قارئ كتاب
مايكل إيفانز <<ما بعد العراق، النقلة الجديدة>> قد يجد نفسه ناظراً إلى
الساعة في معصمه عند وصوله إلى الصفحة 119. ففيها <<معلومة>> لا تقل
أهمية عن تحديد موعد القيامة: <<إنه قريب، قريب جداً>> (بين 2018 و2028).
ففي اعتقاد الكاتب أن قيام إسرائيل افتتح حياة الجيل الأخير قبل <<ارماجدون>>.
ثم جاء احتلال كامل أرض فلسطين في 67 ليؤكد هذه النبوءة. وتسارع التاريخ
في الحرب الأخيرة على العراق عاقداً الصلة الأبدية المتجددة بين بابل
وأورشليم. الأولى هي الظلام، الثانية هي النور. دمار الأولى شرط انبعاث
الثانية. هكذا ورد في العهد القديم حيث ذُكرت بابل (العراق) لا أقل من
300 مرة بصفتها أرض الخطيئة الأولى، والتجسّد الشيطاني الأول في نبوخذ
نصّر سابي اليهود، والوعد الأول بأرماجدون.
لم تفعل
الولايات المتحدة، إذاً، سوى تنفيذ المشيئة الإلهية. لقد كانت الحرب
<<مكتوبة>> في العهد القديم، ومصير صدام حسين مكتوبا، والدمار مكتوب،
وحتى أوصاف دبابات ابرامز مكتوبة.
لذا فإن
القول بأن طريق القدس تمر في بغداد ليس تقديراً جيواستراتيجياً للمحافظين
الجدد الأميركيين، إنه، ببساطة، إنفاذ لإرادة ربانية. يقتضي، والحالة
هذه، أن تبقى الولايات المتحدة مستيقظة وأن تنصرف إلى هذا المزيج
التوراتي الخاص حيث يلتقي المسلح بالمقدس. وهكذا فإن تفجيرات 11 أيلول
تكاد تكون حيلة إلهية. لقد استُخدم (شيطان الأصولية الإسلامية) !! من أجل
إخراج المارد الأميركي من سباته ودفعه إلى القتال في ظل صلوات يجب أن
تجمع الملايين يومياً حتى يوم البعث.
لا مهمة
مقدسة أكثر من الانصراف إلى تحضير ارماجدون. ولا يكون ذلك إلا بتمكين
اليهود من أرض فلسطين كلها ولو كان ذلك عبر مواجهات لا حدود لها مع
المسلمين <<الذين نستطيع تحرير أرضهم لا تحرير قلوبهم>> (ص 110). ولكن لا
مشكلة في ذلك طالما أن الوقت بات يُقاس بالسنوات.
الفلسطينيون، بهذه المعاني، أبالسة. إنهم، بمجرد وجودهم حيث هم، حاجز في
وجه رغبات الرب. وعلى الرئيس جورج بوش، الذي يكنّ له مايكل إيفانز كل
مودة وإعجاب، أن يتوقف عن السير في وجهة وسوس له بها الليبراليون
المنحطون. التوراة هي <<خريطة الطريق>> الوحيدة (عنوان مقال أخير لإيفانز).
وهي كذلك لأنها ترفض عودة أي فلسطيني وتطالب، على العكس، بالترحيل،
ولأنها تشرّع الاستيطان، ولأنها تسخر من أن الضفة الغربية محتلة، ولأنها
لا تجيز إعطاء أرض الميعاد لإرهابي مصري اسمه ياسر عرفات ولا لنسخة معدلة
عنه اسمها محمود عباس. ولا يتردد إيفانز في تهديد بوش: إن لم تفعل ما
أقله لك فإنك تكون ميالاً إلى السياسة على حساب النبوءة.
قد يخطر في
بال قارئ أن يضحك وهو يقرأ <<تخريفات>> أحد أبرز ممثلي <<المسيحية
الصهيونية>> الأميركية. يجدر به، أي بالقارئ، ألا يفعل. ربما كان عليه أن
يقلق. إيفانز، وحده، قد يبدو مجنوناً. لكنه لا يعود كذلك إذا كان عشرات
الملايين من الأميركيين يعتنقون أفكاراً مشابهة. وبما أن هؤلاء هم
القاعدة الشعبية الحيوية للحزب الجمهوري، وبما أن بوش قريب منهم، وبما
أنهم يملكون امتدادات وتحالفات في الإدارة، فمن الضروري أخذهم على محمل
الجد.
توصل إيفانز
إلى قناعاته، بعد 61 يوم صلاة، بنور قذفه الله في صدره. دعاه هذا النور
إلى تشكيل <<فريق الصلاة للقدس>> وتأكد من أنه محق عندما نجح في إقناع...
إيهود أولمرت. وهو، إذ يخوض <<نضالاته>>، فإنه يفعل ذلك سابحاً في بحر
حالة ثقافية تمثل كل ما هو تافه وخطير في الولايات المتحدة قياساً
بتيارات أخرى هي، في الواقع، طليعة أي تنوير في العالم.
لقد لوحظ،
خلال الحرب الأخيرة، اختفاء الكتب المبشّرة أو المنذرة بالقيامة القريبة.
وإذا كان البعض تحدث عن <<صناعة نهاية الأزمنة>> فإن ذلك لا يمنع أن
ملايين الأميركيين كانوا يقرأون، في الآونة الأخيرة، كتباً هذه عناوينها:
<<من العراق إلى ارماجدون>>، <<العراق بابل نهاية الأزمنة>>، <<القدوم
الثاني لبابل>>، <<صعود بابل>>، <<بابل، العراق، الأزمة المقبلة في الشرق
الأوسط>>، <<بابل صدام>>، <<قصر المسيح المضاد>>، <<ارماجدون والنفط
وأزمة الشرق الأوسط>>... إلخ.
وهذه الكتب
كلها تنويعات على أفكار بسيطة: إن الحرب على العراق تحقيق لنبوءة توراتية
مآلها إنهاض أورشليم من رماد بابل استعداداً لقدوم مسيح سيقول المسيحيون
إنه قدوم ثان، ويقول اليهود لا بل إنه قدوم أول. وبما أنه سيصرّح عن ذلك
لاحقاً فالخلاف مؤجل والمرحلة القادمة هي مرحلة تحالف بين الطرفين.
لسنا أمام
كتب فحسب. فالكاسيتات مستخدمة. والنشرات. والإذاعات. والتلفزيونات. وذلك
في عز ازدهار نوع أدبي جديد تميّز به تيم لاهاي صديق إيفانز ويقوم على
بناء روايات من أساطير توراتية وهي روايات باعت، حتى الآن، ما لا يقل عن
خمسين مليون نسخة في انتظار تلك الأخيرة بينها وعنوانها، بالمصادفة،
ارماجدون!
<<إن مايكل
إيفانز مقاتل من أجل الحرية في عالم مظلم وضيق الأفق. لقد برهن عن الوضوح
الأخلاقي الضروري للدفاع عن إسرائيل ضد أكاذيب وادعاءات أعدائها وأظهر حق
الشعب اليهودي في أرض إسرائيل>>. هذا هو رأي بنيامين نتنياهو مهندس
العلاقة، من الجانب الإسرائيلي، مع الأصوليين المسيحيين. ولقد عبّر أرييل
شارون عن تقديره الشخصي لإيفانز في رسالة رسمية، وكذلك فعل إيهود أولمرت
الذي لم يجد ما يمتدحه قدر مساهمات الرجل في... <<مؤتمرات السلام>>!
إذا وضعنا
الحيثيات الأيديولوجية جانباً فإن التشابه صافع بين ما يدعو إليه إيفانز
وما يدعو إليه المتطرفون في الإدارة الأميركية. صحيح أن الجانبين لا
يصدران عن خلفية فكرية واحدة ولكن الأصح هو أن المؤدى العملي لما يريدانه
متشابه. ليس صدفة، والحالة هذه، أن يختار بوش مسؤولاً عن الشرق الأوسط في
مجلس الأمن القومي اسمه إليوت أبرامز. فهذا الأخير اختص بالكتابة في
موضوع التحالف الضروري بين اليمين الأصولي المسيحي ومؤيدي إسرائيل في
أميركا. ولقد كان هذا التحالف، مع غيره، قوة دفع رئيسية في اتجاه الحرب
الأخيرة، وهو لا يزال يعمل تحت شعار أن العراق هو البداية، وأنه لا بد من
نقلة جديدة... إلى يوم القيامة!
|