جلبير غرانغيـوم

المواجهة باللغـات

ةترجمة: محمد أسليـم


 

في الأزمة التي تجتازها الجزائر، وفي الطريقة التي يُطرحُ بها المدّ الإسلامي، تكتسي المسألة اللغوية أهمية كبرى باعتبارها كشافا ورهانا في الوضعية في آن واحد. من الهام أن نشدد حالا، وبشكل مفارق، على أنه مثلما ليست مسألة الإسلام قضية دينية فحسب كذلك ليست قضية اللغات مشكلة لغوية فقط. ونود عبر التأملات التالية أن ندرج هذه المسألة ضمن تساؤل أوسع، نطرحه هنا انطلاقا من الجزائر، ويتمحور حول عالم الدلالات الذي ينخرط فيه هذا البلد.

بعدما صارت الجزائر بلدا مستقلا سنة 1962، وتشكلت جمهورية ديمقراطية على النموذج الاشتراكي، كان هذا البلد أوَّلا واحدا من صور البارزة للعالم الثالث، قارنا التنمية بتأكيد شخصية عربية. مدعوما بموارد بترولية وافرة، أراد بناء صورة مجتمع اشتراكي نموذجي، مؤسس على ثلاث ثورات: فلاحية، صناعية وثقافية. ثم، ابتداء من سنوات 1980، تجلت النتيجة بوضوح: في الاقتصاد بواسطة أزمة البترول، في المجتمع بفشل التنمية، في الحياة الثقافية بالـتورط في سياسة لغوية للتعريب. تطور تبرؤ شمولي تجاه النظام الأحادي، سرعان ما ستستخدمه حركات المعارضة التي أعلن الأساسي فيها انتسابه للإسلام، مقابلا شرعية السلطة الحاكمة بسلطة دينية. وبذلك وجد الحزب الذي تأسس، وأحرز على الأغلبية في انتخابات 1992، وجد نفسه خارج القانون، فاسحا المجال لأزمة سياسية لم تحل إلى هذا اليوم. هذه الوضعية تكشف عن وجه للجزائر لم يكن معروفا إلى ذاك الوقت ويخلق قضية، فيما وراء الجزائر، للإسلام وللعالم العربي في مجموعه.

لفهم هذه الوضعية، تعتبر المقاربة باللغة مقـاربة هامة. فهي تحوم حول الشأن الديني لأسباب عديدة أهمها كون الإسلام له علاقة أصل باللغة العربية. لكن الأساسي في اللغة ينحدر من وظائفها المتعددة. وأشدها ظهورا وظيفة التواصل التي تتيح التبادل والاستعمالات الاجتماعية للغة. الوظيفة الأخرى التي تسمى بوظيفة التعبير تحمل على جميع المظاهر الثقافية للغة، حيثُ تقود إلى الخضوع للقانون (بارت، 1977)، مع إتاحتها التعرف على هوية: ومن ثم فاللغة حمالة للآثار النوعية لثقافة مَّا. لقد أولى سيغموند فرويد أهمية للغة، ليس فقط باعتبارها نقطة تقاطع بين الفرد والمجتمع، لكن أيضا باعتبارها مكانا للاشعور، تعبيرا عن التعارض الوجداني، عن المكان الحميمي للشخصية. بعده، حدَّدَ جاك لاكان (ريفليت-لومير، 1970) هذه الوظيفة المركزية للغة باعتبارها المكان الذي ينخرط فيه الشأن الرمزي الذي يصاغ فيه قانون ما هو بشري، هذا الأخير الذي تعتبر اللغة مع صورة الأب التعبير المفضل عنه (غرانغيوم، 1985).

شريطة دراسة اللغة من هذه الجوانب المتعددة تغدو دراسة اللغات في الجزائر قابلة لتنويرنا حول الطبيعة العميقة لهذا المجتمع، الأصول التي يتعين عليه استيعابها، فقدان المعنى الذي يتعين عليه احتماله. إذا كان النظام الرمزي في المجتمعات التوحيدية قد تكفلت به الديانات إلى حد بعيد على حساب - وهذا صحيح - خسارة كبيرة، فإن النظام الرمزي نفسه يوجد أيضا في وضعية اللغات، في الرهانات التي تنطوي عليها، في المشاكل التي تطرحها: هذه المراحل الثلاث هي ما سنتطرق إليه.

وضعية اللغـــات

لقد وجدت جزائر 1996 نفسها تجاه تعدد لغوي حقيقي. وهو يتضمن لغات ذات استعمال يومي، يقال لها أحيانا لغات أم، شفهية أساسا: إنها اللهجات العربية والبربرية. هناك أيضا لغة عربية مكتوبة، يقال لها فصحى أو كلاسيكية. أخيرا لقد أدخل الاستعمار لغة فرنسية تستعمل استعمالا كتابيا وشفهيا في آن، ترسخ استعمالها بعد الاستقلال.

اللهجـات البـربـريـة

هي اللهجات الأكثر قدما، بما أنها سابقة عـن حضور الإسلام (وعن العربية بالتالي) في المغرب العربي. حقلها الذي كان في السابق يمتد إلى مجموع المغرب العربي تقلص مع إدخال وتطور اللهجات العربية (التي لا يوجد تفاهم متبادل بين الاثنتين). وقد تلاشت هذه اللهجات عمليا في تونس (حوالي 1% من الناطقين بها). وحافظت على وجودها بشكل واسع في المغرب (حيث يقدر عدد الناطقين بها بحوالي 40%). وفي الجزائر يقدر عدد الناطقين بها، اعتمادا على إحصائيات قديمة (مادامت الإحصائيات الأخيرة لا تعتبر هؤلاء الناطقين)، بحوالي 20% (اليوسي، 1991: 276). وأهم مجموعات اللهجات في الجزائر هي القبائل (القبائل الكبرى والقبائل الصغرى)، والشاوية (المتكلم بها في الأوراس)، المزابية (يتكلم بها في مزاب)، وبعض البقايا في كتلة شنوة؟؟؟ Chenoua وفي الصحراء (هوغار). وهذه الجهات عموما هي مناطق جبلية (القبائل، الأوراس) أو مغلقة (مزاب)، أفلتت من التعرض لاستيطان سكان عرب أو ناطقين باللغة العربية. ومع ذلك فاللهجات البربرية (القبائلية بالخصوص) هاجرت بدورها إلى المدن الكبرى، مثل الجزائر العاصمة.

بخصوص دينامية اللغات البربرية، لنقل إن هذه اللغات كانت في تراجع مستمر أمام توسع اللهجات العربية. ووجهة الحركة تكون دائما واحدة: المناطق التي يفقدها الناطقون بالبربرية لصالح الناطقين بالعربية تظل على هذا الوضع بشكل نهائي، أي حركة في الاتجاه المعاكس لا تلاحَظ. فعدد من المناطق التي وصفها إثنولوجيون ولسانيون في بداية القرن الحالي هي اليوم ناطقة كليا بالعربية.

للغة البربرية حروف هجائية خاصة، هي التيفناغ[1]، لم تنتشر أبدا بشكل جيد. إذا كانت تتيح إجراء بعض التسجيلات الكتابية (ليبية في السابق، أسماء مدن اليوم)، فإنه لا يوجد عملٌ وفير مكتوب بهذه الحروف. والنصوص البربرية التي دُوِّنَت تمَّ تدوينها إما بحروف عربية (عن طريق إدخال بعض التعديلات) أو بحروف لاتينية، مستعملة في النقول الكتابية علامات اصطلاحية (غالاند، 1991: 280-283).

كانت توجد في الجامعةشعبة للبربرية بمدينة الجزائر طوال فترة الاحتلال، لكن تمَّ حذفها مع الاستقلال. وقد أعيد فتحها سنة 1988 في تيزي أوزو. وبالإضافة إلى هذه توجد اليوم شعبة أخرى للدراسات البربرية في مدينة بجاية.

اللهجـات العـربيـة

يَستعملُ اللهجات العربية القسمُ الأعظمُ من السكان في الجزائر. ويميز اللسانيون في اللهجات المغاربية بين ثلاثة أنواع: لهجات حضرية، لهجات بدوية ولهجات قروية (روث، 1991: 280). هذا التنوع يغير مكانه داخل العائلات الكبرى للهجات وهران الغربية، الشرق (قسنطينة) والوسط (الجزائرية). أصل هذه الاختلافات عموما يُعزى للهجات الخاصة للسكان العرب الذين جاؤوا يقيمون من مختلف أجزاء الشرق الأوسط (مارسي، 1938). هناك تفاهم متبادل بين جميع هذه اللهجات، لكن مع اللهجات العربية للمناطق الأخرى غير المغرب العربي (إنها التجربة التي قام بها في سنوات 1960 و1970، المتعاونون المصريون، العراقيون، والأردنيون، الذي جاءوا لمزاولة مهامهم في الجزائر.

لقد حظيت اللهجات المحلية المغاربية بالدراسة الجيدة طوال الاحتلال (كانتينو، 1936)، ثمَّ قلَّ هذا الاهتمام فيما بعد (اليوسي، 1989)، حيث تضاءلت هذه الدراسات بعد الاستقلال لاعتبارات سياسية. على غرار تلك التي كانت تدور حول اللهجات البربرية، كانت تلك الأبحاث تُعتَبَرُ بمثابة عناصر للتفرقة أدخلها الاستعمار. غير أنها منذ سنوات 1980 وهي تستعيد مكانتها بخجل، بنفس صفة اللسانيات، في ظل معاهد اللغات الأجنبية للجامعات.

تقع اللهجات العربية في سياق ثنائية لغوية تشكل العربية الكتابية طرفها الآخر. عندما كانت هذه العربية مُبعَدَة بشكل واسع من التعليم خلال الفترة الاستعمارية، وجدت اللهجات العربية نفسها في شراكة مع الفرنسية، إذ استعارت منها (على غرار اللهجات البربرية) مفردات كثيرة، وبالخصوص الكلمات المتعلقة بالمحيط العصري. في المدن التي كان الاستعمال الشفهي للغة الفرنسية يتم بكثافة، بلغ هذ التشبع بالفرنسية نسبا من الكثرة بحيث لم تكن توفر أحيانا، داخل جملةٍ، إلا بنية دنيا. والمثال الكاريكاتوري الذي غالبا ما يُسَاقُ هو هذه الجملة: كْرَازَاتُو الطُّومُوبيل، رَاَمَاسَاوهْ مُورْسُوَاتْ مُورْسُوَاتْ («داسته السيارة، جمعوهُ أشلاءً أشلاءً»).

وقد أعاد تطور تعليم اللغة العربية الكتابية، بعد الاستقلال، للعربية المنطوقة مكانة قابلة لـ «تصحيح» معجمها، بإعادة تضمينها بمصطلحات عربية الأصل. وقد ناصر هذه هذه العملية تدخلات تمت في المدرسة وفي وسائل الإعلام حول موضوع: «لا تقل طابلة، بل قل مائدة». لكن تأثير الفرنسية وإن كان قد قل في الشارع، فهو تقوى حديثا بواسطة شبكات التلفزة والأقمار الاصطناعية. اللهجات العربية هي المكان الذي لا يكف فيه المنطق النقائي لدى المعربين عن الاصطدام بقانون الاقتصاد اللغوي (الذي يُدعى قانون «المجهود الأقل») الذي يقعد استعمال لغة من اللغات.

إذا كانت تتم المطالبة بمنح العربية المتكلمة مكانة داخل المدرسة، باسم البيداغوجيا (بودالية غرفو، 1989) والاعتراف باللغة الأم (بنرابح، 1995)، فإن هذه اللغة لا تتوفر، مثل البربرية، علَى سند جهوي محدد لحمل هذا المطلب، كما هو الحال مع الحركة الثقافية البربرية التي ينشطها القبائليون.

اللغـة العـرَبيـة الكتابيـة

من أجل فهم جيد للرهانات المرتبطة بهذه اللغة، من الأساسي التمييز بين اللغة العربية الكلاسيكية (التي يقال لها أيضا لغة القرآن، المقدسة، الفصحى) واللغة العربية العصرية. إذا كانتا تنحدران معا من النحو نفسه والخلفية نفسها، فإنهما تختلفان مقدار ما يمكن للغة كلاسيكية أن تختلف عن لغة عصرية.

اللغة العربية الكلاسيكية هي لغة القرآن التي نزل بها الوحي على الرسول محمد. ويحتمل أن يكون القرآن قد نزل ليس باللغة المنطوقة الشائعة، وإنما بالكواني[1] (ميكيل، 1977: 50) ذات الاستعمال الشعري. وقد كان القرآن في البداية ينقل عن طريق الحفظ، قبل أن يتم تدوينه (بلاشير، 1991). طوال القرون اللاحقة، تم صياغة اللغة العربية بنحوها وتركيبها بهدف واحد هو شرح الرسالة القرآنية. خصِّصَ إنتاج هام لتفسير القرآن، للتاريخ، لعلوم اللغة، للفلسفة. هذه الصفة الدينية الغالبة تركت مكانة هامة لأدب دنيوي، أدبي أو علمي، وكذا لترجمة مؤلفات أجنبية، بالخصوص في القرنين الأولين للهجرة.

كانت معرفة اللغة العربية في الجزائر منتشرة بشكل واسع عام 1983، كما يدل على ذلك شهادة إسماعيل أوربان:

«كان التعليم الأولي (سنة 1830) منتشرا في الجزائر أكثر مما يعتقد عموما. كان متوسط الأفراد من الجنس المذكر الذين يعرفون القراءة والكتابة على الأقل يساوي عدد الأفراد أنفسهم في أريافنا [الفرنسية] (حوالي عام 1845). بيد أن من 000 2 إلى 000 3 شابٍّ كانوا يتابعون في كل إقليم دروس المدارس ومن 600 إلى 800 دراسة العلوم، القانون والفقه». (عن أغرون، 1968: 318).

كانت بشكل من الأشكال سندا للعقيدة بما أن هذه اللغة هي لغة الصلاة، ثم لغة العلوم الدينية. تعليمُها، منذ سن مبكرة في الكتاتيب القرآنية إلى درجات عالية (مدرسة، جامعة)، كانَ مدعوما من طرف شبكة هامة من المؤسسات الخيرية (الحبوس). وقد ألحقت مصادرة هذه الممتلكات من قبل السلطات الاستعمارية سنة 1843 و1848 (أجرون، 1968: 294) ضربة قاضية بهذا التعليم، الذي كان فضلا عن ذلك موضوع شبهة، متهما بتطعيم الـ «التعصب» وتأليب السكان على المستعمر. ومن ثم وجدت العلاقة بين هذه اللغة والإسلام نفسها مُقوَّاة بين أحضان مجموع السكان الجزائريين. وتليينها بانفتاح هذه اللغة العربية نفسها، هذا التليين الذي كان يتم في الوقت نفسه في المشرق (غرانغيوم 1984)، لم يستطع إنتاج تأثيراته، بفعل النظام الاستعماري وما كان يحدثه من قطيعة بين الجزائر والعالم العربي.

هذه اللغة العربية العصرية بالضبط هي التي تطورت في سياق «النهضة العربية» للقرن XIX. ويقال لها «عصرية» لأن وظيفتها هي التعبير عن الحداثة انطلاقا من لغة قديمة. هذه اللغة لم تكن موجودة قط في الجزائر حتى الاستقلال. لكن الشكل الذي أخذته فيها تحدد تبعا للغة الفرنسية التي جاءت [هذه العربية] لتعويضها مع الارتكاز عليها (كما تفعله بالقياس إلى الانجليزية في المشرق). هذه التبعية للغة أجنبية تتم في الحقل الدلالي باستعارة مصطلحات وجمل، وتواكَبُ بنحو مبسَّط ومعجم محدود. هذه اللغة هي المستعملة في الصحافة والأدب الشائع ووسائل الإعلام، في النشرات الإخبارية وفي أغلب البرامج. إنها هي التي سيتمُّ تكريسها في الجزائر في إطار سياسة التعريب. ينبغي إضافة أنها ليست إلى اليوم لغة للاستعمال اليومي في أي بلد عربي، وأن استخدامها الشفهي حُفِظَ للتعليم والخطاب الرسمي. في الجزائر، ترتبط هذه اللغة إذن بعلاقة مزدوجة مع العربية الكلاسيكية التي استمدت منها الأشكال وباللغة الفرنسية التي تستمدّ منها المضامين.

اللغــة الفرنسيـة

بعدما دخلت اللغة الفرنسية مع الاستعمار حلت محل هذه اللغة العربية في سائر الاستعمالات الكتابية تقريبا. وقد رفع من أهمية الكتابة إقامة إدارة فرنسيةٍ. على العكس، فالتقييدات القوية التي أقامتها سلطات الاحتلال لتطوير التعليم في وسط ما يُسمى بـ «الأهالي» حدَّت من انتشار الفرنسية بين السكان الذين اتصلوا اتصالا متواصلا مع الساكنة الفرنسية: المدن، بلدات الاستعمار. ولذا، فقد كان مآل القسم الأعظم من السكان الأمية والتعبير بلغته المحلية.

انطلاقا من الاستقلال، ضمن إرادة للتنمية والكفاح ضد الأمية، ضاعفت الحكومة عدد المدارس والثانويات والجامعات: أي جميع مؤسسات نشر اللغة الفرنسية. و إلى كبح هذا الاتساع، الذي أرادت أن تنجزه سياسة التعريب، تدخل بشكل متأخر: تقرر سنة 1962، لكنه لم يدخل حيز التطبيق إلا في سنوات 1970-1980. وقد تركت هذه السياسة دائما مكانة مفضَّلَة للغة الفرنسية التي تدَرَّسُ في المدرسة الابتدائية. بالموازاة مع ذلك، ساهم تطور البنيات الإدارية المشتغلة بالفرنسية في الانتشار نفسه. وتعريب الإدارة الذي تقرر سنة 1968 دخل حيز التطبيق بشكل بطيء ولم يتحقق إلا بشكل نسبي حتى أيامنا هذه. أما القطاع الاقتصادي فقد اشتغل دائما باللغة الفرنسية. والمعرفة الناقصة بالفرنسية لدى الأجيال الشابة تعود إلى ضعف جودة التعليم كما ترجع إلى التدابير التقييدية المتخذة. والتعليم الجزائري بكامله يتم اليوم باللغة العربية. لكن، في الوقت نفسه الذي يتمسك فيه الحكم باحتواء هذا التوسع لصالح العربية، تجددت صلة السكان باللغة الفرنسية عبر نقل برامج التلفزة بالبارابولات، في غياب مراقبة الدولة (رواجيا، 1990: 232-242).

تلك عموما هي وضعية اللغات سنة 1996. لكن لفهم رهانات هذه اللغات يجب التذكير بالسياسة اللغوية التي نهجتها الجزائر منذ حصولها على الاستقلال، أي سياسة ما يصطلح عليه باسم التعريب.

رهانـات اللغـات داخـل التعـريب

بعد حصول الجزائر على الاستقلال أرادت كباقي بلدان المغرب العربي إعطاء مضمون ثقافي لاستقلالها السياسي. وقد تُرجِمَ ذلك على الصعيد اللغوي بإرادة إعادة منح اللغة العربية المكانة التي كانت تحتلها قبل أن ينتزعها منها الاستعمار ويعوضها باللغة الفرنسية.

اختيـار مجتمـع مستحيـل

عرضتُ في المؤلف الذي خصصته لهذه المسألة (غرانغيوم، 1983) مختلف الإشكاليات التي كان من شأن مثل هذا القرار أن يطرحها وإن كان قرارا سهلا وطبيعيا. والنقطة المركزية فيه هي أنه كان يقتضي في الواقع اختيار مجتمع، كان من المستحيل على الحكم القائم أن يحسم فيه، والذي لم يُحسَم فيه أبدا، مادام لم يكن بوسع الحل أن يأتي إلا من تسوية واقعية. كانت المسألة في الواقع مسألة استبدال اللغة الفرنسية باللغة العربية. وفي هذه العملية كان با لإمكان تصور هدفين: إما التعريب من أجل قول الشيء نفسه باللغة العربية كما يقال باللغة الفرنسية (التعريب - الترجمة)، أو التعريب لكي يقال شيء آخر مختلفا عن الفرنسية (التعريب - الإقلاب)، ومن ثمة اختيار شخصية عربية أشد اقترابا من المشرق. إذا كان الموقف الثاني ينزع إلى هدف تحقيق الأحادية اللغوية العربية، فإن الهدف الأول كان يتلاءم مع ازدواجية لغوية فرنسية-عربية (أو بغياب للتعريب). وبذلك صار التعريب - الإقلاب مرادفا للأسلمة، وضعية كان من شأنها أن تفضي إلى إقامة مجتمع، بل وحتى دولة إسلامية تتخذ من الشريعة قانونا أسمى. لكن بالنسبة للتيار الآخر، كما عبر عنه الرئيس بن بلا سنة 1962، «التعريب ليس أسلمة» (غرانغيوم 1983: 184)، قد يكون التعريب استعادة لغة مَّا، لا استعادة ديانة مَّا: كان الخطاب يميل إلى طمأنة الحداثيين اللائكيين. حوالي نهاية سنوات الثمانينيات، سيقف الخطاب الإسلامي في الواجهة المعاكسة: ليس للتعريب أي فائدة ما لم يكن هدفه هوالأسلمة (غرانغيوم، a1990: 162-163).

كانت حالة الرأي الجزائري سنة 1962، كما في سنة 1996 بدون شك، لا تتيح إجراء أي خيار (حداثي أو إسلامي) جذري: ومثل هذا الخيار مستحيلٌ بالنسبة لأي حُكم. وبذلك لا يمكن لأي حل أن يكون إلا تراض باستطاعته أخذَ أشكال متعددة.

جماعتـان للضغط: المعربون والمفرنسون:

إن جماعات الضغط التي تتخذ مرجعا لها، بهذا القدر أو ذاك، أحد هذين الرأيين جماعاتٌ قائمة منذ 1962، بل وقبل ذلك بكثير، ولكن دون أن تكون منتظمة تنظيما جيدا. باستثناء الـنواة التي شكلها المثقفون العائدون من المشرق، أو المنحدرون من الحركة الإصلاحية القديمة لابن باديس (التي سأعود إليها)، فجماعة المعربين تقابل منطقة نفوذ تستعمل إيديولوجية تعلن انتسابها في آن واحد للإسلام والوطنية. في مواجهتها، تتجذر جماعة الفرنكوفونيين في نخبة المجتمع التي تلقت تكوينها في المدرسة الفرنسية، في الأقلية الساكنة التي هي حداثية، التي تخشى «العودة إلى القرن XIVم» المحتملة مع قيام مجتمع عربي إسلامي. وبعدما اتهمها فيما بعد خصومها بكونها «حزب فرنسا»، ستستسلم لنوع من الشعور بالذنب ولن تستطيع التعبير عن معارضتها للتعريب إلا بتقديم عريضة التماس للازدواجية اللغوية. وبذلك سيُقامُ التعريب على شكل مَذهب وطني، لن يستطيع أي أحد أن يعـارضه علانية مخافة أن يـُنعَتَ بكونه «خائنا للأمة ولمليون ونصف شهيد»...

بالنظر إلى هذه الآراء اليوم، بعد كل المسافة الزمنية التي تفصلنا عنها، وهي آراء غالبا ما كان يتم التعبير عنها باعتزاز، بل وبعنف حتى، يمكن القول إنها تكشف بالأساس عن نفاق اجتماعي. ما كانت تنطوي عليه في الواقع إنما هو إرادة جماعة أن تحتل مكانة جماعة أخرى. طبقا للوعود المنشورة بين مجموع السكان إبان حرب التحرير: الحصولُ على الاستقلال سيتيحُ لكل فرد أن يأخذ مكانة الفرنسيين وأن يكون مثلهم (غير أنه تمَّ نسيان الطبقة الدنيا من التركيبة...). طوال الحرب، كانت فرنسا قد أنشأت مدارس، إدارات ورقت بورجوازية جزائرية هامة، مفرنسة طبعا. ولم تكن هذه الطبقة تتمنى شيئا آخر عدا استمرار سير الأشياء على هذا المنوال، مادام الأمر على كل حال يتعلق بالشوط الأول من التقدم. وبفرض لغة لا يعرفها هؤلاء البورجوازيون، كان من شأن خصومهم المعربين أن يلغوا دفعة واحدة التقدم الثقافي والاجتماعي للأولين [البورجوازيين]، ويحتلوا مكانتهم في مختلف أصعدة المجتمع، وبالخصوص أولئك الذين كانوا يتبعون مباشرة للدولة، للتعليم والوظيفة العمومية. هنا يوجد المحرك الأساسي للتعريب. وإذا كان هذا التعريب سياسيا في أعلى مستوى للدولة، فإنه كان يجد هنا قاعدته الاجتماعية. فيما بعد، حوالي نهاية سنوات 1980، سيجد نفسه مستخدَما من قبل التيار الإسلامي.

خلـق لغـة وطنيــــة:

ومع ذلك فقد كان ثمة منطقُُ صريحُُ أو ضمني يدعم هذه السياسة اللغوية. وكان يدور حول إنشاء لغة وطنية متكيفة مع إطار الأمة الجديدة التي كانت تشكلها الجزَائِر. ولأسباب سأفسرها فيما بعد، كان النظام الجزائري تحت تأثير النمُوذج الفرنسي أكثر مما يتصور. إنه نموذج وطني بالتأكيد، لكنه مركزي ويعقوبي. في سنة 1789، كانت السلطة الثورية بفرنسا قلقة من افتقارها لشرعية ما، مسكونة باستيهام التفكك الذي كان يتـرجَمُ بردة الأرياف، فبحثت لنفسها عن مكان للشرعيـة في اللغة الوطنية، وهو ما يعبر عنه جيدا ميشال دو سيرطو بقوله:

«إن الجسد المتخيَّل للملك على عهد النظام القديم، الذي كانت له قيمة أسطورة قابلة لجعل ممارسات اجتماعية تتبادل الترميز فيما بينها، ذلك الجسد عوَّضه تحت الجمعية التأسيسية جسد للغة، مسميا دورا أسطوريا أو إجرائيا، لجعل الأمة تشتغل باعتبارها نسقا خاصا [...] اللغة تملآ المكان السياسي وتحدِّده» (دو سيرطو وأل، 1975: 164، والتشديد من المؤلف).

وهذه الوحدة الوطنية صارت مذ ذاك متحققة أساسا بالعدوان الخارجي:

تهديدُ جيوش الحلفاء الذي خلق لدى جميع المواطنين واجبا تجاه الوحدة الوطنية، جاء ذلك التهديد ليوطد شرعية حديثة لم تكن قد تجذَّرت بعد. وجذورها ستتطوَّر على امتداد القرن XIXم بإجرءات مختلفة؛ التمدرس، والعلمانية، لكن أساسا بفرض لغة وطنية. كل هذه النزعة ستتجسد في صفة «يعقوبي» الذي لحق بالنموذج الفرنسي.

ابتداء من سنة 1962، وجد الحكم الجزائري نفسه في وضعية مماثلة. فالشرعية التي استمدها من خطاب الحرب لا يمكن إعادة تأكيدها إلا أمام تلقي ضربات من الخارج. هذه الشرعية الناشئة، المتنازع حولها آنفا توقظ مخاوف النزعات الانفصالية الممكنة التي قد ترتكز على أسس جهوية أو لغوية. ضعف الشرعية هذا ترتب عن ظروف الاستحواذ على السلطة عن طريق انقلابات متعاقبة أجاد وصفها المؤرخون الجزائريون (حربي، 1985:، يفساح، 1990). لقد دخلت سياسة التعريب جيدا في هذا المنطق للشرعنة بهدفيها: تقليص مكانة الفرنسية (بل وحتى تنحيتها) والكفاح ضد اللهجات الجهوية (العربية والبربرية بالخصوص). كان الهدف الأول يتيح على الصعيد الثقافي مواصلة الكفاح من أجل الاستقلال المولد للوحدة الوطنية وللشرعية. أما الهدف الثاني الذي لم يكن يعبر عنه بشكل صريح مع أنه كان حاضرا أيضا، فقد كان يتيح، تحت ذريعة القضاء على بذور الانقسام التي هيأ لها الاستعمار الجو، تأكيد سلطة الحكم المركزي.

التعـريـب: سياسـة ومقاومـات:

لسنا في معرض وصف المراحل التي اجتازها التعريب؛ فقد حللناها في سياق آخر (غرانغيوم، 1983)، ويقدم مؤلف حديث (الطالب إبراهيمي، 1995) عرضا كاملا لها. تواصل تعريب التعليم بين 1966 و1988، ولم يتوقف إلا فترة وجيزة إبان تقلد مصطفى الأشرف منصب وزير التربية سنة 1977-1978. أما تعريب الإدارة فتحقق بين 1968 و1990. تحقق بشكل غير كاف بالتأكيد، ذلك أن القانون الذي صوتت عليه الجمعية الوطنية يوم 16 يناير 1991 فرضَ تطبيقا للتعريب تعسفيا بقدر ما هو غير واقعي، ثم تأجل في يوليوز 1992 لأمدٍ غير مسمى. في حين وجد تعريبُ المحيط ترجمته في إجراءات مختلفة من بينها اعتبار الجمعة يوما لعطلة نهاية الأسبوع بدلا من الأحد، وذلك سنة 1976: وهو إجراء منح سياسة التعريب لونا إسلاميا.

إذا كانت عودة اللغة العربية قد حظيت بنوع من المحاباة (اعتزَّ العديد من الآباء بكون أبنائهم يتعلمون هذه اللغة التي لم يتح لهم هم أنفسهم أن يتعلموها)، فإنها أثارت مع ذلك مشاعر قلق جدية بشأن جودة التعليم. كانت تلك المقاومات، فضلا عن التي تعبر عن نفسها بصراحة عبر مطلب الازدواجية اللغوية، تترجَم بحرص عدد كبير من الآباء على توجيه أبنائهم إلى شعب التعليم المزدوجة أو إلى الثانويات الفرنسية التي كانت تستقبل قسما كبيرا من أبناء النخبة، بكل مشاربها، بما في ذلك أبناء واضعي سياسة التعريب وأبناء الذين سيتضح فيما بعد أنهم زعماء إسلاميين. ومعنى ذلك أن أغلبية كبرى من الرأي ترى أن اللغة الفرنسية ظلت لغة للنجاح الاجتماعي على الرغم من التعريب. وقد استمر هذا الوضع إلى حدود عام 1988، عندما منع الرئيس الشاذلي على الجزائريين ولوج مؤسسات التعليم الفرنسي.

التعريـب والأسلمـة:

يشهد أحد الآراء انتشارا واسعا اليوم، ومفاده أنَّ التعريب يقود الجزائر إلى النزعة الإسلامية. والتهمة لا يمكن توجيهها إلى التعريب، وإنما إلى كيفية إرسائه. على العكس، لو تمَّ تطيبق التعريب بكيفية متفتحة لقطع الطريق على الهالة الروحية المضفاة اليوم على مرجع يُتلاعب به (سياسيا). ومثل هذه الإحالة القوية إلى الشخصية المغاربية واللغة العربية على السَّواء لا يمكن أن تظل غائبة عن المشهد الجزائري على نحو ما كان عليه الأمر طوال فترة الاحتلال. لكن عاملين اثنين مالا نحو إقامة خلط في الجزائر بين التعريب والنزعة الإسلامية.

الأولُ هو الضعف البيداغوجي الكبير الذي طبع تعليم اللغة العربية، بالخصوص مع إقصاء اللغة الأم. فبعد أن ارتجل هؤلاء المسؤولون تعريب التعليم لأسباب سياسية، وجدوا أنفسهم إزاء مدرسين يفتقرون إلى تكوين جيد، فلجأوا من ثمَّ إلى كل «من هبَّ ودبَّ»، سواء انحدر من الكتاتيب القرآنية الجزائرية أو من بلدان أجنبية، من مصر بالخصوص. وجهلهم العميق بالثقافة (بما فيها العربية) وضعَهم دفعة واحدة في الذهنية الشعبية التي تخلط بين مدرس العربية والفقيه والإمام. انضاف إلى ذلك بداغوجيا مرتكزة على الحفظ والقمع. ومع أن هذا لا ينطبق على جميع المدرسين، فإنه لم يتم اتخاذ أي مسافة رسمية من جانب سلطة لم تكف عن الانتساب للإسلام.

أما العامل الثاني فتمثل في انعدام التوازن الذي لحق بالجزائر، ابتداء من سنة 1980، من جراء ظهور تيارات سياسية تعلن انتسابها للنزعة الإسلامية. لم تترك المواقف الجذرية مكانا للمعتدلين، ومدرسو اللغة العربية تمّ إخضاعهم لضغط إسلامي. إذا كان بعضهم يناضل عن قناعة لصالح الإسلام، فإن البعض الآخر اضطر لجعل نفسه أبدالا[1] للأوامر الإسلامية المتعلقة بالحجاب والصوم والصلاة، دون أن يستطيعَ مقاومون محتملون أن يتمسكوا باستقلالية ما. لم تعد الدولة تحميهم. يضاف إلى هذا، إن ظهور الحزب الإسلامي باعتباره الحزب الوحيد القادر على قلب نظام لا شعبوي جعَل هذا الحزب يجر إلى صفوفه قسما هاما من السكان دون أن ينخرطوا بالضرورة في برنامجه الديني.

رغم الانقلاب السياسي الذي وقع سنة 1992 بمجيء محمد بوضياف ولاحقيه، فإن الوضعية الراهنة التي تخلط بين التعريب والأسلمة لم تتغير داخل المدرسة الجزائرية، كما أن أيّ إصلاح شمولي قادر على مراجعة هذا المبدأ لم يستطع أن يرى النور بعد.

التعـريـب واللغـات الشفهيـة:

فيما وراء طعونات الإيديولوجيون والمعربين المكرورة، أحست اللغات الأم بأن سياسة التعريب تستهدفها (إليمام، 1990: 115-119). وبالفعل فقد قاد نمطُ التعليم المكيَّف مع نمط لغة كلية كتابية وشفهيةَ إلى اعتبار العربية الشفهية لغة «رديئة»، مليئة «بالأخطاء» التي ينبغي «تصحيحها» (بنرابح، 1996: 24-27). وبمثابة ردّ فعل على ذلك لم يتوانَ مسرح المرحلة وأفلامها (صياغ، 1991: 83-84) عن تقديم وصف مثير للضحك لدى «محاكاة» هؤلاء المتحذلقين الذين يلجأون إلى اللغة العربية في مقامات التواصل اليومي: ومع ذلك، فقد كانت تلك هي الفرجة التي تقدمها التفزة الرسمية يوميا.

فيما يخص البربرية، قامَ توترٌ منذ أمدٍ بعيدٍ بين المناضلين العرب والبربر داخل الحركة الوطنية (حربي، 1975: 14). تجلى منذ السنوات الأولى للاستقلال، وبالخصوص إبان الانتفاضة القبائلية في عام 1963. أحست الأوساط البربرية بسياسة التعريب كأنها خطرا. وقد أطلق منعُ محاضرة للأستاذ الجامعي القبائلي مولود معمري بتيزي أوزو سنة 1980 شرارةَ ما أسمي بـ «الربيع البربري». تمسكت جمعيات عديدة (بالخصوص الحركة الثقافية البربرية) بالكفاح من أجل الاعتراف باللغة البربرية: وهو ما تمَّ إحرازه شكليا من خلال إنشاء اللجنة البربرية العليا سنة 1995، لكنه يظل بعيدا عن التجسد في الواقع.

إذا كانت رهاناتُُ اجتماعية واقتصادية تبدو متدخلة في مواجهة اللغات بالجزائر، فإنَّها تنكشف أيضا متدخلة بعمق في التصور الذي يمكن أن يحمله الجزائريون تجاه بلدهم. يحيل التعريب على هويتين ممكنيتين، ومن ورائهما ترتسم مسألة شرعية السلطة، مكانة الإسلام باعتباره قانونا وديانة. وإلى مسألة مكانة اللغات في عالم المعنى بالجزائر يجب التطرق الآن.

لغات الحيـاة ولغـات الخشـــب

تحيل اللغات الموجودة في الجزائر إلى تعددية من الأصول، ومن ثمة إلى تعددية من مرجعيات الهوية. يطرح اللعب على هذه الهويات مسألة شرعية الحكم، بالخصوص لدى ضرورة انخراطه في إطار الأمة. هذا النقل نفسه يرتبط بالشأن الديني، بمكانة الإسلام داخل المجتمع. وهذا يقود إلى التساؤل عن الوظيفة النهائية للغة ما، إيصال المعنى، والشأن الرمزي داخل مجتمع ما.

تعددية الأصــول

بقدر ما تشكل اللغة سلسلة للإيصال، مكانا للاشعور، فهي تحيل على الأصل. بيد أن الهوية نفسها ترتكز على حكاية للأصل، على أسطورة، بكيفية تجعل من كل لغة حديثا عن الأصل، سواء تعلق الأمر في ذلك بالفرد أو بالمجتمع. ومن المحتمل أن الاختلافَ الأساسي بين اللغة الحقيقية ولغة «الخشب» التي لا تقول شيئا يرتسمُ هنا بالضبط.

ما هي الأصول التي تعرضها اللغات المتكلمة في الجزائر حاليا؟ تجسد اللغة العربية الكلاسيكية علاقة بالقرآن الذي تستمد أصلها منه، ومن ثمة بالإسلام. هذه العلاقة علاقة شعورية ومقبولة. وخطاب التعريب يسهب في استحضارها لدرجة أن البعض يعتبرها شرعيته الأساسية. ولا شك في أن هذه العلاقة أقوى في الجزائر بالمقارنة مع باقي دول المغرب العربي، لأن اللغة العربية ما أن تعرضت للإقصاء من قبل المستعمر حتى صار يُنظَرُ إليها باعتبارها مرجعا للهوية قويا: بقدر ما كان المستعمرون أنفسهم يتسمون كالجزائريين، لم يبق للأهالي الجزائريين إلا أن يدركوا أنفسهم ويحيون باعتبارهم مسلمين، وهو الاسم الذي كان يطلقه عليهم المستعمرون.

تستفيد اللغة العربية العصرية جزئيا من هذه الهالة بقدر ما تعتبر امتدادا للعربية الكلاسيكية. لكن وجودها يبقى شاهدا على انفتاح على عالم عصري مختلف عن سابقه. قد قلتُ كم كانت كبيرة تبعيتها للغات الأجنبية. فهي لم تعد لغة للتخاطب اليومي في أي بلد. ومن ثمة فهي ليس لها مرجعية ثقافية خاصة ولا جماعة خاصة. قال المستشرق جاك بيرك في هذا الشأن:

«إنها لغة المواطنة الدولية، لغة البورجوازية الصغرى والانفتاح على التأثير الخارجي. لا تملك نكهة اللهجة ولا عمق العربية الكلاسيكية» (غرانغيوم، 1983: 25).

وهي في الواقع تستمد حظوتها من كونها اللغة الوطنية، وهو ما يمكن أن تصير إياه في يوم من الأيام. بيد أن تحقيق هذا الهدف يفترضُ عملا سابقا لا يتجاهل الطبيعة العميقة للغة العربية ولا المستلزمات الحقيقية التي يفرضها البناء الوطني (حرية التعبير بالخصوص). باعتبار العربية ناقلة للميراث الحضاري العربي الإسلامي الكبير، فهي مقبولة. باعتبارها تعبيرا عن حكم لا يحظى باعتراف كامل، فهي تعتبر «لغة للخشب». وقد سجل اللساني الجزائري عبده عليمان الغموض الذي يلف هذه اللغة:

«ما هي إذن هذه اللغة التي تشكل موضوع التعريب في الجزائر؟ في الواقع، إن العربية التي تدرَّس وتنشرها الصحافة [...] ليست شيئا آخر غير "لغة وسطى" تريد لنفسها أن تكون الجسر الكوني الرابط بين جميع المتكلمين المعربين. [...] صحيح أنها تبدو (بمخزونها المعجمي و، جزئيا، بنحوها) قريبة جدا من الفصحى، (اللغة الكلاسيكية)، لكن ما يجعلها في آن واحد جذابة وغير قابلة للفهم، إنما هو طبيعتها «المرقعَة». [...] دون الدخول في التفاصيل التاريخية المتعلقة بظهورها، لنسجل مع ذلك أنها لا تملك الوضع الاعتباري للغة الطبيعية [...]» (عليمان، 1990: 109-110، التشديد من المؤلف).

تطرح اللغة البربرية المنطوقة مشكلة كبرى على البناء الإيديولوجي الرَّسمي الذي يقرن نشأة الأمة الجزائرية بظهور الإسلام. فهي بوجودها نفسه تشهد على أصل سابق عن الإسلام، أكثر من ذلك تشهد على بقاء مخلفة أو راسب (survivance). على الرغم من كون البربر مسلمين على نفس درجة العرب، فإن وجود اللهجات البربرية يبدو بمثابة عدم اكتمال لنشر الإسلام وكأنه لا يمكن للمرء أن يكون مسلما حقا إلا داخل اللغة العربية. كل ذلك لا يقال بهذه الفظاظة، ولكن جميع التصرفات، رسمية كانت أم غير رسمية، توحي بذلك. هذا الأصل السَّابق عن الإسلام يشكل موضوع نفي قوي (دوراري، 1996: 47-50).

تعتبر اللغة العربية المتكلَّمة، مثلها في ذلك مثل اللغة البربرية، لغة - أمًّا حقيقية، بمعنى أنها ترجع إلى النكهة المحلية، إلى اللجهة، في معناها الأكثر وضوحا، بقدر ما يحيل تنوّع اللهجات على هذا البُعد (dimension). وهي تشكل موضوع ازدراء من قبل الطهرانيين، مرتكز على كون هذه اللهجات ظهرت بعد انحطاط اللغة العربية الكلاسيكية، وهو أمر خاطئ. هل تحيل هذه اللغة العربية المتكلمة أيضا على الأمة؟ فإن الحال ليس كذلك بالنسبة للوقت الراهن، بالنظر إلى تعدد اللهجات: غير أنه يمكن لتطور ما أن يقود إلى تلك الوضعية. إن إقصاء اللهجات من المدرسة الرسمية ومن سائط الاتصال يشهد على إرادة السلطة في نفي هذه التعددية الإثنية والمحلية لفائدة وحدة وطنية يتعين على عربية التعريب أن تجسدها.

لكن أثر التبرؤ من المحبة المرتبط بهذا الازدراء (بنرابح، 1995: 44) يضع هذه اللغة خارج مدار السلطة.

اللغة الفرنسية بدورها حاضرة في الجزائر. وهي تشهد على أحد أصول هذا المجتمع، ونعني به الاستعمار الذي رسخه في حدوده الراهنة، الذي شكله بمثابة أمة بمؤسساته، بإدارته، بنظامه التعليمي. وبهذه اللغة تحقَّق الانفتاح على العالم العصري، على التقدم، ودخَلَت مفاهيم العدالة، والديمقراطية، ولو أنَّ الأمة المهيمنة لم تطبق هذه المفاهيم بتاتا. وقد تركت هذه الفترة الطويلة للتعايش بين فرنسا والجزائر روابط تعارض وجداني تشهد عليها اللغة الفرنسية (غرانغيوم، b1990: 346-349). غير أن السلطة القائمة تنكر هذه الفترة من تاريخ الجزائر، تنكر هذا الأصل. بما أن الجزائر هي البلد الأكثر فرنكفونية، لكنه يرفض الفرنكفونية، هي البلد الأكثر استعمالا للفرنسية لكنها ترفض الازدواجية اللغوية، فإنها تلغي صفحة هامة من تاريخها كأنها لم تكن.

تعتبر العلاقة بالأصل عنصرا رئيسيا في تشكل الهوية. الأصل يجب تمثله واستيعابه. وإنكاره لا يمكن إلا أن يؤدي إلى حصر (blocage) يحول دون التقدم. غير أن الجزائر لا تتمثل من الأصول الثلاثة التي تعيِّنها لها لغاتها سوى أصل واحد هو الهوية العربية الإسلامية، وتنكر الأصلين الباقيين، وهما: هويتها البربرية التي يعبر عنها أيضا الشكل اللغوي للهجات، ثم أصلها الفرنسي الحاضر بقوة، والذي يشدِّدُ عليه بقوةٍ شركاء الجزائر المشارقة، لدرجة أنها لا تستطيع ترسيخه وحمايته.

إن تمثل المرء لأصله (أو لأصوله) لا يعني الانغلاق فيه، بل على العكس لا يمكن تجاوز هذا الأصل (أو الأصول) إلا إذا بعد استعيابها. بيد أن هذا الأمر في الجزائر لازال بعيد المنال. و تلاشي اللغات الذي يشهد على بُعد هذا المنال قد لا يحل المشكلة: لقد علمنا فرويد منذ وقت طويل أن العنصر المكبوت يظل نشطا بقدر ما يتمّ تجاهله.

مشكل الشرعيــــة

تمثل الشرعية المكانَ الذي يتعرف فيه أعضاء مجتمع مَّا على مكان السلطة، على مكانها الرمزي. وهو المكان الذي يحظى فيه الحكم باعتراف، لكنه أيضا المكان الذي ينقل إليه حب القانون. وكونه موجودا هو ما يتيح التعرف على هوية مَّا. وشرعية الحكم تنحدر منه، إذ يُعتَبَر النظامُ الملكي المؤسسة التي تشكل المركز، وفي الديمقراطية (يُعتَبَر) هو التعبيرَ عن إجماعٍ داخل برلمان.

يمكن توضيحَ وضعية الجزائر من خلال المقارنة بينها وبين بلدي المغرب العربي الآخرين. حافظ المغرب طوال فترة الاحتلال على مكان رمزي للحكم، في وجود السلطان الذي وإن كان قد جرِّد من سلطة فعلية، فإنه ظل يشهد على وجود مغربٍ مختلف عن فرنسا. وقد دلَّ كلّ من خلع محمد الخامس من العرش، ونفيه إلى الخارج، ثم عودته سنة 1955، في أعين المغاربة على ترميم كيان سابق على التدخل الفرنسي. وفي تونس ظل الاحتفاظ بالباي يرمز هو الآخر إلى وجود بلد اسمه تونس. ولكن الحركة من أجل الاستقلال كان قد رمز إليها شخص الحبيب بورقيبة «المجاهد الأكبر». وقد أتاح نقلُ الشرعية إلى هذا الرجل بعد استكمال الحصول على الاستقلال الوطني، أتاح له نقل هذه الشرعية من مؤسسة الباي إلى الجمهورية. ومن ثمة فإن شرعية الحكم تعتبَرُ قائمة بصرف النظر عن كيفية استخدامها من قبل ممتلك الحكم الفعلي.

كان الوضع مختلفا في الجزائر. ففي سنة 1830 لم يكن داي الجزائر هو ممثل هذا البلد، بل كان ممثله مندوب السلطة العثمانية. ومحاولة عبد القادر تأسيس دولة في مقاومة الاحتلال الاستعماري لم تنجح (إتيان، 1995: 108)، ومن ثمَّ لم يبق أي مكان رمزي، لم يبق أي مَعْلم يمكن للفرد الجزائري أن يؤكد هويته الجزائرية بالقياس إليه. كان الإسلام هو المعْلمُ الوحيد، ونقصد به هنا مجموعا ثقافيا يتضمن الدين بالتأكيد، لكن أيضا اللغة (اللغة القرآنية واللغات المتكلَّمة)، والأرض، ومجموعة من العادات. والشرعية الجذرية المعترف بها إلى الآن تقـع في هذا الجانب بالضبط، في إسلام لا نقاش فيه بقدر ما محتواه غير محدَّد بدقة.

هل تقترن به شرعية أخرى؟ من بين الموضوعات المحرمة العديدة التي لا يمكن للبحث التطرق إليها هناك السؤال: هل حظيت فرنسا بشرعية ما في الجزائر؟ هل كان يُعتَرف بالحكم الفرنسي باعتباره مكانا للقانون؟ وهو سؤال صعبُُ بقدر ما لا يجب تلافيه. إن موقف اللغة الفرنسية دالّ: هذه اللغة تثير موقف نبذ (باعتبارها لغة للمستعمر)، لكن أيضا موقف جاذبية، فهي تمارسُ سحرا: بأي صفة؟ أبصفتها تجسد تقدما تقنيا أم بصفتها حداثة منقذة من ثقل التقليد؟ وعلاقة المجتمعين أم متعارضة وجدانيا بوضوح. يشير الكاتب الجزائري حبيب طنكور إلى ضرورة إجراء مقاربة تحلينفسية لدراسة الجانب للاشعوري للمجتمع، فيقول:

«في عام 1962، صار الجزائريون مستقلين، لكنهم لم يتحرروا. تتحقق المعاينة وسط تراكم من ضروب الحرمان. وهذا لا يمكن أن يولد إلا عنفا واضطرابا للذات. ثم إن فرنسا حاضرة في كل جزائري أكثر من أي وقت مضى، غير أن أي خطابٍ لم يتوصل أو لم يسعى إلى دمج هذه الظاهرة بهدوء. الأصوليون بدورهم مهووسون بفرنسا، لكنهم يخلدون خطاب النبذ، الأمر الذي يصعِّدُ الحرمان واضطراب الهوية [...]» (طنكور، 1995: 77).

حقا لقد رسم الكفاح من أجل الاستقلال طريقا آخر للشرعية منحدرا من الكفاح من أجل الاستقلال، لكنه جعل أيضا مكانا واسعا في رمزيته لإحياء الإسلام. وقد توطَّد هذا المكان في التعارض مع فرنسا عبر حرب التحرير. هل رست هذه الدينامية شرعية جديدة؟ ربما كان على هذه الشرعية أن تحل محل نظيرتيها السابقتين، وهما شرعية فرنسا وشرعية الإسلام.

بخصوص فرنسا يظل السؤال مطروحا. لا تنتقل شرعية ما بالسهولة التي تنقل بها السمة أو العلامة (une étiquette) القانونية، لأنها تتضمن جوانب عميقة، لا شعورية، تحرص المحرمات على حمايتها. فكون أي جزائري لم يستطع، مثل بورقيبة، أن يحمل الشرعية الجديدة، جعل الأمور صعبة. لكن في الوقت نفسه، ليس من مصادفات الأمور ألا يستطيع أي «رجل عظيم» أن يحظى باعتراف. ذلك أن هؤلاء الرجال لم يعدموا، وماتوا دون أن يستطيعوا لعب هذا الدور: مسالي الحاج، رمضان عبان، فرحات عباس، محمد بوضياف، وآخرون عديدون. إن شعبية الجنرال دوغول في الرأي الجزائري تدفع إلى التأمل: لفترة وجيزة، ربما اعتبر بمثابة أب للاستقلال الجزائري: فكرة قد لا تطاق، ومع ذلك... كان يجسد فرنسا، وكان أول من اعترف بالجزائر باعتبارها آخر، باعتبارها شريكا، منذ «سِلم الشجعان» الشهير إلى اتفاقيات إيفيان. ما جرى آنذاك في ذلك المكان البعيد، أيمكن تجديده؟ أيمكن نقله؟

أما بخصوص الشرعية المرتبطة بالإسلام، فيجب أن نسجل الأمر التالي: لقد شكلت الأمة الإطار الذي كان على الشرعية الجديدة أن تنخرط فيه كان هو إطار الأمة. ولإطار الأمة هذا، المستوحى من فرنسا، منطقه الخاص. فهو يهدف إلى نقل مجتمع ما من مرجع عرقي، إثني، إلى تصور جديد للحياة العامة، يرتكز على الإرادة السياسية للتعايش، الميثاق والحق. وهو انتقال صعبٌ بحيث لا يتحقق دائما حتى عندما يتم إرساء الإطار القانوني للأمة. ويطلق دومينيك شنابر (1991: 44)، تابعا في ذلك أنطوني شميث (1986)، وصف «الإبادة العرقية الجنيالوجية» على هذا النمط من الأمة الذي يعيد صياغة الروابط العرقية بحيث تصير روابط وطنية تشكل الأمة فيها امتدادا للإثنية الموجودة من قبل. وعلى العكس، فإن الأمة بالمعنى الممتلئ تعلن عن قانونها الخاص، على شكل برلمان، باعتباره مرجعا أخيرا. هذا القانون يأخذ مكانة القانون الإلهي، الحق الإلهي، وكل القوانين السابقة له، (قانون العرق أو العشيرة): لذلك فإن الأمة متى التزمت باحترام الدين لم تقبل إلا بصعوبة مرور قانونه قبل قانونها الخاص.

قلت أعلاه إنه يمكن فهم سياسة التعريب باعتبارها محاولة لنقل شرعية الإسلام إلى الدولة، بواسطة اللغة العربية. ويبين كل من الطريقة التي تم بها إنجاز ذلك والتطور الذي تلاه أنَّ هذا الأمر لم يتحقق. وانتقاد الحركة الإسلامية للدولة شكك في شرعية هذه الدولة باسم شرعية أخرى، هي شرعية الإسلام. لقد ضعَّف هذا الانتقاد الدولة وحال بينها وبين أن تضع نفسها في المركز النهائي للأمة الجزائرية.

عالـم المعـنـى: اللغـات والشـيء الدينـي

يشكلُ الجواب عن السؤالين الكبيرين الذين يطرحهما الإنسان - وهما من أين جئت؟ وإلى أين أنا سائر؟ - النظام الرمزي لمجتمع ما ويُتناقل جيلا عن جيل بواسطة اللغات. وفي المجتمعات ذات الديانات التوحيدية، تكفل الدين بالشأن الرمزي، جزئيا على الأقل، لأن هذه الديانات - الإسلام كما المسيحية - تهمل عموما الجانب الطبيعـي[3] أو السحري الذي بواسطته تحاول هذه المجتمعات التحكم في مستقبلها. هذا هو أساس التمييز الذي يقامُ غالبا بين الديانة العالمة والديانة الشعبية.

أعادت كولونا فاني في مؤلف حديثٍ النظرَ في هذا التمييز، بقدر ما قد يفهمُ منه أنه فصلٌ (كولونا 1996)، وتفضل عليه مفهوم مؤسسة الذي يمكن أن يحيط بمجموع ما يُدْرَكُ باعتباره إسلاميا. حقا إن الجواب الديني ينخرط في النصوص المقدسة، التي أفاض العلماء في تفسيرها وتأويلها، لكنه يوجد كذلك في العديد من الممارسات والمعتقدات التي يجهلها هؤلاء العلماء تارة ويشجبونها تارة أخرى، لكنهم يتعاملون معها في الحالتين معا. ويشهد كتاب إدموند دوتيه الشهير على فوران هذا العالم الذي يمزج بين السحر والدين (دوتيه، 1908). والموضوع نفسه عالجه إميل درمنغهام بإسهاب من زاوية زيارة الأولياء باعتبارهم وسطاء (درمنغهايم، 1954). وحديثا جدا أظهر العديد من الدراسات أنَّ التمسك بهذه الممارسات لازال قائما رغم الضغوطات العقلانية (عويطس، 1984) والقمع الرسمي (بلانطاد، 1988). إن البحث عن المعنى يجهل الحدود بين الأرثذكسي والبدعي. ولكن العالم لا يكف عن شجب هذه الأشكال من الضلال الشعبي.

تعبر بنيات اللغات عن هذا الاختلاف مقابلة بين لغة كلاسيكية ولهجات شعبية يطلق عليها بالعربية اسم «عامية»، وهو اسم يحيل على التقابل المعروف جدا في الثقافة بين الخاصة (النخبة) والعامة (الجمهور). وقد عبر عن ذلك أب الحركة الإصلاحية الجزائرية عبد الحميد بن باديس بطريقة واضحة جدا:

«لا يمكن خلط اللغـة التي تستخدمها "ألسن" السوق في الطرقات وسائر الأمكنة العمومية الشعبية التي ترتادها العامة بلغة الاقلام والورق، الدفاتر والدروس، وبالجملة لا يمكن خلطها بلغة الخاصة» (نقلا عن بـوتي، 1971: 262).

والشيخ ابن باديس هو الذي أعطى الانطلاقة سنة 1930 لحركة الإصلاح في الجزائر (مراد، 1967)، التي كان برنامجها يرمي إلى ترسيخ الشخصية الجزائرية بتدريس اللغة العربية (الكلاسيكية) للجزائريين، مع خوض معركة ضد «الشوائب الشعبية» التي علقت بجسد الإسلام النقي. انتشرت أمكنة عديدة للتعليم والـوعظ والإرشاد في مجموع أنحاء الجزائر. وقد أثار هذا الانتشار انتقادات وانشقاقات، في سائر أنحاء البلاد، بين الذين رغبوا في الانضمام للإصلاح والذين ظلوا متشبثين بالممارسات التقليدية. وترى فاني كولونا، التي درست الحركة في منطقة الأوراس، أن تلك الحركة الإصلاحية التي طالما تمَّ اعتبارها بواكير للحركة الوطنية الجزائرية لم تكن في الواقع سوى قمع عنيف للثقافة الجزائرية العميقة ترتبت عنـه عواقب وخيمة على مستقبل الجزائر: ذلك أنها هيأت السرير في الواقع للامتثالية[4] الوطنية وفتحت الطريق لما صار فيما بعد لغة خشبٍ لجبهة التحرير الوطنية (كولونا، 1996: 155، 333). وهذا التأويل يكشف عن تماثل الآثار المترتبة عن الحكم عندما يُمارَس على الدين أو اللغة.

وإلى هذا الفقدان الأول للمعنى سينضاف ذلك الفقدان الذي يرافق الحركة الإسلامية لسنوات 1980 و1990. حقا إن الحركة تدين بنجاحها لكونها بلورت بكيفية جيدة معارَضة للنظام السياسي كما أجادت توجيه هذه المعارضة. لكن الإسلام الذي تتخذه مرجعا لها، لكونه بعيدا عن أن يكون مجدِّدا، اتضح أنه نكوصي بشكل خاص، بما أن الأمر يتعلق أساسا بالرجوع إلى ممارسات متقدمة في سياقات اجتماعية سابقة: شعائر دينية، فصل بين الجنسين، تقليد الرسول. لا يُقدَّم أي معنى جديد لسكان يتساءلون عن هويتهم وعن الطريق التي ينبغي اتباعها. في مقال متميز يطلق أوليفييه روا اسم الأصولية الجديدة على هذه النسخة الجديدة للإسلام التي تقدم نفسها باعتبارها سننا (code) أكثر منها ثقافة:

«لمـاذا سنـن وليـس ثقافـة؟ لأنـه ليس ثمة محتوى: السنن هنا هـو مجموعة من الشعائر والسلوكات والتعاليم الأخلاقية. إنه يؤول إلى تقليد نموذج لازمني، وهو نموذج النبي. على عكس اللغة والثقافة، لا يحتمل السنن تعدد المعاني وانفجار المعنى: يجب يكون فيه تطابق تام بين اللفظ والمعنى. [...] والبحث عن موقف المسلم الصالح يمكن أن يمضي أبعد بهذا القدر أو ذاك: ما يتعلق بالثياب [...]، الإيمائية أو الحركية (رفض الضحك)، تكييف الجسد (طول اللحية). [...] بدل المعرفة الفقهية، معرفة «السلوك» هي التي تحدد الإمام الجديد الذي يمكن أن يرشد الآخرين إلى ما هو صالح». (روا، 1996: 96).

من هذه الزاوية تفقد اللغة معناها وكذلك الدين. لكن هذه الأزمة للرمزي هذه لا تخص الجزائر وحدها، إذ يجتاز الغرب أزمة شبيهة، سبق أن حلل كورنليوس كاسطورياديس (1996) تأثيرها الهائل والمفكك. إن نمط التقدم الذي اتجهت نحوه الجزائر لمدة طويلة لم يعد له اليوم أي معنى. وقد أدركت الأجيال الجديدة ذلك، تلوم الأجيال السابقة لها على كونها لم تنقل إليها شيئا. على العكس، باسم هذه اللغة العربية التي تمَّ تعلمها حديثا، باسم هذا الإسلام المعياري الذي يلجأ إليه الآباء يُـجادل الأبناء آباءَهم. شجعهم أساتذتهم بالتعليم الأساسي منذ وقت طويل على مراقبة سلوك أولئك الآباء: هل يُصَلون، يصومون، يتنعون عن شرب الخمر. والأبناء يمضون الآن أبعد فينبذون إرثهم. في الشرطة أو الجيش، وسط المجاهدين الإسلاميين أو الجماعات الإرهابية، يتخذون من العنف وسيلة للتعبير عن الرفض. في الواقع تمثل هذه القطيعة نداءً فارغا لا يمكن لأي شيء أن يـملأه.

الإيصـال: لغـات الحياة ولغـات الخشـب

مما سبق، يبدو أن اللغة تلعب دورا أساسيا في صياغة المعنى ونقله. لكن من البديهي أيضا أن تحويل اللغة لأغراض السلطة يترتب عنه تعقيمٌ لهذه اللغة ونقلٌ لها من لغة حياة إلى لغة خشب. لقد أدخلت الوضعية الاستعمارية، في نظام لغوي عربي مرتكز على ثنائية كتابي - شفهي، عنصرا أجنبيا: هو الفرنسية فيما أضاف الاستقلال إلى الوضعية نفسها «لغة وطنية». ماذا عن الإيصال في مراحله المتعاقبة؟

عاشت الجزائر إلى حدود مجيء الاستعمار وضعية لغوية تتألف من من لغة كتابية ولغات شفهية مختلفة (عربية أو بربرية). كان لكل منها حقل استعمال محدَّد. كيف انتظم ذلك التعايش؟ في الظاهر يجهل الأدب الكتابي - عدا بعض الاستثناءات - إسهام اللغات الشفهية. لكن بديهي أنَّ الحكايات والمعارف كانت تنتقل من إحدى اللغتين إلى الأخرى، كما كان الحفظ يشكل نقطتهما المشتركة، حيث كان الطلبة يحفظون عن ظهر قلب المصنفات الكبرى، وعلى رأسها القرآن، رغم أنها كانت مُدَوَّنة. أما المعارف وتواريخ الشفهية فكانا يدوَّنان في الذاكرة. وحروف الكتابة اللامكتملة التي أتاحت تدوين القرآن كانت في الأصل مجرد مُسَاعدات للذاكرة. وقد احتفظتْ الكتابة العربية بشيء منها: فالنصّ يتألف فقط من الصوامـت (السواكن)، ولا يمكـن قراءتـه والعثور على معناه إلا بإضافة صوائت (حركات) لا تظهر عادة إلا في القراءة الجهرية.

رغم أن مسألة شفهية الكتابة قد تم دراستها بشكل واسع (غودي، 1994)، فإنني أفضل اللجوء إلى نظرية داخلية في الثقافة العربية أمدَّني بها ذلك المجموع المسمى «ألف ليلة وليلة» (بن الشيخ وميكيل، 1996). توجد من هذا النص نسخ مكتوبة كلاسيكية عديدة، لكن توجد كذلك منه أشكالُُ عديدة بالعربية المنطوقة. وزيادة على كونه يُشكل مثالا لحركة المرور بين الكتابة والمشافهة، فإنه يقترح في الآن نفسه نظرية للعلاقة بين الكتابي والشفهي في إطار الإيصال. والخيط الرابط هو حكاية ملك أصابته صدمة[5] عميقة بعد «خيانة» زوجته (فيلا وغرانغيوم، 1991)[6]. قاده جنونه إلى تصفية النساء واحدة بعد أخرى إلى اليوم الذي التقى فيه بشهرزاد التي نجحت في علاجه من جنونه عبر الحكايات التي قصتها عليه، وذلك بجعله يقبل أن يعيش بين امرأة وأبناء. يقال إن شهرزاد كانت قد قرَأت «ألف كتاب» استمدت منها الحكايات التي روتها. وفي النهاية، يقال إن الملك أمر بتدوين حكايته كلها بمداد من ذهب. وهذا الكتاب هو الذي بين أيدينا. داخل هذا التأرجح بين الكتابي والشفهي يتم تجديد الإيصال الذي انقطع بإرادة الملك القاتلة. ما من نص مكتوب إلا ويحمل حياة بقدر ما ينتقل إلى المشافهة كي يضع نفسه بمواجهة الواقع، قبل أن يستعيد وضعا اعتباريا قارا، لكن ثريا وخصبا.

مع الاستعمار انضاف إلى العنصرين الأولين عنصرُُ آخر هو اللغة الفرنسية واسِمَة توغل الآخر. تقلص بشكل قوي منذئذٍ ولوجُ اللغة العربية المكتوبة. من المدهش ملاحظة أنه ما أن تحقق الاتصال بشكل كافٍ حتى مال التأرجح بين الكتابة والمشافهة - الذي كان يتم من قبل بالعربية الكلاسيكية - إلى التحقق بالفرنسية. وبفضل هذا التبادل أدمجت اللهجات الجزائرية (العربية والبربرية) الحداثة دونَ أن تكون أبدا محتاجة لكلماتٍ لتسمية هذه الحداثة، مُغلفة الدخيل الفرنسي ومحولة إياه لدرجة إنساء أصله.

هذه الحيوية للهجات تواصلتْ مع الاستقلال. رغم الممنوع الذي يجثم عليها والازدراء الذي لفها به الحكم (بنرابح، 1995)، فإنها استمرت في التكيف ليس في لهجة التواصل اليومي فحسب، بل وكذلك في إنتاج المسرح والأغنية: فنجاح الغناء الشعبي الوهراني - الراي (الداودي والملياني، 1996) - يعتبر مثالا متميزا لمكانٍ يستطيعُ فيه الشبابُ التعبيرَ عن انشغالاته وضروب قلقه.

ويعتبر الأدب المكتوب باللغة الفرنسية مكانا آخر لتأكيد حيوية اللغات. وتكمن خاصيته في كونه لغة تدعمها لغة أمّ أخرى، عربية أو بربرية. وما يعبر عن نفسه عبر هذه الكتابة الفرنسية إنما هو اللغات الجزائرية واستعاراتها ورموزها. وقد عرف هذا الأدب - بمعنى ماَّ - بطله المؤسِّس مع كاتب ياسين (أرنو، 1986)، وهو يلعب دورا هامّا في فتح فضاء للمعنى (بـون، 1985، ديجـو، 1986).

هل يُعَدّ هذا الإنجاز في الإيصال من فعل اللغات المتكلَّمَة؟ لقد اشتغلت اللغة المكتوبة بالطريقة نفسها في قطاعات عديدة. فيما يخص الدين، إذا كان يُعتَبَر نقطتها المركزية فإنه افترضَ هذا التأرجح بين الكتابة والمشافهة إعادة تأويل للمكتوب بحسب وضعية كل عصر. بيد أنَّ هذه القدرة أو «باب التأويل» قد أغلق منذ وقت مبكر. لكن قبل ذلك بأمد بعيد، منذ الخليفة الثالث، كان النص القرآني قد دوِّنَ، والخليفة عثمان اختار رواية واحدة وأتلف الباقي (بلاشير، 1991: 52). ومنذ ذاك الوقت لم يكن للتقليد أن يكون سوى تكرار، منع فقهي لكل بدعة تأتي لتعزز هذه الطبيعة السكونية (statique) للغة. وقد أظهر يوسف الصديق في أطروحته التي خصصها لـ «العمل القرآني» أن كبتا أو «حصرا» قد ترسَّخ منذ تلك الفترة في تقليد كان بوسعه أن يظل حيا لكي يُنقل ويتكيف (الصديق، 1995). وسبل البحث التي يفتحها هذا الباحث سبلُُ هامَّة: فهي تظهر ضرورة أن يلتقي الجيل الحالي وسائر الأجيال المقبلة بالنصوص داخل حرية اللغة، وأن يستخرج منها أشكال الكبت التي تكون عموما في علاقة مع كبريات مشاكل الحاضر. وقد قادتني أبحاث أجريتها في موضوع محدَّد (غرانغيوم، 1991) إلى التفكير في وجود كنوز للمعنى حقيقية ترقد في تراث اللغة العربية، منتظرة أن تجرى عليها قراءة حية.

لهذه الضروب من الحصر التي تجثم على التعبير في الجزائر أشكالُُ متعددة. الأساسي منها يخص الأصول الإسلامية وينضاف إليه، حسب أطروحة فاني كولونا، الحصر الذي نشأ في الحركة الإصلاحية وتحقق في الدولة المستقلة التي أنكرت أصلين، وبالتالي لم تترك مكانا إلا للغة الخشب. أمام هذا «الفكر الوحيد» المرتكز على كلاسيكية اللغة وتجميد التأويل يبقى ثمة منفذ ممكن. يشير الحقوقي التونسي ياد بن عاشور إلى الطبيعة الإزدواجية التي تطبع هذه العملية: «بالفعل الإرادي تمَّ التمسك باللغة العربية كليا في الخطبة الدينية والخطبة السياسية، والكتابة الإعلامية والمحاضرة الأكاديمية. وبالإرادة نفسها، تمَّ إقصاء اللغة الحقيقية» (ابن عاشور، 1994: 14)

وبالتدخل المتأني والمصمِّم على رفع هذه الأشكال للحصر، تستطيع لغات الجزائر المتعددة بالضرورة في هذه المرحلة أن تدلي بمساهمتها في تطور المجتمع، وبناء نظام الدلالة الذي تتطلبه أسئلة الهوية والشرعية ومستقبل المجتمع.

خـلاصـة: بواعــث للأمـــل

يمكن للتأملات السابقـة أن تحث على التفاؤل. في الواقع يُظهر عنفُ الأزمة

الحالية أن الجزائر قد دخلت إلى مرحلة تحول عميقة ليست - بالتأكيد - على صعيد جيلٍ واحد. فسيرورات تشكل أمة ما تكون بطيئة: ألم يحتج الكاثوليكيون الفرنسيون إلى أكثر من مائة عام كي يعترفوا بشرعية الجمهورية؟ وفيما لازال جيران الجزائر يعيشون داخل رواسب بنيات قديمة، طرح مشاكل الأمة العصرية.

والعائق الوحيد الذي يقف أمام الجزائر حاليا هو الافتقار إلى دولة معترف بها، أي إلى ما أسميته «مكانا رمزيا» ويسميه أوليفييه روا «نقطة الحسم» لـ «إعادة استيعاب المعنى» (روا، 1996: 107). ونقطة الارتكاز هذه، المفتاح السحري أو حجر الزاوية، هو ما سيتيح بناء الصرح أن يبنى حتى وإن كان ذلك يتطلب وقتا. إن وعي الوحدة المشعور به بقوة في هذه النقطة المركزية هو وحده القادر على أن يتيح وجود التعدد. تعدد لا يعتبر تعدد اللغات سوى أحد أشكاله فحسب، بل واستثناء رمزيا. هذا التعدّد يتضمن الاعتراف بالآخر.

أما المتطلب الثاني، وهو مرتبط بالسابق، فهو تجديد سلسلة إيصال من أجل هذا المجتمع، استيعاب علاقاته بالأصول. والشكل الفارغ للإسلام الذي تقدمه الحركات الإسلامية اليوم (أو الأصولية الجديدة) هو نداء لإعادة زيارة أمكنة الأصل هذه من أجل مرور الحياة. فيما وراء تقلبات الحاضر تشهد الجزائر على حيوية ملحوظة من خلال لغاتها الشفهية. وثراؤها الأساسي لا يوجد تحت رمال الصحراء، وإنما في الطاقات غير المستغلَّة التي ترقد في قلب اللغات. يجب تمني أن تعثر على رجال ونساء قادرين على أن يفتحوا لها منفذ ذلك الثراء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهـوامــش والمـراجـــع

Ageron, C. R.,

1968, Les Algériens musulmans et la France (1871-1919), Paris, Presses Universitaires de France.

Arnaud J.,

1986, La littérature maghrébine de langue française, Le Cas de Kateb Yacine, Paris, Publisud.

Barthes R.,

1977, Leçon inaugurale au Collège de France, Paris, Collège de France.

Ben Achour Y.,

1994, «Citoyen de quelle nation? de quelle langue? de quelle foi?», Intersignes, 8-9: 9-22.

Bencheikh J. et A. Miquel

1996, Les Mille et Une Nuits. 3 tomes, Paris, Gallimard.

Blachبre R.

1991, Introduction au Coran, Paris, Maisonnoeuve et Larose (1ère édit. 1959).

Boudalia Greffou M.,

1989, L’école algérienne d’Ibn Badis à Pavlov, Alger, Laphomic.

Benrabah M.,

1995, «La langue perdue», Esprit, 1: 35-47.

1996, «L’arabisation des âmes», Cahiers de Linguistique Sociale, Université de Rouen, s. n. : 13-30.

Bonn C.,

1985, Le Roman algérien de langue française: vers un espace de communication littéraire décolonisé, Paris, L’Harmattan.

Cantineau J.,

1936, «Géographie linguistique des parlers arabes algériens», Revue Africaine, 79: 91-93.

Castoriadis C.,

1996, La montée de l’insignifiance, Paris, Seuil.

De Certeau M., D. Julia

et J. Revel,

1975, Une politique de la langue. La révolution française et les patois, Paris, Gallimard.

Colona F.,

1996, Les versets de l’invincibilité. Permanance et changement religieux dans l’Algérie contemporaine. Paris, Presse de la Fondation Nationale des Sciences Politiques.

Daoudi B. et H. Milliani,

1996, L’aventure du raï. Paris, Seuil.

Dةjeux J.,

1986, Le sentiment religieux dans la littérature maghrébine de langue française, Paris, L’Harmatan.

Dermenghem ة.,

1954, Le culte des saints dans l’Islam maghrébin, Paris, Gallimard.

Dourari A.,

1996, «Malaise linguistique et identitaire en Algérie», Cahiers de Linguistique Sociale, Université de Rouen, s. n. : 47-62.

Douttة E.,

1984, Magie et religion dans l’Afrique du Nord, Paris, Maisonneuve et Geuthner (1re édit. 1908).

Elimam A.,

1990, «Algérianité linguistique et démocratie», Peuples Médittérranéens, 52-53: 103-121.

ةtienne B.,

1995, «D’Abdelkader à l’Algérie actuelle», Intersignes, 10: 107-116.

Galland L.,

1991, «Le berbère, langue une et multiple»: 280-283, in Camille et Yves Lacoste (dir), L’ةtat du Maghreb, Paris, La Découverte.

Goody J.,

1994, Entre l’oralité et l’écriture, Paris, Presses Universitaires de Françce.

Grandguillaume G.,

- 1983, Arabisation et politique linguistique au Maghreb, Paris, Maisonneuve & Larose.

- 1984, «L’arabisation au Maghreb et au Machrek», in Les relations entre le Maghreb et le Machrek, Aix-en-Provence, Institut des recherches Méditerranéennes, CNRS, Cahier 6.

- 1985, «Père subverti, langage interdit»; Peuples Médittérranéens, N° 33, pp. 163-164.

- 1990a, «Language and legitimacy in the Maghreb», in Language Policy and Political Developement, B. Weinstein (ed.), 150-157, Norwood, New Jersy: Ablex Publishing Corporation.

- 1990b, «Raports ambivalents entre la politique d’arabisation et la francophonie», in Jochen Pleines (dir), La linguistique au Maghreb, Maghreb linguistic, Rabat, Okad, pp. 345-351.

- «Ces mots qui permettent l’oubi», Peuples Méditerranéens, n° 56-57,. pp. 93-111.

Harbi M.,

- 1975, Aux origines du FLN: le populisme révolutionnaire en Algérie, Paris-La Haye, Mouton.

- 1985, Le FLN. mirage et réalité, Paris, Jeune Afrique (1re édit). 1980).

Marçais W.,

«Comment l’Afrique du Nord a été arabisée», Annales de l’Institut d’ةtudes Orientales, Université d’Alger, n° 4, pp 1-22.

Merad A.,

1967, Le réformisme musulman en Algérie de 1925 à 1940, Paris-La Haye, Mouton.

Miquel A.,

1977, L’Islam et sa civilisation, Paris, Colin.

Ouitis A.,

1984, Possession. Magie et prophétie en Algérie, Paris, Arcantère.

Petit O.,

1971, «Langage, culture et participation du monde arabe contemporain», IBLA, n° 128, pp. 259-283.

Plantade N.,

1988, La guerre des femmes. Magie et amour en Algérie, Paris, La Boîte à Documents.

Rifflet - Lemaire A.,

1970, Jacques Lacan, Bruxelles, Dessard.

Roth A.,

1991, «Arabe classique et arabe dialectal», in Camille et Yves Lacoste (dir.), L’ةtat du Maghreb, Paris, La Découverte, pp. 277-280.

Rouadija A.,

1990, Les frères et la mosquée. Enquête sur le mouvement islamiste en Algérie, Paris, Karthala.

Roy O.,

1996, «Le néo-fondamentalisme islamique ou l’imaginaire de l’oummah», Esprit, n° 4, pp. 80-107.

Shnapper D.,

1991, La France de l’integration. Sociologie de la nation en 1990, Paris, Gallimard.

Seddik Y.,

1995, Le travail du coranique, Thèse de doctrat de l’EHESS, Paris (inédite).

Siagh Z.,

1991, «Le théâtre amateur en Algérie; choix et usage de langues», International Journal of the Sociologie of Language, n° 87, pp. 71-86.

Smith A. D.,

1986, The Ethnic Origins of Nations, Oxford, Blackwel.

Taleb Ibrahmi K.,

1995, Les Algériens et leur(s) langue(s). ةléments pour une approche sociolinguistique de la société algérienne, Alger, El Hikma.

Tengour H.,

1995, «Le fourvoiement des élites», Intersignes, n° 10, pp. 67-78.

Villa F. et G. Grandguillaume,

1991, «Les Mille et une nuits: un mythe en travail. Présence et actualité du récit», Peuples Méditerranéens, n° 56-57, pp. 55-82.

Yefsah A.,

1990, La question du pouvoir en Algérie, Alger, En. A. P.

Youssi A.,

- 1989, «Parlers arabes d’Occident (marocain, algérien, tunisien, andalou, hassai, maltais). Bibliographie annotée et classée», in Langue et société au Maghreb: bilan et perspectives, Rabat, Publications de la Facutlté des lettres et des sciences humaines, 13.

- 1991, «Un trilinguisme complexe», in Camille et Yvs Lacoste (dir), L’ةtat du Maghreb, Paris, La Découverte.

 

[1] التيفناغ إسم يطلق على نظام للكتابة تختص به اللغة البربرية عن سائر اللغات الإفريقية. وهذه الكتابة قديمة جدا تعود إلى ماقبل التاريخ. (م).

[2] koïnè: من الإغريقية koinos: «مشترك»، اللغة المشتركة للإغريق في العصرين الهلنستي والروماني. ويقصد بها، بالتوسع، اللغة الوطنية أو المحلية لبد ما. (م).

[3] ذو علاقة بنزعة اتباع الطبيعة. (م).

[4] الامتثالية (conformisme): نزعة للتقيد بالأعراف المقررة. (م).

[5] الرضة أو الصدمة (trauma): حدث في حياة الشخص يتحدد بشدته وبعجز هذا الشخص عن الاستجابة له بطريقة ملائمة، كما يتحدد بما يحدثه في التنظيم النفسي من اضطرابات وآثار دائمة مولدة للمرض. وتتصف الرضة اقتصاديا بفيض من الإثارات التي تكون مفرطة بالنسبة لطاقة الفرد على الاحتمال وقدرته على التحكم في هذه الإثارات. عن بونتاليس ولابلانش، معجم التحليل النفسي، مرجع مذكور، ص. 499 بالنسبة للأصل الفرنسي، وص. 300 بالنسبة للترجمة العربية سابقـة الذكر أيضا. )م(.

[6] عنوان الدراسة، كما هو مثبت في قائمة الهوامش والمراجع، هو:

Grandguillaume, Gilbert et Villa, François, «Les Milles et Une Nuits, la parole délivrée par les contes», in Psychanalystes, «Symbolyser», N° 33, Paris, décembre, 1989.

وقد نقلناها إلى العربية تحت عنوان: «ألف ليلة وليلة»: الحديث والنسيان، ونشرناها ضمن كتاب: جلبير غرانغيوم، لغة العلاج والنسيان. دراسات في ألف ليلة وليلة وقضية الآيات الشيطانية، مكناس، سندي للطباعة والنشر والتوزيع، 1996، صص. 41-62. (م)

 

 

صفحة الترجمـات

المحتــوى

جلبير غرانغيوم: هل كان النبي ملكا؟

جلبير غرانغيـوم: المواجهة باللغات

تزفتـان تودوروف: خطـاب السحـر

مناحيم روث: ميثولوجيات الموت

مناحيم روث: الطقـوس الجنائزيـة

موريس فريدمان:  الأنثروبولوجيا والأدب

فرويد أو الغرائز ضد العقل

جان بران: الرمـز والسحـر

تزفتان تودوروف: بعض التأملات العامة في السحر

نجيمة بلانطـاد: الساحرة، طرق الانتقـاء

خوليو كارو باروخا: عن بعض تأويلات السحر العصرية

هنري كولومب: السحر - الأنثروبوفاجيا والعلاقة والثنائيـة

ليو نافرانتيـل: الشيزوفرينيا والفـن

جلبير غرانغيوم:  كرنفال في المغرب العربي

جلبير غرانغيوم: الضحية وأقنعتها

جلبير غرانغيوم: اللغة والجماعة في المغرب العربي

المزيد من الترجمات هنــا

 
 
 

 

جماليـــات إضـــاءات حــوارات مقـــــــالات ترجمــــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــات خــــــاص

مواقع مفضلـة

مواقع صديقة مكتبات الموقـع كشك الموقـع موارد نصيـة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.