في رسائله
العشر إلى شاعر ناشئ ما فتئ راينر ماريا ريلكه (Rilke) يدعو مخاطبه إلى
العودة إلى الطبيعة والإنصات إليها. وهو إذ يؤكد على هذا الارتباط العضوي
بالطبيعة، إنما يسطر إحدى الشروط الأساسية لتأسيس الأثر الفني.
فوتوغرافيات
جعفر عاقيل تستجيب لهذا النداء.
فوتوغرافيات
جعفر عاقيل ليست مناظر طبيعية فوتوغرافية paysages photographiques ))
وإنما تندرج ضمن فوتوغرافيا الطبيعة photographie de la Nature)). في صيف
1996 ذهب ج.ع. إلى الأطلس الكبير مسلحا بآلته ومدججا بشغفه بالطبيعة،
زاده الوحيد هو أسئلته الجمالية وصراعه المرير مع الآلة والموضوع الذي
يشتغل عليه.
لكن ماذا
كان يستهويه في المنظر الطبيعي الأطلسي ؟
بكل تأكيد
الإمكانات التي يمنحها إياه على صعيد التعبير الفني والتجريب على الرغم
من أنه يعلم علم اليقين بأن المنظر الطبيعي Paysage) ) نوع فوتوغرافي
ينتمي إلى تقليد لازم الفوتوغرافيا منذ بدايتها إلى الآن ( أي منذ أكثر
من قرن ونصف ) ويعلم علم اليقين أيضا أن المنظر الطبيعي قد تعرض ويتعرض
للاستغلال المكثف من قبل الدعاية "والكارط بوستال" ومن طرف نوع خاص من
الرسم الصباغي المغربي، أي كل ذلك الإنتاج المتداول الآن تجاريا والذي
نعتبره نسخة باهتة من "الكارط بوستال".
ومع ذلك
فجعفر عاقيل يتحدى المنظر الطبيعي ويعتبره مجالا للتعبير الفني وللتجريب
المفتوح والمتواصل. فأمـام لانهائي الطبيعة يخضـع ج. ع. لضرورتين فنيـتين
حاسمـتين :
1- استكشاف
خصوصية التعبير الفوتوغرافي،
2 -
الخوض في
مقاربة نوعية لموضوعة الطبيعة.
وسنعي للتو
أن ج.ع. يجعل من الطبيعة موضوعة للبحث والتجريب، إذ لا يريد أن يبرهن
لنفسه أنه قادر على كشف وإظهار الطبيعة كما يريد بواسطة الآلة
الفوتوغرافية وإنما يرغب في التأكد مما يمكن أن تظهره له الفوتوغرافيا من
الطبيعة. بهذا المعنى يغدو ج.ع. فوتوغرافيا تجريديا لا يطمئن أبدا إلى
نتائج مقاربته، فقد سبق له أن أنجز أعمالا أخرى تساءل هوية المنظر
الطبيعي.
ودون أن
نسترسل في الحديث عن التأطير والإيقاع الهندسي للخطوط وجدلية الفراغ و
الإمتلاء التي تذكر إلى حد بعيد بالرسم الصباغي الصيني أو الياباني ودون
أن نؤكد على نية الفوتوغرافي المتجهة نحو القبض على الفراغ والهواء
والنور والعابر أي تلك العناصر المرئية /اللامرئية البالغة الدقة، فإننا
يمكن أن نؤكد بأن جعفر عاقيل فوتوغرافي يراهن على التجريب الإيجابي
والمفتوح أكثر مما يراهن على تسجيل سطحي وبارد للطبيعة
.
كمال التومي
|