عبده وازن

سورية تبعد الشاعر الصيني أحمد جان عثمان والسبب مجهول

 

 

يغادر الشاعر الصيني احمد جان عثمان سورية التي امضى فيها نحو عشرين سنة, بعدما ابلغته ادارة الهجرة والجوازات في طرطوس حيث يقيم, امر المغادرة خلال اربعة ايام, من دون ان توضح له خلفية القرار. ومثلما فاجأه قرار المغادرة فاجأ زوجته السورية نورما وابنتيه وكذلك أصدقاءه الكثر والشعراء السوريين الذين باتوا يعتبرونه واحداً منهم, لا سيما الذين يجايلونه في الأربعين. ونظراً الى إلحاح زوجته على تمديد مهلة المغادرة منحته السلطة السورية مزيداً من الأيام كي يتمكن من تدبير أمره للسفر الى الولايات المتحدة الأميركية "شاعراً لاجئاً" على غرار الكثيرين من الأدباء الصينيين المنشقين, وفي مقدمهم الشاعر بي ضاو الذي رشح لجائزة نوبل وفاز قبل سنتين بجائزة "مهرجان الدار البيضاء" للشعر.

يؤثر احمد جان عثمان (من مواليد 1964) ان يسمي نفسه شاعراً عربياً, ليس لأنه ينتمي الى القومية الاويغورية المسلمة في شمال غرب الصين التي ترغب في الانفصال عن الدولة التوتاليتارية, وليس لأنه يجيد العربية مثل ابنائها وربما افضل من الكثيرين منهم, بل لأنه وجد فيها ملاذاً او وطناً في المعنى الوجودي, لا الموقت أو العابر, وفيها كتب ستة دواوين كان لها صداها ورواجها عربياً, علاوة على المقالات التي تناول فيها الشعر العربي الحديث وشارك عبرها في السجال الحداثي في سورية والعالم العربي. ولم تكن قصائده ومقالاته تدل الى صينيته مقدار ما تشي بعروبته (غير الإيديولوجية طبعاً) وبذائقته النبيهة, هو الذي انتقل من كونه طالباً يدرس العربية الى موقعه استاذاً للعربية والحضارة الإسلامية والصينية في سورية.

حاول عثمان ان يدرك خلفية القرار الذي ابلغته اياه السلطة السورية من غير إكراه, ولم يستطع ان يبرّئ الدولة الصينية المنزعجة من "ظاهرته" ومقالاته, خصوصاً انه يعمل مراسلاً ثقافياً لإذاعة "آسيا الحرة" في واشنطن وتحديداً للقسم الاويغوري فيها. وهذه الإذاعة تثير دوماً حفيظة السلطات الصينية لأنها تضم الكثير من الأصوات الصينية المعارضة على اختلاف قومياتها. وعندما أُبلغ عثمان قرار المغادرة لجأت زوجته الى بعض المراجع السورية معلمة اياهم انها مستعدة للطلاق من زوجها اذا استطاع احد ان يتّهمه بأي إساءة الى سورية دولة وشعباً. فهي على قناعة تامة بأن زوجها أضحى مواطناً سورياً وشاعراً سورياً ولم يعد قادراً على الرجوع الى الصين بعد عشرين سنة من هجرها. اما قرار السفر الى الولايات المتحدة فاقترحته على عثمان اذاعة "آسيا الحرة" وساعدته في انهاء المستلزمات على ان يعمل فيها هناك ويسعى لاحقاً الى الحصول على اللجوء السياسي. وزوجته ستبقى في سورية الى ان تتمكن من اللحاق به مع ابنتيها. فالقرار السوري لا تراجع عنه اياً كانت تبعته, انسانياً او سياسياً.

احمد جان عثمان الذي قدمنا في "الحياة" بعض دواوينه, شاعر ذو نهج خاص ورؤية خاصة, واستطاع خلال تجربته الشعرية ان يكون سليل اللقاء العميق بين جذوره الصينية ولغته العربية, او الامتزاج الحقيقي بين الحضارتين: الصينية والعربية - الإسلامية. فهو الذي قرأ القرآن باكراً وجد في اللغة العربية وسيلة للتعبير وغاية جمالية ووجدانية, فشرع يكتب بها ولكن بروح صينية. ولعل هذا ما ميّزه عن سائر الشعراء الشباب السوريين والعرب, الذين جايلهم وانتمى الى حركتهم وتبنّى همومهم اللغوية والجمالية. وإذ يغادر احمد جان عثمان سورية تاركاً فيها قلبه وكتبه وآماله, يصدر له بعد شهرين ديوان جديد هو السادس وعنوانه "حصتي من الليل". واللافت ان هذا الديوان سيصدر عن وزارة الثقافة السورية اسوة بالدواوين الأخرى التي صدر معظمها عن مؤسسات رسمية. وكان صدر بيان وقّعه ويوقّعه كتّاب وشعراء ومثقفون سوريون وعرب, يستنكر ترحيل الشاعر من سورية.

ترى هل سيعود احمد جان عثمان ذات يوم الى سورية التي اعتاد العيش فيها؟ هل سيزور العالم العربي بعد منفاه الأميركي الذي سيبدأ خلال ايام؟

هل سيتخلى هذا الشاعر المشغوف بالعربية والذي ترجم الكثير من الشعر العربي الى الصينية, عن لغته الثانية التي هي بمثابة اللغة الأولى فينكسر مشروعه الشعري الذي لا يمكن ان يستمر بعيداً من العالم العربي؟

 

 

موارد نصيــة

أحمد جان عثمـان

ahmadjano@juno.com

المحتــوى

عبده وازن: سوريا تبعد الشاعر أحمد جان عثمان والسبب مجهول

أ. م. أحمد: اطلبوا أحمد جان عثمان ولو في الصيـن

حسن عجيب: الآخر السـوري

عبد الله الريامي: مدفأة العاري (إلى أحمد جان عثمان)

فائز عطـاف: هكذا أحمد جان عثمـان

أحمد جان عثمان: شرعية العزلة ومشروعية الحلـم

أحمد جان عثمان: حوار الهوية والاختلاف

أحمد جان عثمان: مبتدأ الخوف وخبره

أحمد جان عثمان: أرسلت في أثركم غيهب الظلمات

بيان التضامن مع أحمد جان عثمان وقائمة التوقيعات

 

 
 
 
جماليـــات إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع مـوارد نصيـة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.