سعـاد جبـر

ضبط الكاتب لمسارات حراك شخوصه في النص القصصي

 دراسة تطبيقية في نص" ستة ألوان لمدينة منسية" للكاتبة ابتسام التريسي

 

 

تعاضدت الدراسات المتنوعة في التأكيد على أن حقيقة مادة القصة القصيرة تعود لحالة احتباس للحظة ما، شكلت أطياف انفعالاتها في الكاتب ، فنشا عنها احتباس ما لها ، شكلته أنامل إبداع الكتاب ، في روائعهم الأدبية ، فالشخوص المتحركة في تلك اللحظة المحتبسة ، هم دمى حروف ترتدي ثوب آدمية الحراك في النص القصصي، فتبرز هنا في تلك المساحات خلافات النقاد الحادة في نظريات متعددة .

فهل أبوة النص تعود للكاتب ؟

ما دوره في النص ، وهل يعبر عن تفاعلات ذاته في تلك اللحظة المحتبسة ؟ أم انه عنصر محايد ، باعتباره الراوي الذي يتعامل معنا ضمن كواليس لغة السرد فحسب ؟

هل يعد من ميراث النص القراءات الأخرى للنص في ولادة نص جديد منفعل من الأول في إضاءات القلم النقدي ؟ فيعد هو والنص وجهان لعملة واحدة ؟

هل مسارات الشخوص في النص تتشكل بتلقائية أم أن الكاتب يوجهها ، وهل التوجيه محدود أم مفتوح الأبعاد ،وهل انفلات ضبط مسارات الشخوص يعد خروجا بالنص عن دائرة الجدة والإبداع ، وسمت مؤاخذة وخلل في العمل الفني القصصي ؟

تلك التساؤلات ما زالت متأججة في عوالم النقد الأدبي ، وما زالت مساحات الاختلاف فيها مفتوحة الأبعاد ، وعند منعطفاتها ، تبرز اللغة النقدية في التتبع ومحاكمة الكاتب في بناءه السردي ، فكم من مشاهير الأدب في فن الرواية والقص ، وقعوا في مطبات من هذا النوع ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فأن أسطورة الإبداع الأدبي المتشكلة في شخصية الكاتبة غادة السمان ، يؤخذ عليها تحكمها البارز في بعض مناحي السلوك والتبعير والحراك لشخصياتها في توجهاتها ، بحيث تحلق وتدور لتخبرنا عن أعماق غادة الدفينة في نفسها لكن شكلتها في شخصية ما للقصة ومنحتها أوصاف تجعل القارئ يستبعد إيحاءات ذات غادة من خلالها لكن بواطن البوح ، ثقافة النص ، التوجهات في التعبير ، جرأة التعاطي معها ، كلها تعبر عن الذات الجوهر المختبئة في غادة وتعبر عنها بكل انشكاف سردي متعالى الصرخات ، وهنا يحدث تيه الكاتب ومنظومة التناقضات في قلمه ، إذ يفترض أن يتناسب ثوب الشخصية مع ملكاتها الفكرية في التعبير والتعاطي مع الأحداث ، وهنا تتشكل لنا عقلية غادة العالية في مخزونها الثقافي مقارنة مع شخصياتها المتنوعة المختارة في قصصها ، لأنها لن تكون بأي حال تلك الدمى القصصية بقدر ثقافة الكاتبة وتأجج انفعالاتها في لغة رفضها لواقعها الجريح

وهنا نعود لطرح ذات السؤال ، ما المساحة المنضبطة لحرية حراك الشخوص ، وما المسافة المتاحة للكاتب في الخروج عن طور دميته القصصية للتعبير عن ذاته الدفينة ، دون تناقضات وإحداث خلل في البناء التركيبي للشخوص القصة ، ولا يخفى أن تلك التساؤلات مازالت في ملفات موائد البحث النقدي ، وتحتاج لمن يكشف النقاب عن بضع جسد ما من الحقيقة المخبأة في تلك الإشكالية النقدية ،

ودراستي التطبيقية في هذا الصدد وفي ضوء تلك الإشكالية، في محاولة جادة لنفض الركام عنها ، من خلال تلك الإطلالة النقدية على قصة " ستة ألوان لمدينة منسية (1) للكاتبة ابتسام التريسي

" ستة ألوان منسية " لوحات قصصية جياشة ، ذات أطياف ألوان متضادة ،تنتقل تواليك من أتون النص ، مرجاناً حيا متحركاً بألوان متنوعة ، لا تلبث أن تبث انعكاسات بلورية قصصية عند كل سيمفونية تعزف ملتحمة مع صدى الألوان المتأججة في النص ، ويبرز في النص وتيرة التشويق المتصاعدة ، وجاذبية العرض لشخوص القصة ، وبراعة مسارات السرد الوصفي الغواص في أثير بقع ضويئة متنوعة الألوان ، تتحرك ملتوية في زاويا منحنيات ألوان القصة ، في عفوية حراك شخوص الألوان المتضادة ، ويلحظ المتأمل في النص ، مرونة قلم كاتبتنا المبدعة في بث مسرح حروف نصها القصصي بين يدي القارئ ، إذ تتحرك الشخوص بعفوية فياضة بتدفق المشاعر في انعكاسات السلب والإيجاب ، والتواءات مسارات الجسد في المكان بحيث تتشكل معها عقدة القصة بتدرج إيقاعات تأزمها وفكها بأناة ، وهنا تبرز سمة إبداع في النص وتعود لبراعة الكاتبة في منح شخوص نصها جواز سفر في حرية الحراك داخل زوايا النص وعفوية سردية في وصف حراك جسدها ، وخارطة دماغها في التعاطي مع الأشياء ، بمزايا متنوعة للشخوص منها عفوية الحس ، واقعية تشخيص السلوك والف ياء الواقع المقهور، وفي الوقت ذاته برزت براعة الكاتبة في امتلاك مهارات ضبط مسارات القصة وحراك شخوصها دون أن تفلت منها وتفقد أدوات السيطرة عليها، وبذلك تصبح الشخوص في منأى عن انطباعات ذات الكاتب وتحكمه فيها ، وميزة البراعة هنا تعود لطبيعة أجواء النص القصصي هنا، إ انه يعود في نسبته إلى سمت النصوص التي تتأجج فيها انفعالات متدفقة ثائرة ..غاضبة تبحث عن رمق الحياة ، ففي تلك الأجواء يصعب ضبط أدوات السيطرة في النص، لكن كاتبتنا المبدعة تمكنت من تحقيق تلك الثنايئة القصصية بين ضبط مسارات القصة وفتح الأجواء لتحليق عاطفة التدفق الشعوري عند الكاتب في تحريكه لشخوص مادته القصصية بعفوية وذكاء تعبيري دون فقدان لأدوات السيطرة في النص، ودون أن يقع في مواطن التضادات بين البناء للدمي القصصية التي تختلط مع ذاته فتضيع الدمية ولا نرى النص بل الكاتب من وراء الزجاج ، فينسحب النص في الذوبان المطلق ، فيغيب معه العمل الفني الأدبي، ويغدو في أدراج الرياح .

 

(1) http://www.arabicstory.net/text.php?tid=1982

 

 

موارد نصيــة

سعـاد جبـر

 

 

المحتــوى

ثنايئة الوعي ، الرمز في النص القصصي

الإبداع الأدبي بين الماهية والواقع

الأدب القصصي بين الحداثة والواقع

 ثنايئة التعبيـر، التفسير في لغة الأدب

ضبط الكاتب لمسارات شخوصه في النص القصصي

وقفة نقدية في القصة القصيرة جدا

القصة القصيرة الميلاد والتساؤلات 

ثنائية (المواطن - النخبة) في كتابات بوفاتح سبقاق القصصية

ثنائية ( العشق، الرفض ) للمجتمع في المشهد الأدبي

 

 
 
 
جماليـــات إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع مـوارد نصيـة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.