 |
د. حسن يوسفـي |
|
مقدمــــة |
|
|
يبدأ الحديث عن المسرح
-
في هذا الكتاب
-
بالضحك ليعبر جسر اللذة نحو مدارات الجنون والسحر وعوالم الاستعارة
والتداولية والتلقي.
وليس غريبا أن يكون قدر الدراسات التي يحتويها هذا المؤلف هو هذا
التأرجح بين الهزل والجد، مادام المسرح شأنه شأن الحب غالبا ما يبدأ
الكلام عنه بالمزاح والعبث لينتهي بالأشياء الجادة.
تتمثل جدية القضايا المطروحة في كونها تشكل محورا لاهتمامات متنوعة
تتقاطع فيما بينها داخل الظاهرة المسرحية .
فالتمسرح موجود في كل مكان.
ولعل هذا ما يجعل من المسرح فنا يجد فيه ضالته كل من الفيلسوف والمحلل
النفساني وعالم الاجتماع واللساني والبلاغي والأنثروبولوجي، لأنه فن
تداخل الاختصاصات
«Interdisciplinarité»
بامتياز.
لذا، حرصنا على أن تكون دراسات هذا الكتاب متنوعة بتنوع هذه الاختصاصات.
إلا أن هذا التنوع لا يعني أن دراسات الكتاب تشكل جزرا معزولة وبعيدة
عن بعضها البعض .
فالبعد اللغوي للظاهرة المسرحية مرتبط أشد الارتباط بأبعادها الأخرى
النفسية والاجتماعية والثقافية.
وفوق كل هذا، فالقضايا المطروحةيجمع بينها خيط رفيع يتمثل في المفارقة.
فالمسرح فن المفارقة
«Art paradoxal» -
كما تقول أوبرسفيلد
-
وهذه الخاصية هي التي تجعله قادرا على احتواء عوالم متناقضة وصهرها في
قالب واحد.
ورغبة منا في محاولة التخفيف من الغبن الذي يعيشه دارسو المسرح في
وطننا على اختلاف أوضاعهم من باحثين وطلبة ومثقفين ونقاد، حاولنا أن
نستجيب في هذا العمل
-
لرغبتين إحداهما أكاديمية والثانية ثقافية في إطار معالجتنا للقضايا
المسرحية المطروحة.
تتمثل الأولى في دقة الإشكاليات وتنظيم طريقة المعالجة من خلال الجمع
بين العرض والتحليل والتركيب، ووضوح المرجعيات وملاءمتها لطبيعة
الموضوع.
وتتمثل الثانية في إثارة اهتمام المنشغلين بالثقافة المسرحية ببلادنا
إلى قضايا مسرحية حساسة وممتعة في آن واحد، مع الدعوة إلى ضرورة
تحيينها وربطها بسياقنا الخاص إبداعيا ونقديا، حتى يكون خطابنا عن
المسرح خطابا علميا وذا مصداقية.
وقد حاولنا، انسجاما مع هاتين الرغبتين، أن نسهم قدر الإمكان في تقريب
الميتالغة المسرحية الغربية بتصوراتها ومفاهيمها ومصطلحاتها من القارئ
العربي حتى نساهم في التخفيف من وطأة الإحباط الذي يصاب به هذا القارىء
من جرَّاء اكتوائه بنار مضاعفة :
نار حب المسرح، من جهة، ونار الدراسات المسرحية المكتوبة بلغات أجنبية
يصعب دخول مداراتها من جهة أخرى.
وحسبنا أن نكون
-
من خلال هذا الكتاب المتواضع
-
قد أسهمنا في وضع لبنة جديدة في سبيل تأصيل الظاهرة المسرحية وتحديث
الاهتمام بها نظريا ونقديا في سياقنا الثقافي الخاص.
|
|
|
|
|