Une fulguration s’est produite, qui portera le nom de Deleuze. Une
nouvelle pensée est possible. Elle est là, dans les textes de Deleuze,
bondissante, dansante, devant nous, parmis nous...Un jour le siècle
sera delezien.
M.Foucault.
" إشراقة
فكرية تحمل اسم دولوز، إمكانية فكر جديد في نصوص دولوز.. فكر منتصب، راقص
أمامنا وبيننا، ذات يوم سيصبح القرن دولوزيّاً."
ميشال فوكو.
.« Le plus
profond, c’est la peau... »
Valéry.
يقول فاليري:»الجلد
هو الأكثر عمقا»؛ أعمق ما في الإنسان هو سطح جلده. هذه العبارة، التي يرى
جيل دولوز بأنها يجب أن تُعَلَّقَ على أبواب كل أطباء الأمراض الجلدية
لفرط أهميتها وروعتعا. والفلسفة هي بدورها نوع من الدِّرْمَاطُولُوجِيا
العامة Dermatologie générale مهمتها في نظره هي الأهتمام بالسطوح.
كون الفلسفة
درماطولوجية عامة واهتماما بالسطوح يعني انخراطها في التجارب الحياتية
وليس الإنصراف إلى المجردات والمبادئ والعموميات، يعلق دولوز على هذه
العبارة: Le plus profond, c’est la peau قائلا:
Oui, c’est
une très belle formule. Les dermatologues devraient l’inscrire sur
leur
porte. La philosophie comme dermatologie générale ou art des
surfaces...
يقدم جيل
دولوز مشروع نتشة الفلسفي عامة على أنه: إدخال مفهومي المعنى والقيمة إلى
الفلسفة
« Le projet
le plus général de Nietzsche consiste en ceci: introduire en
philosophie les concepts de sens et de valeur. » [1]
ويشكل
إنتاج المعاني والقِيَّم المنسوبة إلى حياة الأفراد والشعوب مسألة
أساسية، ذلك أن إنتاج المعنى ليس عرضيا بل هو جوهر الحياة ونمط الوجود
نفسه. ولِكُلٍّ المعتقدات والقيم والأفكار التي يستحق.
« Nous avons
toujours les croyances, les sentiments, les pensées que nous méritons
en fonction de notre manière d’être ou de notre style de vie »[2].
فالمعاني
والأفكار والتقييمات مرتبطة بطرق الوجود وأساليب الحياة، فهي ليست صدفة
أو هبة، بل إنها تُكتسب بالإستحقاق. فكما أنه لابد للشَّعْب من جنود
ينتجون الأمن والسلام وجنود ينتجون المأكل والمسكن.. فلا بد له أيضا من
جنود ينتجون المعنى والقيمة والفكرة.
» لن نجد
أبدا معنى شئ ما (ظاهرة إنسانية، أو بيولوجية، أو حتى فيزيائية) إذا لم
نكن نعرف ما هي القوة التي تتملَّك الشئ، أو تستولي عليه أو تعبر عن
نفسها فيه. فالظاهرة ليست مظهرا ولا حتى ظهورا، بل هي علامة، .. الفلسفة
بكاملها عِلْمُ أعراض Symptomatologie ونظرية عامة للعلامات «Sémiologie
[3].
لا وجود
للحياة خارج المعنى والقيمة التي نضفيهما عليها، والمعنى والقيمة هما
تسمية لقوة ما، إذا أخدنا مثلا مؤسسة تربوية أو جامِعِيَّة فإننا نجد
معاني وقيما كالعالي والسافل، والنبيل والخسِّيس، والمجتهد والكسول...
هذه المعاني والقيم قد يتمُّ إنتاجها انطلاقا من قوة إدارية تؤسس التصنيف
والتقويم والمعنى، أو انطلاقا من قوة علمية بيداغوجية تتكفل بإضفاء
المعنى والقيمة على الحياة الجامعية. فإما أن نُنتج المعنى والقيمة
والتصنيف، أو نعيش ضحية لمعاني وتصنيفات وقيم أجنبية، تأتي من قوة خارجية.
نفس الشئ
يمكن قوله على حياة الفرد أو المجتمع، فإنتاج المعنى والقيمة يرتكز
بالضرورة على قوة ما، و»كل قوة هي امتلاك كمية من الواقع، والسيطرة عليها
واستغلالها. وحتى الإدراك الحسي في وجوهه المتنوعة هو تعبير عن قوى تتملك
الطبيعة. وهذا يعني أن للطبيعة بذاتها تاريخا. وتاريخ شئ ما هو، عموما،
تعاقب القوى التي تصارع من أجل الإستلاء عليه. والموضوع ذاته، والظاهرة
ذاتها، يتبدل معناهما وفقا للقوة التي تستحود عليهما»[4].
إن كل
قوة هي في علاقة جوهرية بقوة أخرى. إذ لا يمكن تصور قوة مفردة منعزلة،
والقوة سَيْطَرَةٌ، لكنها أيضا الموضوع الذي يُسَيْطَرُ عليه، والفرق بين
المسيطِر والمسيطَر عليه أو الخاضع ليس هو أن الأول يمتلك قوة لا يمتلكها
الثاني، لكن الفرق يكمن في نوعية أو إرادة القوة VOLONTE DE PUISSANCE
إذ أن القوة: إرادة.
فبواسطة
الإرادة تصبح قوة ما مسيطرة، وكذلك بواسطة الإرادة تصبح قوة ما خاضعة،
إذن هناك نوعان من القوة: قوة تريد أن تُطَاعَ، وقوة تريد أن تُطٍيع.
انطلاقا من القوة إذن ننتج معاني وتقويمات تدعم الحياة وتخلق لها آفاقا
جديدة، وانطلاقا من القوة أيضا ننتج معاني وقيم تمجد الخضوع والإنبطاح
والمسكنة وصغارة النفس..
من هذا
الموقع فإن" الإنسان الأرقى" الذي دعا إليه نتشه ليس أسطورة عنصرية أو
عرقية. بل هو الإنسان الذي ينتج المعنى والقيمة ليس انطلاقا من إرادة
الخضوع، والمسكنة.. وليس من موقع إرادة السيطرة، بل من موقع القوى
الذاتية المتفتحة على الحياة المدَعِّمَة لها. أي يجب على المعنى والقيمة
أن لا يكونا ضد الحياة بل أن يجعلا من الحياة عُرْساً وفرحا.
إن إنتاج المعنى والقيمة ليس حكرا على الفلسفة، فالأخلاق والسياسة
والفنون والعلوم ...تنتج بدورها المعنى والقيمة. غير أن الفلسفة تنتج
المعنى والقيمة في صيغة مفاهيم. فالفلسفة "هي
فن تكوين وإبداع، وصُنع المفاهيم".
« La philosophie est l’art de former, d’inventer, de fabriquer des
concepts»[5].
إن كون
الفلسفة هي فن تشكيل وابتكار وصنع المفاهيم، يعني أن هناك ضرورة لذلك.
فالفلسفة ليست تأمُّلاً ((Contemplation، ولا تفكيرا ((Réflexion، ولا
تواصلا ((Communication، حتى وإن كان لها أن تعتقد تارة أنها هذا وتارة
أنها ذاك، الفلسفة هي: حُبُّ وعشق وصداقة: Philo-، الحكمة: Sophie إن
الأصل الإغريقي للكلمة يدل على ذلك (Philo - sophie). هذا النزوع العشقي
الذي تنطوي عليه الفلسفة يدفعنا للتفكير في المعشوق أو في الصديق والحبيب
الذي هو الحكمة، يتساءل جيل دولوز:
»ما معنى
الصديق حين يصبح شخصية مفهومية أو شرطا لممارسة الفكر؟ ألا يعني ذلك أن
الصديق سوف يُدْرِجُ حتى في الفكر، علاقةً حيوية مع الآخر الذي اعتقدنا
إقصاءه من الفكر الخالص؟ أوَ لا يتعلق الأمر بكائن آخر غير الصديق
والعاشق؟ لأنه إذا كان الفيلسوف هو صديق الحكمة أوعاشقها، أفليس ذلك
راجعا إلى كونه يدّعي هذا الأمر ببدل المجهود على مستوى القوة بدل
امتلاكها بالفعل؟ ألن يكون الصديق كذلك هو الراغب، والموضوع الذي تحصل
عليه الرغبة هو الذي سيقال عنه إنه الصديق، وليس الموضوع الثالث الذي قد
يغدو على العكس منافسا؟ ألا يمكن للصداقة أن تنطوي على حذر تنافسي مقابل
الند بقدر ما تنطوي على نزوع عشقي نحو موضوع الرغبة. [6]«
إننا نعلم
أن الصديق أو العشيق كراغب لا يقوم بدون غريم ولا نِدٍّ أومنافس
فِعْلِيٍّ أو مُفْتَرَض. يرصد جيل دولوز بسرعة أنداد ومنافسي الفيلسوف،
كالسفسطائي الذي يتنازع مع الفيلسوف على بقايا الحكيم القديم؛ لكن كيف
يمكن التمييز بين الصديق الحقيقي والمزيف، بين المفهوم وشَبَهُهُ
SIMULACRE وبين الـمُـتَظاهِر SIMULATEUR والصديق: ذاك هو مسرح كامل عند
أفلاطون، يسعى إلى تقديم المزيد من الشخصيات المفهومية مضيفا عليها قوى
تمثُّ ألى الهزلي والمأساوي.
La rivalité
culmine avec celle du philosophe et du sophiste, qui s’arrachent les
dépouilles du vieux sage, mais comment distinguer le faux amis du
vrais, et le concept du simulacre? Le simulateur et l’ami: c’est tout
un théâtre platonicien qui fait proliférer les personnages conceptuels
en les dotant des puissances du comique et du tragique.[7]
ثم تلتقي
الفلسفة بغريم آخر، ومنافسين جدد، كالعلوم الإنسانية، وعلى الأخص
السسيولوجيا. ثم جاء دور الابستمولوجيا واللسانيات، بل حتى التحليل
النفسي - والتحليل المنطقي. وهكذا راح يواجه الفيلسوف، من تجربة إلى
أخرى، منافسين وأنداد، »حتى أن أفلاطون نفسه لم يكن ليتصوَّرهم في أشد
لحظاته هَزْلاً. وقد بلغ العار مداه أخيرا حينما استحوذت المعلومياتية
والتسويق التجاري وفن التصميم والدعاية، وكل المعارف الخاصة بالتواصل،
على لفظة المفهوم ذاتها وقالت: هذه من مهمتنا، نحن الخلاَّقين، إنما نحن
منتجو المفاهيم! نحن وحدنا أصدقاء المفهوم، نجعله داخل حاسوباتنا. .« ما
هي الفلسفة، ص.
.35
ـــــــــــــــــــــــــ
[1]
Gilles deleuze, Nietzsche et la philosophie, ed. P. U. F. 5em Edition
1977, p. 1.
[2]
Ibid., p. 2.
[3]
جيل دولوز، نيتشه والفلسفة، ترجمة، أسامة الحاج، المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى،1993.
[4]
نفس المرجع، ص.8 .
[5]
G. D., QU’EST-CE QUE LA PHILOSOPHIE?, Ed. De Minuit. 1991.
[6]
جيل دولوز/ فيليكس غتاري، ما هي الفلسفة، ترجمة، مطاع صفدي، مركز الإنماء
القومي/ المركز الثقافي العربي، . 1997 ص. .29
[7]
G. D., QU’EST-CE QUE LA
PHILOSOPHIE?, Ed. De Minuit. 1991. P. 15.
|