س: كيف تقدمون أنفسكم
للقراء, ما هي كتاباتكم وما هي اهتماماتكم الأستاذ عبد الحي حسن
العمراني ؟
ج:
الإنسان لا يقدم نفسه, ولكني أقول لكم إني من الناس الذين درسوا في
جامعة محمد بن عبد الله, وفي كلية الشريعة, وقبل ذلك, درست في ثانوية
مولاي إدريس. ثم لما ألفت كتاب «الإسلام دولة ونظام » وكان الزعيم
المرحوم علال الفاسي وزير الدولة في الشؤون الإسلامية, وقدمته إليه,
أعجب به وطبعه وكتب له مقدمة, ورجا مني بكل إلحاح أن استمر في البحوث
الإسلامية ومنذ يومئذ وأنا أسير على النهج الذي خطه لي الأستاذ علال
الفاسي رحمه الله, لأنه كان مهتما بالشؤون الإسلامية والعربية وشؤون
المغرب العربي طبعا. ولذلك لازلت أتابع نفس الرسالة ويمكنني أن أقول إن
الفضل في ما أؤلفه حول الإسلام يرجع إلى المرحوم علال الفاسي.
س: كتبتم عن قضايا
الدين, وأمور الوطنية وقضايا المجتمع, ما هي الغاية التي تحرك عندكم
هذا الاهتمام المتعدد ؟
ج:
أولا أنا كوطني, ومسلم وكعربي, أريد أن يكون متحررا تحريرا حقيقيا, لا
تحريرا مجازيا مزورا, وأريد لوطني أن يتمسك بإسلامه الإسلام النقي,
والإسلام المتحرر, لا الإسلام الذي نراه عند بعض الجماعات التي تحاول
أن تجعل الإسلام على غير ما هو عليه, وتريد أن تستخدم الإسلام في أمور
شكلية, لا مدلول لها في الواقع, ومتمسك بعروبتي لأنني أعتقد اعتقادا
جازما, وكما كتبت في جريدة الاتحاد الاشتراكي (6 مقالات) عن عروبة
البربر, أن البربر لا ينتمون لأي جنس حسب اعتقادي, بل إنهم العرب
القحطانيون الذين هم حسب البحوث العرب العاربة الذين لم يكونوا معروفين
في التاريخ لكنهم عرب اقحاح, وقد سبق لي أن زرت اليمن وذهبت إلى بادية
اليمن, ووجدت نفسي كأنني أعيش في بلاد سوس, فلا فرق بين الأمازيغي
واليمن, فالأمازيغيون هم من أهل اليمن لذلك كتبت, ومازلت اكتب, وسوف
أكتب في هذا الموضوع لأرد الأمور إلى نصابها, لأن هؤلاء الناس يدفعهم
الأجانب ليتحدثوا باسمهم, أو يزرعوا فيهم روحا ليست هي الروح المغربية
الأصلية, وهناك دليل آخر, وهو أن المغرب حكمه المرابطون, والموحدون
والمرينيون والوطاسيون.. ولم يثبت التاريخ أن أحدا منهم ادعى عنصرية,
ولا ادعى بربرية. لكن يمكن للأمازيغيين أن يتحدثوا بلهجاتهم, وأن
يقررونها في مدارسهم, وأن يفعلوا ما شاؤوا في هذا الإطار, ولم ينازعهم
أحد في ذلك, ولم ينازعهم أحد في التاريخ, ولكن أن يدعي مدعي أنه ليس
بعربي, وهو عربي قح فهذا هو الشيء الذي يجب أن ندافع عنه, ونكتب عنه.
هناك إذن ثلاثة عناصر تقوم عليها
كتاباتي, أولا الوطنية والتحرير والاستقلال والديمقراطية, والثاني,
تثبيت الشؤون الإسلامية الحقيقية لا المزيفة, والثالث عروبة المغرب,
لأن الإخوان الأمازيغ عرب في الأصل.
س: هل يعني هذا عدم
الاعتراف بالأمازيغية كمكون من مكونات الهوية الثقافية للمجتمع المغربي
؟
ج:
لا. أبدا, نعترف أن الأمازيغية مكون من مكونات الهوية المغربية لأن هذا
واقع لا ينكره أحد, لكن ما أقرأه هو أن هؤلاء الإخوة يطالبون بأن تكون
للمغرب لغة رسمية هي الأمازيغية وهذا خطأ كبير. لأنه كيف أن تكون
للدولة لغتان, بل إن هذا الأمر غير متيسر لأن هناك لهجات, وسيطالب كل
واحد بأن تكون لهجته هي اللغة الرسمية, إننا لا ننازع في انتماء هذه
الثقافة لمجتمعنا, لأنها منا وإلينا, ونحن نتفق مع إخواننا في كل ما
يتعلق بتاريخهم, ولكن تاريخهم لا ينفصل أبدا عن تاريخ الإسلام, ومن
يدعي غير ذلك إنما يؤيد أفكارا أجنبية مدسوسة بيننا منذ زمان وخاصة منذ
أن تم الترويج لهذه الأفكار عهد الحماية على الوطن المغربي.
س: لكن هناك من يرى أنه
من خلال تهميش اللغة الأمازيغية, يتم تهميش الثقافة الأمازيغية, وبذلك
يهمش مكون أساسي من مكونات المشهد الثقافي المغربي؟
ج:
أولا, لا أعتقد أن الأمازيغية لغة, وليسمحوا لي بهذا, لأنه ليس لها
تاريخ, وليست لها علوم, وليس لها نظام حكم.. الخ. فبالرغم من أن
الأمازيغيين مروا بالحكم في المغرب, إلا أنهم كانوا يتكلمون العربية,
ويخطبون بالعربية ويصلون بالعربية... ومن يذهب إلى بلادهم يجد أن
العربية هي المنتشرة هناك, كما في بلاد سوس مثلا, التي كانت عاصمة
الإسلام والعروبة والسوسيون يعرفون ذلك, وأنا زرت سوس ووجدت إنهم
يدرسون العربية في أعلى الجبال, فالحقيقة هي أنه لا أحد ينازعهم في
لهجتهم ولا ينازعهم أحد في كل ما يتصورونه من حياة للمغرب, وأود أن
أقول فكرة هنا تعطي الدليل القاطع على أن البرابرة هم من أصل عربي, وهو
أن في الشرق حينما كانوا في مهمة الفتح لم يسندوا القيادة لا لفارسي
ولا لتركي, ولكن حين وصل المغرب الإسلامي, أسندت القيادة إلى طارق بن
زياد, وهذا أعظم دليل على أنه عربي, فلو لم يكن عربيا لما أسندوا له
القيادة في أول الإسلام, لأنه لم تكن لهم ثقة في أحد, ولم تحصل الثقة
في البرابرة من جانب العرب الذين أتوا بالإسلام إلى المغرب إلا لكونهم
عرب, ولذلك بالضبط تم إسناد القيادة إلى طارق بن زياد. أما ما عدا ذلك
من ثقافة ومن فولكلور فهذا منا وإلينا, وينتمي إلى ثقافتنا جميعا دون
أن يجادل أحد في ذلك.
س: لكن هل يعني هذا
القول أن سكان المغرب قبلوا بسهولة بالفتح الإسلامي ؟
ج:
لم يقبلوا طبعا, لأن التمسك بما تعود الإنسان عليه مسألة طبيعية عند
الإنسان, والشيء الذي كان هؤلاء يتشبثون به هو الجاهلية, وإذا كان
الإسلام قد رفع الجاهلية في المشرق, فقد رفعها أيضا في المغرب, إلا
أنهم بعد أن تعرفوا على هذا الدين ارتبطوا به وتمسكوا به ودافعوا عنه
وجاهدوا في سبيله والشيء الذي يعاب على إخواننا الأمازيغيين هو أنهم
يسمون أبناءهم بأسماء كفار الجاهليين ومن ذلك اسم الكاهنة مثلا وعيب
على المسلم أن يسمي ابنته الكاهنة, وهذا غير مقبول لأن عصر الجاهلية
قضى عليه الإسلام سواء في المشرق أو في المغرب, ولا يمكن إذن أن نعود
إلى هذا العهد في المغرب من خلال تسمية أولادنا بأسماء مرفوضة في
الإسلام.
س: هل ما تحقق لصالح
الأمازيغية, ولصالح أشكال التعبير الأمازيغي, خاصة توفير بعض الحصص في
االتلفزيون والإذاعة يعتبر كافيا في رأيكم للاهتمام الفعلي بهذه اللغة
وهذه الثقافة؟
ج:
أنا أؤيد أن نفتح الباب للثقافة الأمازيغية, وأن يذاع إبداعها وأدبها,
وأن يعرب ليفهمه الناس جميعا, فنحن بحاجة إلى تعريب كل ما يوجد عند
إخواننا الأمازيغ, ولكن لا يجب أن يتم ذلك على أساس التفرنس, فما
نعاديه هو أن يأخذ الإنسان اتجاهه من عند الفرنسيين القدامى الذين
استعمروا المغرب, أما غير هذا فلا نرى فيه مشكلا, بل نؤيده ونحبذه
وندعو إليه.
س: نعود إلى تجربتكم
أستاذ العمراني, هل تكتبون استجابة لمتعة الكتابة فقط, أم تكتبون
استجابة لمهمات نضالية وتنويرية ولأجل خدمة قضايا معينة ؟
ج:
إني أكتب لخدمة الوطن ولخدمة الأفكار الإسلامية الناضجة, ولا أكتب
كتابة اعتباطية, بل أكتب لأشرح معنى الإسلام الحقيقي في الواقع المتحرر
الذي يعتمد على حكم الشورى, ويعادي الديكتاتورية ويعادي الفساد ويعادي
التزوير, ويعادي كل الأشياء التي لا تتماشى مع أخلاقنا. وأكتب أيضا
للدفاع عن الوطن, لأن وطننا هو وطن عربي إسلامي ضاعت منه عروبته وضاع
منه إسلامه, منذ أن استولى عليه الأوباش, ومنذ أن حكمه أناس لا دين
لهم, فبعض الناس الذين حكموا المغرب لا يتدينون بدين, ولا يؤمنون
بقومية, ولا يؤمنونو بأي شيء سوى بما يجمعون من متاع, وبما يقومون به
من أشياء لا تتماشى لا مع ديننا, ولا مع تاريخنا ولا مع عروبتنا.
س: هل هذا يعني أنكم لا
ترتاحون للساهرين على الشؤون الدينية بالمغرب ؟
ج:
طبعا, لأن الذين يسهرون على الشؤون الدينية في المغرب يسيرون على خطة,
لا أتفق معهم بصدد جزء كبير منها, فهناك أشياء يسيرون عليها سيرا حسنا,
ولكن هناك أشياء يسكتون عنها. ونحن نريد منهم أن يتحدثوا عن الإسلام
الواقعي, وأن يفتحوا لنا المجال للتحدث عن الإسلام الفعلي لا عن بعض
الشكليات.
إن ما نرغب فيه هو أن نبحث في الإسلام من
نواحيه الاقتصادية, والاجتماعية والديمقراطية ومن نواحي الحكم ومن
النواحي الأخرى التي تهم المجتمع. فالإسلام دين سياسي, وهو على خلاف ما
يدعيه البعض, أي أنه بعيد عن السياسة, وهؤلاء الناس الذين يريدون إبعاد
الإسلام عن السياسة, إنما يتلاعبون به فقط, فالإسلام بالمغرب لا زال
يتعثر, ولازال لم يأخذ طريقه ولازال بعض الناس يدخلون عليه «رتوشات»
والإسلام لا يتشكل في ذاته, بل الإسلام واحد يجب فهمه في واقعه لأن
يهتم بالمجتمعات وبالسياسة وبكل ما يهم حياة الإنسان, وعلى كل من يسير
في هذا النهج أن يحدث ويكتب حول ما يهم أحوال الشعب المغربي لتحريره
وإخراجه مما هو فيه من الضيق والحرج.
س: قبل أن نستمر في هذا
المحور, نود أن نسألكم حول بعض كتاباتكم التي لم تنشروها, والتي لازالت
مخطوطة لديكم, ما هي طبيعة مواضيعها, وما الذي يؤخر نشرها ؟
ج:
إن ما يؤخر إصدارها بالأساس هو الجانب المادي لأنني لست قادرا على طبع
هذه الكتب على نفقتي, وتدور مواضيع هذه المخططات حول بعض الجوانب التي
تحدثها عنها, كتاب حول «الاقتصاد الإسلامي». فالذين يتحدثون عن
الاقتصاد الإسلامي في المغرب, يسيرون على النهج الغربي فقط, ولا يعرفون
المنهج الإسلامي في هذا المجال, وأقول لك بصراحة أنني تحدثت مع الأخ
فتح الله ولعلو لما كان رئيسا للفريق النيابي للاتحاد الاشتراكي وقلت
له, أنت أستاذ اقتصاد مطلع, لكني ما رأيتك في يوم من الأيام تتحدث عن
الاقتصاد الإسلامي, وقلت له أيضا أنك أستاذ للاقتصاد وتعرف المذاهب
الغربية ولكن يجب أن تعرف المذهب الإسلامي في الاقتصاد, وقد اعترف لي
باالفعل بذلك, وقال لي سوف نلتقي ونتحدث في هذا الموضوع, إلا أن هذا لم
يقع لحد الآن.
س: كيف هي حال رجال
الدين في المغرب ؟
ج:
من أية ناحية بالضبط ؟
س: من ناحية
القيام بدورهم وبما هو مطلوب منهم في المجتمع المغربي.
ج:
أقول بكل صراحة إن الناس الذين لهم آراء تحررية, ولهم أفكار إسلامية
صحيحة مبعدون, والناس الذين نراهم في الواجهة هم الناس الذين لا يدخلون
في صميم الإسلام كما يريد منهم الإسلام ولذلك هناك في المغرب فريقان,
فريق يعرف الإسلام المعرفة الصحيحة ويمكن له أن يقوم بعمل مهم في
المجتمع, وهو مبعد, وفريق آخر موجود على الواجهة, وهو الذي يراه الناس.
س: هل هذا يعني
أنكم لا تطمئنون حاليا لدور فئة من رجال الدين في المغرب ؟
ج:
لا يطمئن الإنسان لعدد من هؤلاء, لأن أصحاب الزلفى والمنافقين, والذين
يستبدلون أوجههم صباح مساء يوجدون بكثرة, ولا يمكنني أن أطمئن إليهم
ولكني أطمئن إلى الرجال العاملين, الصامدين, المناضلين الذين يعملون
لصالح بلادهم ووطنهم قبل كل شيء, ويعملون من أجل جعل المغرب دولة حرة
مستقلة استقلالا حقيقيا تعيش ديمقراطية لا يوجد فيها, لا تزوير, ولا
فساد, ولا فجاجة, ولكن ما نراه هو العكس لأننا لا نرى من علماء
الواجهة, إلا ما قل, من يتحدث عن هذا الجانب المهم الذي هو التزوير في
الشؤون الانتخابية, وكيف يتصور أن أناسا يبيعون الحشيش, ويبيعون الخمور
ويفتحون المواخير, يتقدمون إلى الانتخابات وينجحون فيها؟ فماذا سيفعلون
في هذا البرلمان؟!
إنها المصيبة العظمى, هذا من ناحية, أما
من ناحية أخرى, فإن الذين يرشحونهم, ويعطونهم النزكية من رؤساء الأحزاب
– وأقول هذا بصراحة – هم المجرمون الأولون لأنهم يقبضون منهم الأموال
زورا ورشوة ويدفعون بهم إلى الميدان. فوظيفة العالم الإسلامي الحقيقي
هنا, هي أن يبين هذه الأمور للناس ويشرحها لهم, وأن يقوم بواجبه الذي
أمره الله به, وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعين المنكر يظهر
في الانتخابات, ويظهر في السياسة, ويظهر في شؤون الحكم, فهذا هو المنكر
العظيم الذي يجب تغييره في بلادنا.
س: لكنكم ترشحتم بدوركم
في الانتخابات السابقة؟
ج:
نعم ترشحت بدوري, ورشح معي من كان يدفع مئات الملايين ويفتح المواخير,
ويبيع الحشيش, ويقدم الخمر للناس, وعندما كنت أحتج على المسؤولين لم
يقوموا بما يجب القيام به, وتركوا مثل هؤلاء على حالهم, وكان الواجب
االقانوني يفرض أن يسحب الترشيح من مثل هؤلاء, ولكن هذا شيء لم يقع,
ولذلك فالإنسان النظيف الذي يريد أن يخدم بلده لا بد أن يجد من يعارضه,
لكن للأسف. فمن يعارض ليس نزيها, لأنه يعارض بالمال وبالأمور السالفة
وباالفجور وهذا ما يؤلم الإنسان.
س: هل تطمئنون إلى واقع
الثقافة الدينية, وإلى الاهتمام بالفكر الديني لدى الإنسان المغربي؟
ج:
الإنسان المغربي ينقسم إلى قسمين, وأنا لا أتحدث عن الناس الذين يأتون
إلى المسجد ويؤدون صلواتهم, فهؤلاء مسلمون بدون شك, يستمعون إلى الوعاظ
والمرشدين, لكن الكارثة, هي أن الشباب في الجامعة لا يعرف شيئا عن
الإسلام, ويراه في صورة مشوهة, أي أن هذه الفئة لا ترى الإسلام في
صورته الديمقراطية الحرة والنزيهة, وإنما تراه في صورة مشوهة, وأنا
شخصيا حاضرت مع طلبة الجامعة, وناقشتهم, في لقاء حضره ما يزيد عن 500
طالب وتحدثنا من الساعة التاسعة ليلا إلى الساعة الثانية بعد منتصف
الليل, قالوا لي بعد ذلك, إن هذا هو الإسلام, وكأنهم لا يعرفونه, وفعلا
معهم الحق في ذلك, لأنهم لا يعرفون الإسلام, كدين للتحرر والديمقراطية
والحق والعدل.
س: تثير قضية الاجتهاد
في المجال الديني العديد من الآراء, منها الذي يدعو إلى ذلك, ومنها من
يقنن الاجتهاد, ومنها من يحصره على فئة معينة من أهل المعرفة, ما هو
رأيكم في قضية الاجتهاد؟
ج:
الاجتهاد في الإسلام ثابت, ولا شك في ذلك, فقد اجتهد النبي (ص) واجتهد
الصحابة واجتهد من بعدهم, فالاجتهاد بابه مفتوح ولكن من الذي يمكنه
الاجتهاد ؟ فالناس الآن يسعون جميعا إلى الاجتهاد, إلا أن الاجتهاد له
شروطه منها, أولا المعرفة بالكتاب والسنة والأصول والقواعد الفقهية,
والعلوم العربية, لأن الاجتهاد في الإسلام لا يمكن أن يتم بلغة أخرى,
فحتى لو كان الإنسان يتقن لغات أخرى عديدة لا يمكنه أن يجتهد في
الإسلام, إلا إذا أتقن اللغة العربية, ولذلك أرى في الصحف وأقرأ في
الكتب أن الناس يجتهدون بلا علم وأن الناس يقعون في الخطأ, إن باب
الاجتهاد مفتوح ونحن ندعو إلى ذلك, إلا أنه يجب أن يتم من أهله, ومن
الذين تتوفر فيهم شروط الاجتهاد, أما من لم تتوفر فيه هذه الشروط فلا
ينبغي له أن يجتهد هذا من جهة, أما من جهة أخرى, وبالنسبة للاجتهاد في
النصوص فإننا نعرف أن النصوص إما قطعية وإما ظنية, وإما أن لا يكون
هناك نص وهنا يمكن الاجتهاد أكثر, إننا نجتهد في النصوص الظنية أما
بالنسبة للنصوص القطعية فيمكن الاجتهاد بصددها, لكن ليس ذلك بمعنى أنه
يمكن الاجتهاد بصدد ما ورد كنص صريح لا شبهة فيه, أي أنه يمكن أن يوقف
لغاية ما, كما فعل سيدنا عمر بن الخطاب الذي أوقف العطاء للمؤلفة
قلوبهم, وهو وارد في القرآن, ثم إنه إذا كان هناك شيء جديد يمكن
الاجتهاد فيه وفق النصوص, فالآن مثلا عندنا طوارئ وعندنا أحداث وعندنا
أشياء جديدة تحدث في الطب, وتحدث في المال, وتحدث في الأبناك, وتحدث في
أشياء عديدة ويجب الاجتهاد بصددها من طرف علماء الإسلام القادرين,
ومعهم بالطبع التقنيون والفنيون, لأن الفقيه الذي يستطيع أن يطبق النص,
لابد من أن يبين له أسباب وضع القانون, وشخصيا أرى أنه لا يمكن لدولة
إسلامية أن تقوم لوحدها بهذا العمل, ولكن هذا يجب أن يتم على صعيد
العالم الإسلامي, كأن يكون هناك مجلس للاجتهاد فيه أعضاء متوفرة فيهم
شروط الاجتهاد من كل العالم الإسلامي, فالاجتهاد مفتوح, ولابد له من
شروط, لأنه في غياب هذه الشروط لا يمكن أن يكون هناك اجتهاد.
س: تشبث بعض أهل العلم
والمعرفة بمنطق الاجتهاد, وقد أفضى ذلك إلى وقائع مأساوية كان ضحيتها
علماء ومفكرون وأئمة عبر التاريخ العربي الإسلامي, ولم يفلت من ذلك لا
أكبر الأئمة, ولا كبار الفلاسفة, ولا كبار المفكرين, ما هو رأيكم في
المسألة ؟
ج:
إن الاجتهاد إذا عورض ممن لا يقبله لجهله فهذا لا يعتد به, وهناك
الاجتهاد الذي عانده المسؤولون في البلاد العربية, لأنه لا يتوافق مع
رأيهم في الحكم, ونجد في تاريخنا الإسلامي, العلماء الكبار المجتهدين
كأبي حنيفة, والإمام الشافعي والإمام مالك وغيرهم, كانوا يقاومون من
طرف السلطة خاصة عندما كانوا يأتون بحكم إسلامي يتعارض مع رأي الخليفة
وأنصاره وأتباعه, فالإمام مالك ضرب بالمدينة لأنه قال طلاق المكره لا
يجوز لأنهم كانوا يحلفون الناس بالطلاق ليبايعونهم, والإمام أبوحنيفة
عذب وشرد نتيجة أفكاره وقد أحسن المصريون عندما وضعوا أفلاما عن حياة
هؤلاء الأئمة وشاهد الناس ذلك, وأخذوا صورة عن اضطهاد رجال العلم
(بالرغم من أن تلك الأفلام ليست مطابقة للواقع بشكل تام), والمعروف أن
رجال العلم الأحرار يضطهدون دائما وذلك لأن المسؤولين لايحبون
المجتهدين ولا يحبون أصحاب الفكر, ومن يعاندهم, ومن لا يقف إلى جانبهم,
وهذه هي مصيبة الإسلام وكارثته. فالإسلام لم يصب بكارثة إلا هذه , وهي
الاستبداد والظلم والتعدي على الحقوق.
س: لكن هناك بعض
الأسماء الفكرية التي تجد نفسها مضطهدة من طرف بعض علماء الدين أنفسهم,
ومن طرف بعض المؤسسات الدينية, كحالة نصر حامد أبو زيد بمصر مثلا؟.
ج:
هذه قضية خاصة, وقد كتبت رأيي في هذا الموضوع ونشرته في جريدة الاتحاد
الاشتراكي, وتحدثت عن هذه القضية بالذات, فنصر حامد أبو زيد مفكر وله
أبحاث وأفكار جميلة جدا, ولكن الشيء الذي فعله وأثار عليه الغبار هو
السب والشتم في حق الصحابة, ومعروف أن الصحابة منزهون ومحترمون والجميع
ينظر إليهم باحترام, ومن ناحية أخرى, أقول لك إن بعض الصحابة صدرت منهم
بعض الأشياء التي لا يقرها الإسلام وأقول هذا بصراحة, مثل معاوية بن
أبي سفيان عندما أسس حكمه بالشام, هدم الشورى الإسلامية وقضى عليها,
ومن يومئذ والعالم الإسلامي يعيش في الاستبداد والديكتاتورية, فهذا
صحابي وفعل هاته الفعلة, ونحن ننتقده ولا نؤمن بما يفعل, ونرى أنه هو
الذي أفسد الإسلام وأفسد تاريخه, ولكننا نكف ألسنتنا عن سبه أو شتمه,
أي أننا لا نسبه ولا نشتمه, وكيفما كان الحال, فهو قد اجتمع بالرسول
(ص), ويكفيه أنه اجتمع به وصاحبه. ولكنه وقع في خطأ وارتكب أشياء في
التاريخ لا يغفرها الإسلام, فنحن نقر بأنه فعل ذلك ونتركه لله وإن شاء
غفر له.
س: كيف تنظرون إلى رأي
روجي غارودي الذي قال في السنوات الأخيرة أنه يجب إعادة النظر في
السنة؟
ج:
لقد قرأت لغارودي أفكارا, وهو رجل يقوم بمهمة عظيمة جدا, وقد دخل إلى
الإسلام, وحسن إسلامه, ولكنه يقع في الخطأ لأنه لا يعرف اللغة العربية,
وقلت لك من قبل أن من لا يفهم اللغة العربية لا يستطيع أن يفهم نصوص
القرآن ونصوص السنة, فقد قرأت في إحدى مقالاته أن القرآن لم يفرض على
المسلمين إلا ثلاث صلوات, وهذا غلط وقع فيه في فهم النص القرآني
التالي: « أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر, إن قرآن
الفجر كان مشهودا». وهو لم يفهم الآية فهما حقيقيا, ولا يمكن له أن
يفهم ذلك حتى وإن ترجمنا له ذلك لأن كلمة «دلوك» تصعب ترجمتها, فهو
يقرأ القرآن مترجما, والقرآن مترجم ليس بقرآن, وإنما هو معاني القرآن,
إن جارودي يقع في الخطأ عندما يقرأ نصا مترجما فيعتمده, ومع الأسف
الشديد, فلو كان جارودي يفهم اللغة العربية ويقرأ نصوص القرآن والسنة
باللغة العربية لكان شيئا عظيما جدا.
س: تخضع المسألة الدينية
بالبلدان الإسلامية إلى توجيه واضح من الدولة لتثبيت أسس بعض الأنظمة
والحكام أولا وأخيرا, وقد تم استغلال الدين عبر التاريخ الإسلامي لخدمة
أغراض دولاتية مؤسساتية محضة, هل قدر الإسلام هو أن يدعم استراتيجية
أنظمة قد لا تخدم في شيء الشعوب المغلوبة على أمرها ؟
ج:
الإسلام بريء من الأنظمة الفاسدة أينما كانت وفي أي زمن كانت, والأنظمة
التي تستعمل الإسلام لغرض خاص, وتستخدمه لخدمة مسيرتها, ولخدمة ما
تريده بالقوة والعنف, ليست أنظمة إسلامية وأهلها ليسوا بمسلمين, بل
إنهم مسلمون بالجنسية وليس بالعقيدة, فالعالم الإسلامي حكم منذ بني
أمية إلى اليوم بالقهر والعنف, باستثناء بعض الومضات التاريخية كظهور
عمر بن عبد العزيز, وظهور بعض الملوك في بعض الدول وهم قليلون جدا.
لنكن صرحاء مع أنفسنا هل المسلمون اليوم
يحكمون بالإسلام ؟ أبدا, إننا إذا تتبعنا وضع معظم الدول الإسلامية,
نجد أن بعض الرؤساء لا شغل لهم إلا محاربة من يقول ربي الله, ومن يدعي
الإسلام ومعنى ذلك أن من يدعو إلى إقامة الحكم الإسلامي, تعطيه
الديمقراطية الحق في هذا, كما تعطيه للمسيحيين, في ألمانيا وفي
إيطاليا, فليتركوهم لحالهم فإن نجحوا وصار معهم الشعب وصوت لصالحهم,
فهذا من حقهم, ولكن واقعنا على خلاف هذا, لأنه ليست لنا ديمقراطية في
الواقع العربي, وأصل الإرهاب في الجزائر وفي باقي البلاد العربية هو
غياب الديمقراطية, لأن الإرهاب لا يبتدئ من الشعب ولكن يبتدئ من
الدولة. فالدولة في الغالب هي التي تبتدئ بالإرهاب, وهذا شيء واقعي
ومحسوس ولا نحتاج البرهنة عليه.
س: في مقابل هذا أيضا,
راهنت حركات إسلامية عديدة قديما وحديثا على بناء مشروعيتها وخطابها
السياسي بناء على تأويل مختلف للمسألة الدينة, وانطلاقا من الاستغلال
السياسي للدين, ما هو تعليقكم ؟
ج:
أؤكد أن الاستغلال السياسي للدين منبوذ, وأنا شخصيا لا أقبله, فأن يأتي
شخص ويستغل الدين لمنصبه أو لقوته, أو لمقاومة غيره, فهذا غير مقبول,
ولا يجب على أي أحد أن يستغل الدين لخدمة مثل هذه الأغراض. للجميع الحق
في الإسلام الحقيقي لا الإسلام المزور, أما هؤلاء الناس الذين يستغلون
الإسلام, فهم إنما يخدمون به أغراضهم السياسية وأغراض الحكم وأغراض
أخرى عديدة سواء في مجتمعنا أو في مجتمع آخر.
س: تقدم استراتيجية
العنف, التي تتبناها العديد من الحركات الأصولية حسب أغلب الآراء, خدمة
مجانية لاستمرار الأنظمة اللاديمقراطية, من الذي يستفيد في رأيكم أكثر
من منطق العنف ؟ وهل بإمكان من يؤسس رؤيته على العنف أن يبلور رؤية
ديمقراطية في تعاطيه مع الرأي المختلف ومع قضايا الناس كلها ؟
ج:
أنا ضد العنف, والإسلام ليس دين العنف, فالإسلام دين الدعوة بالحسنى
وبالإقناع, أما استعمال العنف وفرض الرأي الخاص على الناس بالقوة فشيء
منبوذ, لكن بعض الطوائف التي تدعي الإسلام وتستعمل العنف من أجل الوصول
إلى حكم, خاص بها مجرمة, وليست بمسلمة, إن الإسلام يمنع على المسلم
ويحرم عليه قتل المسلم, «وإذا التقى مسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول
في النار, قيل يا رسول الله هذا قاتل, فما بال المقتول, قال, لأنه كان
يريد أن يقتل أخاه ». فهاته المجموعات الإسلامية التي تقوم بالإرهاب لا
الإسلام لأصحابها لأن الإسلام يقول أدعو بالحسنى والحجة, فهذا محمود
لأنه يمكن أن يصل بهذا إلى الغاية المطلوبة, وعندنا المثل في الجزائر,
فهؤلاء كفرة وليسوا بمسلمين, إنهم قطعا كفار لأنهم يقتلون الناس
والأطفال والنساء ويبقرون البطون, فهؤلاء ليسوا بمسلمين, بل إنهم
يحاربون الإسلام.
س: تعلن العديد من
الحركات الأصولية أن مطالبتها بالديمقراطية ليست إلا مسألة تكتيكية,
تسعى من خلالها إلى خدمة غاية استراتيجية هي الوصول إلى الحكم والسلطة,
أليس من حق الشعوب أن تخشى على مستقبل الديمقراطية, إذا ما تبنت برامج
بعض الاتجاهات, وصوتت لصالحها في الانتخابات؟
ج:
أنا معك في أن بعض الجماعات الإسلامية تستخدم الدين للوصول إلى السلطة,
والحقيقة التي يجب أن أقولها بصراحة, هي أنني كمسلم أخشى وأخاف من وصول
بعض الجماعات الإسلامية إلى السلطة.
فوضعنا ليس مثل وضع الكنيسة, نحن نقول لا
رهبانية في الإسلام, وهؤلاء الذين يريدون الوصول إلى الحكم بالعنف
ويستغلون الإسلام يشكل وصولهم إلى الحكم خطرا على البلاد والعباد, ونحن
لا نطالب إلا بالإسلام الحقيقي الذي لا إرهاب فيه والذي لا قتل فيه
والذي لا استغلال فيه, والذي يدركه الشعب بنفسه. فالمطلوب هو أن يتكون
رأي عام في البلاد يطالب بالحكم الإسلامي, لكن أي حكم إسلامي؟ إنه
الحكم الإسلامي الحقيق كما في عهد عمر بن الخطاب, الناس متساوون وحقوق
الفقراء على الأغنياء مضمونة, أي أنها ليست صدقة, ولكنها واجبة, ونحن
نرى أن أغنياءنا لا يؤدون واجباتهم تجاه الفقراء, ونرى أن الشعب يعيش
في الفقر والجوع ولا من يرحمه, ونرى أن الإسلام يأمر أن ترد فضول أموال
الأغنياء على الفقراء, والقرآن الكريم يقول في المال «حتى لا يكون دولة
بين الأغنياء منكم» فالإسلام يحرم تحريما قاطعا أن تكون في دولته طائفة
بيدها المال والباقي يموت جوعا وعطشا, فهذا شيء حرام لا يجوز في
الإسلام وإذا كنا حقا مسلمين يجب على الأغنياء أن يؤدوا للفقراء
زكواتهم, ويؤدوا لهم ما يجب عليهم للقضاء على الفقر, ولتكوين نظام
المجتمع الإسلامي كما كان في عهد النبي؟ وفي عهد الصحابة, لأن النبي
يقول «لا يكون المسلم مسلما, ويبيت جاره جائعا» ونحن نرى أن هؤلاء
الأغنياء يعبدون المال ويجمعون الملايير, وكأنهم سيخلدون في هذه
الدنيا, ولا يحاسبون على طريقة جمعها, لكنهم سيحاسبون عليها في ما بعد
لأنهم جمعوها من الحرام ومن رقاب الناس.
س: في «باب الصدقة»
بالضبط يرى البعض أن المواطن الفقير بحاجة إلى حقه أولا كمواطن وليس
بحاجة إلى صدقة فقط ؟
ج:
إن هذا الكلام صحيح, وأنا أعطيك مثالا هنا: لو أن غنيا في المغرب مات,
فخلف 1400 مليارا, فنسبة الصدقة المستحقة في هذا القدر هي 36 مليارا,
ولو أن هذه الأموال تم استثمارها في مشاريع لفقراء لما بقي عندنا في
المغرب فقير, لكن الأغنياء يأكلون أموال الفقراء, فالزكاة ليست صدقة
بالمعنى الذي يعرفه الناس, وإنما هي فرض واجب يحاسب المرء الغني عليه
إذا لم يقم به, وإذا مات فإن الزكاة تخرج من تركته.
إن البعض يظن أن الزكاة صدقة, لكنها ليست
كذلك لأن النبي يقول «اليد العليا خير من اليد السفلى يوم القيامة ».
فالتضامن الإسلامي أن ترد فضول أموال الأغنياء على الفقراء, ويعني هذا
أن تقام لهم بها المشاريع وتبنى لهم بها المساكن ليسكنوا فيها, أنا هنا
لا أقول يجب أن تعطي المساكين الصدقة, ولكني أقول يجب أن تقام لهم
المشاريع ليعيشوا بها, والنبي صلى الله عليه وسلم كان يلح على هذا,
والذي يتحمل مسؤولية ذلك هم الأغنياء والحكومة أيضا التي لا تراقب هذا
الجانب الديني الضائع.
س: نعود إلى الحديث عن
الحركات الإسلامية, ونتساءل عن الضمانات التي يمكن أن تقنع المجتمع
المدني بالمغرب بالاطمئنان على وضع الديمقراطية بهذا البلد, وعلى عدم
تحريك بعض الجهات لمنطق العنف لفرض وجهة نظرها؟
ج:
الطريق الأسلم هو الديمقراطية, وهنا أود أن أقول كلمة, وهي أني أقرأ
لبعض الإسلاميين ما يكتبونه عن أن الديمقراطية ليست في الإسلام, وهذا
غلط كبير جدا يبين أنهم لا يفهمون الإسلام أبدا, لأن الشورى التي وردت
في القرآن وعمل بها النبي (ص), هي تعميم الديمقراطية في كل الأشياء
سواء بالنسبة للحكم أو لغيره, هي عامة, أما الديمقراطية التي أخذناها
عن الغربيين فهي خاصة بالحكم. ولذلك فهي جزء من الشورى الإسلامية,
والذين ينازعون في الديمقراطية من الإسلاميين لا يفهمون الإسلام قطعا,
لأن الشورى عامة في الشأن الخاص والشأن العام, وكلمة الديمقراطية
المترجمة التي نترجمها ب «حكم الشعب للشعب» تخص الحكم فقط, ولهذا فنحن
إذا استعملنا كمسلمين – كلمة الشورى, فنحن نعمم. وإذا أردنا أن نخصص
نستعمل كلمة «الديمقراطية» فقط, وليطمئن الشعب يجب أن توفر له
الديمقراطية الحقة التي يتحدث عنها الناس الديمقراطيون والأحزاب
الديمقراطية, لكن للأسف فنحن في المغرب لازلنا لم نصل إلى هذا المعنى
الحقيقي للديمقراطية, وعندما تتحقق هذه الديمقراطية سوف تنحل جميع
العقد والإشكالات, ولكن مع الأسف الشديد لازلنا نكافح من اجل الوصول
إلى هذه الغاية.
س: هناك من يدافع عن
العلمانية, ويرى أن تثبيت العلمانية بالبلاد العربية هو المدخل الوحيد
الأساسي لتكريس الاعتراف بالديمقراطية وبالاختلاف, وبالحق في الحوار
وبتعدد الآراء ؟
ج:
إن العلمانية لا يفهمها الناس حق معرفتها, لأنه إذا نسبناها إلى العلم
فهي داخلة في إطار الإسلام, والعلمانية لا يمكن أن تتناقض مع الإسلام,
والناس يخشون على أن يكون الحكم حكما دينيا على شاكلة ما مر في التاريخ
الغربي, ونحن نخاف من هذا أيضا, والإسلام إذا طبق تطبيقا حقيقيا لا
يتخالف مع العلمانية بمفهومها الحالي الذي يقول به العلمانيون الذين
نحاربهم الآن لأنهم يطعنون الإسلام, أما العلماني الذي لا يطعن الإسلام
ويؤمن بتعاليمه فنحن نتفق معه على طول الخط ولا خلاف بيننا وبينه.
س: يعرف عنكم, تبنيكم
لنظرة حداثية عن الإسلام, ما هي أسس هذه النظرة؟ وما هي مرجعياتها ؟
وهل يمكن تحديث الإسلام قبل ذلك ؟
ج:
الإسلام كما تحدثت في إحدى مقالاتي في رمضان الماضي, بمعناه الحقيقي لا
يختلف عن النظم الديمقراطية الحقيقية, ونحن لا نقول بتحديث الإسلام,
ولكننا نقول «التنوير بالإسلام» لأن الإسلام لا يبلى, والأفكار الأصلية
فيه لا تبلى ولا تنقضي, والمقصود بالتحديث هو فهمه وفق العصر, والإسلام
يعطينا حق الاجتهاد وفق العصر الذي نعيش فيه, لأنه لا يمكن أن نعيش
بأمور وأشياء ونظام كان منذ ألف سنة أو 1200 سنة. فالواجب الآن على
علماء الإسلام وعلى السياسيين منهم بالأخص, هو أن يجعلوا الإسلام صالحا
لعصرنا هذا, ولما هو معاصر لنا من أحداث وقضايا, إننا حين نتوجه إلى
الإسلام لا نتوجه إلى الجمود أو نقلد الفقهاء في جميع ما قالوه, ونحن
ندرس الكتب وننتقدها لأن فيها ما هو صحيح, وفيها ما هو غير صحيح لعصرنا.
يمكننا أن نستخرج كل شيء بالاجتهاد, ولكن
على أسس ثابتة ونفس الشيء بالنسبة للسنة التي تتكون من أحاديث صحيحة
وأحاديث زائفة منسوبة إلى الرسول, لقد جاء الإسلام لمصلحة البشر
والناس, ولذلك إذا وجدنا شيئا يخالف مصلحة الناس, فلابد أن يكون ليس من
الإسلام, ولو كان حديثا, لأنه لا يمكن أن يكون هناك حديث صحيح ضد
الجمهور وضد المصلحة العامة, وضد مصلحة البشر.
س: هناك من يرى أن
التحقيق الفعلي لمطالب المجتمع والناس لا يمكن أن يتم إلا من خلال
مراجعة بعض التأويلات والقراءات للأصول الدينية, هل الدين يسمح بهذا أو
لا ؟ وهل من صيغة لذلك؟
ج:
نعم هناك أشياء لابد من الاجتهاد بصددها, ولابد من مراجعة حتى كتب
التفسير, لأن جلها مملوء بالخرافة والأوهام, فكل شيء يجب مراجعته, وقد
تيسر علينا الأمر حاليا, لأن الكتب طبعت والمصادر موجودة بين أيدينا,
يجب مراجعة كتب الفقهاء والمفسرين والمحدثين لتصحيح ما تسرب إليها من
خطإ وأغلاط, وهذا من حق العلماء والمثقفين القادرين على النقد والتصحيح.
س: طالبت العديد من
هيئات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة بإعادة النظر في مدونة
الأحوال الشخصية وتم تحقيق مجموعة من الأشياء في هذا الصدد, لكن هذه
الهيئات تطالب بتعديلات إضافية أخرى. هل يمكن التفكير في تعديل جذري
يعيد النظر في مسألة تعدد الزوجات, ومسألة الإرث وبعض القضايا الأخرى
المتعلقة بوضع المرأة؟
ج:
بالنسبة لقضية الإرث لا سبيل للحديث عنها, لأن القرآن لم يفصل آية كما
فصل في قضية الإرث, وهذه مسألة تحتاج إلى كلام طويل. أما ما عدا ذلك,
فمن حق المرأة, وأنا معها, أن تطالب بحقوقها, فالرجل يطلق المرأة ويرمي
بها في الشوارع ويخرجها عن منزله, فهذا خطير, لهذا فمن حق المرأة أن
تطالب بحقوقها, ومن حقها أن تطالب بتنفيذ ما هو موجود, وأنا أرى أن حتى
ما هو موجود لا ينفذ, لكن بالنسبة لقضية الإرث فقد حددها الله بشكل
مفصل, ولا يمكن لنا أن نطعن في القرآن, لأن من فعل ذلك يكون كافرا, لكن
ما ينبغي أن يقال هنا, هو أن الرجل في الإسلام هو المسؤول عن النفقة
وهو المسؤول عن كل شيء في المنزل, وعليه أن ينفق من ماله من اجل كل
هذا, والمرأة إذا كانت غنية, فهي لا تطالب بالنفقة, لكننا نرى الآن أن
التعاون قائم بين الزوج والزوجة ويجب أن يكون, حتى وإن لم يكن موجودا,
والرجل إذا كان له مال فالزوجة شريكة معه فيه, وإذا أردنا التفصيل في
قضية الإرث, فهناك سور تأخذ حسبها المرأة أكثر من الرجل وهناك سور تعطي
للمرأة الثلث أو الثلثين, إن قضية الإرث غير مفهومة فقط ويركز البعض
على سورة واحدة دون غيرها من السور, وأنا هنا أنصح النساء بدراسة
المواريث بتفصيل لأن المواريث وزعت على كل مستحق لنصيبه بتدقيق وبعدل,
وإحسان. فلا يمكن هنا أن تقول إن المدونة يجب أن تساوي المرأة مع الرجل
وكفى, لأنه لا العقل يقبل هذا ولا الدين, فكيف ستتم هذه المساواة؟ أنا
أرى أن على النساء أن يدرسن هذا الجانب حتى يتأكدن من حقيقة ما تقوله
أحكام الإرث. أما في ما عدا هذا فالمرأة مظلومة ولا ينازع أحد في ضرورة
رفع الظلم عنها.
س: يعرف عنكم موقفكم
الخاص بصدد مسألة الشورى, كيف توضحون رؤيتكم بصدد مسألة الشورى في
عصرنا الحالي ؟
ج:
الشورى كما قلت لك, هي ما نترجمه بالديمقراطية, والفرق بينهما هو
التخصيص والتعميم, ويعرف عن النبي (ص) أنه كان يتشاور مع أهله وأصحابه
وأقاربه حتى في أموره الخاصة, والشورى في الحكم أتى بها الإسلام ويجب
تطبيقها لأنها تمكن من إقامة العدل بين كل أفراد الشعب.
س: كيف يمكن تفسير
انتقالكم من حزب «الشورى والاستقلال » إلى حزب «الاتحاد الاشتراكي
للقوات الشعبية », هل من دلالة لذلك, وهل يعني أنكم عوضتم مفهوم الشورى
بمفهوم «الاشتراكية » ؟
ج:
أولا, إن حزب الشورى والاستقلال الذي ارتبطت به, ليس هو هذا الذي وجد
حاليا, وقد كنا دائما متفقين في الرؤى مع الاتحاد الاشتراكي, وفي
الانتخابات الأولى التي ترشحت فيها إلى البرلمان, وكان الاتحاد
الاشتراكي, يخوض المعركة, كنت أنا مرشحا في دائرة كان فيها الأخ محمد
اليازغي هو مرشح الاتحاد, وما ثبت في تلك الحملة الانتخابية أنني تعرضت
ولو بكلمة واحدة تمس الاتحاد الاشتراكي, وقد آمنت دوما حين كنت في حزب
الشورى أنه لا يوجد بيننا اختلاف كبير. ثم مرت الأيام, فجاءت ذكرى عمر
بن جلون وطلب مني الإخوان في الاتحاد الاشتراكي بما أنني أعطف على
الحزب أن أقوم بتأبينه, فذهبت, وأبنته في الدار البيضاء, وحوربت في
وظيفتي بسبب ذلك كما حوربت في عملي وفي أشياء أخرى عديدة, ومنذ يومئذ
ونحن نتصل اتصالا وثيقا بالإخوان في الاتحاد الاشتراكي, كما شاركت أيضا
في تأبين المرحون عبد الرحيم بوعبيد, وبقيت على اتصال دائم بهم إلى أن
جاءت الانتخابات الأخيرة, حيث طلب مني الترشيح معهم وفعلت ذلك, ولا
أدري في هذا خروجا لا عن مبدأ لا عن عقيدة, لأن عقيدتي ومبدئي يتفقان
مع حزب الاتحاد الاشتراكي, وليس هناك أي فرق بين عملي السابق في حزب
الشورى والاستقلال وبين عملي الحالي في الاتحاد الاشتراكي.
س: تحفظ لكم الذاكرة
المغربية موقفكم الشجاع من قضية اغتيال عمر بن جلون, هل لا زلتم على
استعداد لإدانة أية ممارسة من هذا القبيل سواء في المغرب أو في باقي
البلاد العربية ؟
ج:
نعم أنا ضد الاغتيال لأنه جريمة أولا ولأنه خسة ولا يمارس الاغتيال إلا
الخسيس, وقد كان العرب يطردون الرجل من القبيلة إذا اغتال أحدا, لأنه
ارتكب بذلك منكرا لا يصلح, فأنا سأقف دائما ضد الاغتيال لأنه جريمة
يرتكبها الإنسان الخسيس.
س: هناك العديد من
الأحكام والقواعد والآراء الدينية التي تداول بصددها العلماء والفقهاء
منذ زمان, إلا أنه يظهر أن هذا الطرف يحاول الدفاع عن حقه الأبدي في
التداول لوحده في مثل هذه الأمور, ويقصي بذلك باقي الأطراف, خاصة علماء
الاجتماع, هل من تعليل لهذا ؟ ثم ألا تتأسس الديمقراطية أو عدمها
انطلاقا من هذه الأمور أيضا ؟
ج:
أنا لا أقول بالإقصاء, لا بالنسبة لعلماء الاجتماع ولا بالنسبة للأطباء
ولا بالنسبة لغيرهم, والعالم المسلم يجب أن يكون متصلا بالعالم
الاقتصادي وبالطبيب وبالمحامي وبالقاضي, وبكل الشرائح الاجتماعية,
ليكون على بينة مما يجري حتى إذا أصدر حكما إسلاميا يصدره صحيحا.
س: يرى البعض أن القانون
الوضعي هو الذي يطرح صيغة أمثل لقضية حقوق الإنسان, ويرى البعض أن
الصيغة الإسلامية هي الأمثل, ويزاوج البعض بين أسس وضعية وأسس دينية
لبناء رؤيته بصدد مسألة حقوق الإنسان, ما هو موقفكم من هذه المسألة؟
ج:
أنا أرى أن أول من اعترف بحقوق الإنسان هو الإسلام لأن الله يقول «وقد
كرمنا بني آدم » فالإنسان مكرم في القرآن, وفي أحاديث الرسول, وقد سبق
الإسلام إلى الاعتراف بها, والحقوق التي تنص عليها باقي القوانين
مقبولة في الإسلام, فديننا يعترف بحقوق الإنسان, ويدعو إلى تحقيقها ولا
يقبل أن يمس حق من حقوق الإنسان كيفما كان الحال, ومن يدعي أن الإسلام
يعادي حقا من حقوق الإنسان فهو لا يعرف الإسلام.
س: »لا اجتهاد مع وجود
النص« ليس نصا دينيا, لكن لا يقبل البعض بمراجعته, كيف ذلك؟
ج:
بالفعل, إنه ليس بنص ديني, لكن عن أي نص نتحدث, هل عن النص القطعي أم
النص الظني أم ليس هناك نص, فقد قلنا من قبل أن الاجتهاد قضية ليست
سهلة, النصوص يمكن أن تدرس من جديد دراسة صحيحة ومركزة, لكن النصوص
التي وردت صريحة ولا تحتمل تأويلا لا يمكن أن نتحدث عنها, مثل النصوص
التي تتعلق بالعبادة وبالفروض الإسلامية, أو النصوص التي تتعلق
بالواجبات الواردة في القرآن والسنة. فكل هذه الأمور تقبل أن نجتهد
فيها لكن يمكننا أن نجتهد في النصوص التي لها علاقة بالقضايا
الاجتماعية وبأمور الناس.
س: يعيش المغرب تغييرا
سياسيا مهما, كيف تنظرون لقضية التناوب وللصيغة التي جاءت بها ؟
ج:
إن كلمة التناوب هي كلمة مجملة وغير واضحة, والتناوب يعني أنه يتم
بالطرق الديمقراطية ونحن لا توجد عندنا الديمقراطية لنقول بالتناوب,
فليس عندنا مثلا انتخابات نزيهة تفرز برلمانا حقيقيا لنتحدث عن
التناوب, لأن التناوب يكون سجين قوة منتخبة وحزب له الأكثرية دخل إلى
الحكم, وسيبقى فيه ما دامت له أكثريته, فإذا ضعفت أكثريته, وجاءت
الانتخابات صعدت جماعة أخرى, فهذا هو ما يعنيه التناوب ولا يجب أن نفهم
التناوب بأنه هو أن تجلس جماعة في حكومة معينة, ثم تتم المناداة على
هذا وذاك, ويقال له اخرج من الحكومة, لأن علينا أن نتناوب. إن كلمة
التناوب مجملة, وتستعمل في الصحافة ووسائل الإعلام بعيدا عن مدلولها
الصحيح.
ففي ألمانيا مثلا بقي حزب 16 سنة في
الحكم, ولم يطلب منه أحد القبول بالتناوب بالصيغة التي نفهمه بها نحن,
لكن حين صوت الناس ضده صعد حزب آخر, وهكذا يكون التناوب الحقيقي, أما
بالنسبة لمفهوم التغيير, فأنا أقول لك هنا أنه لابد من التغيير وقد قال
تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». والتغيير إذا
لم يحصل سنصير إلى الهلاك, والتغيير معناه, أنه إذا كان الحكم فاسدا
يجب أن يغير, وإذا كان الاقتصاد فاسدا يجب أن يغير وإذا كان الإنسان
فاسدا يجب أن يغير, فالقرآن وضح لنا هذه الكلمة, ونحن لسنا بمستقيمين,
ولسنا بديمقراطيين, ولسنا بصالحين للحكم, ينخرنا الفساد والارتشاء وإذا
لم نغير ما بنا فإن أمتنا ستصير إلى الهلاك.
التغيير إذن يجب العمل به, ويجب السير
على طريقه, وهو ليس بالتناوب, لكن ما يجب أن نعرفه هو هل حصل في المغرب
تغيير ؟ هل حصل التغيير الحقيقي في المغرب أم لم يحصل ؟
إن ما نرجوه هو أن تخطو حكومتنا نحو
التغيير, تغيير الواقع الفاسد, حقيقة أن التغيير عمل صعب لأنه يجب أن
يقوم الناس بعمل جبار ومخلص ونزيه عن الديماغوجية, لنتحدث بالفعل عن
التغيير, فلنبدأ بتغيير الرأي العام أولا, ثن تغيير الوضعية الاجتماعية
التي وصلت إلى الحضيض, وذلك بالتدريج لأنه لا يمكن تغييرها بين عشية
وضحاها, وإذا أحس الشعب بالتغيير, فلابد أن يسير مع هذه الحكومة
ويدعمها.
س: لقد انتظر الشعب
المغربي طويلا قدوم حكومة التغيير, وقد جاءت الحكومة الحالية, إلا أن
الشعب لازال ينتظر تغييرا يعيد الاعتبار للطبقات المسحوقة, كيف تنظرون
من موقعكم إلى أفق انتظار المواطنين, وإلى عمل الحكومة في الأشهر
السابقة ؟
ج:
هذا واقع, المواطنون بكل صراحة لم يشعروا بعد بالتغيير, لكن التغيير
كما قلت صعب, لأنه يحتاج إلى وقت وإلى عقول وإلى عمل جدي, وكيفما كان
الحال, يجب أن يعطي للشعب ما يحسسه بأن التغيير قد حصل فعلا, والشعب
إذا لم يشعر بالتغيير في حياته, وفي خبزه, وفي مسكنه, وفي عمله, وفي
إرادته, سينتقد باستمرار هذا الوضع.
س: يرى البعض أنه لو قدر
لهذه التجربة أن تفشل ستكون الأمور صعبة, بالنسبة للأحزاب المشاركة في
الحكومة وبالنسبة للوضع المغربي عامة, هل يمكن التنبؤ بآفاق المغرب في
السنوات القادمة ؟
ج:
إننا لا نتنبأ ولكن الإنسان يأخذ الأحداث والوقائع مما يراه ويشاهده في
الواقع, فإذا أخفقت هذه الحكومة ستكون كارثة بالنسبة للمغرب بدون شك,
لأنه بالتجربة وليس بالتنبؤ, نحن نتعثر منذ أن جاء الاستقلال, ومن عثرة
إلى أخرى, إن هذه الحكومة بها ناس من الوطنيين والمخلصين يترأسهم رئيس
معروف عنه الإخلاص والوطنية والنزاهة والكفاح, ونحن لا نجد مثله, ولا
تجد الأحزاب المعارضة ما تؤاخذه عليه, لا من سرقة ولا من نهب ولا من
خيانة, والتجارب التي أخذناها من الحكومات السابقة تدفعنا لأن ندعو
للحكومة الحالية بالنجاح والتوفيق لأنها إذا أخفقت, فالمغرب هو الذي
سيخفق.
س: كيف تنظـرون إلى دور
الجامعة المغربية حـاليا, وهل تطمئنـون للوضع الثقافي بالمغرب ؟
ج:
لا أطمئن شخصيا للوضع الثقافي بالمغرب, أما بالنسبة للجامعة فأقول لك
إني درست في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس, وبصراحة فقد كنت أستغرب
طيلة سنوات تواجدي بالجامعة لكيفية وصول هؤلاء الشباب إلى الجامعة,
إنهم لا يستطيعون حتى الكتابة بشكل صحيح, وفي أيام الامتحان كنا نبحث
عن الورقة التي يمكن أن ينجح صاحبها, على عكس وقت سابق كنا نبحث فيه عن
الورقة التي يمكن لصاحبها أن يرسب, فالأمور قد تغيرت بشكل رهيب ووضعية
الجامعة لا تطمئن, وأغلب الأساتذة يؤكدون هذا. لذلك فالجامعة يجب
إصلاحها, والثقافة يجب إصلاحها أيضا, والتعليم أيضا بحاجة إلى الإصلاح,
بل كل الأشياء بحاجة إلى إصلاح في هذا البلد, لأن المغرب, وبالرغم من
مرور كل هذه السنوات على استقلاله, لازال يتخبط في مشاكل عديدة, ولا
نرى إلا خطبا واجتماعات هنا وهناك, وما نراه هو كثرة الحديث والمؤتمرات
واللقاءات, لكننا لا نرى العمل الذي يظهر أثره على الشعب ويعمل على
إنقاذه مما هو فيه.
س: أليست هناك جهة يمكن
تحميلها مسؤولية تراجع المستوى الثقافي لدى التلاميذ والطلبة وبعض رجال
التعليم ولدى الإنسان المغربي بصفة عامة ؟
ج:
إن الحكومات التي حكمت المغرب هي التي تتحمل المسؤولية في كل هذا, ولا
يمكن لأحد غيرها أن يتحمل هذه المسؤولية, فليس هناك ولو حكومة واحدة
طيلة فترة استقلالنا حاولت إنقاذ المغرب مما هو فيه. والعجيب هو أن
هؤلاء الذين ينتقدون الحكومة الجديدة هم الذين أفسدوا المغرب, وهم
الذين أوصلوه إلى هذه الحالة, فالمغرب لم يفسده ولم يخربه إلا الحكومات
التي مرت في المغرب, وهذا يجب أن نقوله بكامل الصراحة, فلا إصلاح هناك
إلا إذا استطاع المغرب أن يسير في طريق الديمقراطية الصحيحة التي تجعل
من الحكومة حكومة ديمقراطية, وتجعل من البرلمان برلمانا ديمقراطيا,
وتعلم الشعب الديمقراطية, وبدون الديمقراطية لا نستطيع أن نصل إلى شيء,
والآن كيف تريد للجهلة الذين يشرعون للمغرب أن يخرجوه من حالته
الثقافية والعلمية, وهذا من مصائب الانتخابات المزورة.
كلمة أخيرة:
..
نتمنى لحكومتنا أن تنجح, ولكن مع هذه
الأمنية, ندعوها لأن تعمل بجد ولتخرج للشعب ما يراه في الشارع
والإدارة, وكل مكان لأنه بنجاحها سينجح المغرب كله, وبإخفاقها سيخفق
المغرب, ونتمنى أن تتوطد عندنا الديمقراطية الحقيقية التي تأتي
بالمنتخبين الحقيقيين الذين انتخبهم الشعب حقيقة لا مجازا. |