. أطبيعي أن تأتيك إحدى صدفة الأسفار بسيدة لم تعرفها من قبل، ثم تمُدُّ يدَكَ إليها، فتركع لك بهذه السّهولة، وتستلسم لك، ثم تُشْرِعُ محرابها لك دون أن تقول شيئا؟! تكلم. قل أي شيء. لا يهم أن لا يعني كلامك شيئا. فمجرد تلفظك به سيسبغ معنى على وضعك الحالي ويحيطه بهالة من القِيَمِ. لا. لا. افعل كل شيء إلا الكلام. فلِللُّغَة قوانين وضوابط تفسد النعم المبحرة في جسديكما الآن. لقد علمتك طول الأسفار أنهن لا يستجبن لابتهالاتك إلا ضمن شرطٍ وجوديّ يقع فوق كل لسان. عندما تكون يدك ممتدة إليهن وهنَّ صامتاتٍ، فإنَّ كل شيء يتم كما لو كنَّ بصمتهن يخاطبنك قائلات: «هَوَتْ مَزادات القيم في قرار سحيق. تصدَّعَت أشجار القرابة وحُظِرَ الحظرُ. انتصَبَ التشابه سلطانا. هُنَّ أنا وأنا هُنَّ. نحنُ أمُّ الشرائعِ. قُطِعَ لسانُكَ، نحن لك، أُذِنَ لكَ أن تفعل بنا ما شئت». لكنهن ما ينزلن حتى يتنكرن لك إلى أن يخيل إليك أن الجالسة بجانبك قبل قليل لم تكن هي هذه المرأة من لحم ودم، هذه التي تراها الآن سائرة وقد أحاطت نفسها بهالة من الكبرياء كأنها أم عيسى، وإنما كانت امرأة أخرى هي طيف أو قرين لها أو نسخة منها تبخرت فور انتهاء السفر. أتدرون ما قلتُ لمن اكتفتْ، فور وصول الحافلة إلى محطة مكناس، لمن اكتفت بالرَّبتِ على كتفي وتوديعي قائلة: «رضي الله عنكَ يا ابني»، ثم اندست في سيارة أجرة وغابت عني إلى الأبد؟!»، أنا الذي غالبتُ خجل عِقدَها السَّابع، لما كانت جالسة بجانبي في الحافلة من البيضاء إلى مكناس، وأمطرتُها بشآبيب الاحتكاك والدَّسِّ واللمس إلى أن توهَّجَتْ وأشرق وجهها بأنوار ما تصدر إلا من ابنة عشرين سنة أو أقلّ، أنا الذي كنتُ أنتظر أن تدعوني فور النزول من العربة كي أرافقها إلى منزلها أو ترافقني إلى منزلي، فنتغارس بذرة الكائن المودَعة في دواخلنا... قلتُ لها فور امتطائها سيارة الأجرة الصغيرة: «إني ألعنك!». سمعتُ صوتا بداخلي يردد. «لا تلعنها!. لا تفسد ما وَهَبَه الجسد بما يمليه الإحساس. قل: «إنما تصدَّقْتُ عليها». غالبتُ غضبي وردَّدْتُ: «لقد تصدَّقْتُ عليها»، ثم واصلتُ سيري، وبنفسي حسرة منهـا...

قرصتُ المرأة القربانية من أعلى ذراعها الأيمن، ابتسمتْ، همستُ في أذنها:

- أتخيل حجم الحرمان غير المبرر الذي أصاب شطائر اللحم هته مع أنها لا تستأهله!

استجابت لكلامي بابتسامة كريمة.

- منذ متى سافـرَ؟

- ستة أشهـر (مبتسمة)

اصطنعتُ التعجب:

- ستة أشهـر؟ مدة طويلة جدا. أي عشرة أعوام أو أكثر بالتَّقويم المُتْعِـيّ!

- أحقا أنها مدة طويلة؟ (مصطنعة ابتسامة استغراب)

- نعـم، طويلة جدا جدا، يلزم المرء معها أن يتحلى بصبر أيوب!

- نحن [معشر النساء القربانيات] نمتلك صبرا يضاهي صبر أيوب إن لم يَفُقه (ضاحكة). يمكن للواحدة منا أن تصوم سنة أو سنتين دون أن يحرك فيها الصوم ذرة حرمان أو حنين.

نعم، صبرك ذاك هو ما دفعك إلى الإلقاء بالمرأة العارية إلى جانب النافذة: «اخرجي واجلسي جهة النافذة، ثم اتركي الولد الآخر يجلس قرب هذا. فنحن لا نحبُّ الاختلاط؟!». نعم، أنتن تكرهن الاختلاط، لأن بذرة الكائن إن تتماسّ معكنَّ يفلتُ منكُنَّ عُقَالُ الرغبةِ، فما تفطنَّ لأنفسكنَّ إلا وأنتن تغتصبن الرجال، لا تفطنَّ إلا وقد انهارت أسواركن أمام أولِ مسافر له يدين مثل يديَّ هَتين المنغمستين الآن في شطائركِ. نعم، لا، أنا المخطئ. فأنتنَّ معشر القربانيات لا ينال قربهم منكنَّ شيئا، فأحرى بُعْدُهُمْ عنكنَّ. ولكِ، يا سيدتي، في ذلك أبواب منها أن تسألي يـوسف.

- صباح الخيـر يا مستر يوسـف. ما هذه الخدوش التي تكسو وجهك؟!

- ...

- صباح الخيـر يا يوسف. عنقك اليوم مجروح، ماذا جرى؟

- ...

- عم صباحا يا يوسف. شعـرُكَ اليـوم مَنْتُـوف، ماذا وقع ليلة أمس؟

- ...

- صباح الخيـر يا يوسف. واليوم أيضا؟ غير معقول!.

- ...

- صباح النور يا يوسف. ما هذا؟ إني أخشى أن يكون هذا العقال المقدس الذي قيدت به شهواتك فاتحة... فمنذ عقلتَ رغبتك وجسمُك يضمرُ، والجروح تكسو عنقك ووجهك، والدماء ترحل عن محياك. أخبرني أتحت سقفٍ منزلٍ تبيتُ أم في جبهة قتال؟ اخبرنـي.

- لا أخفيك يا عزيزي. الخدوش خدوشها، والجروح جروحها، وما الآثار إلا آثار أضافرها. كنتُ أظن أنَّها ناسكة فإذا بها مسٌّ منهُ حتى إني لأراهن على أن ما في جمجمتها إلا هو. كلما وطأتْ قدماي عتبة المنزل وجدتُها أضرمت النار، ونصبت القداس، ثم تدلَّتْ على حافة جسدها، على أجراف رغبتها... لا يثنيها عن ذلك أن يكون الوقت ليلا أو نهارا، صباحا أو مساء، فجرا أو منتصف ليل، لا أن يكون المكان فراشا أو بهو منزل، أو مطبخا أو قاعة أكل . ستقتلني. ستقتلني...

- الخطأ خطؤك. أنت عاقلٌ وهي لازالت في طور الرَّضاعة. لكن لا بأس. هَـللاَّ أذنتَ لي أن أعينك عليها؟

- لو كان القانون أباح لنا ذلك لما ترددت لحظة واحدة...

[...]

***

ما هذا؟ في غمرة الخلاء والليل يوقف السائـق السيـارة، ثـم ينـزل!.

خَمَّنَ الرَّاكِبُــون جميعا بما فيهم المرأة القربانية وأنا نفسـي:

- لاشكَّ أن إحدى العجلات قد ثُقِبَتْ.

مشى السائق خلف السيارة طويلا وهو شبه راكع كأنه يبحث عن شيء ضائع، ثم استدار بغتة، وقصد العربة. بحركة سريعةٍ فتح الباب الخلفي المحاذي للمرأة القربانية، ثم صرخ في وجهينا:

- اسمعا، فليرحم الله والديكما. إنكما داخل سيارة أجرة ولستما داخل ماخور. ألا تحترمان سيارة الأجرة؟! إن هذه لَسَيَّارة أجرة. أما احترمتما السيارة؟ أما احترمتما الراكبين؟!

ودون أن يترك مجالا لأي تعقيب صرخ ثانية بلهجة حـادة:

- انـزلا، يا سادة. انـزلا، يا سادة. انـزلا.

صُعِقْتُ. لم أصدق أذني. كان بوسعي أن أتصور أي شيء إلا أن يكون السائق قد تتبع حركاتنا وحديثنا منذ مخرج سَلاَ حتى مشارف وادي بهت. احتقن الدم في وجهي. تهيأتُ للأسوأ. حاولتُ كتمانَ حَنَقِي وخوفي.

«- معذور العذر كله يا سيدي!. بل أنا الذي عليَّ أن ألتمس الصفحَ لجهلي بالشريعة التي نزلَتْ عليك مساء أمس أو صباح اليوم، الشريعة التي نصَّبَتك حارسا على الأخلاق، وجعلت سيارتك مكانا مقدسا! أيها الغبي. أتراك كنت مُبقيا على هذا القناع من مُسُوحٍ لو كانت إحدى القربانيتين، الجالسة بجانبي أو عارية الساقين، قد جلست بمحاذاتك ومدَّتْ يدها إلى سرّك؟! ما أرى نبرتك إلا تصريفا لحسدٍ أو حقدٍ أو حرمان!»

قلتُ مرتبكا:

- أسائق سيارةٍ أنتَ أم حارس أخلاق؟ من أوكل لك سلطة محاسبة الناس على أقوالهم وأفعالهم؟ إذا كنت عازما فعلا على إنزالنا في هذا الخلاء، فإلى أقرب مركز للشرطة. سيكون الأمر أفضل. هيا...

أمَّا هي! أما هي! تصوَّرُوا أي شيء فعلته. ما كاد السائق ينهي كلامه حتَّى أزاحَتني من قبالته بحركة قوية خاطفة، ثم وثبتْ على السائق ولوَتْ بكلتي يديها على ياقته، وهي تصرخ في وجهه:

- وبَعْدُ، قُـلْ أي شيء كنا نفعل فاقتضى كل هذا النعيق؟ هه؟ أعد! قل. ماذا كنا نفعل؟

لم تترك له أي فرصة للكلام. واصلتْ إطباق يديها علـى عنقـه وهـي تردد الأسئلة نفسها إلى أن ابيضَّتْ عيناه وارتمت من فمه أصواتٌ ملتويةٌ مخنوقةٌ. كأنه سكرانٌ أو يَحْتَضِرُ. تدخلتْ المرأة العارية والشاب الذي كان جالسا بجانبها لإنقـاذ السائق من كارثة محققة. كنَسَتهُما المرأة القربانية بحركةٍ من يدها، ثم واصلتْ هجومها على السائق:

- أما استحيتَ يا حِـمَــ... ألا تحترم النساء الزاهدات؟ أنا سيدة مقدسة. أنا امرأة قربانية. هيا معا إلى الشرطة كي «أُرِي أُمَّكَ»... تعال إلى الشرطة لترَ أيّ الأشياء تقوى عليها النساء المقدسات...

لو سئلتُ عنها قبيل إقلاع السيارة لكان آخر ما خطر على بالي هو أن تلبس كلّ ذلك القناع من الجدّ السَّميك. جِدٌّ لم يجد السائق بم يواجهه سوى الاحتماء داخل غيمٍ من الخجل والصمت: أمسَكَ رأسَه بين صفحتي يديه، ثم أطرق بوجهه إلى الأرض، وظل ملازما ذاك الوضع...

أيَّدَت المرأة العارية صاحبة السبورة ضمنيا: اصطنعتْ منتهى الاستغراب، وقالت بصوتٍ أجـش:

- إننا لم نشاهد أي شيء غير عادي. ماذا جرى؟ أخبروني. ماذا وقع؟

قال السَّائق مخاطبا المرأة القربانية بلهجة آمرةٍ منكسرة أبدته كمن يسعى لإنقاذ ماء وجه:

- اسمعوا يا سادة. كوني ما شئتِ. أليس من حقي أن آمرك بالجلوس في الجهة الأخرى، بجانب هذه [الفتـاة العارية] بدلا من الجلوس بجانب هذا [الرجل، أنا]؟...

مخافة أن تميل الأمور إلى منعطف شنيع ألححتُ على المرأة القربانية أن تستجيب لرغبة السائق. كسَّرها إلحاحي، جلسَتْ بمحاذاة النافذة، في المكان الذي كانت المرأة العارية جالسة فيه من قبل. صار وضعنا - نحن الأربعة ركاب المقعد الخلفي - كالتالي: أنا بجانب النافذة اليمنى، بجواري الشابُّ الآخر، وبجواره - عن يساره - المرأةُ العارية، وبمحاذاتها المرأة القربانية: صارت صاحبة السبورة مُحَاصَرَة من يمناها بالمرأة العارية ومن يسراها بالنافذة، فيما صرتُ محاصرا من يمناي بالنافذة ومن يسراي بالشاب: انقلب الوضع بحيـث صار رَجُلان في اليمين وامرأتان في الشمـال...

أقلعت السيارة من جديد. خيم بداخلها صمتٌ رهيبٌ. حسدتُ كثيرا الشابَّ الجالس بجانبي. تمنيتُ لو كنتُهُ. اعتراني ندمٌ كبير. لو لم أستجب لنداء المرأة القربانية في محطة السيارت لكنتُ الآن جالسا في مكانها، ولكانت الجالسة بجواري الآن هي المرأة العارية، ولاستمتعتُ بعموديها الرخاميين على امتداد السفر دون أن يكتشف السائق ذلك لأنها كانت ستأويني في محرابها بمنتهى الحذر وستسخّر كل فطنتها لعدم افتضاح الأمر.. فقبـل قليل تكلمتْ دون أن ينتبه أحد إلى رائحة السجائر والخمر الفائحة من فمها. شعرتُ بحقد كبير إزاء المرأة القربانية وبحقد أكبر تجاه نفسي. كسَّرَت الفتاة العارية الصمت الرهيب الذي كان يخيم داخل السيارة. قالت بكـلام ملتبس ملغـوم:

- أخطأ المرء إذا ظنَّ الناسَ محرومين إلى هذه الدرجة. فالشوراع امتلأت رجالا ونساء إلى أن صارت العين تحار في ما تختار. لكن الناس ليسوا كلهم سواسي: في الأسبوع المنصرم كنتُ داخل سيارة أجرة كهذه، وساقت الصدفة إلي رجلا في سن أبي، فجلس بجانبي. نعم، رجل في سن أبي، ومع ذلك صدر عنه ما لا يجرؤ فتى مراهق على القيام به. أزعجني إلى أن اضطررت إلى النزول قبل منتصف الطريق. لما سألني السائق مستغربا: «لماذا تنزلين في تيفلت وأنت مسافرة إلى مكناس؟!» خجلتُ من إخباره بما وقع. أتتخيلون ماذا فعل؟! لقد أمسَك بجريدة وأشرع صفحتيها متظاهرا بالقراءة، لكنه ما فعل ذلك إلا تمويها: دسَّ يده تحت الصحيفة، وراح يعبث بفخذي، يلمسهما. خجلتُ. لم أستطع قول أي شيء. أتصدقون ما فعل؟ لم يُوسِعْه صمتي، فانتقل من اللمس إلى القرص، أخذ يقرص فخذي إلى أن أوجعني فكدت أن أصرخ...

«- نعم، "أخطأ المرء إذا ظن أن الناس محرومين إلى هذه الدرجة. الشوراع امتلأت رجالا ونساء إلى أن صارت العين تحار في ما تختار". ولذلك، قبيل إقلاع السيارة، راوغتِ الشاب الآخر بسرعة وامتـرقتِ جسده وباب السيارة لتفوزي بجسدي قبل أن تفوز به السيدة القربانية لولا أن فطنتْ إليك وصَدَّتْكِ كي تقيم بيني وبينك سبورة أخرى، فلا تسقط يدي، حيثما رامت السقوط، إلا فوق عمودها ولا تلتف ساقي، حيثما رامت الالتفاف، إلا بساقها...»

«- وأنتَ؟ أنتَ أتحسب أنك سلطان العشق أم تظن أنك دون جوان النساء الزَّاهدات؟ أتعتقد أنك من الوسامة بحيث ما من امرأة وقع بصرها عليك إلا ووقعت في حبال عشقك، وما من أخرى جلست بجانبك إلا وانحنت إجلالا وخشوعا لجمالك؟ لماذا لا تقلب الآية فتقول: «إني امرؤ شبق مريضٌ، أحمل عقلي بين فخذي». هه؟ لماذا؟ أجب أمهووسٌ بالنساء أنت؟ أبك مسٌّ منهنَّ؟ أجب. لماذا هذا الصمت؟ أتخشى أن يعرف الآخرون ذلك؟ أعدك أني لن أسر بذلك لأحد. هيا، قل...»

«- وأنا، أنا أريد معرفة هل ما تقصه الآن أحداث واقعية تعيشها في أسفارك فعلا أم أنه محض خيال؟ لماذا أنت صامت؟ لا تريد الإجابة؟...»

«- وأنا. أنا واحد من قرائك. أسِرُّ لك الآن بأنك خَيَّبْتَ ظني لما جالستك لأول مرة، لأني بدلا من أجدَ فيك الشخص الذي أوهمتني به كتاباتُك ألفيتُكَ شخصا لا علاقة له إطلاقا بالصورة التي كونتُهَا عنه. نعم خاب ظني لدرجة أني تمنيت لو لم أقرأ سطرا واحدا مما كتبته، فأحرى أن أسعى لمعرفتك شخصيا... كنتُ أتصورك شخصا مجنونا جنونا جميلا مبدعا، شخصا يعيش في فوضى مشرقة، في أقصى درجات الهامشية والتبعثر، كتابته وجهٌ ثانٍ لحياته، فإذا بك مهووسٌ بالعقل والمنطق، ما من ذبذبةٍ ترسلها أو تلتقطها إلا وتخضعها لمقاس من مختبرك الباطني، لا ترحم في ذلك قريبا أو بعيدا، مريضا أو سليما، عاقلا أو مجنونا...»

«- قل لي هل ما تكتبه صحيح أم محض خيال؟ إني ألح على معرفة ذلك. ولن تنفعك مراوغة تضمين طلبي هذا في النص الحالي، وإدراجه في الفقرة الحالية، لتوهمني بشيء ما. أنا لا أريد وهما ولا تخييلا، أريد إخباري بمصدر ما تكتبه، هل هو تجارب حقيقية أم محض خيال. وإذا كان محض خيال، فمن أين يأتيك كل هذا الخيال؟ هل تستسعف فيه بشرب الخمر أو تدخين "الحشيش" أو ابتلاع الأقراص؟...»

«- اسمع يا مستر (س). لستُ الوحيد الذي انتهى إلى هذه الخلاصة. إن ما يقوله صديقي صحيح. فقبل أن أعرفك، كنتُ أسمع عنك أنك شخص مغامرٌ مقامرٌ يعيش على حافة الجسد والرغبة ويتخذ من الحياة اليومية خشبة لإخراج الاستيهام. وأثارني إصرارك في مجموعة من النصوص على ذكر الثقوب والأضرحة والأسرار والمدارات والأفلاك والموت، فقلتُ: "حسنا! ها هو أخيرا امرؤ يمنحُ بكتابته دعامةً تحرُّرٍ نظرية أو إبداعية لمن تمطَّت عليهم ظلال المؤسسة، مثلي، فما فطنوا إلا وبحور الرغبة المودعة بدواخلهم قد قيِّدَت بأغلال من زيجاتٍ وأبناء". قلتُ: "سنتهتك معا، وسنستظل معا بغابات السيقان التي شاهدها في ساعات احتضاره... ولما رتَّبْتُ الأمور جميعا، وجاءنا قطيعُ النساء اللواتي كنَّ أحطن بك رفقة شيخ مكناس في حانة الفندق، ثم دعوننا إلى أرائك متقابلاتٍ حيث اتكأنا والخمار يسوق إلينا الأقداح تلو الأقداح والزجاجات تلو الزجاجات... احتميتَ وسط خجل شديد أبداك أقرب إلى الناسك المتديِّن منك إلى السكير الماجن الذي رسَّخَتْهُ نصوصُكَ في ذهني، ولازمتَ حشمتك ووقارك والبنات تتجاسرن عليك وتراودنك وتعانقنك وأنت محتم بتمنعك المحتشم العفيف إلى أن نفضن أيديهن منك، وغادرنك قائلات: "إنه امرؤٌ لا يعرف إلى الموت سبيلا". . »

«- نعم، يا سيِّد (س)، وإلا فلماذا كذبتَ عليَّ؟ انتظرتُ هاتفك حتى اليوم ولم تكلمني. أنا التي لم أخل سبيلك يوم التقيتُ بك إلا بعد أن أخذتُ منك عهودا ومواثيق بأن تتصل بي هاتفيا في غضون الأيام الثلاثة المواليـة كي نرتب معا للقاء في مقهى أو حانة ونخطط لرحلة تيهٍ كبرى في جسدينا، تيهٍ قدسيٍّ ماجنٍ، فنعترش ظلال الرغبة، ونتغارس بذرة الكائن المودعة في دواخلنا، وأنت تعرف حقَّ المعرفة، من خلال مراهم وجهي، وعطور جسدي، وألوان ملابسي، وإشارات ملامحي، وحركات يدي وعيني، وشكل ابتسامتي، ونبرات صوتي، أنني ما لزهدٍ أو نسكٍ أو عِلمٍ كنتُ أدعوكَ. كنتُ أقول لك: "أنا سيدة واقفة في النقطة العليا من أجراف لحمها، سيدة على حافة رغبتها، متأهبة تمام التأهب لمطاوعة لغات جسدها والمضي إلى التخوم القصوى التي ما وطئتها قدَمَا مَاري رفقة بييرُّو ولا صحبة الرجل القصير في ميت جورج باطاي، ولا دولماسي ورفيقاته في فلسفة مقصورة ساد . فلماذا لم تتصل بي؟ لماذا؟ هات جوابا مقنعا. لماذا؟ لا تجشم نفسك عناء الاتصال بي الآن. فأنا لم أعد طامعة في اللقاء بك. لستُ ذلك منكسرة ولا عليه متحسرة أو نادمة، لأن رغبة الصلاة معك في محراب الرغبة والاستيهام انطفأت فيَّ إلى الأبد. وكل ما أريده منك الآن هو أن تفسر لي شيئا واحدا: كيف تجرؤ على كتابة ما تكتبه وأنت ربُّ عائلة؟ هل تقرأ زوجتك نصوصك؟ أجب...»

***

أي تَحَدٍّ شيطانيٍّ استحوذ على المرأة القربانية؟ فبمجرد وقوف السيارة في المحطة النهائية، فتحت البابَ بسرعة وجرت إلي، ثم فتحت الباب وأسندتني من يدي كأني مريضٌ، ثم أخرجتني وأحاطتني من الكتف بيدٍ ودسَّتْ أصابع اليد الأخرى بين أصابعي، ثم التفتت نحو السائق وخاطبته بمنتهى التحدي والشماتة: «والآن، امنعنا من أن نفعل هذا! هيا امنعنا إن استطعت! لفَّت السائق سحابة من الامتعاض المرتبك. انطلق في حال سبيله بسرعة قصوى مخلفا وراءه سحابة من الغبـار.

- أيُّ صرامةٍ قاسية واجهتِ بها السائـق!

- لو لم أفعل ذلك لركبني، لو واجهته بصمت أو خجل لاتخذ من ذلك حجَّة عَلَيَّ... ألم تر كيـف أنني ما أن أوسعته شتما حتى انكمـش كقنفـذ؟

[...]

- آلو آلو

- من؟

- مستـر أيوب. أريد صاحبة السبورة.

- أنا المرأة القربانية.

- .......

- ........

- نلتقي يوم ... في....؟

- بكل سرور. سأتوقف بمكناس وأقضي معك ليلة كاملة، وفي الصباح الباكر سـأواصـل السفر إلى أزرو.

ها هي أخيرا امرأة تطاوع مدَّ البحار المودَعَة في جسدها وتقبل المضي بها إلى تخومها القصوى. ها هي أخيرا امرأة تسقط قناع الكبرياء الذي تختم به كل اللواتي يسرقن جسدك في طقوسَ الاحتكاكات اليومية في الأوتوبيسات وسيارات الأجرة.

«اسمعي يا سيدتي. عندما ستصلين إلي ستجدينني قد ادخرت لكِ ليلةً يقظانة كي أقضيها في حضرتك سهرانا نشوانا سكرانا. ما أطيبك وأحلاك!. أنتِ صُمْتِ عن الرجال قرونا بالتقويم المتعي، فكانت جائزة صومك أن ساقتني صُدَف الأسفار إليك. سأدخلُكِ المنزِلَ، وأسوقك مباشرة إلى الفراش دون مدخل أو غزل أوطلل. أنت سيدة لست كالنساء، فوق كل غزل أو طلل. سأسوقك وأصابعي ملتحمة بأصابعك كما اشتبكتا داخل السيارة، وأنت مستسلمة كالنائمة أو السَّكرانة ، فلا أقـف إلا وجسدانـا على حاشية السرير. من حافة السرير سأحملك بين ذراعيَّ وألقيك فوقه لتتمددي على التو. سأسوق مئزرا ألقيه فوقك، ثم أشرع حالا في رفع حُجُبِكِ حجابا حجابا سأكشفها واحدا واحدا، بمنتهى الهدوء واللطف، وأنت مستسلمة مبتسمة وديعة منتشية مرفوعة فوق نفسك كما استسلمتِ لي بوداعة مبتسمة منتشية داخل السيارة. سأرفع حجبك إلى أن أجردك منها جميعا. سأجردك منها جميعا إلا قوس قزحك الصغير. وحده قوس قزح الصغير الذي سيكون لونه أحمر أو أبيض أو أسود - كما اتفقنا، لأن هذه الألوان ستمنح للشطائر السافرة نكهة بصرية ترفعها إلى مصاف الآلهة - سأتركه لأنه يخفي السر كله. وللسر سرٌّ لا ينكشف إلا في بقائه محجوبا متمنعا. ينبغي أن يُتَوِّجَ حرمانا طويلا وعناءً مؤلما لذيذا. لذلك أول ما سأفعله بعد كشف حُجُبك هو إمساك بُرجَيك الصغيرين. سأمسكهما وأنتقـل بينهما مداعبا بكلامي نقطة التَّماس الكهربائي فيك كما لو كنتُ صبيا. بكلامي سأنتقل إلى صدرك، وأصعد إلى عنقك، وألثم شعرك، وأنت تُوَحْوِحِيـنَ، وتطلقين أنَّاتٍ مترنحة كالباكية أو المريضة. كأنك تقولين: «لِـجْ ضريحي». لا، بوسعي أن أمنحك الآن هبات جسدي قاطبة، فهو مِلكٌ لك، بوسعي أن ألبي لك رغبات العالم قاطبة إلا هذه. وأتوسل إليك منذ الآن ألا تكاشفيني بِهِ قبل أن أكشف عنْهُ بِهِ. فلي في ذلك طقوسٌ لم تعرفها امرأة بعد. إن تكشفي عنه أرتمي فوق الأرض وأتلَوَّى كما كانت ستتلوَّى عذارءُ رامبو المجنونة أمام بعلها الجهنمي لو أراها حِلْياً. أنا الآن غائب عنك وعن نفسي، غريقٌ فيك، ما يذكِّرُنِي بِي إلا حركاتُ كلامي فوق هضابك ووهادك تميل بخمائلك وأعشابك كما تميل هبة الرياح الوديعة بمُحَيَّا البحـار. سأقطف منك لذة لم أقطفها من أي امرأة من قبل، وأذيقك من جسدي طعما ما حلمت به امرأة قطّ. هُنَّ جميعا ما استسلمن لي إلا ابتغاء مقابل أو جزاء. ثم جئتِ أنت، فاٌعْتَلَيْتِهِنَّ جميعا، لأنك تقدمين نفسك لي الآن هِبةً بلا تقتير ولا حساب. جسدك يخاطبني قائلا: أنا المقابل نفسه. أنا جائزتك فخذني...»

***

لكن! لكـن! أي شيء - متعذر التسمية - يستحوذ عليكِ الآن؟ ها أنت تحلين في الموعد المضروب وفي المكان الموعود. ها هي سيارة الأجرة تصل مقلة إياك وأنت حاملة سبورتك. تنزلين، ألازم مكاني لأني موقن أنك فور نزولك ستلوحين بعينيك يمنة ويسرة إلى أن تهتديان إلي فتتجهين نحوي. لكن ما أن وطأتْ قدمُك الأرض حتى جريتِ بأقصى سرعتك، قطعتِ الطريق. اصطنعتُ عدم رؤيتك، موَّهتُ اصناعي بالميل ببصري صوب الجهة المعاكسة للمحطَّة، أستدير بعيني، وها أنتِ تختفين. كأن الأرض ابتلعتك. أتجه مسرعا إلى محطة الحافلات عساني أجدك هناك. لستِ هناك. أعود إلى مكان نزولك الأول. لستِ هناك. أعود ثانية إلى محطة الحافلات. لستِ هناك. أمسح ببصري سيارات الأجرة الأخرى المتجهة إلى مدن مجاورة. لستِ هناك. أعود إلى المحطة. لستِ هناك. أعود من جديد إلى سيارات الأجرة أجسُّها خلسةً بالبصر واحدة واحدة. وها أنت أخيرا داخل إحداها. لكن أي وضع أنت فيه الآن؟ فقد احتميتِ وسط ثلاث ركاب في المقعد الخلفي ودفنتِ وجهَك بين ركبتيك كي تحتجبي عني. اصطنعتُ عدم مشاهدك، عدتُ إلى مكان وقوفي الأول، إلى المكان الذي كنت أنتظر فيه وصولك، أخذتُ أتأملك من بعيد، أخرجتِ رأسك من بين ركبتيك. ها هو نصاب الراكبين يكتمل، انطلقت السيارة التي تقلك، ها هي تقترب مني كي تغادر المدينة، ها أنت محتمية من جديد بين عموديك الرخاميين كي تظلي محجوبة عني. ها هي السيارة تغيب عن البصر... أخطأتُ. إنك لم تطاوعي مدَّ البحار المودعة فيك ولا قبلتِ المضي بها إلى تخومها القصوى ولا أسقطتِ قناع كبريائك. هل كنتِ في الموعد؟ نعم، كنتِ فيه وأخلَفْتِهِ في آنٍ. رأيتكِ؟ نعم، رأيتك دون أن أراك. التقيتُ بكِ؟ نعم التقيتُ بك دون أن ألقاك. لا ها أنتِ بجانبي. ها هو عمودك الرخامي يغازلني وساقك تتوسل لساقي بابتهالات خاشعة وديعة. آه! ما هذا؟ أساقك الندم إلي؟ بل أأنت المرأة القربانية فعلا أم أنك امرأة أخرى ساقتها الصدفة إلى جانبي داخل سيارة أجرة أخرى؟

- اسمع. سواء أكان اسمها ليلى أم كلثوم، هند أم نسرين، سواءٌ أكانت تحمل في وجهها سبورة أم محارة أم حجارة فها أنت تستعيدها فيَّ أنَا الآن. أنا الآن بديلتها. أتدري ما اسمي؟ خمِّن. ما اسمي أنا الجالسة بجانبك الآن أختلس منك لذة؟ من أنا؟

قـال صَـوتٌ من الليـل:

- أنتـنَّ القربانيـاتُ جميعـا!.

 

 

 

 

نصوص سردية

قربانيــات

روايـة

 

 

 
 
جماليـــات إضـــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.