نعوم تشومسكي

 أمريكا أكبر خطر يهدد السلام العالمي

 
 

نعوم تشومسكي، من أشهر الأسماء في علوم اللغويات، وصاحب نظريات جديدة في علم اللغة، هو في نفس الوقت رجل سياسة، فهو يمارس السياسة ويكتب فيها، ووضع فيها العديد من الكتب والمقالات، وخاصة في شئون السياسة الخارجية الأمريكية والشئون الدولية وحقوق الإنسان. ومن كتبه الأخيرة: القوة والرعب و أوهام الشرق الأوسط ، وقد التقاه الكاتب دافيد بارسميان الذي اشتهر بأنه وضع مع نعوم تشومسكي عدة كتب عبارة عن حوارات، كانت في الأصل حوارات إذاعية، و دافيد بارسميان بالأصل مدير ومؤسس " الإذاعية البديلة" ، ومن بين الحوارات بين الرجلين هذا الحوار الذي تم في مارس عام .2003 ورغم الأصل اليهودي لتشومسكي ومحاوره دافيد، إلا أن مجمل الآراء التي يطرحانها في هذا الحوار تفسر وتلقي الضوء على المنهاج الفكري لصناع السياسة في الولايات المتحدة، وهي في نفس الوقت تتوقع فيما يشبه التحذير وقرع الأجراس ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب والبعيد، من جانب أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم. إن الأمر لا يتعلق بالتأكيد بشعارات الاميريالية والهيمنة الأمريكية على العالم، وإنما بأفكار حقيقية يقرأها عالم أمريكي مشهود له بالرجاحة والاتزان العلمي والفكري.

- ما هي النتائج الإقليمية لغزو الولايات المتحدة للعراق؟

- أعتقد أن العالم كله، وليس المنطقة وحسب، تفهم هذا الغزو على نحو صحيح كنوع من الاختبار السهل في محاول لإقرار قاعدة لاستخدام القوة، أعلن عنها بكلمات لها صفة العمومية منذ شهر سبتمبر الماضي. ففي شهر سبتمبر الماضي صدر تقرير استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية. وقدم هذا التقرير مذهبا جديدا ومتشددا لدرجة عير معتادة في مسألة استخدام القوة في العالم. ومن الصعب ألا نلاحظ أن قرع طبول الحرب قد تزامن مع هذا التقرير، كما أنها تزامنت مع حملة الكونجرس، وكل هذا مرتبط ببعضه البعض. والمذهب الجديد لم يكن للحرب بالشفعة ، والتي تقع بشكل مثير للجدل في نطاق تفسير موسع لميثاق الأمم المتحدة، ولكنها تتعلق بشيء ما ليس له أي أساس في القانون الدولي، وهي بالتحديد الحرب الوقائية. وهذا المذهب يدعو إلى يمكن أن تحكم العالم بالقوة، وأنه لو كانت هناك تحدي يعتقد أنه يشكل تهديدا لسيطرتها، سواء كان تحديا بعيدا أو تخيليا أو مبتدعا، أو من أي نوع كان، فإن الولايات المتحدة سيكون لديها الحق في تدمير هذا التحدي قبل أن يتحول إلى تهديد. هذه هي حرب وقائية وليست حربا بالشفعة. وأنت إذا أردت أن تعلن عن مذهب، فإن الدولة القوية لديها القدرة لابتداع ما يسمي بالقاعدة الجديدة. وهكذا فإذا أرادت الهند أن تغزو باكستان لوضع حد لأعمال العنف الوحشية فإن ذلك لا يشكل قاعدة. ولكن إذا قصفت الولايات المتحدة صربيا لأسباب مشكوك فيها فإن هذا يشكل قاعدة. هذا هو ما تعنيه القوة. وبهذا فإنك إذا أردت أن تقر قاعدة جديدة لابد أن تفعل شيئا ما. وأسهل الطرق لعمل هذا الشيء هو أن تختار هدفا معدوم الدفاع تماما، يمكن التغلب عليه بواسطة أضخم قوة عسكرية في التاريخ البشري. وعلى أي حال، فإنك حتى تفعل هذا بأسلوب له مصداقية، وخاصة في مواجهة شعبك، يلزم أن تخيف هذا الشعب. ولهذا لابد من أن يتحول الهدف معدوم الدفاع إلى تهديد رهيب للبقاء ويكون مسئولا عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأن يكون مستعدا لأن يهاجمنا مرة أخري، وان يفعل ما هو أكثر وأكثر. وهذا هو بالفعل ما تم تحقيقه. فبداية من شهر سبتمبر الماضي كانت هناك جهود حثيثة ناجحة لإقناع الأمريكيين، وحدهم دون باقي العالم، بأن صدام حسين ليس وحشا وحسب، وإنما يهدد وجودهم أيضا. وكانت هذه هي فحوي قرار الكونجرس في شهر أكتوبر وتوالت بعده العديد من الأشياء. وقد ظهرت نتائج هذا في صناديق الاقتراع، والآن أصبح نصف السكان يعتقدون أنه كان المسئول عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر. لقد تجمع كل هذا معا، فلديك المذهب المعلن. ولديك القاعدة التي تم إقراراها بطريقة سهلة جدا. والشعب تم سوقه إلى حالة الفزع، وأصبح هو الوحيد في العالم الذي يصدق هذا الخرافات التخيلية، ولهذا فهو مستعد لتأييد استخدام القوة العسكرية في الدفاع عن النفس. فإنك لو صدقت هذا فهو فعلا دفاع عن النفس. إن هذا النوع يشبه مثلا صريحا تعليميا للعدوان، بغرض توسيع هدف القيام بمزيد من العدوان. وما أن يتم تحقيق الهدف السهل يمكنك أن تتحرك نحو الأهداف الأصعب. هذه هي الأسباب الرئيسية في أن كثيرا من بلدان العالم عارضت الحرب بشدة. فليس الأمر مجرد شن حرب على العراق، فكثير من الناس فهموها على نحو صحيح، كما هي بالضبط. وهذا هو السبب في أن الولايات المتحدة بات ينظر إليها الآن على أنها أكبر تهديد للسلام في العالم. لقد نجح جورج بوش خلال عام في أن يحول الولايات المتحدة إلى بلد يخاف منه الجميع بشدة ولا يحبونه، بل وربما يكرهونه.

- في المنتدى الاجتماعي الدولي الذي عقد بمدينة بورتو اليجرو في شهر يناير الماضي وصفت بوش ومن حوله بالقوميين المتطرفين المتورطين في عنف امبريالي. هل النظام في واشنطن الآن مختلف جوهريا عما سبقه من أنظمة؟

- من المفيد أن يكون لدينا بعض الرؤي التاريخية. ولهذا دعنا نعود إلى الطرف المقابل في المنطور السياسي، أي إلى الليبراليين مع كندي، ففي عام 1963 أعلنوا عن مذهب ليس مختلفا كثيرا عن منهج تقرير استراتيجية الأمن القومي لبوش. وكان دين اتشسون، وهو من رجال السياسة المحنكين، مستشارا لإدارة كنيدي، وقد ألقي خطابا أمام الجمعية الأمريكية للقانون الدولي أعلن فيه أنه ليس هناك خرق قانوني من الممكن أن ينشأ في حالة ردها على أي تحد لوضعها ومكانتها وسلطتها. كانت كلماته مشابهة لهذه إلى حد كبير. فإلى ماذا كان يشير؟ كان يشير إلى حرب الولايات المتحدة الإرهابية والاقتصادية على كوبا. وكان للتوقيت مغزاه الهام، فقد قاله بعد فترة وجيزة من أزمة الصواريخ والتي دفعت العالم إلى شفا حرب نووية. وجاء ذلك نتيجة لحملة كبري للإرهاب الدولي تهدف إلى ما يسمي الآن بتغيير النظام، وهو عنصر هام أدي إلى إرسال الصورايخ. بعدها مباشرة صعد كيندي حملة الإرهاب الدولي وأحاط اتشسون جمعية القانون الدولي بأننا لدينا الحق في شن حرب وقائية ضد مجرد التحدي لوضعنا ومكانتنا وليس فقط ضد أي تهديد لوجودنا. كانت كلماته في الحقيقة أشد تطرفا من المنهج المنشور في سبتمبر الماضي. من ناحية أخري فإن لوضع الأمور في نصابها لم يكن كلام اتشيسون إعلانا رسميا، ولم يكن أول ولا آخر إعلان من هذا النوع. لكن الإعلان الذي أذيع في سبتمبر الماضي ليس معتادا في وقاحته وفي أنه إعلان رسمي سياسي، وليس مجرد تصريح من مسئول كبير.

- هناك شعار سمعناه جميعا في المسيرات التي قامت مناصرة للسلام وهو لا دم في مقابل النفط . وقضية النفط برمتها تعتبر مرجعا للقوة الدافعة التي تقف وراء الهجوم الأمريكي على العراق واحتلاله. ما مدي أهمية النفط في الاستراتيجية الأمريكية؟

- في مركز الاهتمامات بلا شك. لا أعتقد أن أي إنسان عاقل يشك في هذا. ومنطقة الخليج هي المنطقة الرئيسية لإنتاج الطاقة في العالم. وكانت كذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومن المتوقع أن تظل كذلك لجيل قادم على الأقل. إنها مورد ضخم للقوة الاستراتيجية، وللثروة المادية. والعراق في القلب من هذه المنطقة، ولديها ثاني أكبر احتياطي بترول، والبترول فيها سهل الاستخراج ورخيص السعر. والتحكم في العراق يعني أن تكون في وضع قوي جدا لتحديد السعر ومستويات الانتاج حتى لا تكون عالية جدا أو منخفضة جدا، بما يؤدي ربما إلى إخضاع الأوبك، وأن تفرض سلطتك على العالم كله. وكان هذا صحيحا منذ الحرب العالمية الثانية. وليس للاستراتيجية الأمريكية أي دخل بالقدرة على الدخول لهذا البترول، وهي لا تنوي في الحقيقة أن تدخل إليه. ولكنها لها دخل بالتحكم. ولهذا يبقي دائما في الخلفية. ولو كانت العراق في مكان ما في أفريقيا الوسطي لم تكن لتختار لهذه الحالة الاختبارية. وأيضا لم يكن للبترول دخل في توقيت العملية لأنه من ثوابت الاهتمامات. في عام 1995 وصف تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية بترول الشرق الأوسط على أنه مصدر هائل للطاقة وواحد من الجوائز المادية الكبري في تاريخ العالم. وتستورد الولايات المتحدة 51 بالمائة من بترولها من فنزويلا. وهي تستورد أيضا من كولومبيا ونيجيريا. وجميع هذه الدول الثلاث، من وجهة نظر واشنطن، تمثل مشاكل حتى الآن، مع وجود هوجو سانشيز في فنزويلا والمشاكل الداخلية العنيفة التي تصل إلى حرب أهلية في كولومبيا، والتمرد في نيجيريا الذي يهدد بقطع إمدادات البترول منها. ماذا تري في كل هذه العوامل؟ - لها صلة وثيقة، فهذه المناطق هي التي تحاول الولايات المتحدة أن يكون لها منفذ إليها. أما الشرق الأوسط فهي تريد التحكم فيه. ولكن، على الأقل طبقا للأهداف الاستخبارية، فإن الولايات المتحدة تنوي الاعتماد على ما تعتبره مصادرة أكثر استقرارا في حوض الأطلنطي، وهو ما يضم شرق إفريقيا ونصف الكرة الأرضية الغربي والذي يقع بالكامل تحت السيطرة الأمريكية، وليس الشرق الأوسط الذي يعد منطقة صعبة. ولهذا فإن الأهداف الاستخبارية هي التحكم في الشرق الأوسط وفي نفس الوقت الحفاظ على النفوذ إلى حوض الأطلنطي بما في ذلك الدول التي ذكرتها. وبالت إلى فإن أي اضطراب أو خلاف من أي نوع في هذه المناطق يعتبر تهديدا خطيرا، ومن المحتمل جدا أن يتكرر فيها ما حدث في العراق، لو تحقق في العراق ما يتمناه المخططون المدنيون في البنتاجون. نصر سهل، بلا قتال، وترسيخ نظام جديد سوف تسميه ديمقراطيا بلا كوارث، فإذا حدث كل هذا سوف يجدون الجرأة لتنفيذ الخطوة التالية. أما فيما يتعلق بالخطوة التالية فيمكنك التفكير في عدة احتمالات، أحدها حقا هي منطقة الانديان، وللولايات المتحدة الآن قواعد كثيرة حولها. وتوجد قوات مسلحة فعلية فيها. فنزويلا وكولومبيا، وبخاصة فنزويلا، هما منتجان أساسيان للبترول، وهناك غيرهما، مثل الإكوادور وحتى البرازيل. نعم، هذا احتمال. الخطوة التالية في الحرب الوقائية، إذا ما استقرت كقاعدة وتم قبولها، هي المواصلة في تلك المناطق. والإمكانية الأخري هي إيران.

- إيران بالفعل. لم تنصح الولايات المتحدة بغير ذلك، فالرجل الذي يصفه بوش بأنه رجل سلام، وهو شارون، نصحه بأن يتولي إيران بعد أن يفرغ من العراق. ماذا عن إيران؟

- هي من الدول التي وصفت بأنها ضمن محور الشر ولديها أيضا بترول كثير. - فيما يتعلق بإسرائيل لم يكن العراق أبدا قضية خطيرة. فهم يعتبرونها نوعا من اللقمة السائغة . لكن إيران قصة أخري. فإيران قوة عسكرية واقتصادية أكثر جدية وخطرا، وطوال السنين كانت إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لكي تهاجم إيران. فإيران أكبر من أن تهاجمها إسرائيل ولهذا فهي تريد من الأولاد الكبار أن يفعلوا هذا بدلا منها. ومن الصحيح تماما أن الحرب ربما تكون في طريقها للنشوب الآن بالفعل. فمنذ عام ذكرت تقارير أن أكثر من عشرة بالمائة من القوات الجوية الإسرائيلية تعسكر في شرق تركيا في القواعد الأمريكية الضخمة هناك، وذكر أيضا أنها تقوم بطلعات تجسس على الحدود الإيرانية. بالإضافة إلى هذا هناك تقارير موثوق بها بأن هناك جهود، وأن هناك محاولات من الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل من أجل دفع القوي القومية الأذرية في شمال إيران نحو نوع من ضم أجزاء من إيران إلى أذربيجان. وهناك نوع من التمحور بين الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل في المنطقة ضد إيران يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تقسيم إيران أو شن حرب عليها. رغم أنه لن يكون هناك هجوم عسكري إلا إذا كان هناك ضمان بأن إيران سوف تكون معدومة الدفاع. إنهم لن يهاجموا أحدا يمكنه أن يرد الهجوم. مع وجود القوات الأمريكية في أفغانستان وفي العراق، بالإضافة إلى قواعدها في تركيا وآسيا الوسطي فإن إيران تعتبر الآن محاصرة من جميع الاتجاهات. ألا يمكن لهذا الواقع الموضوعي أن يدفع القوي داخل إيران إلى تطوير أسلحة نووية، إن لم تكن تمتلكها بالفعل، كوسيلة للدفاع عن النفس؟ - من المحتمل جدا. إن لدينا أدلة جادة على أن ضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي عام 1981 ربما يكون قد حفز وربما حرك برنامج العراق لتطوير أسلحة نووية. وكانوا قد بدأ في بناء منشأة نووية لكن أحدا لم يكن يعلم عنها شيئا. وتم فحص هذه المنشأة عقب القصف بواسطة عالم شهير كان رئيسا لقسم الطبيعة النووية بجامعة هارفارد في ذلك الوقت ونشر تحليله في المجلة العلمية المتخصصة المرموقة نيتشر ، وطبقا لما قاله فإنها كانت منشأة للطاقة. وكان خبيرا في هذا الموضوع. ورأت مصادر عراقية أخري في المنفي أنها لا تستطيع أن تثبت ماذا كان يحدث بالضبط. فربما كانوا يتلاعبون بفكرة الأسلحة النووية لكن ضرب المفاعل جعلهم يفكرون في برنامج الأسلحة النووية بجدية. إنك لا تستطيع أن تثبت ذلك ولكن الشواهد تدل عليه. وهو أمر محمود، وما وصفته جدير فعلا بالحدوث، فإنك إذا جئت لي لتقول إنني سوف أهاجمك، وهذه الدول تعرف أنها لا تملك وسائل الدفاع التقليدية، فإنك في الواقع تأمرهم بتطوير أسلحة دمار شامل وشبكات إرهاب. وهذا أمر شفاف. ولهذا بالتحديد توقعت المخابرات الأمريكية، وتوقع الجميع أن يحدث هذا.

- ماذا تعني الحرب العراقية والاحتلال بالنسبة للفلسطينيين؟

- كارثة.

- لا خارطة طريق إلى السلام؟

- من المثير للاهتمام السير في هذا الطريق. أحد قواعد الصحافة، التي لا أدري كيف استقرت، هو أنك عندما تذكر اسم جورج بوش في مقال، فإن الخطوط الرئيسية لابد أن تتحدث عن رؤيته، ولابد أن يتحدث المقال عن أحلامه، وربما وضعت له صورة وهو يتأمل في اللانهائي. ومن أحلام جورج بوش أن يكون للفلسطينيين دولة في أي مكان وفي أي زمان، في مكان غير محدد، ربما في الصحراء. وعلينا أن نمدح هذه الرؤية ونصفها بالروعة. لقد أصبح ذلك من المعتقدات الراسخة لدي الصحفيين. كان هناك مقال رئيسي في صحيفة وول ستريت جورنال في 21 مارس تكررت فيها كلمات الرؤية والحلم نحو عشر مرات. والرؤية والحلم يمكن أن تكون هو أن تتوقف عن تقويض الجهود طويلة المدي لباقي العالم بدون استثناء لخلق نوع من التسوية السياسية القابلة للتطبيق. والولايات المتحدة حتى الآن تعرقل مثل هذه التسوية وعلى مدي الخمسة وعشرين عاما أو الثلاثين عاما الماضية. وإدارة بوش ذهبت إلى ما هو أبعد في عرقلة هذه التسوية، وأحيانا بطرق متطرفة جدا، وهي من التطرف حتى أنها لم تسجل في التقارير الرسمية. على سبيل المثال، ففي ديسمبر الماضي قلبت إدارة بوش ولأول مرة سياستها حول القدس، فحتى الآن كانت الولايات المتحدة، ولو من حيث المبدأ، تقف مع قرار مجلس الأمن لعام 1968 الذي يأمر إسرائيل بإنهاء ضمها واحتلالها وسياسة الاستيطان في القدس الشرقية. ولأول مرة في ديسمبر الماضي تبنت إدارة بوش موقفا معاكسا. هذا هو واحد من الحالات المقصود منها تقويض إمكانية تحقيق أي تسوية سياسية ذات مغزي. وللتمويه على هذا سمي هذا الموقف بالرؤية، وسميت الجهود لمتابعته سمي بالمبادرة الأمريكية، رغم أنه موقف يعني في الحقيقة، لكل من يعير التاريخ أقل القليل من الانتباه، أنه جهد أمريكي لمقاطعة الجهود الأوروبية والعربية الطويلة ومحاولة التقليل من شأنها وأنها لا تعني شيئا. والتقريظ الشديد لشارون في الولايات المتحدة التي تعتبره الآن رجل دولة وهو في نهاية الأمر أحد أكبر الإرهابيين في العالم في الخمسين سنة الأخيرة، هذا التقريظ يعتبر ظاهرة مثيرة، تكشف عن الإنجاز الكبير الذي حققته الدعاية وهو إنجاز خطير. وفي منتصف مارس قام بوش ما سمي بأول منطوق هام له في مسألة الشرق الأوسط، في المشكلة العربية الإسرائيلية. وألقي خطابا. عناوين ضخمة في الصحف. أول بيان له مغزي منذ أعوام. فإذا قرأته ستجد أنه ليس إلا تكرارا لما سبق باستثناء جملة واحدة. هذه الجملة الواحدة إذا أمعنت النظر فيها فإنها تعطي خارطة طريقه، تقول هذه الجملة: بينما تتقدم عملية السلام ينبغي على إسرائيل أن تنهي برامج الاستيطان الجديدة. فماذا تعني هذه الجملة؟ إنها تعني أنه حتى تصل عملية السلام إلى نقطة ترضي بوش، والتي لابد أن تكون في المستقبل البعيد، حتى ذلك الوقت يجب على إسرائيل أن تواصل بناء المستوطنات. وهذا تغيير في السياسة. فحتى هذا الوقت كانت الولايات المتحدة تعارض، رسميا على الأقل، التوسع في بناء المستوطنات غير الشرعية التي تجعل التسوية السياسية مستحيلة. ولكن بوش يقول الآن عكس هذا: استمر وابن المستوطنات! حتى نقرر نحن أن عملية السلام وصلت إلى نقطة مناسبة. وهكذا، نعم، كان هذا تغييرا هاما تجاه المزيد من العدوان، وتقويض القانون الدولي، وتخريب إمكانيات السلام. وطبعا لم يكن هذا هو أسلوب العرض، ولكن أمعن النظر في الكلمات.

عن مجلة: واعربـاه

 

 

موارد نصيـة

منتدى الفكر العربي

 

 

 

المحتـوى

إدوارد سعيـد: حال العـرب

محمد شحـرور: الإصلاح الديني قبل الإصلاح السياسي

نصر حامد أبو زيد: ما قبل 11 أيلول 2001 لا ما بعده. تجديد الخطاب الديني ضرورة معرفية وليس استجابة لاستحقاقات 11 سبتمبـر

د. حسن حنفـي: تجربة السلـوك العربي

جوزيف سماحة: أرماجـدون

د. يوسف مكي: في العلاقة بين الحرية والإرهاب

أدونيـس: حجاب على الرأس أم حجاب على العقل؟

 نعوم تشومسكي: أمريكا أكبر خطر يهدد السلام العالمي

 مطاع صفدي: الأمركة تعيد تاريخ الغربنة بدون ثمارها المدنية

 جابر عصفـور: هوامش للكتابة. الكتابة والإرهـاب

 عبد الإله بلقزيز: الإسلام والغرب في الخطاب الإحيائي

 

 

 

 

جماليـــات إضـــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.