س: الدكتور الديالمي, التربية الجنسية سؤال
إشكالي في المغرب, كيف يتحدد هذا السؤال وما هي طبيعته؟ وقبل ذلك كيف
يمكن تحديد مفهوم « التربية الجنسية »؟
ج:
شكرا للأحداث المغربية أولا,
أود أن أبدأ بقول شيء أساسي بصدد مفهوم التربية الجنسية,
هو أننا حينما نواجه هذا المفهوم,
فإننا نواجه خطرين في نفس الوقت,
الخطر الأول هو خطر الاختزال,
والخطر الثاني هو خطر الخلط,
وما أقصده بخطر الاختزال هو أننا حينما نسمع عبارة
«تربية جنسية
» يذهب حسنا المشترك إلى الاعتقاد
أن التربية الجنسية تعني فقط اكتساب تقنيات ممارسة الجنس,
وهذا في اعتقادي خطير لأن الحس المشترك والحس العام يرى في هذا
المفهوم الواسع والغني مجرد تعلم لكيفية ممارسة الجنس في حين أن
المفهوم أغنى وأعم من هذا بكثير,
وسوف نقف على هذا الغنى في ما بعد.
أما
الخطر الثاني فهو خطر الخلط ويتم بين التنشئة الجنسية والتربية الجنسية,
وأود أن أقول إن هذا خلط أولي ينبغي أن نتجنبه لأن التنشئة
الجنسية تقصد خلق وبناء هوية جنسية للفرد,
بمعنى أن الذكورة أو الأنوثة ليسا بمعطيين جنسيين,
فلا يمكن أن نختزل الذكورة في القضيب وأن نختزل الأنوثة في
الفرج أو الرحم, فهذه المعطيات
البيولوجية لا تحدد ولا تخلق لوحدها الهوية الجنسية.
فالعمل الاجتماعي المنشئ يوظف ويستعمل هذه المعطيات البيولوجية
قصد خلق وبناء الذكورة والأنوثة,
فيما أن الذكورة والأنوثة هويتان جنسيتان لا يمكن أن نعتبرهما معطيات
بيولوجية جاهزة منذ البداية, لأن
الذكورة تكتسب عبر التنشئة والأنوثة تكتسب عن طريق التنشئة أيضا,
ونسمي هذا بالتنشئة الجنسية,
لكن لكون الفرد يتحول إلى رجل أو إلى امرأة فهذا لا يعني تربية
جنسية, ولهذا ينبغي أن نتكلم,
في مقابل التربية الجنسية كمقابل لبناء الهوية الجنسية,
عن التربية الجنسية كمجموعة معلومات
(بيولوجية وسيكولوجية)
حول النشاط الجنسي, لكن
بالإضافة الى هذه المعلومات هناك قيم تنظم بدورها ممارسة النشاط الجنسي,
لهذا يمكن أن نقول منذ البداية إن التربية الجنسية هي معلومات
من جهة, وقيم من جهة أخرى,
والمزاوجة بين المعلومات والمعارف وبين القيم حول الجنس هي ما
تشكل التربية الجنسية.
بالإضافة الى هذا التقابل الأول بين التربية الجنسية والتنشئة الجنسية,
هناك خلط ثان ينبغي أن نتجنبه,
إنه خلط يقع عبر فعل إسقاطي,
لأن لكل مجتمع بشري تربية جنسية خاصة به,
فالمجتمعات القديمة مثل المجتمع الهندي والمجتمع اليوناني
والمجتمع العربي الإسلامي الوسيط كانت لها نظرتها الخاصة للتربية
الجنسية, ولها مفهوم خاص للتربية
الجنسية, لكن الحديث عن التربية
الجنسية في هذه المجتمعات ( في
تقديري ) ما هو إلا إسقاط,
أي أننا نأخذ مفهوما حديثا ومعاصرا ونحاول أن نجد له صدى أو نجد
له ما يماثله في هذه المجتمعات القديمة لأن هذا الإسقاط يقول بوجود
تربية جنسية في كل مجتمع.
س: كيف يمكن تصور انعاش حديث التربية الجنسية,
بشكل مخالف للبرنامج الرسمي الذي يكثف رؤية متخلفة للمسألة الجنسية
تتأسس على تسييج الجسد بنحو وقواعد يكثفان انتاج وإعادة إنتاج البرنامج
الثقافي والسلوكي الرسمي؟
ج:
بالفعل وكما تقول, فكل
مجتمع يخضع الفرد لبرنامج ثقافي عام يتضمن جانبا لكن ما أقصده هنا,
هو أن مفهوم التربية الجنسية مفهوم لصيق بالمجتمع الحديث
والمعاصر, لماذا؟ لأنه لا يكفي أن
نبين للفرد طرق الجماع مثلا, وطرق
التعامل مع الزوجة لكي نسمي هذا تربية جنسية,
فهذا شيء نجده في المجتمع اليوناني,
والمجتمع العربي الوسيط,
وكما تعرف فهناك تراث, وآداب
النكاح, وعلم الباه في المجتمع
العربي الإسلامي, ومن نماذج ذلك
يمكن ذكر « الروض العاطر
» و
« رجوع الشيخ الى صباه »
ففي هذه الكتب نجد بالفعل رسالة دقيقة ومفصلة موجهة الى الرجل المؤمن,
أي كيف يتعامل الرجل المؤمن مع الزوجة ومع الأمة والجارية وما
ملكت الأيمان على الصعيد الجنسي.
فالتربية الجنسية المتضمنة في آداب النكاح وعلم الباه ترتكز على كثرة
الجماع كقيمة يتحتم على المسلم تحقيقها,
إما في إطار النكاح, أو في
إطار الاسترقاق الجنسي, وكثرة
النكاح تعتبر نجاحا للتنشئة الجنسية من حيث أنها تؤشر على تحقيق
الذكورة, وأنا لا أعتقد أنه يمكن
أن نسمي هذا تربية جنسية.
فالعلاقة الجنسية في التراث الإسلامي تخضع لشيئين أساسيين هما:
أولا أن الجنس خاضع للنكاح,
فالجنس جنس شرعي وخاضع للزواج.
ثانيا:
هناك خضوع ثان أيضا, وهو
خضوع الزوجة للزوج في العلاقة الزوجية,
وفي العلاقة بين الرجل والجارية,
ووجود هذا الشكل المزدوج من الخضوع
(خضوع الجنس للزواج.
وخضوع المرأة للرجل),
يمنعنا من الحديث عن تربية جنسية لأن التربية الجنسية كمصطلح ومفهوم
حديث يقوم بالضبط على مسلمتين كبيرتين هما:
فك الارتباط بين الزواج والجنس,
والاعتراف بالمساواة بين الجنسين ولا يمكن أن نتكلم عن تربية
جنسية دون أن نتكلم ضمنا, وبشكل
أوتوماتيكي عن عدم إخضاع الجنس للزواج,
وعدم إخضاع المرأة للرجل.
فحينما
نستحضر هذا التعريف المصطلحي للتربية الجنسية لا يمكن أبدا أن نسقطه
على التراث العربي الإسلامي, لأن
هذا التراث وبالرغم من وجود آداب النكاح,
كمبحث شرعي, وعلم الباه,
لا يشمل شيئا من التربية الجنسية,
لأن آداب النكاح وعلوم الباه يقومان على سيادة الزوج وعلى إخضاع
الجنس للمؤسسة الزوجية, فهنا نجد
أن الخطاب في آداب النكاح وعلم الباه يوجهه العالم والكاتب إلى الرجل
وليس خطابا موجها الى الجنسين معا.
فهو خطاب, يحمل رسالة
تربوية موجهة بالأساس الى الرجل الزوج,
كمعلم للزوجة والمرأة بشكل عام,
وهذا يكرس غياب مساواة بين الجنسين.
ويجعل الرجل الزوج هو الفاعل الجنسي الذي ينبغي أن يستوعب
تقنيات الجماع التي عليه أن يصرفها مع الزوجة أو مع ما ملكت الأيمان.
ومن هذا الباب لا يمكن أن نتكلم عن التربية الجنسية.
خاصة وأن هذه الأخيرة تقوم كما قلت سابقا على عدم إخضاع الجنس
للزواج, وتقوم على التسوية بين
الجنسين, وهذا ما لا نجده في علم
الباه وآداب التربية الجنسية الشرعية.
فهذه
المباحث تستهدف تحقيق المتعة للفاعل (الزوج)
وللزوجة فالتراث العربي الإسلامي يسمح بالحديث عن عنصر الحداثة
الجنسية, لأن الحداثة الجنسية
كتسوية بين الجنسين في الحق في المتعة الجنسية توجد في ثقافتنا,
وقد ساهم الإسلام في هذا المنحى,
بل إنه يشكل بنية أساسية في تقعيد هذا الحق أي حق المرأة في
اللذة الجنسية, إلا ان هذا لا يجب
أن يؤول بمثابة تربية جنسية.
س: لماذا بالضبط؟
ج:
لأن هذا النسق يقوم على عدم التسوية,
وعلى إخضاع الجنس للزواج,
أي إخضاع الجنس للإنجاب! فالجنس
حينما يبلغ كتقنية ومعرفة ورسالة في الآداب الشرعية وفي علم الباه,
فإنه يبلغ من أجل تكثير سواء الأمة,
أي من أجل الإنجاب, إنجاب
الذكور بشكل خاص, فنجد أن التربية
الجنسية هنا, هي جعل الجنس أداة
للمتعة لكن مع جعل المتعة أداة للإنجاب,
فالإنجاب هنا يبرر كل هذه العملية التربوية الموجهة الى الرجل
لذا أعتقد أنه يجب أن يتجنب هذا الخلط الثاني الذي ينضاف للخلط الأول
الذي يتم بين التربية الجنسية والتنشئة الاجتماعية,
فلا يجب إذن أن نعتبر كل رسالة متعلقة بالجنس في أي مجتمع عبارة
عن تربية جنسية.
إن
التربية الجنسية هي أولا معارف وضعية وهذا شيء لم نتمكن منه إلا منذ
القرن 18 أي منذ أن تحولت
البيولوجيا إلى علم, حيث مكنت من
معرفة الأعضاء التناسلية بشكل دقيق,
ومعرفة مسلسل الإخصاب,
ومعرفة آليات الإثارة والقذف...
إلخ. فهذا الركام من المعلومات
البيوطبية لم يتحقق إلا منذ نهاية القرن
18 , وهذا التراكم المعرفي البيوطبي أساسي في تعريف مفهوم
التربية الجنسية ولا مجال للحديث عن التربية الجنسية قبل هذا التاريخ.
س: التربية الجنسية ترتبط أساسا بإنتاج وتوريث
بعض القيم, ما هي طبيعة هذه القيم وما هو تحديدها أيضا؟
ج:
إن ما يمكن أن يضاف الى الركام البيوطبي في الحديث عن التربية
الجنسية هو الجانب القيمي لأنه لا يمكن تصور تربية جنسية دون قيم.
ويمكن تلخيص القيم المصاحبة للتربية الجنسية في ما يسميه
الفرنسيون Permissivite PPP (إباحة)
Pillule (قرص مانع للحمل)
Prevention (وقاية من الأمراض القابلة للإتصال الجنسي),
فلتنتبه معي هنا, فنحن في
ال P الأول لايمكن أن نترجمه
بالإباحية, ولكن بالإباحة لأن
هناك فرق بين الإباحة وبين الإباحية,
لأننا حين نتكلم عن التربية الجنسية لانؤمن بالممنوع ولا نؤمن
بالمحرم لأن الجنس يدرك بشكل طبيعي منذ سؤال الطفل الأول,
فحين يضع الطفل السؤال الأول يجب أن نجيب عنه بكل صراحة وبكل
بساطة, ولا يجب أن نحول الجنس الى
طابو فحين يكتشف الطفل عضوه الجنسي لا يجب تحويل هذا العضو الى شيء
ممنوع ينبغي إخفاؤه والتعامل معه بحذر,
فمنذ الأول يجب تبني الإباحة بالمعنى الإيجابي أي قبول الجنس
كلغة وتواصل بين الطفل والأم وبين الطفل والمجتمع بشكل عام.
ونقبل الجنس كأعضاء طبيعية لها حاجيات طبيعية وتقوم بوظائف
طبيعية, فبهذا المعنى يجب أن نفهم
التربية الجنسية كإباحة, أي قبول
الجنس كلغة وأعضاء, وفيما بعد
كعلاقة, أي كلما حصل اتفاق بين
ذكر وأنثى, وقد توصلت المجتمعات
الغربية الآن الى القول: كلما حصل
الاتفاق بين الراشدين, ولا يهم أن
يكون من جنسين مختلفين, أي كلما
نضجت الرغبة الجنسية فيزيولوجيا,
بين مراهقين, فلا يمكن أن نرفض
تلك الرغبة, بل يجب أن نقبلها دون
التنديد بها, ودون قمعها ودون
النظر إليها كخطر.
لكن
حينما نقول الإباحة فنحن لا نقول الإباحية,
لأن الإباحية مذهب عام يرى أن كل شيء مباح,
بل يكون هناك تشجيع للمواطنين في اتجاه الاستهلاك الجنسي,
ولا نجد هذا التشجيع في الإباحة,
لأن الإباحة تعني فقط الموقف الإيجابي من الجنس دون تحفيز
وتشجيع للإختلاط العام الذي تتميز به الإباحية,
ففي الإباحة يظل سؤال من يجامع من قائما على عكس الإباحية.
فالتربية الجنسية, إذن تقوم على
الإباحة أي القبول بالجنس كلغة وأعضاء وعلاقة تقوم على الحد من النسل.
وهذا شيء لم نضبطه ولم نتمكن منه إلا في الخمسينات خاصة عندما
تم اكتشاف القرص المانع للحمل,
ولهذا لايمكن الحديث عن التربية الجنسية بشكل دقيق في الفترة ما قبل
الخمسينات, لأن التربية الجنسية
تقضي بالفصل التام بين الجنس والإنجاب,
وهذا مهم فنحن لم نتمكن من أحداث هذا الفعل إلا في الخمسينات.
وتبقى
في المستوى الثالث, من قيم
التربية الجنسية, مسألة الوقاية
من الأمراض القابلة للانتقال عبر الاتصال الجنسي,
وهذا شيء لم نتمكن منه إلا في مطلع هذا القرن وبالضبط حينما تك
اكتشاف أن البينيسلين تقضي على مرض الزهري.
فهناك
إذن بعض الأسس المادية للتربية الجنسية,
التي لم تتحقق إلا أواخر القرن 18
ولم تكتمل إلا في الخمسينات,
وبهذا لا يجوز الكلام عن تربية جنسية قبل القرن
18 ولكي ألخص أقول إن التربية
الجنسية تشتمل على الجانب البيوطبي,
والجانب القيمي الذي يعني أساسا المساواة التامة بين الجنسين
وعدم إخضاع الجنس الى الزواج,
والإنجاب الذي يعني أساسا المساواة التامة بين الجنسين وعدم إخضاع
الجنس الى الزواج والإنجاب.
س: تحدثتم عن مفارقة التربية الجنسية. لكن كيف
تنظرون الى حديث التربية الجنسية في المغرب وفي البلاد العربية
الإسلامية عامة؟ ما هو راهن حديث التربية الجنسية وما هي آفاقه كذلك؟
ج:
في المغرب يمكن أن نتكلم عن مفارقة كبيرة وضخمة,
إنها مفارقة بين الواقع وبين الفكر فمن جهة نجد الواقع متقدما
على المستوى الجنسي, لأن هناك
ممارسات جنسية مفتوحة ومتنوعة ومتقدمة الى حد كبير,
ولهذا أسباب لا يسمح المجال بشرحها,
ومن جهة أخرى لازلنا على صعيد الفكر نتحفظ بصدد المفاهيم
الجنسية ومفاهيم التربية الجنسية.
فالواقع إذن سابق عن الفكر الجنسي (الذي
نقصد به, ليس الفكر الشعبي فقط,
ولكن الفكر النخبوي الذي يشكل لحظة تأمل في قضايا المجتمع)
ولازال هذا الفكر متخلف أمام مفهوم التربية الجنسية,
في حين يعرف الواقع انفتاحا ولبرلة على الصعيد الجنسي.
إن طرح
سؤال التربية الجنسية في المغرب يخيف الآباء والمربين والمعالجين
والمقررين السياسيين, لأن طرح
سؤال التربية الجنسية, يدفع الى
تفعيل جدال كبير حيث يقدم كل واحد تعريفه ويرسم كل واحد حدوده وليس
هناك اتفاق حول مضمون التربية الجنسية,
ولا وجود لاتفاق حول المستهدفين من التربية الجنسية,
ولا وجود لتصور موحد حول غايات هذه التربية,
فهناك حيرة فكرية ونظرية لدى صانع القرار ولدى المربي إلا أن
الملاحظ هو أن هذه الحيرة الفكرية في تحديد هوية التربية الجنسية لا
توازى بحيرة على صعيد الممارسة الواقعية.
لأننا نجد انفتاحا مهما على مستوى ممارسة الأفراد إلا أن الحديث
عن الانفتاح يطرح سؤالا أساسيا هو:
كيف تمت لبرلة العلاقات الجنسية في المغرب,
مع العلم أن العلاقة التربوية علاقة محدودة تخضع لضوابط لاتسمح
بتكوين رؤية إيجابية حول الجنس؟ إنها مفارقة جوهرية لأن المؤسسات
المربية متخلفة على الصعيد الجنسي لأنها لا تبلغ رسالة تربوية جنسية,
ومن جهة هناك ممارسات مفتوحة جدا!
فما أود أن أقوله بهذا الصدد هو أننا حين نواجه سؤال التربية
الجنسية في المغرب, فإننا نواجه
مفهوما شاملا يمكن التميز فيه بين ثلاثة حقول هي:
أولا:
الحقل الإيروسي وهو الحقل الذي يتبادر إلى الذهن في الوهلة
الأولى أي حقل المتعة وحقل الآليات وحقل تغيير الأوضاع وحقل اللذة...
الخ.
ثانيا:
الحقل الإنجابي لأنه لا ينبغي أن ننسى أن الحقل الإنجابي حقل
مؤسس هام في التربية الجنسية, فهو
الحقل الذي يعرف الإنسان على آليات منع الحمل و التربية الجنسية تتضمن
هذه الرسالة, أي كيف تمارس الجنس
دون أن يؤدي ذلك الى حمل غير مرغوب فيه,
فالتربية الجنسية تعلم الفرد كيف يتجنب الحمل,
لأن الحمل يجب أن يكون قرار واختيارا.
ثالثا:
الحقل الوقائي من الأمراض القابلة لٌلانتقال جنسيا,
أي أنه كل رسالة في التربية الجنسية التي تعرف بالأمراض التي
تنتج عن العلاقة الجنسية لأن معرفة هذه الأمراض تشكل جانبا أساسيا في
التربية الجنسية.
فالإنسان الذي ليس له إلمام بتقنيات المتعة الجنسية,
والإنسان الذي ليس له معرفة بتقنيات تجنب الحمل غير المرغوب فيه,
والإنسان الذي ليس له إلمام بالأمراض الجنسية وبكيفية الوقاية
منها ليس له تربية جنسية.
والإنسان الذي لا يعرف إلا التقنيات يمكن أن نقول عنه إنه تعلم جنسيا,
أي انسان تقني, لكنه غير
عارف بالتربية الجنسية, إذا لم
يكن ملما بتقنيات تجنب الحمل والوقاية من الأمراض,
وغير عارف بالقيم, لأن هذا
يجعله يرغم الآخر على العلاقة الجنسية.
فعدم الإقرار بالتسوية الجنسية وتوظيف فكرة الزواج كوسيلة للجنس
من بين المؤشرات على غياب التربية الجنسية لدى الفرد.
إنها بعض المؤشرات التي تبين غياب التربية الجنسية في المجتمع,
وتبين غياب سياسة دولاتية واضحة في هذا الإطار.
فآداب
النكاح بالمجتمع, وعلم الباه
والتقاليد التنشئوية في المجتمع منذ القديم رهن إشارة الرجل ومن الصعب
هنا أن نتحدث عن سياسة مندمجة,
لأن هذه المسائل تعتبر في خانة الخاص والحميمي في المجتمع,
وليس للدولة أن تتدخل في تدبيرها,
إننا نجد أنه منذ العشرينات بدأت تظهر ارهاصات سياسة جنسية مع
الفرنسيين وكانت هذه السياسة ترتكز بالضبط على التربية الجنسية,
لكن هذا كان من اجل هدف واحد هو مقاومة أمراض الزهري.
فحين دخلت فرنسا الى المغرب وجدت الزهري مستفحلا بشكل كبير,
وكان المغاربة يعالجون ذلك ببعض العلاجات النباتية أو بالذهاب
الى حامات مولاي يعقوب. وقد سعى
الفرنسيون الى إقامة مواخير خاصة للعمل الجنسي,
ليس من أجل تشجيع العمل الجنسي,
ولكن من اجل مراقبة العاملات الجنسيات طبيا.
لأن العمل الجنسي كان يعتبر الناقل الأساسي لأمراض الزهري.
وكانت الإحاطة بالزهري تتطلب تشخيص العاملين الجنسيين الناقلين
لهذا المرض, وتسييجهم في منطقة
خاصة من أجل متابعتهم ومعالجتهم,
وقد وجهت الدولة المغربية الحديثة تحت الحماية رسالة تربوية جنسية
وقائية, لتحسيس المواطن المغربي
بخطر داء الزهري قصد تجنب هذا الداء,
إلا أن هذه التربية لم تنجح لأنها كانت مرتبطة بالاستعمار وكان
هذا الأخير قد توطد في المغرب بفضل التطبيب الاستعماري الذي وإن كان
يهدف الى غايات إنسانية نبيلة,
فقد كان يخدم الاستعمار أولا وحين نرفض الاستعمار فإننا نرفض تطبيبه
أيضا, وهذا ما جعل الرسالة
الوقائية تفشل.
لكننا
نجد الدولة المغربية الناشئة ومنذ الاستقلال تتوجه نحو تربية انجابية,
من أجل تعليم المغاربة تنظيم نسلهم والتقليل من إنجابيتهم.
ومنظور التربية السكانية لازال مستمرا الى الآن,
لكن إلى جانبه رجع منذ أواخر الثمانينات وبداية التسعينات,
منظور التربية الجنسية الوقائية من جديد للساحة,
ليس لأن الأمراض الجنسية ظهرت فجأة,
ولكن لأن هناك ظهور لمرض السيدا بالمغرب,
فقد جعل ظهور هذا المرض بالمغرب سنة
1986, المسؤولين ينتبهون الى
انتشار الأمراض الأخرى بكثرة مرعبة,
ونجد الآن أن هناك سياسة جنسية,
تحاول تبليغ رسالة جنسية الى المواطن المغربي,
قصد توعيته بالأمراض القابلة للانتقال الجنسي,
وبخطورتها.
ومن
جهة اخرى نجد هناك تصاعدا لنسبة وفيات الأمهات نتيجة الحمل والولادة,
وهذه الظاهرة تهم النساء المتزوجات أصلا,
كما تهم الفتيات العازبات,
والأمهات العازبات, فالفتاة التي
تحمل دون إرادتها تضطر الى الإجهاض,
والإجهاض هو من بين الأسباب الخمسة المؤدية الى وفاة الأمهات
والتي هي عسر الولادة والنزيف الدموي والإصابة بالجرثومة,
فالإجهاض يحتل رتبة وراء هذه الأسباب المؤدية الى وفاة الأمهات.
وإذا أردنا أن نتجنب الإجهاض,
والحمل غير المرغوب فيه,
ووفيات الأمهات والأمراض القابلة للانتقال الجنسي علينا بالتربية
الجنسية.
إن
المسؤولين اليوم بدأوا يعون أهمية التربية الجنسية,
وهم الآن يطلبون دراسات حول التربية الجنسية في المغرب,
أي كيف ينظر المغربي للتربية الجنسية؟ وكيف ينظر المعالج
والمربي والأب الى التربية الجنسية,
فما ينبغي أن نشير إليه هو أن عودة مفهوم التربية الجنسية الى
الساحة منذ بداية التسعينات يرجع كذلك الى مؤتمر السكان الذي نظم
بالقاهرة سنة 1994. فقد أفرز هذا
المؤتمر مفهومين مهمين هما مفهوم «الصحة
الإنجابية» ومفهوم
« الصحة الجنسية
» وحينما نتحدث عن الصحة
الإنجابية فنحن نتحدث عن الجنس دون أمراض,
ولا مجال لأمومة سليمة ولجنس دون أمراض في غياب التربية الجنسية,
ولهذا نجد أنفسنا بحاجة الى رد الاعتبار لهذا المفهوم,
وإلى قبوله والتعامل معه,
لكننا حين نضطر الى قبوله والتعامل معه فإننا يجب أن نتعامل مع قيمه
المساواتية بين الجنسين, وقيمه
الإيجابية أي إباحة الجنس وقبوله.
إلا أن
ما يلاحظ هو أن التعامل مع التربية الجنسية يظل خجولا,
لأننا نجد تمريره في برامج مدرسية مثل التربية النسوية التي
تسمى الآن « التربية الأسرية
»أو مفهوم التربية السكانية,
وهنا لا نجد تسمية الشيء باسمه الحقيقي,
أي هناك مراوغة لهذا المفهوم يقوم بها صانع القرار لأن الفكر لا
يزال متخلفا بالرغم من تفتح الواقع.
س: ألا
ترون أن استحضار حديث التربية الجنسية يتم من خلال بعض مستوياته فقط
لأنه حتى وإن تم استحضار التربية الجنسية من أجل غايات وقائية وإنجابية
فإنه يتم تغييب سؤال أساسي يتعلق بالثقافة الجنسية,
أي أن المجتمع لا يفعل حديث الثقافة الجنسية من أجل غايات لذية
إيروسية كمعرفة الجسد والافتتان به والبحث عن منابع المتعة فيه,
والبحث عن تحقيق الأورغاسم خاصة بالنسبة للمرأة؟
ج:
بالفعل وهذا ما كنت أود التطرق إليه,
في الأخير, وسأفعل,
لكن قبل ذلك يمكن أن نمهد بالقول إن مفهوم التربية الجنسية الذي
يفرض نفسه يحدث إزعاجا بالنسبة للكبار والأطباء والمربين,
ونحن نجد معسكرين في ما يخص مسألة التربية الجنسية,
هناك معسكر يقول لا مجال للمراوغة لأن الشباب الآن يعرف كل شيء
ولا يمكن أن نستمر في الإخفاء,
فهناك الأمراض التي تحتاج الى مواجهة,
وهناك العمل الجنسي الذي يحتاج الى نفس الأهداف دون مراوغة,
وهناك معسكر آخر متردد ومحافظ لازال يناقش مفهوم التربية
الجنسية كإيديولوجيا, ويقول إن
التربية الجنسية ليست وجبة جاهزة بل علينا أن نعرفها انطلاقا من
خصوصياتنا, وحين يتم التساؤل عن
السن الذي يجب أن نبدأ معه هذه التربية نجد مفارقات كثيرة جدا,
لأنه لا وجود لا تفاق حول سن البداية,
وقد قلت لك في بداية هذا الحوار إن المسألة يجب أن تبدأ متذ
السؤال الأول للطفل في الموضوع,
أي منذ الاكتشاف الأولي للأعضاء الجنسية,
فالخطير هو انه لازال هناك في أواخر القرن العشرين,
أطباء ومثقفون وصانعو قرار لازالوا يتحدثون عن سن التربية
الجنسية ويرون أنه لا يجب أن نبدأها منذ أول السؤال,
أو منذ أول اكتشاف للأعضاء التناسلية,
هذا مع العلم أن معظم الدراسات تجمع على أن التربية الجنسية
بمفهومها الحديث تلعب دورا حاسما في تأخير سن بداية النشاط الجنسي,
ذلك أن المراهق العالم بأخطار الجنس
(الحمل غير المرغوب فيه والأمراض)
يعرف أول تجربة جنسية في سن أعلى من سن المراهق الذي يعرف تلك
الأخطار, فالتربية الجنسية تؤجل
بداية النشاط الجنسي الى حين توفر ضمانات دنيا,
وإضافة الى هذا هناك سؤال آخر أكثر إزعاجا وهو الى من نتوجه
بهذه التربية الجنسية, هل الى
الفتيات أم الى الفتيان؟ وفي هذا الإطار نجد العديد من المثقفين والذين
لهم شواهد عليها ينصحون بعدم توجيه التربية الجنسية الى الفتيات,
لأنه هنا يتم اختزال التربية الجنسية في جانبها التقنوي,
لأن هذه الثقافة تساعد حسب أصحاب هذا الرأي على اللذة وعلى
اكتشافها, فالجميع يتنصل من
المسؤولية, فالأب يقول أنا لا
أستطيع أن أقوم بذلك, لأنه شكل من
أشكال السلطة في رأيه, وهذا يؤكد
أن هناك ربط عندنا بين السلطة وعدم الحديث عن الجنس,
فالأب يبني سلطته على كبت جنسانية أطفاله وعلى كبت التواصل
اللغوي مع أطفاله بصدد هذا الموضوع,
إن السلطة تبنى على كبت الجنس كممارسة وكتواصل بين الأجيال,
فالأب يقول إنه لا يستطيع القيام بهذه المهمة وأن ذلك من مهام
الأم, وبهذا تصبح التربية الجنسية
مسألة ثانيوة وخاصة ومحتشمة توجد فقط في المنزل,
أي أننا نخلع عنها صفة الضرورة العمومية.
فحينما
نربطها بالمنزل وبالأم, فإننا لا
نستحضرها كضرورة عمومية, والأم
بدورها وكما نعرفها في المغرب,
لاتستطيع أن تقوم بمهمة التربية الجنسية,
والمربون والأساتذة أنفسهم يخجلون من هذا الأمر,
فهناك لجان طبية تذهب الى بعض الثانويات قصد تحسيس التلاميذ
بالأمراض الجنسية, إلا أن الكثير
من الأساتذة يخرجون أثناء إلقاء الطبيب لعرضه بمبرر أن الأستاذ لا يقدر
على مواجهة تلامذته بعد حصة الطبيب,
بل إن الطبيب نفسه ينزعج من هذا العرض,
لكن الأستاذ أكثر انزعاجا منه.
فكيف يمكن للتلميذ المراهق,
في ظل هذا الوضع, أن يكون
رؤية إيجابية بصدد الجنس وبصدد حديثه,
خاصة أنه يرى أستاذه يحمر وجهه ويغادر القاعة,
ويبني سلطته أيضا على قمع الجنس لغة وممارسة.
إن المربين (الآباء
والمدرسون والأمهات ) في حاجة الى
تربية وإعادة تربية, فالمعالجون
أنفسهم يقولون « نحن تقنيون فقط,
أي يمكن أن نتكلم على جانب الأمراض الجنسية,
أما باقي الجوانب فتتجاوزنا,
وبهذا يرفضون الخوض في هذا الجانب مع مرضاهم هذا مع العلم أن
المريض يأتي الى الطبيب وهو مهيأ لتقبل رسالة الطبيب التحسيسية,
إلا أن الطبيب يقول إنه ليس لديه وقت,
ولهذا فهو يكتفي بكتابة وصفة لحل المشكل القائم,
أما ما تبقى فلا يهمه,
فالكل إذن يعترف بأهمية هذه الرسالة,
لكن لا أحد يقوم بواجبه وبمسؤوليته من أجل إيصالها وتعميمها,
وحتى قنوات الإعلام بدورها تنقسم الى قسمين,
فهناك من يرى أن هناك إباحية على صعيد الإعلام,
لأن البارابول يمكن من التقاط قنوات أجنبية,
ولا يمكن مع هذا تشذيب القناة الخاصة وتحصين الذات في عهد
القرية العالمية. وهناك من جهة
أخرى من يقول بالخصوصية الإسلامية,
فيدعو الى ضرورة الاحتفاظ بنوع من الرقابة والصرامة....
الخ.
س: الدكتور الديالمي التربية الجنسية هل هي قضية
مؤسسات مجتمعية أم قضية الجهاز الدولاتي, أم هي قضية فكرية يجب ان تبدأ
أولا بتغيير العقليات وتجديدها عن طريق تكريس ثقافة أخرى مضادة؟
ج:
إن المسألة مرتبطة بصانع القرار السياسي أي ما دام واضع البرامج
التربوية نفسه ليس مقتنعا بالتربية الجنسية,
كيف يمكن أن ننتظر من الإنسان العادي أن يتبنى هذا المنظور,
فما هو مؤكد هو أن التربية الجنسية حاضرة كمفهوم بقوة,
والكل مقتنع بأنها وسيلة لحل مشاكل كثيرة,
ولكن المسؤول لا يستطيع مواجهتها بشجاعة,
كما لا يستطيع تحويلها الى برامج عملية,
والمجال الذي نجحت فيه التربية الجنسية في المغرب هو
« مجال الإنجاب
»لأننا تمكنا من ضبط الإنجاب,
كما تمكنا من تبليغ المواطن المغربي أهمية اعتماد وسائل منع
الحمل غير المرغوب فيه, وهذا شيء
إيجابي, وهذه الرسالة لم تصل فقط
الى الأزواج بل وصلت أيضا الى الشباب العازبين وغير المتزوجين.
فقد استوعب الشاب والشابة قيمة وسائل منع الحمل ويستعملانها
الآن في علاقتهما وهذا يؤكد أن التربية الجنسية قد نجحت في هذا الجانب,
وبإمكاننا الآن أن نقول إن المغرب قد دخل عهد الفصل بين الإنجاب
والجنس.
أما
على صعيد الحقل الوقائي فلا زال هناك خجل كبير,
وهناك إصابات عديدة وكبيرة,
يتم تسجيلها في ما يخص أمراض السيلان,
والزهري والقرحة... الخ.
فهذه أمراض تتكاثر بشكل مخيف وهي من بين العوامل المشجعة على
الإصابة بالسيدا, إلا أن الرسال
التربوية محتشمة في هذا المجال,
ولا زال توجيه رسالة تربوية جنسية صريحة يواجه مقاومة من طرف رجال
الدين, لأن رجل الدين يرى أننا
إذا قلنا للشاب أن يستعمل الغشاء الواقي,
فنحن نشجعه على الزنا,
والفقيه يفضل أن يصاب الشاب بمرض على أن يزني,
بل يقول إنه من الأحسن أن يقترن الجنس بالمرض حتى نتجنب الزنا,
وأكثر من هذا, فالفقيه
المعاصر يرى أن السيدا دليل جديد ومعاصر على وجود الله,
لأن السيدا في منظوره عقاب إلاهي يسلطه الله سبحانه وتعالى على
أمة زاغت عن الطريق, وهذا الطرح
الفقهي اللاهوتي سبق أن عرفته الإنسانية مع ظهور مرض الزهري الذي استمر
لقرون طويلة جدا, وقد طرح
المسيحيون هذا الرأي نفسه, وقالوا
إن الزهري يؤشر على عقاب إلاهي لكن حينما نكتشق العقار أو اللقاح فإن
الطرح ينهار.
إن
الفقيه له دوره هنا, وفي كتابي
المقبل أطرح نقاشي مع فقهاء من فاس,
حيث سبق لي أن قلت لهم ما الأحسن في رأيهم,
هل أن يزني الشاب بغشاء ويقي نفسه ويقي المجتمع,
أم أن يزني بدون غشاء ويصيب المجتمع,
وبالنسبة لهم فلا فرق بين الأمرين,
لأن الزنا حرام سواء بالغشاء أو بدونه,
فالقول الفقهي ينتهي هنا,
وبهذا يرفض مواجهة الواقع.
فأنا
أتعجب لأن كل العلوم تتطور وكل المهن تتطور وتقبل التطور التاريخي,
إلا مهنة الفقيه فتتشبث بهوية لا تعرف الإنصات الى طلبات الواقع,
وهذا الموقف ينفر الشباب من الإسلام,
لأنه يرى فيه شيئا يمنعه من تحقيق المتعة,
وأنا أتساءل هل الزنا تخرج المسلم من الإسلام,
وجوابا على هذا السؤال أقول لا,
فقد وقع جدال حول الزنا وقد اعتبرها الخوارج,
كخروج من الإسلام,
وبالنسبة للمرجئة يجب أن ننتظر,
وبالنسبة للمعتزلة, الزاني في
منزلة بين المنزلتين, أي إن
الجدال الفقهي والمذهبي في الإسلام طرح الإشكال,
لكن ليس من المسلم به أن الذي يزني يخرج عن الإسلام,
لأن الإسلام لا يتحدد بالمعاملات,
ولا يتحدد بالسلوكات,
فإسلام المؤمن وإسلام الأمة يتحدد بالعقيدة أولا,
أما العبادات فلا تحدد إسلام المسلم,
وبإمكان المسلم ان يكون مسلما دون أن يكون متعبدا وممارسا
للعبادات, كما بإمكانه أن يكون
مسلما ولو أنه زاني.
إننا
بحاجة الى توظيف هذه المسألة في سياسة التربية الجنسة,
ويجب أن ندمج الفقيه في هذا الفعل التربوي,
خاصة أن المعرفة الجنسية عندنا ناقصة,
ومشوشة لأن بها عناصر غيبية وطقسية كالقول بالبرد الذي يدل على
السكوت على المصدر الجنسي للمرض.
هناك
إذن لا وعي تام للأمراض, وفي
حالات أخرى نجد وعيا بها وبخطورتها دون ممارسة للوقاية,
وفي حالات قليلة نجد وعيا مطبقا للوقاية,
أما بالنسبة للحقل الإيروسي فهو الحقل المغيب بالتمام في المغرب,
فإلى حد الآن نجحنا في تكوين المغربي الضابط لجنسياته حيث أصبح
يتجنب الوقوع في الحمل اللامرغوب فيه,
وبالنسبة للحقل الوقائي هناك تذبذب,
أما بالنسبة للحقل الإيروسي فهو حقل مهم والشاب المغربي لا
يتلقى أية رسالة من مؤسسة تربوية تبين له كيف يمارس الجنس,
وكيف يحقق هذه الرغبة بشكل طبيعي في علاقة طبيعية دون الشعور
بالذنب, ودون البحث عن حيل
...الخ.
هناك إذن فراغ تام في هذا الجانب,
وغالبا ما يملأ هذا الفراغ بفضل القنوات الدولية,
لأن هناك استهلاكا كبيرا للأفلام الإيروسية والبورنوغرافية,
وهذا الاستهلاك لا يدل أبدا على شذوذ في تقديري الشخصي,
بقدر ما يدل على أن هناك حاجة غير ملباة,
حاجة معرفية أولا, لأن
الشاب لايعرف كيف يمارس الجنس,
ولا أحد ينصت الى هذا السؤال ويجيب عليه,
في الوقت الذي نجد فيه الشاب والشابة في حاجة الى هذا الجواب,
وهذه الحاجة تدفعنا الى مشاهدة هذه الأفلام التي تقوم بوظيفة
بيداغوجية, أي أنها تربي على
ممارسة الجنس وقد صرحت مجموعة من الفتيات في الأبحاث التي أقوم بها,
أن الأفلام البورنوغرافية تعلمهمن كيف يمارسن الجنس,
وكيف ينبغي أن تتعاملن مع الزوج أثناء الحياة الزوجية,
لأنه لا يعقل أن يصل الزوج أو الزوجة الى سن الزواج دون أن
يعرفا أي شيء عن الجنس, فالمعرفة
الجنسية كتقنية نجده الشاب في هذه الأفلام البورنوغرافية الإيروسية.
وهذه
الأفلام سيئة كعمل فني وكرسالة تربوية لكنها تشاهد كتعليم تقني,
أي دون القيم النبيلة التي ينبغي أن تصاحب الجنس.
والخطير في هذا كله هو أن ربط الجنس بالزواج أصبح مستحيلا خصوصا
في الفترة الراهنة حيث هناك بطالة الشباب الذي ليس له عمل وليس له أجر
وليس له قدرة على الانفاق, لكن له
القدرة على الجماع, فكيف سيفعل
هذا الشاب؟ هل سيصوم؟ وكم سنة سيصوم؟ وهل يعقل أن نطلب من الشاب
المراهق أن يصوم جنسيا منذ سن البلوغ إلى أن يتزوج في سن الثلاثين,
في الوقت الذي يعيش فيه في مدن مليئة بالجنس والفتنة والإثارة
والإغراء؟
لهذا
أعتقد أن الجنس كحاجة وجودية وكحاجة معرفية لا تجد انصاتا هنا في هذا
المجتمع, من لدن المؤسسات لأن هذه
المؤسسات وبالرغم من حداثتها,
تخاف الفقهاء وتجد نفسها أسيرة اسلام رسمي ومن هنا أدعو الإسلام الرسمي
إلى الانفتاح وإلى الاجتهاد لصالح الأمة,
أي يجب تجاوز النصوص وتجاوز الأجوبة الجاهزة من أجل الإنصات الى
الشباب ومن أجل تقريب الشباب من الإسلام,
ليس الإسلام الكابت القمعي الذي يقول بالصوم,
لكن الإسلام الذي يلاحظ الواقع ويقبله ويتكيف معه.
س: الأساسي
إذن هو استدعاء الوعي الاستعجالي الذي يتطلب التصالح مع الرغبات
الذاتية للأفراد, داخل المجتمع
والتصالح كذلك مع قضايا التربية الجنسة والثقافة الجنسية.؟
ج:
بالفعل لا يكفي أن يقول الفقيه إن الإسلام يبيح الجنس لأن
الإسلام يبيح الجنس في إطار النكاح والزواج,
أو في إطار علاقة ما ملكت الأيمان,
ولكننا نجد اليوم أن العلاقة العمومية قد اندثرت ولا مجال لشراء
الجارية والزواج أصبح شيئا مستحيلا للشباب والشابة العاطلين,
فكيف يمكن أن نقول إن الإسلام يبيح الجنس,
ونحن نعلم أن الإطار المسموح به لم يعد في المتناول,
فالقبول بالقول, إن
الإسلام يبيح الجنس يجب أن يربط بالقول أن الإسلام يقبل الجنس خارج
الزواج بالنظر الى الظروف الحالية.
إنها
نازلة تدفعنا الى تعليق النص والاجتهاد وهنا فقط يمكن أن نصالح بين
الجنس وبين الإسلام دون وساطة الزواج. |