إن
عملية التطور هي عملية مستمرة تتأتى عبر التحدر السلالي والانتقال من جيل
إلى آخر فالتطور قانون من قوانين الطبيعة المتشكلة في الكون ، فالثقافات
نموذج من نماذج التطور في مسارات الحياة عبر أبعادها الزمانية المنصرمة
والمتعاقبة ، لأنها انعكاس لتطور المجتمعات ، الفكر ، أساليب الحياة ،
ارتقاء وتحضر الذات نفسها
والأدب القصصي هو جزئية متشكلة في منظومة جزئيات يشكل مجموعها اللوحة
الثقافية في المجتمعات ، وتعبر عن فيض الانعكاسات لها في النتاجات
الأدبية فضلاً عن بصمات الإبداع الفردي المؤثرة فيها ، والمتفاعلة في
الآن نفسه مع آليات التطور في أبعاده المتنوعة ، فلغة التطور الثقافي
تحاكي بعدين ملتحمين في آن واحد وهما : انعكاسات الارتقاء في المجتمعات
في كافة أطيافها القزحية وبصمات التفرد الإبداعي المتشكل في المنجزات
الإبداعية الذاتية المستلهمة من وحي العبقرية الفردية التي تشكل عصب
الحياة في الثقافات على الدوام وتتخذ ألوانا متنوعة متطورة ذات بعد
استقلالي في رحلة تطور الثقافة في المجتمعات
.
وانطلاقا
مما سبق فإن الأشكال الحداثية ومتعلقاتها في قانون استمرارية التطور لا
تشكل رحماً عقيماً مشوهاً للمنتج القصصي ولن يكون بأي حال من الأحوال
خارطة فراغات في رسم الإبداع الثقافي، لاعتبارات عدة منها : إن مضمون
الحداثة هو مفرزات أفكار ورؤى ذات أبعاد متنوعة منصهرة في بوتقة الحداثة
وتحمل معها انعكاسات بلورية لتطور المجتمعات ووحي استلهمام عبقرية الفرد
وإبداعه ، لذا لا خلاف أن فيها التنوع والأطياف المتضادة والرؤى ذات
المساحات الواسعة في وحدة الفكرة وتداخل معطيات الفكر في مخاضات ولادة
رؤى تنفتق عن عن قوانين نقدية ورؤى فكرية مستجدة وتلاحم نظريات متعددة في
بعد رؤية واحدة ، وربما تتشكل في مرونة اكثر ورؤية ذاتية اكثر إبداعا
بحسب المخزون الثقافي وطاقات الانبعاث الأدبي عن المتلقي الناقد ذا
الرؤية الثاقبة في التمحيص والتلقي والتعامل المرن معها ، والمهارات
العالية في استثمارها في رحلة الإبحاروالتتبع والغوص في النصوص الأدبية ،
ومجموع ذلك منطقيا يشكل إضافات أدبية تطورية متفاعلة في الآن ذاته مع
معطيات الحداثة في الفكر والرؤى والنظريات ، وبذلك تستمر المسيرة الأدبية
في ظلال التطور ومعطياته في الارتقاء وولادة المنجز الإبداعي في النتاجات
الأدبية
والسؤال
الذي يطرح ذاته ـ في جولات المحاورة والتواصل العلمي مع معطيات الحداثة ـ
لا يختص بقوانين التطور وابعاد مسيرة سننه في الثقافات وإنما في المنتج
الأدبي ومدى تفاعله الحي مع هذه القوانين وقاموس الحداثة ومساحات
انطلاقته الوثابه في أطرها المرنة المفتوحة ، فنحن في صدد التعامل مع
نتاجات أدبية وليس منجزات إبداعية فما زال الأدب القصصي في عالمنا العربي
يدور في محض التلقائية والفطرة في التعامل مع النص في ظلال الوحي
والاستلهام ويأتي بعيدا عن آليات التطور في النص بكل أبعاده ومتعلقات
آلياته من السرد وإحكام البناء وتوجيه الدلالات في إطار الإيحاءات
والشيفرات الذكية التي تحيل القارئ إلى عنصر متحد مع النص بحيث يغيب
ثالوث الفن ( الكاتب ، النص ، القارئ )ويبقى الطيف الأحادي الملتحم
المتشكل من الثالوث في مولود آخر ولغة قصصية واحدة بحيث ينأى العمل الفني
عن النص التقليدي في التعبير وتشكل العقد والنهايات في قوالب جامدة
اعتيادية ، ورسم الشخصيات في سرد مباشر غير خلاق في العرض بحيث نفتقد
آليات الغوص السردي المبحر في العوالم الشعورية في آتون ملذاتها والمها
ويومياتها في قلم إبداعي يسعي إلى تقديم إسهامات وإضافات إبداعية في
عوالم الارتقاء في الأدب القصصي الذي يقدم مساحات مفتوحة الآفاق للقارئ،
ليشكلها في ظلال رسمها المفتوح الملحتم من نتاج رؤى الكاتب في النص
ونتاجات النص في القراءات ذات الأطياف المتنوعة في التلقي والاحتواء بحيث
نتجاوز البعثرة في التعاطي مع آليات القص والمشاعر الرومانسية التي تجسد
التبذل في العرض لذات العرض لا لغاية الإبداع وربما استطرادة بعيدة نوعا
ما عن إطار سلاسة الحديث في نقاشي هنا وتتعلق بظاهرة مستعرة مبتذلة في
الأدب القصصي الدائر في واقع الحركة القصصية وتتشكل في اختصار المرأة في
الجسد ومتعلقاته متوهما المرسل هنا انه في إطار آلية قص إبداعي في نهج
رحلة تقديم المنجز الإبداعي وهو في الواقع مخلوقا أدبياً مشوها يتجلى فيه
التعاطي غير الواعي مع معطيات الحداثة ، فالانفتاح مع الحداثة امراً ذا
أهمية بالغة ولكنه في إطار واعي ناضج وليس في الهذيان الأمعي في التقليد
، فليس من متطلبات الحداثة إلغاء الماضوية والإنسلاخ من الجذور الثقافية
بل إن القاعدة المنطقية تشير إلى ضرورة استيعاب الحداثة في ظلال التفاعل
مع الماضوية والارتقاء بها نحو رسالة أدبية تتسم بالتحضر والتطور
والارتقاء النبيل في تحقيق قفزات مستهدفة تتشكل في رحلة الانتقال من
المنتج الأدبي إلى المنجز الإبداعي
وفي ختام
مقالتي هذه أرجو أن أكون قد وفقت في العرض ومناقشة وضعية الأدب القصصي
بين الحداثة والواقع وان تكون مقالتي هذه انس استمتاع وتلاقح فكري مع
أقلامكم وأفكاركم
|