 |
نور الدين
الزاهي |
|
هندسـة
الشبيــه
حول
فوتوغرافيا جعفر عاقيل |
|
|
بين الشيء والفكرة فرق هو ذاته الحاصل بين ما
هو ممتلئ ومشخص، وما هو متجرد من الخصائص ومجرد عن التشخيصات، بين
الدائرة
/ الشيء والدائرة
/
الفكرة فرق بديهي يرفع المطابقة، فإذا كانت الدائرة دائرية فإن فكرة
الدائرة ليست دائرية.
لكن بين الشيء والشيء تطرح مشكلة المطابقة
والتشابه والتكرار والمحاكاة
…
إلخ.
حينما يكون الشيء الأول كيانا طبيعيا والشيء
الثاني كيانا فوتوغرافيا تطرح بحدة محددات العلاقة بينهما وكذا خاصياتها،
لكن كيف تطرح ؟ ولم تطرح بهذه الحدة؟
لأن الصورة الفوتوغرافية صورة شيئية حاملة
للضوء واللون
…
فإن حضورها يثير معه حضور السؤال عن أصل وحقيقة مكوناتها الشيئية مقارنة
بأصل وحقيقة الأشياء الطبيعية
:
هل تظهر الصورة الفوتوغرافية شيئا آخر غير ذاك
الموجود في عالمها المحيط طبيعيا كان أم اجتماعيا؟ وإن كان الأمر كذلك
فما فائدة التكرار المحاكي ؟
في إحدى دراسته عن الصورة، اعتبر إ .
ليفناس أن السمة الأساسية المؤسسة للصورة الفوتوغرافية تكمن في الكيفية
التي تحيل بها على موضوعها.
تتجسد هذه الكيفية في حضور الشبه
La ressemblance
لا يعتبر إ.
ليفناس الشبيه حاصل
–
عملية المقارنة بين الصورة والأصل.
بل إنه حركة مؤطرة للصورة ذاتها وآلية مؤثتة لوجودها.
وبفضل إبعاده للمقارنة بين الصورة وأصلها
(
عالمها المحيط
).
يضعنا إ.
ليفناس خارج دائرة الأسئلة التقليدية لعلم الجمال والتي ظلت محكومة
بمفهومي المحاكاة والمطابقة.
تضعنا فوتوغرافيا جعفر عاقيل أمام هذا الذي نعته إ.ليفناس
بالسمة الأساسية والوجودية للصورة ألا وهو المشبه.
بل يمكن القول بأن ما يميز هذه الفوتوغرافيا يتجلى حضوره في ما يمكن
تسميته بهندسة الشبيه.
هندسة مبنية بالضوء وأثره أو الخط وظله.
كل ضوء
/
خط له ظله وكل ظل له حظوظ ظهوره، وكل ظهور له شكله وهندسته.
رمزية الظل ظلت لصيقة بالعابر والفاسد والشبحي واللاحقيقي، لكنها ارتبطت
أيضا بالمادي والمحسوس
(أفلاطون
)
وبرمزيته تلك يكون الظل هو ما يمنح الخطوط والأشكال المشكلة بفضل وجهها
الهندسي في الصورة.
بفضل الظل تنشطر فوتوغرافيا جعفر عاقيل على
ذاتها لتخلق نظيرها
son double
في ذاتها حيث يتحول الشبه إلى لعبة انشطارات بين الخط وظله، ارتفاعه
وامتداده، أصله ونهايته، امتلائه وخوائه، واقعيته وشبحيته.
بهذه الكيفية لا يعود فعل التصوير الفوتوغرافي المبدع نقلا لشيء موجود في
العالم الخارجي أو محاكاة لمشهد طبيعي، بل عكس هذا كل صورة فوتوغرافية
تحمل صورتها عن ذاتها في ذاتها لتعلن أن ما تحويه لم يكن موجودا قبلها بل
ولد في اللحظة ذاتها وبشكل متزامن مع ولادتها.
بالظل يصبح عبور النقطة فوق الماء ممكنا .
مثلما تصبح الخطوط أثرا لا وجه له.
هندسة الشبيه قصدها نزع الوجه الطبيعي والمعتاد للأشياء بغية خلق وإبراز
المغايرة بين المادة وطبيعتها وأصلها، ولتحقيق ذلك تعتمد على الظل لأنه
الشبيه الذي لا وجه له.
يقدم جعفر عاقيل صور معرضه الفوتوغرافي للمشاهد
تحت عنوان، مساحات
:
خطوط وألوان فما الذي تقصده كلمة مساحات
surfaces
؟ أليست المساحة هي ما وراء وما بعد وما فوق الوجه
surface؟
أليست المساحة بهذا المعنى الأخير شيئا آخر غير الفيزيس
physis
وقد غاب عنها وجهها الطبيعي ؟
|
نور الدين الزاهــــي، جريدة الميثاق
الوطــني،
27
ماي
1998-
العدد
6752
|
|
|
متحف
الموقع - رواق الفوتوغرافيا المغربية |
|
|
|