صبحي حديدي

زبيبة، والملك، والمخابرات المركزية

 
 

 

 

قبل أيّام نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً طريفاً بعنوان عملاء المخابرات المركزية الأمريكية يدرسون رواية للوقوف علي تفكير حسين . الرواية بالطبع هي زبيبة والملك ، وحسين هو الرئيس العراقي صدام حسين، وأمّا مفردة التفكير هذه فأين من يجرؤ علي تقديم تعريف ملموس لها يشفي الغليل!
هل تأخرت الـ C.I.A.، كما قد يتساءل البعض من المؤمنين بسطوة وكالة المخابرات الأعظم، في دراسة رواية صدرت منذ مطلع العام؟ ربما، غير أنّ عملاء الوكالة استغرقوا بعض الوقت، أو الكثير من الوقت في الواقع، من أجل ترجمة الرواية و تمحيص الفصول والفقرات والأحداث واللغة والرموز، ثم توقفوا بإمعان أدقّ حول الأسلوب و بنية الجملة ، وتوصلوا أخيراً إلي رأي نقدي مفاده أنّ الرواية قد لا تكون من تأليف صدام حسين، الأمر الذي لا ينفي إشرافه علي إنتاجها، وحشوها بكلماته وأفكاره
.

ونقّاد الـ C.I.A.، إذْ هكذا يقتضي الواجب أن نقول، توصّلوا إلي هذا الإستنتاج الجسور علي الرغم من تأكيد صحيفة القدس العربي ( المؤيدة للعراق كما يقول تقرير الصحيفة الأمريكية) أنّ حقيقة عدم صدور انتقادات رسمية للرواية يوحي بقوّة أنّ الرئيس العراقي هو كاتبها، وعلي الرغم أيضاً من تأكيد صحيفة الشرق الأوسط (التي لا يصف التقرير مشاعرها تجاه العراق) أنّ صدام حسين هو الذي كتب زبيبة والملك .
كيف جزم جهابذة النقد الروائي - المخابراتي بهذه الحقيقة؟ لا يلقي هذا التفصيل أيّة عناية مختلفة، مثله مثل التفصيل الآخر الذي يقول إنّ الرواية - رغم ذلك... رغم ذلك! - توفّر نافذة مثيرة للدخول في تفكير السيد حسين كما تنقل الصحيفة الأمريكية علي لسان المسؤولين الأمريكيين. الهامّ بالنسبة إلي الوكالة، وكما قال أحد هؤلاء المسؤولين، هو أنّ الكتاب نوع من الترنيمة الجنائزية. ذلك لأنّ الملك غالبطل الثاني في الرواية، بعد زبيبةف يتحدّث عن موته. وكلّما قرأت الكتاب ازددت تعاطفاً مع الملك، وهذا ما يريده صدّام من الشعب - التعاطف معه
.

وإليكم، فضلاً عن نماذج الآراء الفردية للمسؤولين الأمريكيين، هذا المقطع من تلخيص حكومي أمريكي (ورسمي بالتالي) للرواية: إنّ أسلوب صدّام، وبنية جملته وتعابيره، ماثلة في الرواية علي نحو واضح. والحوار بين زبيبة والملك يكشف منظوراً عريضاً لتفكير صدّام: القِيَم البدوية لا يُعلي عليها، والعائلة هي الأمان الموثوق الوحيد. الشرف يقترن بطهارة المرأة، بحيث يكون الإغتصاب أسوأ من القتل. وفي هذا السياق يصبح ثأر الإنسان هو واجبه الأعلي .

ما هذه الكشوفات الكبري؟ بل ما هذه الإختراقات العظمي في تفكير الرئيس العراقي؟ أهذه، حقاً، هي الخصائص التي ترقي إلي مصافّ نافذة مثيرة للدخول في تفكير السيد حسين ، وتكشف منظوراً عريضاً لتفكير صدّام ؟ وفي اعتناق هذه الآراء حول القِيَم البدوية والشرف والعائلة، بِمَ ينفرد صدّام حسين عن عشرات الملايين من العرب؟ وهل هذه الآراء، التي تلخّص الذهن العربي والشخصية العربية، جديدة حقاً علي وكالة المخابرات المركزية، بعد كلّ الجهد الإستشراقي الذي وُضع في خدمة مختلف المؤسسات الحكومية الأمريكية في مختلف العصور، والذي بذله الأساتذة من أمثال برنارد لويس، والتلامذة الأسوأ والأشدّ سطحية وتسطيحاً من أمثال فؤاد عجمي؟

ومادمنا في حديث الأخير، اللبناني العربي قبل أن يقرّر الذهاب إلي انتماء آخر، فلنتذكّر ثانية حكاية البروفيسور فؤاد عجمي مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، والتي لا تبتعد كثيراً عن كاريكاتور دراسة المخابرات المركزية لرواية زبيبة والملك . ففي أطوار التحضير لعملية عاصفة الصحراء طُلب من عجمي أن يعقد جلسة مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، وذلك من أجل تثقيف الأخير سياسياً وسوسيولوجياً حول الذهنية العربية إجمالاً، وحول شخصية صدام حسين بصفة أخصّ. وقيل عندها إنّ بوش خرج متعجباً مكفهرّ الوجه، وقال لمساعديه ما معناه: يا إلهي! أراهن أنّ ألدّ أعداء العرب من الإسرائيليين ما كان سيصوّر لي الشخصية العربية علي هذه الدرجة من القتامة!

ما لا تكمله الحكاية هو السؤال التالي: هل صدّق بوش أنّ الشخصية العربية علي هذه الدرجة من القتامة؟ الأرجح أنه فعل، والمؤكد أنه صدّق ليس بسبب من عبقرية عجمي، بل لأنّ ما سمعه من البروفيسور إبن البلد كان صورة طبق الأصل عن التنميطات ذاتها التي تتردّد أصلاً في ذهنه: التنميطات القادمة من ماضٍ سحيق سحيق، الغائرة في النفوس عميقاً عميقاً، الزائفة في تسعة أعشارها، اليقينية الوثوقية المستقرّة الراسخة مع ذلك، أبد الدهر.

ألا تعكف المخابرات المركزية اليوم، كما تبشّرنا نيويورك تايمز ، علي قراءة القرارات الأخيرة القاضية بترقية قصيّ صدّام حسين، وتحليلها في ضوء وثيقة جيو ـ سياسية كبري هي... رواية زبيبة والملك؟

 

عن القدس العربي

 

موارد نصيـة

قضية «الإمبراطور - جمال الغيطاني»

زبيبيــات

رواية (زبيبة والملك) سايكلوجية الأدب الزائف!!

فاطمة المحسن: الرئيس وتجليه الروائي

صبحي حديدي: زبيبة، والملك والمخابرات المركزية

فاضل العزاوي: «زبيبة والملك» رواية «لكاتبها» العراقي بين الكوخ والقصر. هل كتب صدام حسين هذه الرواية؟

"زبيبة والملك" في الإذاعة والتلفزيون والمسرح العراقي

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.