تزفيتان تودوروف

خطـــاب السحــــر

ترجمة: محمد أسليم

تحليـل وصفـة سحـريـة

بنيـة الوصفـة السحريـة

1. التنظيـم التركيبـي

2. التنظيم الرمـزي

من الرامز إلى الدال

1. الالتفاتات والسُّـرود

2. صياغة الأعمــال

3. التعبيـر اللفظـي عـن الأدوار

4. مبدأ الموازنـة

أشكال الخطاب السحري الراهنة

خلاصة: بعض التأملات العامة في السحر

 

«نجد في السحـر تقريبا جميع أشكال الطقوس الشفهية التي نعرفها في الدين. نجد الأيمان، والنذور، والأدعية، والصلوات، والتراتيل، والتعجبات، والصيغ البسيطة. لكن مثلما لم نحاول تصنيف الطقوس اليدوية، فإننا لن نحاول تصنيف الطقوس الشفهيـة في هذه الفئات. فهذه الطقـوس لا تتطابق مع مجموعات من الظواهر المحددة بشكل جيد

مارسيـل مـوس (1960: 47)[1].

مقـدمـــة

يمكن القول عموما بإمكان دراسة السحـر من منظورين مختلفين: فإما نركز على مصطلح سحر ونحلل علاقة الوصفة بباقي عناصر العمل السحر و - من خلالها - بثقافة كل شعب على حدة، أو نركز على كلمة لغة، ونقابل خصائص الخطاب السحري بخصائص الخطابات الأخرى، ومن ثمة بخصائص اللغة عموما. ومع أنه لا يمكن إطلاقا إهمال الدراسة الأولى الوظيفية.فإنني سأتركها للإثنولوجي المتخصص في هذا الشعب أو ذاك لأقترح هنا إنجاز مهمة الدراسة البنيوية (أو البلاغية العامة). بعبارة أخرى، أود تبني موقف متعارض رأسا مع موقف مُوس كما يبدو من الفقرة الواردة أعلاه.

لدراسة لغة السحر الآن تاريخُها الخاص. وإن شئنا التبسيط يمكن القول إنها عرفت مرحلتين كبيرتين. خلال المرحلة الأولى، وهي مألوفة لدينا في الكتابات الشائعة حول المجتمعات البدائية، والمعتقدات الخرافية، والطقوس والعادات، كان يتم تخصيص فصل من الكتاب أو ملحق به للوصفات السحرية من عزائم، ورقى، وسحر، الخ. فما من كتاب عام حول السحر إلا ويشتمل على قسم يعالج «الكلمة السحرية». وهذا الفصل نفسه يكشف عن نظرية ضمنية في أغلب الأحيان في اللغة السحرية، ترى أن هذا الإقليم من الكلمة لا يتواصل مع باقي الأقاليم. وهو افتراض يؤكده كونُ مختلف اللغات تتضمن كلمات أو صيغا لا تستعمل إلا في سياق سحري[2].

إزاء هذا الموقف التقليدي الذي لا يترك للسحر داخل اللغة إلا القليل تكوَّن ردّ فعل بلغ أوجه في عمل برونيسلاف مالينوفسكي، وبذلك نال السحر كل شيء، إن صح القول. فقد كتب مالينوفسكي في معرض بحثه عن تعريف للكلمة السحرية يغطي جميع الحالات التي عاينها في جزر الطروبرياند: «ما من طقس إلا وهو "إنتاج" قوة أو "توليدٌ" لها ونقلٌ لها، بكيفية مباشرة أو غير مباشرة، إلى موضوع معين يعتقد الأهالي أنه يتأثر بها» (مالينوفسكي، 1966: 251). وبتعبير آخر، إن الكلمة السحرية تؤثر في الأشياء. بيد أنه من الواضح جدا أن تعريفا واسعا بهذا الشكل يغطي ظواهر تنتمي إلى حياتنا اليومية ولا تصنف عادة باعتبارها ظواهر سحرية، وهذا ما لم يخف عن مالينوفسكي.

فالطفل سباق إلى استعمال اللغة السحرية بشكل متواصل. «ينادي الطفل الأم أو المرضعة أو الأب، فإذا بالشخص يظهر. وعندما يطلب الطعام، فإن الأمر يتم كما لو كان هذا الطفل يصوغ عزيمة سحريـة» (المرجع السابق: 63). وهو لا يضطر إلى تعديل هذه العادة عند كبره. فالكلمات تضمن له دائما الاستحواذ على الأشياء. «إذا عاينَّا تعلم مهنة من المهن داخل جماعة بدائية أو في مجتمعاتنا أدركنا دائما أن سهولة تحمكنا في شيء ما يؤدي مباشرة إلى جعل اسمه مألوفا لدينا» (نفسـه: 233).

والأمر نفسه ينطبق على العديد من مجالات الحياة الاجتماعية كما يصدق على جميع الظواهر المرتبطة بالقانون: «فأساس النظام والثقة في العلاقات الإنسانية هنا هو قيمة الكلمة أو قوة الالتزام بالصيغة» (نفسـه: 234). والشيء نفسه يمكن أن يقال أيضا عن الدين، والحياة السياسية، والإشهار. فبهذا الصدد يستنتج مالينوفسكي ما يلي:

«يمكن أن تكون الكلمة خطابا غبيا لـ "زعيم" معاصر أو وزير أول، أو تكون عبارة سرية، أو ملاحظة غير متحفظة جارحة لـ "الشرف الوطني" أو تكون إنذارا. لكن الكلمات في كل حالة تكون أيضا علل عمل قوية وكاشفة للغيب» (نفسـه: 53)[3].

لكن إذا كانت الكلمة السحرية هي كل كلمة تؤدي إلى فعل (أو يتبعها أثر)، فلن تبق آنذاك كلمة واحدة ليست سحرية. فنظرية مالينوفسكي في اللغة عموما - وهي منطلق ونتيجة في آن واحد لتأملاته في اللغة السحرية - تخبرنا بأن معنى الكلمات نفسه، أي خاصياتها المكونة، يتمثل في «ما يحدثه الملفوظ من تحول واقعي في سياق المقام الذي يشكل مع ذلك الملفوظ زوجا» (نفسـه: 214)[4].

إذا كانت جميع الكلمات أفعالاٌ، فإن كل كلمة هي سحر. وفي هذا الاتجاه التعميمي نفسه سيمضي مُنَظر آخر للغة السحريـة هو طوشيهيكو إيزوتسو. فهو يرى أن اللغة تشارك أصلا في السحـر لأن كل ترميز هو امتلاك مُسبق للأشياء، ومن ثمة فهو فعل فيها - إذن فهو سحر. إن مجرد المعنى هو في حد ذاته سحر. ونتيجة لذلك، فكتاب إيزوتسو يتعلق بالعمليات اللغوية الأساسية أكثر مما يتعلق بالعزيمة المفردة التي تشكل حصة السحرة المقصورة عليهم.

نحن هنا أمام انزلاق واضح في الموضوع. قد يكون السحـر داخل اللغة مرتبطا بالفعل بواسطة اللغة، لكننا متى قلنا إن ما من عمل إلا وهو سحري وجب آنذاك إيجاد كلمة أخرى لتسمية هذا النوع من العمل بواسطة اللغة الذي نسميه عادة عملا سحريا تمييزا له عن باقي الأعمال: القانونية، الإدارية، الطقوسية، الخ... أن نعتبر القيمة الإيعازية لملفوظ ما قيمة «سحرية» (ونستنتج بعد ذلك أن السحر ظاهرة كونية)، فذلك لن يساعدنا إطلاقا في فهم خصوصية الخطاب السحري.

تحليـل وصفة سحرية

لنأخذ وصفة سحرية كما نجدها في مدونات الفولكلوريين[5]:

(1) للقضاء على حمى الطحال

أيتها الجمرة الخبيثة أو حمى الطحال. سوداء كنت أم حمراء، مهما كان لونك وجنسك فقد عزمت عليك في الرياح أو قعر البحر، وأمرتك باسم الله العظيم (+) الحي أن تخرجي من جسـم نـ... سريعة كما خان يهودا الإسخريوطي (+) مولانا يسوع المسيح في بستان الزيتون (+) وكما خدمه الشهداء الإثنا عشر وصعدوا إلى السماء. ناتوسكس، كرستوسكس، مرتوسكس، رزوركس (ثلاث مرات).

Dauphiné) و(Rives

لا يَسمحُ بعزل الوصفة الحالية، بهذا النحو، عن سياق تلفظها إلا الهدفُ الذي حددناه لأنفسنا. نعرف جيدا أن الوصفة لا تملك في حد ذاتها أي سلطة سحرية. فهي لا تحرز على هذه السلطة إلا في ظروف محددة بعد أن يتلفظ بها شخص معين له الحق في ذلك أو له القدرة على ذلك. بعبارة أخرى، ليس السحر ملفوظا (énoncé)، وإنما هو تلفظ (énonciation). والتلفظ يتكون من: ملفوظ، ومخاطبين (interlocuteurs)، وظروف زمانية ومكانية للمخاطبة (allocution)، وكذلك من العلاقات التي يمكن أن تقوم بين مختلف هذه العناصر. وباقتصارنا على الملفوظ وحده، فإننا نضع بين قوسين عدة عناصر من العمل السحري سوف نحتاج إلى التذكير بها بشكل مستمر.

ما الذي يدفعنا إلى معرفة أن هذه الوصفة تشكل جزءا من الخطاب السحري؟ إنه كوننا نحاول الفعل في مرض (جمرة خبيثة، التهاب الجسم) بواسطة ملفوظ كلامي لاغير. لنحاول تنويع عناصر هذا الوصف للتحقق من حدود السحر. هل من الضروري أن يكون المرض هو المخاطب؟ فإذا قلت: «عزمت على الجمرة الخبيثة أو حمى الطحال، مهما كان (هو)...»، الخ.، ظل خطابي سحريا. وإن قلت: عزمت على الخباز كي يحضر لي خبزا في هذه اللحظة» بقي خطابي سحريا. وإذا قلت للخباز: «إني أطلب منك أن تناولني هلالية» لكي يعطيني (هـو) خبزا كان خطابي سحريا أيضا (اللهم إذا حصل هذا التفاهم بمقتضى سَنن سرِّي). وبالمقابل، إن قلت للخباز: «إني أطلب منك أن تسلمني رغيفا أو قرص خبز»، أصبح خطابي خاليا من أي شيء سحري حتى وإن تلاه عمل.

لماذا؟ لأن الرغبة في إحداث عمل من الأعمال، بواسطة كلمةٍ، أمرٌ لا يكفي ظاهريا لضمان الطابع السحري لهذه الكلمة، لأن كل شيء يتوقف على فاعل ذلك العمل. فإذا كان الفاعل هو من أتكلم عنه (اللامخاطب أو مرجع الخطاب)، بصرف النظر عن طبيعته، كان خطابي سحريا. أما إذا كان الفاعل هو من أتحدث إليه فإن خطابي لن يكون سحريا إلا إذا لم يلتقطه هذا الفاعل (agent) (المخاطب غائب)، أو لم يفهمه (المخاطب جامد أو الجملة تريد قول شيء آخر)، أو كان عاجزا عن الامتثال له (كأن يقول خطابي لمشلول: «قم وامش»). الصيغة «مفتاح سحري» صيغة سحرية لأن العمل يجب أن تقوم به صخرية، أما «ماري "افتحي لي"»، فليست صيغة سحرية إذا افترض أن المدعوة ماري تدرك كلماتي.

وإذن فتحديدُ السحر يرتكز على مقولة الممكن (العلمي): وضعُ ذر سماد على حقل، مثلا، عملٌ لا يدخل ضمن السحر، أما وضعُ طلاسم لنفس الغرض فهو عملٌ سحري. قد تكون هذه القاعـدة هشة، لكنها ضرورية.

التصرفُ بهذا الشكل معناه تحديد الخطاب السحري انطلاقا مما يفعله، انطلاقا من نيته أو مرموزه (مادمنا في نظام رمزي). هل توجد وسائل من شأنها أن تسخر دوما لخدمة هذه النية؟ أو: بما أن المرموز (Symbolisé) هو ما هو عليه، فما عسى أن يكون الرامز (Symbolisant)؟ ذلك ما سنحاول الوقوف عليه من خلال تحليل الوصفة السابقة مستحضرين في ذهننا أن موضوع تحليلنا ليس المادة اللغوية في حد ذاتها، وإنما البنية الرمزية التي تغطيها هذه المادة. بتعبير آخر، سنتبع مرحلتين في التحليل: دراسة الرامز (السحري)، ثم الانتقال من الرامز إلى الدال (اللغوي)[6].

في البداية، يمكن تقسيم الوصفة التي بين أيدينا إلى ثلاثة أقسام متمايزة: الأول يمتدّ من الكلمة الأولى إلى ذكر اسم علم (تمت الإشارة إليه هنا بالحرف نـ...)، ويتضمن مجموع الخبر الذي سنحصل عليه بشأن العمل السحري المطلوب تحقيقه. والثاني يبدأ بـ «سريعة»، وينتهي بانتهاء الجملة، وهو تشبيه للحدث الحالي بحدث آخر تم في ماض (أسطوري). أما القسم الثالث والأخير، فيتكون من الجملة الأخيرة في الوصفة، وهو يبدو للوهلة الأولى مُبهما، ويتألف في الظاهر من اسماء لاتينية محرَّفة.

وسأستغل توفرَ المعجم الفرنسي على سلسلة من المصطلحات ذات معاني متقاربة ترتبط كلها بالخطاب السحري كي أمنحها، في إطار هذه الدراسة، معنى محددا (لن يتناقض مع المعنى العام)، وأستخدمها لتسمية تفريعات الوصفة السحرية أو أجناسها الفرعية. ساسمي القسم الأول من الوصفة السابقة دعاء (Invocation)، والثاني تشبيها (Comparaison)، والثالث عزيمـة (Incantation).

وما يتطلب تحليلا مفصلا في هذا المستوى هو الجزء الأول. ففيما يكرر التشبيه البنية نفسها بشكل مبسط، وفيما يرد الدعاء على شكل كتلة غير قابلة للتجزئ، نجد بالمقابل في الدعاء عناصر عدة يمكن تجميعها على النحو التالي:

- أدوار: وقد سميت «حمى الطحال أو الجمرة الخبيثة»، («أنتِ»)، «...ت» (بضم التاء) (أنا)، «الله العظيم الحي»، ثم «نـ...».

- أعمـال: وقد أشير إليها بالأفعال: «عزمت» و«أمرت»، من جهة، و«تخرجي»، من جهة أخرى.

- توسعــات (expansions) أو مكملات مختلفة، صفات وأخبار، الخ.: «سوداء أو حمراء»، «في الرياح أو في قعر البحر».

وسنترك التوسعات جانبا بكيفية مؤقتة ونقتصر على النوعين الأولين اللذين يبدو أنهما يحتلان موقعا مهيمنا.

أولا الأدوار، وهي كما يتضح نوعان: أبطـال (protagonistes) التلفظ الرئيسيون (يحدد هويتهم الضميران «أنا» و«أنت»)، وأبطال الملفوظ («الجمرة الخبيثة»، «الله»، «ن...»). تعادلُ «الجمرة الخبيثة» «أنت» فيما لا يقابل «أنا» اسم آخر. ورغم أن الخطاب لا يقوم بهذا التمييز، فإنه يتعين علينا أن نفصل بوضوح بين هذين النوعين من الأدوار، الخطابية (Discursives) والتلفظية (énonciatives)، وإن لمجرد التمكن من دراسة تمفصلها.

إذا كانت الأدوار التلفظية لا تفيدنا الآن بأي شيء، فما هي الأدوار الخطابية؟ لنحاول منح كل واحد من هذه الأدوار اسما مؤقتا يحيط به عن كثب. لنسمي «أنا» الساحر، و«أنت» أو الجمرة الخبيثة» موضـوع العمل اسحري، ونـ...» المستفيد من ذلك العمل، و«الله» الوسيط الذي تلتمَس مساعدته.

أما الأعمال فيشير إليها فعلان مترادفان تقريبا، هما: «عزمت» و«أمرت». وهما يشتركان في خاصية كونهما فعلين إنجازيين (Performatifs). بعبارة أخرى، إن تلفظهما يحقق العمل الذي يسميانه. وهما معا يقابلان فعل «خرج» الذي يقصد عملا عاديا، وسنسميه فعلا وصفيا (أو نقريريا).

لنوقف التحليل هنا. وإن شيءنا الحصول على مزيد من التوضيحات حول طبيعة الخطاب السحري وجب علينا تجاوز هذه الوصفة اليتيمة لمقارنتها بوصفات أخرى. فذلك هو السبيل الوحيد لدراسة النظام التراتبي الذي تمثله[7].

بنيـة الوصفـة السحريـة

للانتقال من وصف وصفة يتيمة إلى وصف الخطاب السحري سنسلك سبيلين مطروقين، هما المقارنة والاستنتاج (وإن كان هذا العمل حاضرا ضمنيا في وصفنا التمهيدي). وإذن فسنلجأ إلى صياغة ثنائية أخرى تقطع التمييزات السابقة من جديد، ونعني بها ثنائية التنظيـم التـركيبي (أو الصوري Figural لخطاب من الخطابات وتنظيمـه الرمـزي.

1. التنظيم التركيبـي

بارتباطنا أولا بقراءة «أفقية» للعمل الوحيد الذي تحققه الوصفة السحرية نصل إلى نتيجة أولى هي أن: الخطاب السحري جنس فرعي من الخطاب السردي، بمعنى أن الوصفة السحرية عبارة عن حكاية صغيرة (Micro - récit).

تقوم هذه النتيجة على وجود عنصر بذاته من الوصفة حددنا هويته توا باعتباره «فعلا وصفيا». فهذا الفعل (هو «خرج» في مثالنا) يعني بالضرورة تحولا في الحالة (انتقالا من الحضور إلى الغياب)، والتحول من حالة إلى أخرى يعتبر شرطا ضروريا لوجود الحكاية.

لا ينبغي الاعتقاد بأن هذا الشرط يتحقق ويتيح دائما تصنيف أي متتالية فعلية ضمن الحكايات. فإذا أخذنا مثالا آخر من الفولكلور وجدنا أن الأحجيات، كما رأينا (وخلافا لزعم البعض)، لا تكون أبدا حكايات حتى وإن أخذ فيها السؤال أحيانا شكل جملة سردية. فالأحجية تعريف غير اصطلاحي، ذلك أن التعريف لا يحتفظ بالتصرفات العابرة، وإنما بالخصائص والسمات الثابتة (حتى وإن كانت أعمالا). وبتعبير سابير (Sapir)، بينما يشير سؤال الأحجية إلى «موجود» (الصفة أو الاسم في النحو التقليدي) تشير الوصفة السحرية إلى «وارد (Occurent)» (هو الفعل).

تملك الوصفة السحرية أيضا خاصية نوعية تميزها مباشرة عن أغلب باقي أشكال السرد، هي خاصية كونها تشير إلى عمل فرضي لا إلى عمل فعلي، عمل لم يتحقق بعد، لكنه يجب أن يحدث. غير أن هذه الخاصية ليست مقصورة على الوصفة السحرية إذ تمدنا وصفات فن الطبخ بمثال آخر عن «السرد الأمري»

إن الفعل الوصفي هو ما يؤكد الطبيعة السردية للوصفة السحرية، وبهذه الصفة يستحق أن نفحصه عن كثب. فـ «خرج» فعل حركة يشير إلى الانتقال من الحضور إلى الغياب، وفاعله هو «موضوعنا» (الجمرة الخبيثة أو حمى الطحال)، وهو فاعل مؤذ يجب إبعاده. ويوحي هذا الضرب من التفسير بقابلية عنصرين من العناصر التي استخرجناها لأن يحتملا تغييرا يتمثل في إمكانية إخراج أو جلب موضوع مؤذ أو موضوع نافع. ويترتب عن ذلك أن الوصفة التي حللناها لا تمثل سوى نوع سحري واحد بين أربعة أنواع يمكن رسمها على الشكل التالي:

 

 

موضــــــــوع

 

 

 

سلبـي

إيجابـي

إحـــداث

غيــــاب

1

3

 

حضــور

2

4

تقليديا تسمَّى الوصفتان 1 و4 (إحداث غياب السلبي أو حضور الإيجابي) سحرا أبيض، والوصفتان 2 و3 سحرا أسود. وهنا يمكننا أيضا أن نستفيد من وفرة المترادفات في هذا المجال كي نطلق اسما على كل جنس من هذه الأجناس: 1) سنسمي إحداث غياب السلبي تعويذة (exorcisme)، و2) إحداث حضور السلبي لعنا (imprécation)، و3) إحداث غياب الإيجابي تسليطا (commination)، و4) إحداث حضور الإيجابي رقيـة (conjuration)[8].

لا تشتمل العينة التي استخرجناها من مدونات الفولكلوريين سوى على أمثلة عن السحر الأبيض (الوصفتان 1 و4). وقد رأينا مثال التعويذة أو سحر الحفظ (الدفاعي). وفي ما يلي مثال عن الرقية أو سحر التملك (الهجومي):

(2) للزواج

أيها القديس الأكبر جوزيف. بما أن القرانات السعيدة تتم في السماء، فقد عزمت عليك بما حظيت به من سعادة منقطعة النظير لما كنت زوج ماري الحقيقي والشرعي كي تعينني على إيجاد زوجة مناسبة تكون لي قرينة مخلصة ولا تصرفني عن نعمة حب الله وخدمته حتى مماتي

(Hautes Vosges)

لنسجل في هذه النقطة أن التقابل بين التعويذة والرقية أو بين السحر الدفاعي والسحر الهجومي يوازي بدقة التقابل الذي يقيمه بروب (Propp) بين نوعين من الحكايات الخرافية: الحكايات التي تستهل بعمل سيء (عنصر سلبي يجب القضاء عليه)، والحكايات التي تبدأ بخصاص (عنصر إيجابي يتعين جلبه).

أمَّا اللعنات والتسليطات، فيمكن أن نولدهما بسهولة انطلاقا من الوصفتين الحاليتين: في الحالة الأولى سنطلب من الجمرة الخبيثة أن تحل بجسم نـ...، وفي الثانية سنأمر بألا تفلح نـ... أبدا في الزواج.

لنحاول الآن إجراء تنويع أهم: فبدل تحويل اتجاه الفعل أو قيمة فاعله، لنلاحظ ماذا سيحدث إن نحذف هذا الفعل كليا. إن قمنا بذلك تم حذف فاعله (الذي اسميناه موضوع السحر): ستقتصر الوصفة آنذاك على استدعاء الوسيط، وهذا الاستدعاء في حد ذاته سيجعل الساحر مستفيدا. والوصفة الآتية تقترب من هذا الوصف:

(3) لضمـان عـون الملائكـة

أدوناي، ثيوس، إيشيروس، اثانا، باراكليتوس، ألفا وأوميغا، أدعوكم وأسألكم أن تساعدوني وتهبوا لإنقاذي.

(Hautes Vosges)

إلا أن بنية مثل هذه هي في الواقع مألوفة لدينا انطلاقا من أحد أنواع الكلام يعتبر عادة متميزا، ونعني به الصلاة. وبذلك نكون لامسنا الحدود القائمة بين خطابين، بين الصلاة وبين الوصفات السحرية التي حللناها لحد الآن والتي ساسميها، بالتقابل (مع الصلاة)، سحورا (charmes).

كيف يمكن حصر هذا الاختلاف؟ يمكن تصور عدة حلول: أحدها يتمثل في أن نعتبر صلاة كل صيغة تستهل بـ «أسالـ (كم)» ومترادفاتها)، ونعتبر سحرا كل وصفة يقال فيها «عزمت عليكم». إلا أن هذا الحل سيُنبَذ على الفور. وهناك حل ثان يتمثل في استحضار قاعدة الكنيسة المعاصرة الذي يقبل بعض الوصفات (الصلوات) ويقصي أخرى (السحر)، إلا أنه سبق لفان غينيب أن أشار إلى الطابع الاعتباطي لمثل هذا المعيار:

«... تسمى الهمهمات تارة صلوات وتارة بدعا أو سحرا. بتعبير آخر، تسمى بعض الصيغ صلوات إذا حظيت أحيانا باعتراف الكنيسة وكانت تدخل ضمن الطقس الأبرشي القديم، وهو اليوم طقس كاثوليكي كوني وإجباري. أما إذا لم يُعترف بها أو لم يعد معترفا بها اليوم، فإنها تعتبر بدعيات وسحرا. لكن علينا أن نتذكر أن السحر والدين مصلحان نسبيان...». (فان غينيب، 1933: 479)

إن معيارا كهذا ليمدنا في الواقع بمعلومات عن تاريخ الكنيسة أكثر مما يخبرنا عن طبيعة الخطابات. وقد قابل مارسيل موس، من جهته، بين الصلوات والعزائم اعتمادا على وجود وسيط أو غيابه:

«كلما وجدنا أنفسنا أمام نص يذكر قوة دينية بشكل صريح قلنا إن الأمر يتعلق بصلاة (...) وفي الحالات الأخرى، سنقول إن الأمر يتعلق بعزيمة سحرية خالصة أو بشكل مختلط (...) العزيمة الخالصة واحدة وبسيطة. إنها لا تدعو أي قوة خارج نفسها». (مارسيل موس، 1968: 410 - 441).

إلا أن هذا المعيار لايبدو لنا مناسبا رغم ارتكازه على البنية الرمزية (وليس على البنية اللغوية أو المؤسساتية). ففي أغلب الأحيان لاتختلف وصفات - بينها تشابه تام في جميع النقط - فيما بينها إلا بهذا الحضور أو الغياب رغم كونه يبدو مجرد سمة اختيارية وليس اختلافا جوهريا. وعليه ستكون الوصفة رقم 1 صلاة، أما الوصفة التالية فستكون سحرا مع أن التشابه بينهما واضح وجلي:

(4) للقضاء على وجـع العينين

أيها التنين الأحمر، أيها التنين الأزرق، أيها التنين الأبيض، أيها التنين الطيار. مهما كان جنسك فقد أنذرتك وعزمت عليك كي تنصرف إلى عين أكبر ضفدع يمكنك العثور عليه

(Hautes Vosges)

يعتبر الفرق الذي نريد أن نجعله أساس للتقابل بين الصلاة والسحر فرقا جوهريا: ففي السحر تكون دعوة الوسيط حركة متعدية (transitive). إنها تستنفذ نفسها في هدفها، في تسهيل حركة اختفاء أو حضور موضوع نافع أو ضار. وبالمقابل، فما يستنفذ محتوى الوصفة في الصلاة هو الدعاء نفسه، أي التواصل مع الوسيط، أي ما يسميه اللاهوتيون صلاة خالصة أو صوفية. لنذكر بهذا الصدد ما قاله غابرييل مارسيل:

«كلما اقتربت صلاتي من الطلب، كلما قامت صلاتي على شيء لايمكن اعتبارها وسيلة لتنمية قوتي (باستخبار، بموضوع ما) إلا وتضاءلت إمكانية اعتبارها صلاة بالمعنى الحقيقي (...) إجمالا، لايمكن معاملة الصلاة بأي حال من الأحوال باعتبارها وسيلة للتساؤل، وسيلة يتم التشكيك في فعاليتها».

وما نقوم به هنا لا يعدو مجرد توضيح حدس من هذا القبيل على المستوى الخِطابي.

طبعا لا يشترط حضور أحد القطبين اللذين نصفهما غيابَ القطب الآخر بالضرورة. فموضع الوصفة يمكن أن يظل حاضرا، إذ يكفي التركيز على العلاقة مع الوسيط فنقترب من الصلاة. ومن جهة أخرى، يمكن أن يبقى الوسيط حاضرا، لكن بشكل ممحو لأن الاهتمام ينصب بكامله على الموضوع. فنكون حينئذ في مجال السحر (وهو ما يفسر انخداع رؤية مارسيل موس). لكن كيف نقيس ذلك «التركيز» وذلك «الاهتمام»؟ لقد أضاف غ. مارسيل، بعدما عرف الصلاة بكونها لازمة (intransitive):

«من المسلم به أنه لا يوجد في ذلك سوى موقف حد، وأن الصلاة تميل حتما في الممارسة إلى أن تعامل باعتبارها وسيلة. ولا يمكن أن توجد فيها حدود دقيقة بين دين من الأديان وسحر من السحور».

ففي الديانة الكاثوليكية تقارب الصلاة الأكثر شعبية بين عناصر النوعين: فالصيغة «أبونا الموجود في السماوات...» تنتمي إلى الصلاة، ولكن جملة مثل: «ارزقنا خبـزنا اليومي»، أو «قنا الشرور» يمكن أن نجدها في أي سحر (فالأولى تندرج في الرقية، والثانية تدخل في التعويذة). وبذلك يمكن أن نستنتج مايلي:

ما من وصفة تخلو من موضوع مَّا إلا وهي صلاة، وما من وصفة تخلو من وسيط إلا وهي سحر. أما الوصفات العديدة التي يحضر فيها الإثنان فسنحسم فيها باللجوء إلى معيار آخر ينتمي إلى التحقق اللغوي للنظام الرمزي[9].

لننتقل الآن إلى فحص الأدوار السردية. ولنسجل في البداية - وهذا أمر جدير بأن يحظى باهتمام أكبر - أن هذه الأدوار لا تظهر إطلاقا إلا إذا كانت فعلا كلاميا («واردا») حاضرا سلفا، إذ لا يولد النعت أو الصفة (أي «الموجود») أدوارا. والشيء نفسه ينطبق على اللغة التي لا يتبع فيها نظام الحالات - الذي ليس هو بشيء آخر غير شبكة من الأدوار القائمة حول الحركة - الصفة، وإنما يتبع الفعل.

لن تنطبق الاسماء التي منحناها لهذه الأدوار سوى على أحد أنواع السحر، هو النوع الذي مثلته الوصفة الأولى. وحتى نأخذ الحالة الأكثر وضوحا، فإنه لا يمكن الحديث عن مستفيد (bénéficiaire) إلا إذا تعلق الأمر بالسحر الأبيض. ففي الحالة المعاكسة سنكون أمام ضحية. وبذلك فمن الضروري أن ندخل في نظرية أعم مصطلحا محايدا بالنسبة للتقابل نافع / مؤذ، كمصطلح مرسل إليه، مثلا. كما سنحتاج إلى مصطلح نوعي يشمل الساحر والراهب مثل مصطلح المحتفل بالقداس، مثلا. وبغياب الموضوع لا يعود الكائن المبتهل إليه على الإطلاق مستحقا لتسمية وسيط لأن الدخول في علاقة معه يصير هدفا في حد ذاته. يتعلق الأمر آنذاك بحدوث تحول أعمق في بنية الأدوار، لأن الله يشارك في دور الوسيط القديم كما في الدور الذي منحناه للموضوع.

وإذن فالسحر، بتعريفه الدقيق، يشتمل على ثلاثة أدوار إجبارية (الساحر، والمرسل إليه، والموضوع)، ودور اختياري هو الوسيط. وسوف نرى أيضا أن الوسيط يمكن أن يأخذ أحيانا مظاهر أقل وضوحا فيختلط بعناصر خارجة عن نظام الأدوار.

هل توجد أدوار اختيارية أخرى؟ يمكن لبعض الأمثلة من عينتنا أن تحمل على الاعتقاد بأن الأمر كذلك:

(5) ضـد البــرد

أيها الساحر الذي ركب هذه السحابة، رجلا كنت أو امرأة فقد عزمت عليك باسم الله العظيم الحي وأدوناي الأكبر مولاك ومولاي. إنني عزمت عليك لكي لا تقترب من أرضي، ولكي تنصرف إلى الصحاري. عم إنني عزمت عليك بالعظماء الثلاثة شخصيات الثالوث المقدس، وهم الأب، والإبن، وروح القدس.

(Hautes Vosges)

(6) للقضاء على النزيـف

أيها العشب الذي لم يغرس ولم يزرع

أيها العشب الذي خلقه الله

أوقف الدم واشف الجرح!

(Hautes Vosges)

للوهلة الأولى تبدو الوصفتان السابقتان مختلفتين: ففي الأولى، بدلا من أن يتعلق الأمر بموضوع بسيط، تم محاربة السحابة والساحر الذي ركبها في آن واحد. وفي الثانية تم التماس وساطة العشب، لكن مع الإشارة بوضوح إلى أن الله هو الذي خلقه. إلا أن هناك شبها بين الوصفتين يكمن في انشطار دور بسيط (موضوع، وسيط)، في الحالتين، إلى قسمين أحدهما هو الفاعل الموجب والمبدع، وثانيهما هو الأداة العملية، أي المنتوج الذي يصلح كمساعد. إلا أن هذه الثنائية الجديدة، ثنائية «الفاعل» و«الأداة»، لا تقع في نفس مستوى الأدوار السابقة مادام يمكن تحليل كل دور من هذه الأدوار بهذه الكيفية. ولذا، يجب التمييز في تحليل الخطاب بين مستويين تقوم فيهما الشبكات العلائقية:

مستوى أكثر تجريدا، خاص بكل حكاية، يمكن التمييز فيه احتمالا بين «فاعل» و«مريض»، أو بين «مساعد» و«معاكس» (إن شئنا هنا أن نتبنى مصطلحات غريماس).

أما المستوى الثاني فهو أكثر وضوحا، ويخص عالما خطابيا في تقابله مع عالم آخر: في حالة السحر، مثلا، يمكن التمييز بين ساحر، وموضوع، ومرسل إليه، ووسيط. ويبدو هذا التمييز ضروريا لاسيما وأنه سيتيح الوقوف على تفرد وصفة مثل هذه:

(7) لوجـع العينيـن

أيتها الشائبة، أيتها النار، أيها الجرح، حبة كنت أو خيط عنكبوت، فقد أمرك الله بإمساك قوتك عن هذه العين كما تم إمساك عين اليهود عن جسم مولانا يسوع المسيح يوم عيد الفصح.

(Verrières - le - Bouisson, Hurepoix)

فالوسيط هنا لم يعد فاعلا، لقد تقلص إلى مجرد مساعد للساحر (الذي يبدو على الفور بمثابة رب أعلى).

لنحلل الآن ثالث عنصر أساسي في البنية التركيبية، وهو الفعل الإنجازي. تتمثل وظيفته في السحر في إقامة صلة بين الساحر وموضوع السحر (الوسيط احتمالا). وقد رأينا أن أهميته تزايدت في الصلوات. وهو يشير خارج مضمونه الفعلي والكلامي إلى علاقة سلطة بين الدورين: علاقة استعلاء في صغية «آمر»، و«أطلب»، و«أعزم»، وعلاقة دونية في صيغة «أتوسل»، و«أسأل»، الخ. وسنحدد الفرق بالقياس إلى مجموعتين أخريين من الأفعال الإنجازية يتم استعمالها هي الأخرى في الخطاب الديني. فالوعود (الأيمان Serments) والتوعدات تقيم ضربا من ضروب عقد التبادل، إذ يقف المتعاقدان متساويين بشكل من الأشكال. أما السِّحر فيوجد في هذا الجانب من العقد وذاك. فاختلاف السلطة يتيح الاستغناء عن التبادل. ومن جهة أخرى، لا تقتضي التبريكات (bénédictions) واللعنات (malédictions) أن يكون للمتلفظ بهما قدرة ما. فهما لا يضمنان تحقيق عمل محدد. يمكن للوصفة الواحدة أن تشتمل على عناصر متعددة من أنواع الخطاب (فالوصفة رقم 2 التي تعتبر أساسا رقية إنما تحتوي في نهاية المطاف على عهد).

يضمن الفعل الإنجازي فعالية الوصفة. فهو يحول الحكاية إلى عمل سحري. لكن هذه الوظيفة نفسها يمكن أن تحققها عناصر شكلية أخرى قد لا تمثل إلا في سياق التلفظ: فالساحر يضطلع بمهمة المحتفل بالقداس في بعض الظروف شديدة الدقة، ومن ثم فهو يرمز إلى عمله ولا يحتاج بالضرورة إلى تسميته داخل خطابه. وسنرى لاحقا ما هي التحولات اللغوية النوعية التي يمكن أن يخضع لها الفعل الإنجازي نفسه. ولنشر هنا إلى أن طرفا آخر من الوصفة، هو العزيمة، يضطلع عادة بالوظيفة نفسها (وظيفة الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بعمل سحري). لقد بدت لنا العزيمة بمثابة جزء متبق: إنه ما يتبقى من الوصفة بمجرد ما ننتشل منها الجزئين اللذين يسهل التعرف عليهما، وهما الدعاء والتشبيه. كما رأينا في الوقت نفسه أنها كانت جزئيا غير مفهومة. ويمكن أن نسمي الآن بالتحديد وظيفة هذا القسم غير المفهوم (فيما يخص الباقي سنرى أن العزيمة تكرر الدعاء أو التشبيه): إنها تسمي طبيعة العمل السحرية، أي علاقة السلطة التي تقـوم بين الساحر وموضوع السحر. وهو ما يفسر، فضلا عن ذلك، لماذا صارت عزائم كـ «الكلام الغامض» رمزا للسحر بصفة عامـة.

إذا كنا قد تركنا التوسعات جانبا، فذلك ليس لأنها ليست ذات أهمية كبرى، بل على العكس فهذه التوسعات، من وجهة نظر إثنولوجية، هي ما سيميز بالضبط سحر شعب من الشعوب (أو سحر منطقة ثقافية ما) عن سحر غيره. لقد أظهر إ. تشرنوف (1965)، مثلا، أن ظروف المكان في وصفات سحر الحب الروسي يتم تحديدها بدقة وتنظيمها في تقابلين هما: «قرية / بحر» و«شرق / غرب». والمصطلح الأول يفضل استخدامه في السحر الأبيض، أما الثاني فيستعمل في السحر الأسود. غير أن إطارنا المرجعي هنا ليس هو ثقافة هذا الشعب أو ذاك، أو هذه القرية أو تلك، وإنما هو نمذجة الخطابات. والحالة هذه، فالتوسعات تلعب في هذا الصدد دورا محدودا جدا مادام حضورها أمرا اختياريا.

2. التنظيم الرمــزي

لقد اقتصرنا لحد الآن على تحليل المقام المركزي الوحيد الحاضر مع تلفظ الوصفة. غير أننا نعرف أنه يمكن للوصفة أن تثير مستوى مرجعيا آخر مواز للمستوى الأول. لنعد إلى الوصفة رقم 1. فقد تم الإشارة فيها ثلاث مرات إلى عناصر خارجة عن سياق التلفظ، وذلك في كل جزء من الأجزاء الثلاثة التي حللناها في البداية: أولا بالإحالة على «الله الكبير الحي»، ثم بذكر واقعة من حياة المسيح، وأخيرا بالإحالة مرة أخرى، في العزيمة، إلى حياة المسيح. وقد تعرفنا حدسا على هذه الإحالة رغم وجود تحريف من اللاتينية.

وإقامة هذا النوع من التوازي بين مقامين مختلفين (أحدهما ينتمي إلى الحياة اليومية والحاضرة، والآخر ينتمي إلى الشريعة المسيحية) هو ما أدعوه التنظيم الرمزي. وهو يتحقق، كما نرى، بفضل وسائل كلامية متنوعة جدا تحتل مواقع تركيبية مختلفة. هل هذا التنظيم الرمزي ضروري؟ يرى إ. تشرنوف أن الأمر كذلك (نفسـه: 168). ومن جهة أخرى، لاجدال في وجود وصفات لاتتضمن أية إحالة على مقام آخر مثل الوصفة رقم 4. ومع ذلك، فنحن نظن أن هذا الضرب من الوصفات نوع نادر، وسنميل بالأحرى إلى الاعتقاد بأن وجود التنظيم الرمزي أمر ملزم حتى وإن كان يتم أحيانا بالرجوع إلى السياق الثقافي.

وتتجلى هذه الفئة الثانية من الظروف من خلال الوسيط (منظور إليه هنا من وجهة نظر أخرى) والعزيمة مادامت مفهومة، ثم خصوصا بالتشبيه الذي يعد وظيفتها الوحيدة[10]. ولنسجل في عينتنا المؤلفة من وصفات سحرية فرنسية أن الأمر يتعلق فعلا بتشبيه جلي وليس بمجاز بالمعنى الدقيق (الذي يختفي فيه التشبيه وراء مجاز مرسل أو استعارة، الخ.) وببقائنا دائما في السحر الفرنسي، يمكننا تبين الأصل المسيحي لأغلب التشبيهات رغم أن عناصر أخرى تمتزج فيها أيضا بشكل استطرادي وثانوي. ونفهم لماذا أمكن تسمية الوصفات السحرية «صلوات شعبية». وفي ما يلي مثال آخر عن التشبيه تكمن أهميته في كون هذا الأخير تم إنزاله منزلة الوسيط:

(8) ضـد القولنــج:

أتوسل إليك ياقولنج بالصدمة الفظيعة التي ابتلى بها اليهود جسم مولانا يسوع المسيح لما أنزلوا الصليب، وبما ابتلوه به وهم ينزلون الصليب في الثقب المحفور في الصخر لإنقاذ أرواحنا، لكي تنصرف من جسم نـ... وتعيد له صحته، أتوسل إليك أيضا، ياقولنج، بالأوجاع والعذابات التي قاساها إيرازم السعيد لما اقتلع جلادوه معيه بكلاب من حديد. أتضرع لله والعذراء.

(Flandre)

هل يمكن التعرف على وظيفة هذا التنظيم الرمزي (والحال أننا طرحنا جانبا وظيفة السرد)؟ سنحاول الإجابة عن هذا السؤال بتحليل تشبيه يتردد في العديد من الوصفات (هو التشبيه الأكثر ترددا في عينتنا). وهو يرد بشكل معلل في وصفات سحرية مثل:

(9) ضـد الحــروق

نار الله، افقدي حرارتك

كما فقـد يهـودا لونـه

لما غـدر بسيدنـا

في بستـان الزيتـون

(La Combe - de - Lancey, Dauphiné)

فالنار ويهودا مُسندان لهما مسندٌ إليه واحد («فقد»)، مما يجعل التشبيه معللا رغم أن المفعولين يظلان متميزين (النار واللون).

ويمكن لكافة أنواع الحذف والإضافة والاستبدال أن تتدخل في التشبيه دون أن تفقده طبيعته المعللة. غير أن الأشياء تصير أكثر غموضا عندما يتبادل يسوع ويهودا دورهما:

(10) ضد الحــروق:

يانــار، يانــار، يانــار،

اخفظي حرارتـك

كما خفظ المسيـح ألوانـــه

في بستان الزيتـون.

(Plessis - Robinson, Hupercroix)

(11) ضـد الحــروق:

افقد قواك وحرارتك وألوانك كما فقد سيدنا يسوع المسيح قواه وحراراته في بستان الزيتـون.

(Bruyères - le - Châtel, Hupercroix)

إن المسند المشترك يظل في طرفي التشبيه، ومع ذلك لا نستطيع تحاشي الانطباع بأن من يتلفظ بهذا التشبيه لا يحفل كثيرا بمعناه مادام يمكن بمنتهى السهولة استبدالُ الإيجابي بالسلبي والسلبي بالإيجابي.

وبإضافة خطوة أخرى يصير التشبيه غير معلل. وإليكم كيف يتم ذلك:

(12) ضد الحـــروق:

سكن وجعك كما بدل يهودا لونه في مدخل بستان الزيتـون.

(Saint - Pierre - d’Allevard, Dauphiné)

(13) ضد الحـــروق:

أيتها النار، امسكي حرارتك

كما خان الشيطان سيدنا

في بستان الزيتـون

(Villemoirieu, Dauphiné)

(14) ضد القرحـــة:

أيتها القرحة الصفراء، أيتها القرحة البيضاء، أيتها القرحة السوداء. أيتها القرحة، اطفئي نارك ونورك من فوق جميع القروح كما طلب يهودا مولانا يسوع المسيح.

(Souchamp, Hurepoix)

كيف يمكن للوجع أن يسكن كما غير يهودا لونه؟ كيف يمكن إخماد النار كما خان الشيطان المسيح؟ لقد أصبح من الواضح أن التشبيه لا يصلح لإظهار الشبه بين حدثين مادام الشبه منعدما أصلا! يقودنا ذلك إلى صياغة فرضية أعم هي أن وظيفة التشبيه ليست إبراز التشابهات وإنما تأكيد إمكانية الربط بين أحداث تنتمي إلى أصناف مختلفة وإتاحة تنظيم العالم. في هذه الحالة الخاصة يتعلق الأمر بتسجيل حدث طارئ وجديد - هو الإصابة بحروق - في صنف محدود ومعروف جدا، محصور في أهم أحداث حياة المسيح. بهذا الشكل يتم إدماج الفعل المشوش المجهول في نظام مثير للاطمئنان. وإذن فالأمر يتعلق بنشاط تصنيفي، وهذا الربط هو الذي يهم فوق كل شيء لدرجة أنه يستطيع التحرر من تعليله (من الشبه الواقعي).

أن تكون وظيفة التنظيم الرمزي ذات طبيعة تنظيمية أكثر منها إخبارية (إخبارنا بأن هذا الشيء يشبه ذاك)، فذلك ما تؤكده لنا أجناس فولكلورية أخرى. لنلأخذ مثلا الأحجيات التي توصف بـ «الحكمة الشعبية»، والتي يُتَسَاءَلُ أحيانا عما إذا كانت لاتفيد في نقل معرفة الكهول إلى الشباب ومعرفة الأكفاء إلى الجهلة، الخ. وفي ما يلي أحجيتان رائجتان في ثقافة واحدة[11]:

(15)

سيدان لا يرى أحدهما الآخر أبدا

لكن متى تعذب أحدهما واساه الآخـر

فمن هما؟ - هما العينان.

(رقــم: 108)

(16)

سيدان يسكنـان في جبل واحـد

لكن متى نزل المطـر

فإن الماء الذي يسيل على أحدهما

لا يصل إلى الآخـر

فمن همـا؟ - هما العينـــان

(رقــم: 110)

الأحجية الأولى تصف العينين بتباعدهما المادي وتقاربهما «المعنوي»، أما الثانية فتصفهما بتقاربهما المادي وتباعدهما «المعنوي». فأي الوصفتين ينتمي إلى «الحكمة الشعبية» إن لم يكن بالأحرى أي منهما؟ فهما معا يرميان إلى إقامة صلات ذات طبائع مختلفة دون أن ينشغلا بمعرفة الوقائع التي يقال إن وظيفتهما هي نقلها.

لا يمكن استنتاج نظرية وظيفية في الرمزية انطلاقا من مثالين. ويبقى أن التنظيم الرمزي للوصفات السحرية، شأنه شأن تنظيم لأحجيات، يميل إلى إظهار أن للوظيفة الإنشائية أولوية على الوظيفة «المعرفية»[12].

من الرامز إلى الدال

لقد حصرنا اهتمامنا لحد الآن على بنية الخطاب السحري باعتباره نظاما رمزيا دون أن نتجاوز ذلك إلى المادة اللغوية التي يتجلى عبرها. والفرق بين البنيتين الرمزية واللغوية أساسي: فهذا النظام اللغوي يشتمل ليس على الملفوظ اللغوي وحده، بل أيضا على سياق تلفظه. وهذا ما لايمكن أن ننساه عندما نكون أمام وصفات كهذه:

(17) للقضـاء على الساحر

رُوسْتَـانْ كْلاَسْتَـا، أُوفَارَا كْلاَسْتـَا كُوسْتُودْيَا دُورَانْ

(Hautes - Vosges)

فهذه الوصفة عزيمة محضة، ولو اقتضى الأمر أن نقتصر على ملفوظها لما استطعنا استخراج أي دور ولاالتعرف على أي عمل. غير أن سياق تلفظها يذكر من يتلفظ بالوصفة (الساحر) ولفائدة من هي مُتلفظة (المستفيد) وضد من (الموضوع). أما الفعل الموصوف فهو ناجم عن طبيعة الموضوع (وهو هنا القضاء على الساحر).

يطرح التحقق اللغوي للوصفة السحرية سلسلة من المشاكل لن نعالج إلا البعض منها على سبيل المثال.

1. الالتفاتات والسُّــرود[13]

لقد سبق فان جينيب إلى ملاحظة أن الوصفات السحرية تنقسم على الصعيد اللغوي إلى نوعين: وصفات مباشرة، أو مُخَاطِبَة (abjuratoires) (وتمثلها جميع الوصفات التي ذكرناها لحد الآن)، ووصفات غير مباشرة أو سردية وفيها يتم الاكتفاء بإيراد حدث مشابه للحدث الحالي لكن دون التصريح بالعلاقة الموجودة بينهما (فان غينيب، 1928: 5). وإليكم مثالا عن النوعين الأخيرين:

(18) ضد الحـروق:

يمر سيدنا يسوع المسيح فوق قنطرة حاملا جمر نار فيترك قليلا منه يسقط ثم ينفث فيه قائلا: أيتها النار، لقد أطفأتك.

(Jons, Dauphiné)

إن الاختلاف اللغوي بين هذين النوعين واضحٌ، وهو مماثل لذلك الذي يهدف بنفنيست إلى إظهاره عندما يقابل بين الخطاب والقصة. ففي الحالة الأولى يشتمل الملفوظ على ضمائر شخصية («أنا» و«أنت») والأزمنة الفعلية المتصلة بها، أما في الحالة الثانية فيتم البقاء في الصيغة مبنية للمجهول (صيغة المفرد الغائب) دون أي إشارة إلى العلاقة الموجودة بين هذا الملفوظ وعمل تلفظه. وإذا ظهرت ضمائر شخصية فيجب أن يتكفل بها أحد أركان التلفظ سبق ذكره. وبالارتكاز على الخصائص اللغوية لهذه الوصفات يمكن تسمية الضرب الأول منها التفاتات والثاني سرودا.

وإذا ربطنا هذا التمييز بما نعرفه الآن عن بنية الوصفة أصبح وصف هذا التحول ممكنا من وجهة نظر أخرى. فقد كان الدعاء يحتل الموقع المهيمن في الالفاتات وكان التشبيه خاضعا لها، أما هنا - فعلى العكس - التشبيه هو المهيمن والدعاء مجرد تابع له. وإلى ذلك يُضاف أن التشبيه في الحالة الثانية يجب بالضرورة أن يرتبط بالوسيط (وليس بالموضوع). وبذلك يمكن تحويل الوصفة رقم 18 إلى:

(19)

أيتها النار، لقد أطفأتك كما أخمدك مولانا يسوع المسيح لما اجتاز إحدى القناطر وهو يحمل جمر نار، الخ.

ونشير إلى أن الوصفة الأصلية لاتذكر عناصر الملفوظ فحسب (الكلمات التي يجب التلفظ بها)، بل تشير أيضا إلى عناصر التلفظ (الحركات gestes المرافقة). وفي أمثلة أخرى لاتوصف إلا هذه الحركات (السحر الكلامي يُضَمِّنُ (enchâsse) سحرا غير كلامي.

(20) ضد القـرع والجـرب

كان بول جالسا فوق حجرة الرخام. وبينما كان مولانا المسيح مارا من هناك قال له: «ماذا تفعل هنا يا بول؟ - أنا هنا لمداواة ألم مولاي - قم يا بول والتحق بالقديسة آن. ولتعطك زيت كذا، ولتذهن به نفسك برفق مرة واحدة في اليوم وأنت صائم. فمن فعل ذلك لم يصبه نخاع ولاجرب ولاقرع ولاسعار

(Flandre)

انطلاقا من هذه الأشكال السردية «القاعدية» (التي يحتوي فيها التشبيه الدعاء) يمكن اشتقاق وصفتين: وصفة يحضر فيها التشبيه وحده ووصفة يظهر فيها تشبيه جديد داخل الدعاء. وفي ما يلي مثال عن الوصفة الأولى:

(21) ضد شائبة الحدقــة:

مر القديس جان من هنا مغتبطا، فلقي في طريقه ثلاث عذراوات، فقال لهن: «ماذا تفعلن هنا؟»، فقلن: نداوي شائبة الحدقة، قال: اشفين أيتها العذارى، اشفين عيـن نـ...

(Hupercroix)

يمكن القول أيضا إن الأمر يتعلق هنا بدعاء غير مباشر للوسيط (العذراوات)، الأمر الذي يقربنا من الالتفات دون أن يناقض الوصف السابق مادمنا نعرف أن الوسيط ينتمي رمزيا إلى دائرة التشبيه. وإليكم مثالا عن الحالة الثانية:

(22) ضـد الحــروق:

فيما كان القديس بيير والقديس جان ذاهبين للتجول في الحقول وجدا شخصا مغطى بالحروق. «أيتها الحروق، أيتها الحروق. توقفي كما توقف يسوع المسيح مُحَمَّلاً بصليبه.

(Flandre)

نحن هنا أمام تضمين (enchâssement) من الدرجة الثانية. وندرك بسهولة أنه يمكن للتضمينات، نظريا على الأقل، أن تتوالى إلى ما لانهاية، إذ يكفي أن يتلفظ عيسى المسيح - وهو يتوقف - بوصفة جديدة فإذا بها تحتوي على تشبيه جديد، وهلم جرا.

وبالمقابل، متى صار التضمين ذاتيا توقف الدوار. وفي ما يلي مثال على ذلك:

(23) ضد وجـع الأسنـان:

لما كان بيير وسيمـون

يتسلقان الجبـال

جلـس سيمـون

فقال له سيدنا:

- ماذا تفعل هنا ياسيمون؟

- أواه! يا مولاي، إنني

لشديد المرض من وجع الأقاصي

بحيث لا أقوى على

صعـود الجبـال

- قُـــمْ، قُـــمْ، ياسيمـون!

سوف تُشْفَـى

من وجع قعـور الأضراس

إن تَلَوْتَ

هذا الدعاء ثلاث مرات

(Hautes - Vosges)

في هذه الوصفة يؤكد السرد نفسه على ضرورة أخذه باعتباره التفاتا. فـ «هذا الدعاء» هو الوصفة نفسها. غير أننا متى اتبعنا وصيته حرفيا استحال علينا أن نتوقف لأن كل دعاء سنتلفظ به إلا وسيلزمنا بإعادته ثلاث مرات! والتضمين الذاتي أيضا هو ما يجعل الكتابة على شكل التفات أمرا مستحيلا، لأن هذه الوصفة بالتحديد تعلن مسبقا أنها التفات. ها هو إذن تفسير ثان للطبيعة الواقعية للوصفة مادامت السرود، مهما يكن من أمر، هي التفاتات مخفاة: فخاصيتها باعتبارها التفاتات تتأتى لها من سياق تلفظها.

2. صياغة الأعمـال

لقد تعرفنا في ما سبق على عملين وفعلين (verbes) اسمينا على التوالي: أحدهما إنجازيا والآخر وصفيا. غير أنه يمكن لصيغة الفعل الوصفي أن تنقل لنا العمل الذي يسميه الفعل الإنجازي. فـ «أمرتك بالخروج» تعادل «اخرج!». ويمكن العثور على سلسلة بكاملها من الاستبدالات اللغوية:

- الأمـر البسيـط:

(24) ضد الحـروق

يانار الله، افقدي حرارتك

كما فقد يهـودا لونـه

لما غـدر بسيدنا يسوع المسيـح

في بستـان الزيتـون

فلترحـل هذه النـار

باسم يسـوع ومريــم

(Les Avenières, Dauphiné)

- الأمـر بـ «جعـل faire»

(25) ضـد الشقـوق والجـروح والآلام

اللهم اجعلني لا أتالم أكثر مما تألمت القديسة مريم لما وضعت مولانا يسوع المسيح.

(Jons, Dauphiné)

- الأمـر بـ «جعـل devoir» الإلزامية:

(26) ضد الديــدان:

كما تتلاشى الظلمات، وكما يُعْدِمُ الظلماتِ نورُ الشمسِ الإلهي، فلتتلاشي أيتها الديدان من تلقاء أنفسكن وتصرن لاشيء.

(Flandre)

ويحدث أخيرا أن يتم تعويض الفعلين معا بفعل واحد مع الاحتفاظ بالصيغة الإخبارية (mode indicatif). وهذا الفعل لايسمي قيمة العمل الإيعازية كما هو الحال مع الفعل الإنجازي، وإنما يشير إلى قيمة العمل التحريضية.

(27) ضد الحمــى

يا أورتي، لقد أعدتُ إليك حمـاي

(Jons. Dauphiné)

(28) ضد الديـــدان:

أيتها الحشرة القاضمة الأكالة، طردتك باسم مولانا يسوع المسيــح.

(Jons Dauphiné)

(29) ضـد الحــروق:

باسم ب. وف. وس - أ.، أزلت عنك الحروق التي تـحرقك.

(Savoie)

إن الأفعال «أعدت»، و«طردت»، و«أزلت» أفعالٌ تمزج بين الوظيفتين معا: الوظيفة الوصفية (فهي أفعال حركة) والوظيفة الإنجازية (إنها أفعال تتماهى مع العمل).

وتمثل الوصفات السردية درجة أخيرة في اختفاء العلامات اللغوية للعمل الراقي (acte conjuratoire) حيث يقدم الفعل المُتَمَنَّى (مثلا: زوال حمى الطحال) ببساطة كما لو أنه قد تحقق سلفا (حتى وإن ارتبط بمستفيد آخر). حالئذ لايمكن استنتاج القيمة الإيعازية إلا انطلاقا من سياق التلفظ: فالجملة الخبرية «زالت حمى الطحال» لاتعود خبرية وتأخذ قيمة تعويذة. إنها ضرب من المجاز النحوي.

3. التعبيـر اللفظي عـن الأدوار

عند الانتقال من الرّامز إلى الدال يجب بالضرورة إجراء عمليتين: توزيع أدوار خِطابية على ممثلين، وتوزيع أدوار خِطابية على الأدوار التلفظيـة.

في ما يخص العملية الأولى، نعرف جيدا منذ أعمال بروب أن الدور الواحد يمكن أن يضطلع به عدة ممثلين (كأن تقوم عدة أمراض بدور الفاعل)، وأن الممثل الواحد يمكن أن يقوم بعدة أدوار. وإليكم مثالا حيث الساحر هو مستفيد في الوقت نفسه.

(30) لإبطـال السحــر

أيها القمر، باسم العفريت الأكبر لوسيفير أمرتك بفك سحـري.

(Hautes Vosges)

أما في ما يتعلق بالعملية الثانية، فالمتكلم في الوصفات التي بحوزتنا يلتقي دائما مع الساحر. وبالمقابل يمكن للمخاطَبِ (allocutoire) أن يكون هو أي واحد من الأدوار الثلاثة الأخرى. وفي ما يلي مثال (نادر بالأحرى) تتم فيه مخاطبة المستفيد:

(31) ضد الإكزيمــا:

أيها المخلوق المسكين، يان... لقد غمرتك واجتاحتك الإكزيما في ذراعيك، أو ساقيك، أو في موضع آخر من جسمك. فلتتخلص ولتبرأ منها الآن (+) ولتستعد صحتك (+).

(Flandre)

عادة ما يكون المخاطب، كما رأينا، إما الوسيط أو الموضوع. وسنرى في هذا التمييز اللغوي وسيلة إضافية للتفريق بين السحر والصلوات: فعندما يكون الدوران حاضرين معا، يمكننا أن نصنف الوصفات التي يوجه فيها الخطاب إلى الموضوع ضمن السحر، ونصنف الوصفات التي يخاطب فيها الوسيط ضمن الصلوات.

4. مبدأ الموازنـــة

يخضع التنظيم الصوتي للوصفة السحرية في أغلب الأحيان لمبدأ الموازنة (أو المماثلة) الذي يضطلع، ككل الصور الأخرى، بوظيفة تبئير الاهتمام. فالقافية، والوزن المنتظم، والمجانسات الاستهلالية (allitérations) تكثر. والمبدأ نفسه كثيرا ما يحكم بنية الملفوظ المعجمية بعمده إلى الجناس (paronymie)[14] لتحديد اختيار الأولياء - الوسطاء مثلا:

(32) Contre les écrouelles:

Je vous adjure mille fois dans les mains de Dieu tout puissant et l'intercession de Saint Marc de guérir de toutes vos incommodités que l'on appelle Maux de Saint Marc, aussi rapidement que N.-S. J.-C. qui est béni, a guéri le bienheureux Lazare et l’a ressuscité de la mort.

(Flandre)

(32) ضد الغُـــذَبِ

عزمت عليكم ألف مرة بأيدي الله الجبار وشفاعة القديس مارك كي تشفوني بسرعة من سائر آلامكم المدعوة أوجاع القديس مارك كما داوى مولانا يسوع المسيح المبارك لازار السعيد وبعثه من الموت.

(Flandre)

أحيانا أخرى، يكون اختيار الأفعال الوصفية أو التقنية هو الخاضع للسجـع:

(33) Contre la mal d'yeux:

Je ne ferai rien qui ne soit à faire, s’il plaît à Dieu. Au nom de Dieu et de la Sainte Vierge, si c’est l’ongle, que Dieu le décombe, si c’est le dragon que Dieu le confonde, si c'est le veut que Dieu le commande.

(Haute Vosges)

(33) ضـد وجـع العينيـن:

لن أفعل أي شيء مما لايجب القيام به، إن شاء الله. باسم الله وباسم القديسة العذراء، إن كان الوجع من الأظفر فليخزه الله، وإن كان من إبليس فليخزه الله، وإن كان من الريح فليأمرها الله بالرحيل.

(Hautes Vosges)

إن كتابات الوصفات الموجودة هي للأسف غير دقيقة بشكل جلي (هي «منقحة» ومترجمة إلى فرنسية جيدة)، الأمر الذي يجعل من الصعب إبداء حكم دقيق، انطلاقا من الأدوات المجموعة، حول الدور الذي تلعبه الموازنة الصوتية واللفظية والنحوية.

أشكال الخطاب السحري الراهنة

نادرا ما يتم اللجوء في المجتمع الراهن إلى وصفات مماثلة لتلك التي حللناها للتو. هل يمكن أن نجد في هذا المجتمع نفسه شكلا خطابيا آخر ذي خصائص شبيهة بالخطاب السحري رغم أنه لا يُعد عـادة خطابا سحريا؟

يوجد شكل واحد، وهو معروف جدا ومصنف، هو مجاز التلطيف (euphémisme). عندما نتحاشى ذكر الشيء باسمه فنعمد إلى إطلاق اسم آخر عليه أكثر نفعا، فإننا نحاول حينئذ أن نؤثر في اللامخاطِب (délocuteur) (المرجع) بواسطة الخطاب. وقد رأينا أن هذا هو تعريف السحر نفسـه.

وإوالية التورية لم تعد مجهولة اليوم بعد أعمال كل من مييه (Meillet) وبونفاط (Bonfate) وبرونو (Bruneau). فهي تقتضي زمنين: لحظة المنع الذي يصيب اسم أشياء يعتبرها مجتمع مَّا أشياء خطيرة (محرمة)، ويمكن البقاء هنا. ثم لحظة الاستبدال، وفيها يتم في أغلب الأحيان تعويض الاسم المحظور باسم مغاير. ويمكن تصنيف أسماء الاستبدال، بحسب مصطلحات البلاغة المعاصرة، إلى تغيُّرَات شكلية (métaplasmes)[15] أو تعديلات الدال، وتغيرات مدلولية (métasémèmes) أو مجازات. وهذه الأخيرة بدورها يمكن أن تكون إما خصائص للموضوع المقصود - كأن يُطلقَ على الدُّبِّ اسم «الأشقر» أو «آكل العسل medved’) بالروسية(، وهي آنذاك مجازات مرسلة، وإما تكون موضوعات أخرى مُتَجَاورَة أو متضادة (استعارات، مجازات، وقلب المعنى)، كأن يُطلقَ علىالعين اسم الشمس في اللغة الإرلندية.

وإذا قابلنا مجاز التلطيف بالوصفة السحرية، كما رأيناها، سجلنا تحولا ملحوظا، إذ تتقلص الوصفة إلى التشبيه وحدَه و - أهم من ذلك - لا يحمل هذا التشبيه أي علامة عن حالته، فبدلا من قول:

(34)

عزمتُ عليك أيها الميت كي يتكون سائغا كالانتقال إلى حياة أفضل».

يُـقـال:

(35)

لقد انتقل إلى عالم أفضل.

يشتغل تعبير المجاز التلطيفي دون أن يصرح بألوانه، تجري عملية شبيهة لما لاحظناه عن الفعل الإنجازي. فبدون معرفة السَّنَن (code) الثقافي لا نستطيع معرفة أن الأمر يتعلق بمجاز تلطيف (وإذن بخطاب سحري).

والتلطيف خاضع لسنَنٍ على مستوى اللغة. ففي اللغة الفرنسية لا يوجد سوى عدد محدود من التعابير التي تتيح الحديث عن الموت بطريقة مهذبة. غير أن منظري الخطاب السحري أرادوا معرفة ما إذا كانت توجد استعمالات لغوية أخرى أقل وضوحا وأقل اعتباطا، لكنها وإن كانت شائعة جدا، فلها مع ذلك قرابة بالوصفات القديمة. وهناك رأي شائع نجده، مثلا، عند مالينوفسكي وكاستيغليوني (Castiglioni) يرى أن تنكرات السحر تتجلى بصفة أخص في خطابين هما الخطاب الإشهاري وخطاب الخطيب السياسي. إلا أن فرضية كهذه تنطلق من خلط أولي بين الخطاب السحري والخطاب الذي يـَحُثُّ على الفعل.

فالإعلان الإشهاري والخطب السياسية يحثان على الفعل، لكنهما يقومان بذلك بالتوجه إلى أشخاص حاضرين. ولكي نتكلم عن السحر، يجب ملاحظة فعل يمارَسُ على اللامُخاطب (délocutaire) أو على مُحادَثٍ غائب، وهو شيء لا نجده في الإشهار ولا في الخطبة السياسية.

نعتقد مع مالينوفسكي أنه توجد حاليا استعمالات سحرية للغة، لكن يجب البحث عنها في أمكنة أخرى، في خطاب الوصف بدلا من خطاب الإقناع. فهذا الاستعمال يتميز عن مجاز التلطيف بكونه لا يشتغل إلا داخل نمط من الخطاب (لعله الكلمة، حسب سوسور) وليس داخل اللغة. ويمكن أن نطلق عليه اسم التورية (euphémie)، وهو مصطلح أدخله برونو بمعنى آخر. ويجب على الفور أن نلحق به ضده، أي الكاكوفيميا (cacophémie) (وهو مصطلح أدخله برونو أيضا) لتسمية السحر الأسود على أثَر السحر الأبيض. ففي الحالتين معا تجري محَاوَلة تعديل طبيعة الأشياء بمنحها أسماء جديدة، نافعة أو مؤذية، غير أن هذا الاستعمال غير خاضع لسنن على مستوى اللغة.

وسنقيس الطريق الطويل الذي يفصل السحر عن مجاز التلطيف، وهذا الأخير عن التورية. إنه طريق الإخفاء، طريق كتمان طبيعة الشيء الخاصة به. فالوصفات التقليدية الكلاسيكية تصرح بوضوح بما هي عليه. ثم إنها - من جهة أخرى - لا يمارسها إلا محترفون معترف بهم، وهم الحكماء (magiciens) والسحرة (sorciers) [16].

أما مجاز التلطيف، فهو سِحر يُخَصَّصُ للجميع: يتم التظاهر بعدم تبيُّن الطبيعة السحرية للوصفة، رغم أنه ليس بالمستطاع جهلها، مادامت تنتمي للسنن الشائع. أخيرا، لا تشتغل التورية إلا لكوننا نجهل أنها واحدة. فبمجرد ما يُكشف عنها تفقد كل قيمة.

لهذا السبب نفسه يصعب عزل حالات من التورية. ولملاحظتها قد يجب التوفر على وصفتين متناقضتين للشيء الواحد. آنذاك، يمكن أن يكون أحد الوصفين على الأقل محاولة لجعل الموضوع المتحدث عنه يشبه شيئا آخر غيره. بتعبير آخر، يمكنه أن يكون محاولة للتأثير في الأشياء بواسطة الكلمات. أو قد يجب على المرء أن يعرف الموضوع المعني نفسه معرفة تامة كي يستطيع إدراك أن «وصفه» تورية وليس كاكوفيميا.

ونسوق فيما يلي مثالا عن هتين الطريقتين في الملاحظة:

ففي صحيفة لوموند ليوم 24/12/1971 ورد هذا التصريح للحزب الاشتراكي حول لقاء الرئيسين بومبيدو ونيكسن بجزيرة الأصُور:

(36)

«لا يتعلق الأمر بـ"الاتفاق المالي الأكثر دلالة في تاريخ العالم"، وإنما بترقيع مؤقت للنظام النقدي العالمي».

تكمن أهمية هذه الجملة في كونها تمارس مسبقا نقداً مَاوَرَاءَ لغَويٍّ. فأحد التعبيرين، على الأقل، اللذين يُتَّخَذان كمرجع لهما حدث واحد نفسه («اتفاق نقدي...» و«ترقيع مؤقت...»)، يشارك في التورية أو في الكاكوفيميا (ومن ثم في الخطاب السحري) مادام يريد إقرار هذا الحدث في صفة ليست له من خلال إضفائها عليه.

أما في ما يخص الطريقة الثانية في الملاحظة، فسأعود إلى النقاشات التي جرت في مجال النظرية الأسلوبية حيث يمكنني محاولة قياس الطاقة السحرية للصياغات المستعملة. وتقدم لنا النقاشات الحديثة حول مفهوم الانزياح مثالا جيدا. فقد أكد العديد من المؤلفين أن هذا المفهوم غير كاف علميا وضار إيديولوجيا، الخ. غير أن هؤلاء المؤلفين أنفسهم عندما يكونون أمام الظواهر التي يغطيها ذلك المفهوم لا يجدون سبيلا لتجاوزه، لكنهم يستعملون كلمة أخرى يُنتَظَرُ منها بكيفية ملحوظة مفعولٌ نافعٌ وسأستمد أمثلتي من كتابات هنري ميشونيك وجان-كلود شوفالييه وجوليا كريستيفا[17]. فهؤلاء المؤلفين يهاجمون مفهوم الانزياح والمدافعين عنه، لكن إليكم كيف ينطلقون هم أنفسهم:

يطلق هنري ميشونيك اسم الأدبية على اللغة الشعرية التي كانت تقليديا «تنزاح» عن اللغة اليومية (كما عند جون كوهن، مثلا)، ويكتب في تعريفها:

(37)

إنها تقابل الأدب الفرعي الذي يعتبر فضاء أدبيا غير موجه، كما تقابل لغة التخاطب اليومية التي تعتبر فضاء مفتوحا كليا وغامضا مادام تنظيمه يخضع دائما للمراجعة.

وفي نص آخر، حديث جدا، يكتب المؤلف نفسه (حول جون-كلود شوفالييه):

(38)

إنه يؤسس النص باعتباره رفضا للخَطِّيَّة، باعتباره اختلافا مع اللغة الناقلة في القصد وليس في الطبيعة.

لكن هل باستطاعتنا تصديق أن التخلي عن مفهوم الانزياح يتم بمجرد تعويضه بكلمتي «تقابل» أو «رفض»؟

والشيء نفسه نجده عند ج-ك. شوفالييه:

(39)

تبدع لغة التخاطب الشفهية اليومية بالارتكاز على عدة عناصر خارجية: المحاَدَث والمحادثين، والظروف المكتنفة، والموضوع الذي يُتَحَدَّث عنه، ومن هناك فهو يتطور بشكل متحرر جدا ولا يمكن التنبؤ به إلا بصعوبة. وعلى العكس، فالخطاب المكتوب يعرض نفسه ككل يحل القارئ رموزه عموما باتباع الخيط الناظم، لكنه يمكن أن يلغيه، الخ.

ويتضح هذا الموقف بشكل تام في مداخلة شفهية لجوليا كريستيفا في ندوة كلوني (Cluny) الأولى:

(40)

من شأن النبذ الكامل لمفهوم الانزياح أن يحمل على التفكير في العمل المغلق على نفسه دون إحالة على نصوص أخرى. لكنني، أعتقد، بعد كل حساب، أن كلمة «انزياح» كلمة بالغة الخطورة لأنها تحيل على مفهوم «الانحراف». فسواء قيل «انزياح» أو «انحراف» أو «شذوذ»، فذلك لا يختلف في شيء. من الأليق إذن أن نتكلم عن «تحول» إن شئنا الحديث عن «تنـاص».

مما تجدر ملاحظته كون جوليا كريستيفا لا تتحدث هُنا عن مفاهيم وإنما عن كلمات. فالكلمة هي التي تعد خطيرة (مؤذية)، ولذلك يتم تغييرها بكلمة أخرى (نافعة) دون إلحاق أدنى تغيير بالمفهوم[18]. ها نحن إذن أمام مثال واضح عن التورية. وطرق الاستبدال تظهر بوضوح: فإما يتم اختيار كلمات محايدة نسبيا وخالية من إيحاءات ثانوية («يقابل»، على العكس») فنكون حينئذ داخل سحر الوقاية، أو - عبر إقامة معادلة ضمنية - يتمُّ الاعتماد على معنى آخر للكلمة، علميّ مع «تحول»، وسياسي مع «رفض» (فنكون حينئذ داخل سحر التملك).

الآن وقد وصلنا إلى هذه النقطة علينا أن نعترف مع ذلك بأن الخطاب السحري متى جُرِدَ من علاماته الخارجية لم يتميز عن الخطاب الوصفي إلا في حالات قصوى كتلك التي أوردناها توا. أليس الاعتقاد بأن الأشياء تحمل اسمها المسجل عليها هو ضربٌ من الاستسلام لتطيُّرٍ أشد خطورة؟ إن كل عمل للتسمية هو فرضية، وبهذه الصفة فهو يشارك في رغبة المتكلم في جعل العالم مفهوما، ومن ثم خاضعا. هل يمكننا الاعتقاد بأننا نتوفر أنفسنا على معيار بريء يتيح قياس درجة «السحرية (magicité)» في خطاب الآخرين، ويتيح معرفة أن الموضوع المذكور بكلمات مختلفة هو الموضوع نفسه؟ بعدما خرجنا من هامش ضيق نسبيا من التوريات المحققة، علينا أن نعترف (كما فعل إيزوتسو، لكن بعد اجتيازه طريقا مخالفا لطريقنا) بأن لكل خطاب وصفي - وهو ما يعني أيضا أن ما من خطاب إلا وله - بُعدٌ سحري. وما نطمح إليه هو أن نعرف كيف نقر بهذا البعد وليس أن نقصيه.

خلاصة: بعض التأملات العامة في السحر

لقد أصبح السحر منذ البدايات الأولى للإثنولوجيا واحدا من الموضوعات المفضلة في هذا الحقل المعرفي فحصل فورا على وضع اعتباريّ غامض لا تعود مسؤوليته إلى السحر وإنما إلى ما يمكن تسميته بإحساس الإثنولوجيا بخطإها التكويني. ذلك أن الأهمية التي أولاها للسحر جميع الإثنولوجيين الكبار، من فريزر إلى ليفي ستروس، مرورا بمارسيل موس ومالينوفسكي وإيفانس بريتشارد وآخرين كثرين، تلك الأهمية ترسم، كما في العمق، الطبيعة الاستثنائية للظاهرة السحرية. فظاهرة كهذه لا يمكن أن تستغني عن تفسيرات، ولكَمْ هي غير قابلة للتفسير! لكن من جهة أخرى، وفي الوقت نفسه، إن جميع منظري السحر، وكأن الندم قد استحوذ عليهم لكونهم وجدوا الآخرين شديدي الاختلاف عنَّا، قد حاولوا إظهار أن السحر لا يختلف على كل حال اختلافا كبيرا عن الأنشطة المالوفة لدينا، بل وحتى عن أكثرها جدارة بالاحترام مادام سيُدمَجُ أخيرا في العلم. هكذا سيستطيع ليفي ستروس أن يكتب ما يلي في معرض تلخيصه لتقليد طويل:

«بدلا من إقامة تقابل بين العلم والسحر، من الأفضل وضعهما كمتوازيين، أي باعتبارهما نمطين معرفيين غير متساويين من حيث النتائج النظرية والعلمية (ذلك أنه، من هذه الوجة للنظر، صحيح أن العلم ينجح أكثر من السحر رغم أن السحر يسبق تكون العلم، بمعنى أنه ينجح هو الآخر في بعض الأحيان). وعدم تساويهما لا يكمن في نوع العمليات الذهنية التي يقومان عليها، فهي عمليات لا تختلف في الطبيعة، وإنما في الظواهر التي تطبق عليها تلك العمليات» (ليفي ستروس، 1962: 21).

هكذا، فبعدما يُعَرِّي الإثنولوجي طبيعة السحر الغريبة بِيَدٍ يعودُ فيُلغي هذه الحركة بيدٍ أخرى لشعوره بالندم، فيؤكد لنا أن السحر يشبه بما فيه الكفاية ما نحن عليه، أي ما نقدِّرُه. ونرى ثمة، كما في مُنمنَمة، الحركة المزدوجة المؤسسة لكل إجراء إثنولوجي: الاعتراف بغرابة الآخر، ثم تعظيم هذا الآخر الغريب واختزاله إلى الذات وكأنه يُرادُ تجنب كل شك في وجود تمركز حول الذات العرقية.

بدل أن أستخلص نظرية جديدة في السحر انطلاقا من قناعاتي الشخصية أودُّ الآن أن أسلك طريقا معكوسا فأرى انطلاقا من واقعة سحرية كنتُ شاهدا عليها، بل وحتى ممثلا فيها، ما هي الظروف الضرورية والكافية لوجود تلك الظاهرة. الحدث عادي جدا. فقد كنتُ ذات يوم في الريف أحاول عبثا إصلاح نافذة مركبة بشكل رديء، فأدت حركة جسورة إلى حصر إبهامي في فتحة النافذة. تأهبتُ لإطلاق بعض الترنحات، غير أن جارة لي، وهي ريفية من المنطقة، كانت هناك فاقترحت علي أن تداويني من ألمي على الفور. أمسكتْ يدي، وقامت بحركة حول أصبعي، وتلت بصوت خفيض كلمات لم أتبينها، ثم التفتت إليَّ وقالت: «انتهى، لقد انصَرَفَ». وفعلا، كان الألم قد زال. كان قد انتهى.

قد يعترف الجميع - فيما أظن - بهذه الواقعة باعتبارها حدثا سحريا يدخل ضمن السحر العلاجي تحديدا. ولذا سأحاول الآن وصفه بذكر خاصياته. طبعا، أنا على استعداد لتركه عند الاقتضاء كي أستبدله بوقائع سحرية أخرى أكثر وضوحا وأكثر تعبيرا.

أولا، يتجلى السحر على شكل أفعال سحرية، أي أعمال يقوم بها السَّاحر ويتبعها - كما في حالتي - تحولٌ في الحالة عند المرسل إليه بالنسبة لهذا العمل[19].

تتيح هذه المفاهيم العامة جدا صياغة تعريف أول للأعمال السحرية، وهو الآتي: إنها أعمال يُؤَثِّرُ بها الساحر في موضوع السحر لكي يؤثر - في الواقع - في المرسَل إليه.

لنقارن العملَ السحري بعملين أبسط يمكن توضيعهما - إذا صحَّ القول - بتفكيكهما انطلاقا منه. فمن جهة، يكتفي عمل تقني خالص، كالتدخل الجرَاحي، بالتأثير في الموضوع. ومن جهة أخرى، يرتكز فعلٌ مثلَ المرافعة القضائية على التأثير في المخاطَب دون أن يزعم أنه يؤثر في موضوع الحديث. وإذن فنحن أمام صنفين من الأعمال: ففي حالةٍ يتم التأثير في المرجع، وفي حالة أخرى يتم التأثير في المخاطَب. فلنسمهما «مرجعيَّات (référentiels)، و«خطابيات (allocutoires)». إن السحر عمل للمخاطبة يقدم نفسه باعتباره عملا مرجعيا.

ويحسن بنا أن ننظر الآن في جملة من الاعتراضات التي يمكن أن توجه إلينا:

أوَّلا: قد يبدو من باب الإسراف الحديث عن «مرجع» في حالة الموضوع مادام هذا المصطلح ينتمي إلى الإطار المفهومي للسانيات، والحال أن السحر لا يكون بالضرورة لُغَويا، وهو لم يكن لغويا في مثالنا إلا بشكل نسبي جدا، حيث شاهدتُ العمل جيدا لكنني لم أسمع الكلمات التي رافقته. وإذا كنت مع ذلك قد سمحت لنفسي بهذه المقارنة، فذلك لأن الأعمال السحرية تتبع لمقولات السلوكات الرمزية التي لايعدو الخطاب مجرد مثل واحد عنها، وهو في أغلب الأحيان حقّا الأكثر سهولة للتحليل. وبهذا الصدد، فإن مارسيل موس هو السباق إلى تأكيد وجود قرابة بين مختلف قنوات نقل السحر:

«تتضمن كل حركة (geste) سحرية جملة لغوية، ذلك أنه يوجد دائما فيها حد أدنى من التمثل، وفيها يتم التعبير عن طبيعة الطقس، وغايته، وذلك بلغة داخلية على أي حال. ولذلك نقول إن الطقس الصامت الحقيقي لا يوجد بالمرة. ومن هذه الوجهة للنظر، ليس الطقس اليدوي بشيء آخر غير ترجمة هذه العزيمة الصامتة. فالإشارة علامة ولغة» (مارسيل موس، 1960: 50).

ثانيا: يمكن الاعتراض علينا بأن المرسل إليه في بعض الأحيان يكون هو موضوع السحر. إذ توجد وصفات سحرية، كما رأينا، يقال فيها مثلا: «عزَّمتُ عليك أيها المرض كي تغادر جسم ن...، الخ.». إلا أن مثل هذا الاعتراض يخرجنا من دائرة السحر إلى المعاناة منه. فما التلفظ الحالي سوى الجزء غير المرئي من جبل الجليد العائم، والأدوار التي تهمنا لا تنكشف في أغلب الأحيان إلا بفحص الجزء الذي تمَّ حجبُه منذ البداية. فلو كنتُ ساحرا وخاطبتُ المرضَ بدل المريض لكنتُ حينئذ أستعمل نهجا بلاغيا، مجازا نحويا. فمما لا شك فيه أنني أؤثر في المريض، وما الفصل الذي أقمته بينه وبين المرض سوى فصل ظاهري. وعليه فالحوارُ مهما يَقُلْ عنه السَّحَرَة إنما ينعقد بين بَشَرٍ حتى إشعار آخر.

أخيرا: يمكن لاعتراض آخر أساسي جدا أن يجادل في كون العمل الحقيقي لا يتعلق دائما بالمرسل إليه. ولنأخذ حالة أخرى من السحر، مألوفة: يتدخل الساحر لفائدة فتاة قصد مساعدتها على غزو قلب شاب مَّا. فحسب ما يبدو للوهلة الأولى، لا يوجد هنا عمل في المخاطب وإنما في موضوع السحر فقط. وأجيب بأن مثل هذا العمل لا يكون فعالا - وإذن لا يكون سحريا - إلا إذا أصاب، رغم كل المظاهر، المحادَثَ الواقعي وهو الفتاة في هذا المثال، اللهم إذا لم يكن هناك حوار ثان فيصير الفتى في العمل هو مُحَادَثُ الساحر. وهنا أيضا ربما يجب مكابدة السحر قصد التوصل إلى إعطائه وصفا آخر.

يتطلبُ أحد المصطلحات الواردة في ردنا على الاعتراضات الممكنة بعضَ التفسيرات الإضافية: إنه مصطلح العمل الرمزي. فهذا المفهوم الذي طبقناه على السِّحر يمكن، في الواقع، أن يفهَمَ منه على الأقل ثلاثة أشياء مختلفة:

- فبالبقاء داخل الصورة التي يريد السحر فرضها عن نفسه، وهي صورة عمل في موضوع الكلام، نلاحظ وجود علاقة رمزية هامشية إلى حدٍّ ما بالنسبة لطرحي الحالي. إن العمل السحري يرجع بالضرورة تقريبا إلى سلسلة من الأحداث غير الأحداث الحاضرة: إنه يُشَبِّهُ الحالةَ الراهنةَ بحالة شرعيةِ تشكل جزءا من لائحة مغلقة وجد معروفة مسبقا. وتأخذ هذه الإحالة في أغلب الأحيان - وقد رأينا ذلك - شكل تشبيه واضح: يقول الساحر: «فلتُشْفَ كما تخلص يسوع المسيح على الصَّليب من ألمه». فوظيفة هذا التشبيه وهذه الرمزية ليست هي إطلاعنا جيدا على العمل الحاضر (بهذا المعنى ليس السحر نمطا من المعرفة)، وإنما هي تدجين المفرد والحادث وجعله مألوفا من خلال ربطه بصنف من الوقائع المنظمة تنظيما جيدا. فللرَّمزيُّ دورُ تنظيم المادة المدرَكَة. إن الحادثة التي وقعت لي تبدو للوهلة الأولى غير متطابقة مع هذا الوصف، لكن لنحاول أن نتمثل الأشياء بشكل أفضل: فبوضعي يدي بين يدي جارتي التزمتُ مسبقا بميثاقٍ غير معبَّر عنه، بمقتضاه وضعتُ ثقتي في المطببة. والحالة هذه، ألم أفترض أن لساحرتي دراية بمعالجة حالتي الخاصة، وإذن لها معرفة بكيفية إدخالها في إحدى فئات الوقائع التي تدخل ضمن كفاءتها العلاجية؟ إن التزامي نفسه في هذا العمل يقتضي أن الحادثة التي جرت لي لم تعد مجرد حدث شاذ ومنفرد، بل صارت تندرج ضمن صنف قائم من الوقائع رغم جهلي بطبيعتها.

لننتقل الآن إلى المظهرين الرمزيين الآخرين للفعل الرمزي:

أولا: يمكن إقامة العلاقة الرمزية بين العمل السحري المزعوم، أي العمل في المرجع، والعمل السحري الواقعي، أي العمل في المخاطب. هذه العلاقة علاقة رمزية لأن الواحد يثير الآخر دون أن يكون هذا الأخير واضحا. فالانشطار (dédoublement) (على مرأى مُلاحِظٍ خارجيّ على الأقل) هو الذي يخلق الرمز.

ثانيا: إن العمل السحري عمل مركزي بالمعنى الذي قصده موس لأنه يتألف من كلمات أو إشارات يمكن قلبها إلى كلمات. وهذا الشكل من الرمزية تكميلي للشكل السابق بمعنى ما. إن نسلم بأن العمل السحري يريد أساسا أن يؤثر في المخاطب، فإنه يصبح بهذه الصفة فعل كلام كأي فعل آخر ينفذ في وجوده الخاص ويكف عن الإحالة على أي شيء آخر غير نفسه. فالعمل السحري يتألف من رموز، غير أن هذا لا يعني على الإطلاق أنه عمل خيالي أو غير جدِّي. فـ «جدِّيُّ» الأعمال الرمزية يفرض تحديدا أن يُصَاغَ برموز. وذلك يتيح إبعاد العديد من سوء التفاهمات المتعلقة بالفعالية السحرية. فالسحر العلاجي، مثلا، ليس بفيزيولوجيا رديئة (لأنه يحاول علاج أمراض بواسطة حركات وأقوال غريبة)، بل هو سيكولوجية جدِّية لأنه يجد الوسائل الملائمة للتأثير في الغير: بدلا من أن يكون عملا مرجعيا فاشلا، إنه يغدو، بالأحرى، عملاً خِطابيا (allocutoire) ناجحا.

متى ركَّزنا على العمل المرجعي كانت العلاقة الرمزية من نوع استبدالي (substitutif)، ومتى وضعنا العمل الخطابي في المقام الأول كانت العلاقة نفسها من نوع المشاركة. وإذن، فالسحر علامة وصراع في آن واحد.

يتيح هذا التحليل للعلاقة بين الرمز والسحر الإحاطةَ بطبيعة هذا الأخير عن كثب.

أولا: لا يتكون العمل السحري من الملفوظ وحده، كلاميا كان أو غير كلامي، وإنما من التلفظ في كليَّتِه. فهو لا يحتوي الجمل الملفوظة أو الحركات المنجزة فحسب، بل يحتوي أيضا أبطال هذا العمل، وظروف إنتاجه، وعلاقة مجموع العناصر فيما بينها. إنه يتحقق بفعل تظافر سلسلة من الشروط - لن أسترسل في عرضها - التي، دون أن تُكَوِّنَ السحر، هي وحدها تجعله ممكنا.

ثانيا: يكمن ما هو نوعي في السحر تحديدا في إمكانية هذا التطور المزدوج: كونه علامة وصراع في آن واحد، وكونه يحاول التأثير في الغير زاعما أنه يؤثر في موضوع خطابه.

بوسعنا الآن مقارنة السحر بأنشطة أخرى مجاورة له حتَّى نحاول تحديد طبيعته:

في البداية، يمكن مقارنته بوصف معنِيٍّ بما يصِفُه من أشياء كأن نثيرَ، مثلا، حدثا ما لإقناع مُحَاوِرنا واستقطابه. هنا أيضا يوجد عملان: أحدهما موجه نحو المرجع، والآخر موجه نحو المخاطَب. إلا أن الاختلاف يكمن أولا في طبيعة العمل المرجعي. إنها هنا وصفية، وإذن فهي الحفاظ على المرجع. أما هناك، في السحر، فهي طبيعة تحويل. بالإضافة إلى ذلك، فالعلاقة بين العملين ليست واحدة. ففي الوصف الإقناعي يخضع العمل المرجعي للعمل الخطابي: فمن السها، على الأقل، إثبات نية التأثير في الغير وإن لم يتم الإعلان عنها صراحة. وعلى العكس، فما يتراءى في العمل السحري هو العمل المرجعي وحده بحيث إذا أثرت مباشرة في المخاطب لم يعد هناك سحر على الإطلاق.

ونرى الآن كم هو شاسع الفرق بين العلم والسحر، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن الثاني أحط قيمة من الأول. فالعمل العلمي هو قبل كل شيء عمل يريد لنفسه أن يكون مرجعيا خالصا (هذه على الأقل نية العملم المحض). علاوة على ذلك، فالعالِمُ لا يُقِرُّ بأنه يبحث في نشاطه العلمي نفسه عن تغيير الواقع إلى ملفوظ خالص، إلا بمحو طبيعة السحر الإنجازية.

كثيرا ما جرت المقارنة بين السحر والدِّين. والاختلافات هنا من طبيعة أخرى. فبين الإثنين شَبَهٌ بوصفهما عملين خِطَابِيين (إلا أنه يتوجب علينا هنا التمييز بين الخطاب الذي نوجهه إلى الله وبين الخطاب الذي يمكن أن يتبادله عضوان من جماعة واحدة). وفي المقابل لا يؤدي الخطاب الديني أي عمل مرجعي: إنه يحَوِّلُ علاقة الإنسان بالله ولا يحول علاقة الإنسان بالأشياء (وإلا فسيكون هذا الدين ملطخا بالسحر - وهو ما تخلو منه الممارسة).

كثيرا ما تم التساؤل عن الأشكال التي يأخذها السحر (إن كان يأخذ شكلا) في حضاراتنا العصرية التي تعتبر الشفاءات الخارقة، كتلك التي منتُ موضوعا لها، ضربا من ماضٍ ولَّى إلى غير رجعة. هل يوجد في ظروف حياتنا اليومية سحرٌ عصريٌّ يتم بلا أشباح وبلا وصفات؟

وبهذا الصدد، كثيرا ما يُستَحضَرُ الإشهار. ونو الآن أن نرى أين تكمن الاختلافات والتشابهات بين السحر والإشهار. يؤثر الخطاب الإشهاري في مخاطبه، [بل] إن هذا التأثير يشكل جزءا من تعريف هذا الخطاب نفسه. ولتحقيق هذا التأثير، يمكنه أن يحاول تعديل طبيعة موضوع حديثثة (ولكن ليس هذا سوى أحد أشكال الإشهار)، كأن أقول مثلا لكي أبيع جهازا ما عنه إنه «سيشتغل مدة خمس وعشرين سنة دون أن يصيبه أي عطب». لكن هذا الخطاب لن يفترض أبدا أنه يحوِّلُ ما يتحدث عنه، كما أنه لن ينادي بهذا التغيير كتعريف لكينونته. فلو كشفتُ ن العمل المرجعي للتحول كان عملي الخطابي للإقناع محكوما بالفشل.

يتميز جميع آباء السحر العصريين - الذين ليست بعض أشكال الإشهار سوى أحد أمثلتهم - عن جَدِّهِم الكلاسيكي بهذه الخاصية النوعية المتمثلة في كونهم يُخفُونَ طبيعة تأثيرهم في المرجع بدل المطالبة بها. السحر العصري سحر خجل. فبتجميلي الموضوع الذي أتكلم عنه إنما أبحث عن إقناع مُحَادِثي. وذلك ما هو متماثل من الجهتين. غير أني في إحدى الحالتين أخفي التجميل، وفي الأخرى أحجب محاولة الإقناع. إذن، فالسحران الـ «عصري» والكلاسيكي تناظريان بشكل تام: كلاهما يدَّعي أنه بسيط. أحدهما لا يبوح بتأثيره المرجعي، والآخر لا يكشف عن عمله الخطابي.

وعن هذا الاختلاف تتفرع اختلافات أخرى: فمنتج السحر الكلاسيكي [شخص] محترف يعترف به الجميع، وتضمنُ له فعاليته الشهرةَ. أما الساحر العصريّ، فلا يقرُّ أبدا بكونه ساحرا بما أنه يخفي تحديدا طبيعة عمله السحرية بدل إعلانها. وفي أيامنا هذه، لربما كان الساحر الوحيد الذي يشبه الساحر القديم هو ذلك الفنان الذي يعلق قماشه البالي على الحائط، ويسميه «Composition BX 311»، فيبيعه بما يفوق عشرة ألف دولار. مع أن تحول المرجع يكون نتيجة إقناع المشتري بَدَلاً من إثارته. فالتحول تناظُريٌّ من جهة المرسل إليه الذي هو في حالة السحر الكلاسيكي فرد مُحَقَّقُ الهوية يلتمس من تلقاء نفسه تدخل الساحر. أما اليوم، فهذا المرسل إليه غير معروف، لا مُسمَّى ومتعدد: إنه الرأي العام، إنه الـ «إنسان المتوسط» الذي يتعذر الإمساك به، وهو لا يعرف أنه ضحية للسِّحر أو مستفيدٌ منه.

إن هذه القرابة التي من الهام أيضا رؤية جوانبها المتشابهة والمختلفة، لتُظهِرُ أن النشاط السِّحري إذا نظرنا إليه في شموليته يظل أبعد ما يكون عن تلك الصورة التي يراد تقديمه لنا بها في أغلب الأحيان، وهي صورة حيوان غريب وملغز. والأعمال تعرض نفسها بأشكال متنوعة، ولكن وراء التمويهات المختلفة تنكشف بنية مشتركة. فقابلية السحر ليست في حاجة لأن يُبحَثَ عنها بعيدا جدا في الزمان - في العصر الوسيط المعتِم، مثلا - ولا في المكان (عند متوحشي القارات البدائية). إنها حاضرة في كل واحد منا حتَّى وإن اختلفت أشكالها لأن ما من أحد منا إلا ويحاول وهو يمارس نشاطا رمزيا - كأن يتكلم مثلا - أن يُنَظمَ الأمر بالطريقة التي تناسبه في سبيل ذلك الحوار المستمر الذي ينخرط فيه مع أمثاله.

ولربما كان النشاط الوحيد الغريب حقا - إن كان موجودا - هو عمل الوصف المحض، هو تسمية العالم التي تفلح في عدم تغييره وعدم إخضاع عمل التسمية نفسه لهدفٍ إقناعي ما، لربما كان هو ذلك العمل الذي تطلق عليه بضعة شعوب متاخمة للجزء الغربي من القارة الأوروبية اسم عِلـمٍ.


 

الهوامـش والمراجــــع *

Austin, J. I.,

1970, Quand dire c’est faire, Paris, Le Seuil.

Bonfante, G.

1939, «Etudes sur le tabou dans les langues indo-européennes», in Mélanges de linguitique offerts à Charles Bally, Georg, pp. 195-207.

Bruneau, Ch.,

1952, «Euphémie et euphémisme», in Festgabe Emil Gamillscheg. Tübingen, Niemeyer, pp. 11-23.

Castiglioni, A.,

1951, Incantation et magie, Paris, Payot.

Guiraud, P.

1967, Structures étymologiques du lexique français, Paris, Larousse.

Günter, H.,

1921, Von der Sprache der Gِtter und Geister, Halle, Niemeyer.

Izutsu, T.,

1956, Language and Magic. Studies in the Magical Function of Speech. Tokyo, Keio University.

Malinowski, B.?

1923, «The problem of Meaning in Primitive Languages», appendice à C. K. Ogden & I. A. Richards, The Meaning of Meaning. London, International Library of Psychology, pp. 296-336.

1966, The Language of Magic and Gardening (Coral Gargens and their Magic, II). 2nd., London, George Allen & Unwin.

Maranda, E. Kِngنs & P. Maranda,

1971, Structural Models in Folklore Transformational Essays. LA Haye, Mouton.

Marcel, G.

1928, Journal métaphysique. Paris, Gallimard.

Mauss, M.

1960, Sociologie at anthroplologie, Paris, Les ةditions de Minuit.

1968, Œuvres, I: Les Fonctions sociales du sacré, Paris, Les ةditions de Minuit.

Meillet, A.

1921, «Quelques hypothèses sur des interdictions ed vocabulaire dans les langues indo-européennes», in Linguistique historique et linguistique générale, Paris, Champion.

Sebeok, T. A.,

1953, «The Structure and Content of Chemins Charms», Anthropos 48, pp. 369-388.

Tchernov, I.,

1965, «O structure russkikh zagovorov», Trudy po znakovym sistemem 2, pp. 159-172.

Todorov, T.,

1972, «Introduction à la symbolique», Poétique 3 (II), pp. 273-308.

1973, «Analyse du discours: l’exemple de devinettes», Journal de Psychologie 70 (1-2), pp. 135-155.

Todorov, T., ed.

1970, L’Enonciation (Langages 17), Paris, Didier-Larousse.

Van Gennep, A.,

1928, «Incantation médico-magique en Savoie», in Annecy, son Lac et Vallées de Thônes. Annecy, Imprimerie Commerciale.

1933, Le Folklore du Dauphiné, II. Paris, G.-P. Maisonneuve.


الهـوامش

[1] لقد جمعنا الإحالات على النصوص المرتبطة بنظرية الخطاب السحري في نهاية هذا البحث (انظر قائمة الهوامش والمراجع).

[2] حول هذا التقليد الأخير، راجع غونتر 1921 (وكتابه هذا يتعلق بالأدب الكلاسيكي).

[3] تجنبا للالتباس الذي قد تحدثه الترجمة الواحدة لكل من «action» و«verbe»، وكلتاهما تعني «فعلا»، فقد آثرنا تعريب الكلمة الأولى بـ «عمل» والثانية بـ «فعل». شجَّعَنا على ذلك أمران: الأول استعمال المؤلف في القسم الأخير من هذا البحث كلمة «acte»، ومعناها «عمل»، مرادفا لـ «action»، والثاني - ولعله الأهم - غياب مفردة «فعل» في كتب السحر العربية التي تتحدث - بالمقابل - عن «عمل»، كقولها: «لنجاح العمل، قبل الشروع في العمل، الخ... المترجم).

[4] وهذا الموقف دال لاسيما وأنه يصاغ عند ماليوفسكي في تجاوز لتصوراته السابقة. فهو يكتب: «في إحدى كتاباتي السابقة [مالينوفسكي، 1923] كنت جعلت الخطاب المتحضر والعلمي متعارضا مع الخطاب البدائي، واعتبرت من الثابت أن الاستعمال النظري للكلمات في كتابات الفلسفة والعلم الحديثة استعمالٌ مفصولٌ كليا عن جذوره النفعية. كان ذلك خطأ، وخطأ كبيرا. فبين استعمال اللغات المتوحش وبين الاستعمال الأكثر تجريدا وتنظيرا لا يوجد فرق سوى في الدرجة. ذلك أن معنى جميع الكلمات بكامله ينحدر في نهاية المطاف من التجربة الجسدية (مالينوفسكي، 1966: 58). ومن هذا التعميم الأول ينحدر تعميم ثان. فالملفوظات «ذات معنى» كانت في السابق تتعارض مع الملفوظات «ذات وظيفة». لكن بما أن جميع الملفوظات «لها وظيفة» فلا يبقى سوى استخلاص النتيجة المنطقية التالية: المعنى هو الوظيفة. هكذا يجد مالينوفسكي نفسه منقادا، بمفاجآته الخاصة تقريبا، إلى عدم رؤية أي فرق بين الجمل الشائعة والكلمات المجردة من المعنى التي تستخدَم في الطقوس السحرية: «في العمق، إن لهذه [الكلمات] دلالة بمعنى أنها تلعب دورا» (المرجع السـابق: 247)... تختزل نظرية مالينوفسكي اللغوية جميع الكلمات إلى مجرد «تعاويذ». ويجب انتظار أبحاث ج. ل. أوستين لتبين أن وظيفة مالينوفسكي تداخِلُ في الواقع بين ثلاثة مفاهيم: القيمة التعبيرية (valeur locutoire) (locuyionary force) التي تحتوي على المعنى والإحالة، والقيمة الإيعازية (valeur illocutoire)، أو البعد التأثيري لكل ملفوظ، ثم القيمة التحريضية (valeur perlocutoire)، أو الأثر الملموس للملفوظ (أوستين، 1970). حول مجموع هذه المفاهيم، راجع كذلك تودوروف: 1970.

[5] للاستجابة لحاجيات الدراسة الحالية سأستعير هذه الوصفات من المؤلفات التالية:

- L. F. Suave, Le Folklore des Hautes - Vosges, Paris, Maisonneuve, 1989; CL. et J. Seignolle, Le Folklore du Hupercroix, Paris, Maisonneuve, 1937; A. Van Gennep 1928 (in Annecy...), 1933 (Le Folklore du Dauphiné, II); I. D., Le Folklore de la Flandre et du Hainaut français, Paris, Maisonneuve, 1936.

ولا يتعلق الأمر [في هذه الوصفات] بمتن، وإنما بأمثلة أو بعينة إن شئنا.

[6] في ما يخص التمييز الضروري بين هتين المرحلتين، لقد فسرته بإسهاب في: «تحليل الخطاب: مثال الأحجيات» (تودوروف، 1973)، وفي ما يخص مجموعه المفاهيم التي تدير هذا البحث، [فقد فسرتها كذلك] في «مقدمة للرمزية» (تودوروف، 1972).

[7] في دراسة موازية من وجوه عديدة لدراستنا هذه، أدخَلَ إ. تشرنوف سلسلة من التمييزات المماثلة، وهي: أدوار الموضوع، والوسيط، والفاعل (الذي يقصد به [ما نقصده بـ] المستفيد، ثم التقسيم [في الوصفة] إلى إطار (=العزيمة)، ومحور (الدعاء + التشبيه). غير أن تشرنوف وقع تحت إغراء مقاربة وصفية خالصة وشكلانية مبالغ فيها، فقلل من أهمية هذا التراتب الداخلي الذي يميز كل نوع من أنواع الخطاب. فهو يجهل وظائف العناصر البنيوية المتعرف عليها، ولا يميز بين النظام الرمزي والنظام اللغوي، ولا يتساءل عن المكانة التي يحتلها الخطاب السحري بين خطابات أخرى مماثلة. إنني أحاول أن أخرج بخلاصات حول البنية الرمزية لهذا النوع من الخطابات انطلاقا من تعارض بين النتائج التي توصل إليها تشرنوف وبين نتائجي من جهة، وبين هذه وتلك التي خلصت إليها دراسات كدراسة سيبوك (1953) أو ماراندا وب. ماراتدا (1971)، من حهة أخرى.

[8] خلافا للغة الفرنسية، لاتتوفر اللغة العربية على مفردات كثيرة للدلالة على أعمال السحر مُصنَّفَة من هذه الوجهة للنظر التي يستخدمها تودوروف هنا. وقد تأكدنا من هذا الغياب من طرق عديدة: فكتب السحر العربية نفسها تكتفي بتصنيف السحر إلى «علوم»، كـ «علم الحروف»، و«علم الأوفاق»، و«علم الأعداد»، و«علم خواص الآيات القرآنية»، الخ. ثم إنها لا تسمي الأعمال السحرية مفردة ولاتجمعها في تصنيفات محددة. وعليه فهي لم تفدنا في إيجاد أسماء مقابلة لكل صنف من الأصناف التي يذكرها الكاتب هنا. وتصنيف ابن خلدون (المقدمـة، الدار التونسية للنشر، 1984، ج 2: 623 - 660) اكتفى بالتفريق بين السحر والطلسمات من جهة، وعرض علمين فرعيين من علوم السحر هما علم أسرار الحروف وعلم الزايرجة، من جهة أخرى. أما بطاش كبرى زادة (مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، بيروت، دار الكتب العلمية، 1985، ج1: 340 - 346)، فهو اكتفى، مثل ابن خلدون، بتعريف «علوم» السحر الفرعية مركزا على تقنيات تدخلها وليس على الأهداف التي تحققها في شبكة العلاقات الإنسانية، وهذه «العلوم» الفرعية عنده هي: «علم الكهانة»، «علم النيرجات»، «علم الخواص»، «علم الرقى»، «علم العزائم»، «علم الاستحضار»، «علم دعوة الكواكب»، «علم الفلقطيرات»، «علم الإخفاء»، «علم الحيل الساسانية»، «علم كشف الدك وإيضاح الشك»، «علم الشعبذة والتخيلات»، «علم تعلق القلب»، «علم الاستعانة بخواص الأدوية والمفردات». هذا عن كتب السحر ومنظريه، أما أصحاب المعاجم فالحالة معهم ليست بأريَح: فصاحب اللسان يجعل الرقية مرادفا للعوذ (أو التعويذة)، فيفسر كلتيهما بالأخرى دون إعطاء مزيد من التوضيحات. هكذا، فالرقية عنده هي «العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع» (لسان العرب، مادة «رقي»)، والعوذة والمعاذ والتعويذ هي «الرقية يرقى بها الإنسان» (نفســه، مادة «عوذ»). والمعاجم مزدوجة اللغة (كالمنهل والسبيل) لم تـُجْدِنا في حل المشكل، إذ تترجم «commination» بـ «تهديد»، و«conjuration» بـ «تعزيم»، «رقية»، و«exorcisme» بـ «تعزيم، عزيمة، رقية، تعويذة»، الخ. ولعل السبب في عدم توفر اللغة العربية على مقابلات للمصطلحات المعنية يرجع إلى اختلاف الحضارتين الغربية المسيحية والعربية الإسلامية في معاملة السحر. فهما معا تشجبان هذه الممارسة، لكن فيما مارَسَ الغرب اضطهادا واسعا على الساحرات، كان ضروريا معه إخضاع الظاهرة للتمحيص والتسمية، اكتفت الثقافة العربية الإسلامية بجر السحر إلى منطقة المسكوت عنه. وغني عن التذكير بأن ترجمتنا للمصطلحات السابقة تبقى مجرد اجتهاد شخصي متواضع سيجد في المعطيات الآنفة ما يبرر الهفوات التي قد يسقط فيها. (م).

[9] انظر ما سيلي في عنصر «مبدأ التوازي».

[10] هكذا نقلب معنى ملاحظة سبق أن أبداها إ. تشرنوف (1965: 163) وهي: «لقد أدخلنا في تعداد الوسطاء ليس الشخصيات الفاعلة فحسب، بل أيضا الموضوعات والظواهر التي يتم إدخالها لمجرد أن تخدم التشبيه مع الموضوع».

[11] أستعيرهما من كتاب: Clémentine FaErreur ! Signet non défini.k - Nzuji, Enigmes lubanshinga, Kinshasa, 1970.

[12] لنذكر بأن هذا التأويل للرمزية هو أولا للسينغ (Lessing) في كتابه مسـرحية في هامبـورغ (Dramaturgie de Hambourg).

[13] الالتفات (apostrophe) أو المخاطبة هو الانتقال الفجائي، أثناء الكلام، إلى مخاطبة شخص أو شيء حاضر أو غائب. (م)

[14] كما لفت الانتباه إليه بيير غيرو مرات عديدة (راجع، على سبيل المثال، غيرو، 1967: 106 - 107).

[15] التغير الشكلي: تغيير صورة الكلمة بالحذف أو الزيادة أو القلب أو الإعلال والإبدال. ويعرفه تودوروف (في كتابه «دالالة الشعر»، 1979: 50) بأنه «يبدِّلُ الاتصال الصوتي أو الخطي للرسالة، أي يغير شكل التعبير باعتباره تجليا صوتيا أو خطيا». (م).

[16] لا تتوفر اللغة العربية على مقابلين لـ «magiciens» و«sorciers»، أي تسميتين للساحر، الأولى تنعته إيجابيا والثانية سلبيا. والسبب في ذلك واضح لأن الرأي الشائع هو أن الدين حرَّمَ السحر. وقديما انتبه السَّحَرة العرب المسلمون إلى ذلك، فكانوا يصطنعون لأنفسهم ولممارساتهم أسَامي حتى يتجنبوا الاصطدام بالدين. هكذا، فهم مع إقرارهم بأن السحر حرام، و«توغُّلاً في الفرار من اسم السحر»، على حد تعبير ابن خلدون (المقدمة، ج.2: 365)، كانوا يطلقون على أعمالهم أسماء مثل «سيمياء»، و«حكمة»، و«علوم روحانية»، الخ. بهذا المعنى ترجمنا «magiciens» بـ «حكماء» في السياق الحالي.

[17] أحيل على النصوص التالية:

- H. Meschonic, Pour la poétique, Paris, 1970, Id., compte rendu dans Langue française, 1970, 7, p. 126, p. 126-127;

- Jean-Claude Chevalier, Alccols d’Apolinaire, essai d’analyse des formes poétiques, Paris, Minard, 1970.

- Julia Kristeva, intervention orale, dans «Linguistique et littérature», La Nouvelle critique, Paris, 1968.

[18] أنْ يتعلق الأمر بالشيء الواحد، فذلك يبرهن عليه فحوى دراسات أولئك الذين ينتسبون للانزياح وأولئك الذين يشجبونه؛ فجان كوهن (في: - Théorie de la figure», Communications, 16, 1970, p. 3-25) وجوليا كريستيفا في: - «Poésie et négativité», in Sémiotiké, Paris, Seuil, 1969, p. 246-275) يعاملان بكيفية واحدة «قانون عدم التناقض» الذي يستعمل حسبهما، في الشعر (بعدما كان يستخدم في العقلية البدائية، إن نحن صدقنا ليفي برول بوجود هذه العقلية).

[19] آثرنا ترجمة «destinateur» بـ «مرسل إليه» بدل «متلقي»، من جهة لأن صاحب النص لم يدعه «récepteur»، ومن جهة ثانية لأننا إن نفعل ذلك نجعل الذي يؤثَّرُ لصالحه هو المتلقي الفعلي للوصفة السحرية، والحال أن هذه الكلمات قد تُوَجَّهُ إلى كائنات خفية فتكون هذه الأخيرة هي المتلقي الفعلي. (م).

* لا تشمل هذه القائمة سوى المؤلفات التي لها علاقة بالسحر.

 

صفحة الترجمـات

جلبير غرانغيوم

 

هل كان النبي ملكا؟

المحتــوى

جلبير غرانغيوم: هل كان النبي ملكا؟

جلبير غرانغيـوم: المواجهة باللغات

تزفتـان تودوروف: خطـاب السحـر

مناحيم روث: ميثولوجيات الموت

مناحيم روث: الطقـوس الجنائزيـة

موريس فريدمان:  الأنثروبولوجيا والأدب

فرويد أو الغرائز ضد العقل

ر. ريتشارد وج. سيفري:  النقد السوسيولوجي والآداب الإفريقية

جان بران: الرمـز والسحـر

تزفتان تودوروف: بعض التأملات العامة في السحر

نجيمة بلانطـاد: الساحرة، طرق الانتقـاء

خوليو كارو باروخا: عن بعض تأويلات السحر العصرية

هنري كولومب: السحر - الأنثروبوفاجيا والعلاقة والثنائيـة

ليو نافرانتيـل: الشيزوفرينيا والفـن

جلبير غرانغيوم:  كرنفال في المغرب العربي

جلبير غرانغيوم: الضحية وأقنعتها

جلبير غرانغيوم: اللغة والجماعة في المغرب العربي

جلبير غرانغيـوم: الأب المقلوب واللغة الممنوعة

جلبير غرانغيـوم: لغة الاستشـراق

جلبير غرانغيـوم: التيمات الثقافية والهوية في المغرب العربي

جلبير غرانغيوم: قمر الزمان وعشق المثيـل

جلبير غرانغيوم: الفرنكوفونية والتعريب. تعارضات وجدانية

جلبير غرانغيوم: التعريب واللغات الأم في السياق الوطني بالمغرب العربي

جلبير غرانغيوم: التعريب في الجزائر وجها الحصيلة

جلبير غرانغيـوم: كيف نحرر المرأة (جلبير غرانغيوم يناقش كتاب بيير بورديو «الهيمنة الذكورية»)

روجيه دادون: الرغبة والجسـد

المصطفى شباك: هل إسرائيل دولة حديثـة؟

المصطفى شبـاك: تكييف الطفل مع محيطه: خدعة قديمة قدم القرن

المصطفى شبـاك: الإنسانية والتربية

جليل بناني: الخطوات الأولى للطب النفسي في المغرب

لحسين عكي: عن تمثلات الجسد في علاقتها بالمرض في المغرب العربي

يوسف وهبـون: الشعاع الأسود. حوار بين الفنان التشكيلي والشاعر

ساشر مازوش: فينوس ذات الحلل الفروية

الماركيز دُ سـاد: موت السيدة فيركان

جورج باطـاي: الميت

يوسف وهبون: الصبيحـات الزرقـاء

 

 

 

 

جماليـــات إضـــاءات حــوارات مقـــــــالات ترجمــــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــات خــــــاص

مواقع مفضلـة

مواقع صديقة مكتبات الموقـع كشك الموقـع موارد نصيـة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.