لم
يفهم ولن يفهمَ - ربما طالما عاش - سرَّ افتتانه بالموت. حاوَلَ مرارا ذلك،
لكنَّه سُرعان ما كفَّ عن محاولاته تلك عندمَا أيقنَ أنَّ أول عتبات الفهْم هيَ
الجنون أو الموت نفسُه وأنَّه متى جُنَّ أو مات أصبح الفهمُ عديم المعنى لأنَّه
سيكون بكل بساطة قد أفلتَ من المدَارِ البشريِّ. وبما أنه جبَان غبيٌّ يخشى
الجنونَ والموت فقدْ حوَّلَ فتنته تلك إلى ثرْثرَة تمكنه من نسْجِ مسَاحَةٍ
وهميَّةٍ، فيُخَيِّلُ لنفسه أحيانا أنَّهُ حي، وأحيانا أخرى يخيِّلُ إليها أنَّهُ
ميتٌ. تارة يتوهَّم الموتَ خرافةً، وتارة يتوهَّم أن الحياة هيَ الموتُ عينه.
وحينَما يسْـأم التقطيعَات، يقولُ في قرارة وحدته: «لا يوجدُ موتٌ ولا حياةٌ.
كُلُّ مَا في الأمْرِ هوَ أنَّني أهذِي أو أنَّ اللهَ يتكلَّمُ عبري».
إلاَّ
أن الثابت عنده هُو أنَّ موته قد كبُرَ معه وسيكْبُرُ إلى أن يحتوِيه كمَا ظلَّ
هو طوالَ حياتِه يحاولُ احتواءه...
*
* *
سمع
الكلمةَ لأول مرَّة من جدَّته وهوَ ابن ثـلاث سَنَوات. فقدْ كان يلعب مع أختِه التي
ستمُوتُ قبلَه وهي التي كانتْ كتبتْ موته في تلكَ اللَّحظة بالذَّات عندما دفعَتْهُ
وسَط ساقية ماء تصبُّ في صهريج... لم يفهم في تلكَ اللحظَةِ لماذا كانتْ جدَّتُهُ
تبكِي وتصرخُ ولا مَعْنَى ما ردَّدَتْهُ بعدما انتشلتْهُ من الميــاه:
«كدتَ تمـوتُ يا ابْنِـي! كِدْتَ تمـوتُ
يا ابنـي!»
لكـنَّ
حصاد الجثت من حَوْلِه سَيَتَوالَـى فيمَا بعد بإيقاع سريع فيُفْهِمُه مَا لم
يفهمْه إلى أن لا يفهم أيَّ شـيْءٍ مما فهمه: سيختفِي عددٌ كبيرٌ من أصدقائه،
وسيرَى دَماً كثيرا وجثثا يلفظها البحرُ بيضاءَ كقطـع الشحْم أو الصَّابُون بعدَ أن
يُمسِكَهَا عدَّة أيام في قعره، ثم سيفقِدُ في سنةٍ واحدة عمَّةً له، وجدَّه،
وجدَّتَهُ، وابنتي عمتيه، وأختـه...
كان
مَحْوُ أخته هو أوَّلُ لقاءٍ وضَعَهُ وجها لوجهٍ أمام الموت...
واسْعِفِيهِ أيتها الدُّمُوع المتجمِّدة في ثنايا الأضلُع على إزاحَة حُجُبِ
الذاكرة الماكرة وفتْحِ طيَّات النِّسْيَـان...
يومئذٍ
طعنه الخبر كخنجر حادّ. غمر رأسه طنينٌ. اسودَّ النهار في عينيه. هَوَى به المنزلُ
في قعرٍ سحيقٍ. ارتعشَ كثيرا. احتوتهُ الغُصَّةُ. انفجرَ باكيا، ثمَّ صرخَ متمتما
بكلماتٍ كثيرة غير مفهومة لا يَتبين منهـا الآن إلاَّ هذه:
«لاَ! لاَ! غيـرُ معقـول! غيـر معقـول!
لمـاذا؟ لمـاذا؟»...
انكسَرَ
إيقاعُ البيت إلى أن انخرَط في الخارِجِ. أجسَامٌ تدخُلُ وأخْرَى تخرج. أقارب
يهرعُونَ من مدن بعيدة. تلغـراف للأب المقِيمِ في تخوم بعيدة... ووسـط الفوضى التي
جاءَ بها ذلك المـوتُ مـدَّ هـُوَ فوضاه إلى جسَدِه الخاصِّ: حاوَلَ أن يموتَ.
جرَعَ حفنة رملٍ وحصى، وأقراصاً عديدةً... لكنَّهُ «لم يَـمُتْ»...
بعد أن
مـرَّغَ لهُ الموتُ الوجهَ في التراب فهو يقبلُ الآن أن يستقرَّ جسَدُ أختِهِ إلى
الأبد في قـرارة قبـرٍ. يحـرصُ حرصا شديدا على زيارتها عند كلِّ مطلَعِ شمسٍ، ويقطع
لذلك مسَافاتٍ طويلة مشيا علَى القدميـن دون أن ينالَ منه عياء أو مللٌ. وهُوَ
مارٌّ بجوار المستشفَـى الذي آوى أختَهُ قبيل موتها يُطِيلُ النَّظَرَ إليه
ويردِّدُ في أعماقـه كلماتٍ منكسراتٍ متحسراتٍ: «هُنَـا مَاتَتْ أُخْتِي! هُنَـا
مَاتَـتْ أُخْتِي!»، حتَّى إذا وصلَ إلى المقبرة سَقَى القبـرَ ماءً ونثرَ فوقه
زهراً وريحاناً، ثم أقـرأَ عليه قـرآناً...
إلاَّ
أنَّ الذَّاكِرَةَ سُرعَان ما سَتَشْرَعُ في إسْدال حُجُبِ النِّسْيَانِ الماكِرَةِ
الواحِد تلـو الآخرِ فيقلِّصُ الـزيارات إلى مـرَّة كل يومين، فزيارة كل ثلاثة
أيام، ثم زيارة واحِدة في الأسبُوع إلى أن يقطَعَ تلك الزيارَات بالمرَّة... وإذا
سألتَهُ الآن: «أين قبر أختك؟» فإنه لن يحسَّ بطنينٍ في الرَّأس، ولَنْ يَسْـوَدَّ
النهار في عينيهِ، ولـنْ يبكِيَ أو يحاولَ وضعَ حدٍّ لحياتِه: سيقول لك بمنتهَى
البُرُودَة: «لقدْ نسيتُه. إني عاجـزٌ عن تمييزه وسطَ هذه القُبُورِ الكثيرة»...
ثمَّ
واصل الموتُ زياراته لهُ بكثافةٍ، فانتشلَ منه الجـدَّة، والأمَّ، والأبَ،
وأخَوَيْنِ له، وزوجته الأولى، وطفليهِ الأوَّليـنِ. في كلِّ مرَّة كانَ يسْوَدُّ
النَّهَار في عيْنَيْهِ، ويهوى به المنزلُ، ولايصدِّقُ، ثم يعودُ فيصدِّق، ويزورُ
المقابر يوميا، وينثـرُ باقاتِ زهرٍ وريحان، ويُقْرِئُ قـرآنا، ثم يقلِّص الزيارات،
فيقطعُهـا بالمـرة...
والآن
حينما تُلْقِي إليه بخبر موتِ أحدهِم، مهمَا بلغتْ محبته له، فهو يكتفي باحتواءِ
الفراغ بذهولٍ رهيبٍ حتى إذا انصرفتَ قام مُبتسماً وأحضر خمرا ودُخانا ليقضي ليلةً
بيضـاءَ...
*
* *
فيما
بعد سيقرأ كثيرا عن الموتِ، وسيجِدُ نفسه في كل ما يقرأه مُقَنَّناً في حتميةٍ لم
تكن تحدِّد سائر تصرُّفاته فحسْب، بلْ وكذلك سُلوكَاتِ جميع من كَانُوا يحيطونَ به
كلما فقد قريبا أو صديقا. لكنَّه سُرْعَانَ ما سيفطِن إلى أنَّ تلك الكتب كانتْ
تقولُ كلَّ شيءٍ إلا الموت. ذلك أنه انتهَى أخيرا إلى أن الموتَ ليسَ هوَ سُلوك
الأحياء إزاء شخصٍ ميت ولا كلامُهُم عن الموت المجرَّد. الموتُ سؤالٌ ضخمٌ يَستحيلُ
الإجابة عنه بأيِّ خطابٍ لأنه انتفاءُ الخطابِ نفسـه.
ألقى
بالكتبِ جانبا وانخرط في طقسٍ يوميٍّ ينزل فيه إلى قنطرَةٍ شاهقةِ العلو ليضع
جسَدَه على حافة إفلاسٍ لا يضاهيه إلا إفلاسُ البقاء على قيدِ الحيَاة. وهُو نازلٌ
يغمره إحساسٌ مماثل لذلك الإحسَاس الذي يغمرُ المؤمنَ وهو يَقْرَأ قرآنا أو يردِّدُ
أدعية قبيلَ النَّوْم تحسُّباً لمباغثة الموت إياه أثناء نومِه. ينزل إلى قنطرة
وِسْلاَن، ثمَّ يقف في إحْدَى شرفاتها وينصرفُ لتأمل السَّيارات والناسِ تحته
كحشرات صغيرةٍ وهو لايكفُّ عن مُساءلة نفسِه:
«ماذا يتم حينما ألقي بنفسي من هذا
العلُو الشَّاهق؟ ماذا يحدث عندما تكُونُ جثتي هاوية بسرعة خاطفةٍ إلى الأسْفَـل
بعد ارتمائي من هـذه الشُّرْفة؟ فيم أفكِّـرُ عندما أكـونُ هاويا؟ بـل هـل أظلُّ
أفكِّرُ؟ وهَلْ لتفكيري معْنى حينئذ؟ بالنسبة لمـنْ؟»
وفي
غمرَةِ تساؤلاته يُداهمه قطارٌ كقوة عمياءَ، فلا يفطنُ إلا وهُو عاضٌّ بيديه
وأسنانِه على الشُّـرفة الحديدية، قابعٌ بغباوة وسَط الضَّجيج وزوبعَة الغبار. طوال
مضي القطار، بمحاذاة جسَده، يملأ رأسَه صُداعٌ مُرعب فتحمرُّ وجنتاه، ويطيـرُ قلبُه
خفقانا، وتـرتعشُ مفاصله... بينه وبيْنَ الموتِ مقدَار ارتماءةٍ تحت عجلاتِ
القِطَار:
«ماذا يتم عندَمَا أُلْقِي بجثتي الآن
تحتَ هَذِه القـوَّة العمياء؟ أي شيءٍ يفْصِلُ بين ارتمائي وبين تحوُّل جثتي إلى
رَمِيم؟ أيُّ إحسَاسٍ يغمُرني حينما يتم أوَّلُ تماسٍّ بين جسَدِي وبين إحدى عجلاتِ
القطار؟ إلى مَاذا يؤول هَذا الإحساسُ حينما تُفْصَلُ مني اليد، ثم يُكَسَّرُ
الْعَظْمَ ثم يُعْجَنُ الجسَدُ في بضْع ثـوانٍ؟»...
ينتهِي
مُرورُ القطار كمُداهمته، يمر كلمح البَصَرِ فتسْتَعِيدُ القنطرَة والسكَّة هدوءهما
الفَارغ. ترتمي أجسامُ الأطفال المـارَّة فـوق القنطرة من جديـدٍ...
أثناء
عودتِه إلى المنزل، لا يكفُّ عن ترديد أنَّ العائد هو طيفه. أما هو فقد ماتَ قبل
لحظات. لقد ارتمى من أعلى القنطرَة أو عُجِنَ تحتَ عجلات القِطار حتَّى إذا وصل إلى
البيت راحَ يستكشف الغُرَفَ والأَفْرِشَةَ والكُتب بعين المنبعث. في الفراشِ
يُدَاهِمُهُ استيهامُ الجسـد المجزَّأ المعجُون، فتُهَشِّمُ عِظَامَهُ وتُقَطِّعُ
يديه ورِجْلَيْهِ عرباتُ النَّهار في الليـل الدامـس، وتحـوِّلُ جثتَه إلى أشـلاءَ
غارقةٍ في بركة الدَّمِ التي يؤول إليها فِراشه فـلاَ يفطنُ إلا وهُـوَ قائمٌ يرسِل
صُـراخا مـرعبا تتخلَّلُه ضحكاتٌ مدوِّيَةٌ لا تنقطـعُ.
*
* *
كان
الزمن قيلولةَ غُشْتَ، والمكانُ قَنْطَرَةَ وِسْلاَنَ الشاهقة ذاتها، والقطار يـرسل
منبه الصوتِ، بلا انقطـاعٍ، مُعْلِناً مُدَاهَمَتَهُ، وقطعانُ البَشَر تتبعثر
بجانبي السِّكَّة كأغنام مفزوعة، لما انبجستْ من القيظ ابنةُ سبعة عشـر سنـة.
أتتْ
تتهادى وكأنها تغازل معشُوقا، بعدَما احتوت القطارَ كموضوعٍ جميل، ثم انتصبتْ وسط
السِّكَّة بكبرياءٍ أبدى جسَدَها كجبلٍ شامخٍ يحيل إلى مجرَّدِ صدًى صامِتٍ ذلك
الصُّرَاخ الذي تعالى مِنْ حَولها. لم يجرؤ أحدٌ من الصَّارخين على القفز نحوها
وانتشالها من السِّكة. خِلاَل ذلك، كان القطـارُ مندفعا كقوة قاهِرَةٍ عمياء
وكانتْ، وهي واقفةٌ، تُدَشِّنُ مجزرتها بالانخرَاط في زمنٍ آخـرَ...
بتقدم
القطار كانت أصواتُ المتحلِّقين تُبْتَلَعُ، والضجيجُ المرعب يُطبِقُ على الآذان،
والضحية تـزدادُ بهَاءً. على بُعد أمتارٍ من الاصطدام كانتْ عيناها قد انخطفتا
فبدَتَا كَلَيْلَيْنِ عميقين فيما بَدَتْ هي كالنَّائمَة. رحَل الدَّم عنْ شفتيها
فمَالَتَا تحتَ أسنانٍ تبتسم باصطكاك لاينقطع. أما جسدُها، فقد استسْلَم لرعْشَاتٍ
أبدَتْهُ كَالرَّاقص أو المتألم. أثناء ذلك، كَانَ وجهُها قد استدَار إلى أن صار
كالشَّمسِ المتعَاقِبَةِ الألوان...
على
بُعد خطوتين مِنَ القاطِرَة خَزَرَتْ إلينا مـرَّاتٍ عديدة متوالية في زمن سريـعٍ
كالبرق، بطئ كالأزل، ثم تمتمتْ كثيرا وهي تحرِّك يديها ورجليها فكانت أحد اثنين:
إما كبشا يبتلع ما تُحْشَى به أسنانُه قبيـل ذبحه أو خطيبا يجهِدُ نفسه في إيصال
كلامه إلى قومٍ صُّمٍّ عُمْيٍ؛ كانت تقول كلَّ شي، لكنَّ خطابَها كان يحتضرُ. كانتْ
تتكلم خارج المدَار البشريِّ أو داخل علبةٍ محكمة الإغلاق، ولذلك قَصُرَتْ قامتها
فجأة قبيل الاصطدام، فبدتْ قـزماً، ثم حشـرةً، ثُمَّ كَلَّةً، ثم ذرَّةً أمام عظمة
القطـار لحظة التَّمَـاسِّ...
انقضَّتْ عليها القاطرةُ فابتلعتْها كالطوفان. غاب جسدها وامتدَّتِ العرباتُ
الماضيةُ بسرعة كحُجُبِ القيامة. اشتد خفقـانُ قلبي، وامتلأ رأسي صداعا ودوارا.
استمسكتُ بقوة قصد منع إتلافه... وفجأةً داهَمَ السكة صمتٌ رهيبٌ. كانَ القطار قد
مر مثل مجيئه، فلم يتـرك وراءه سـوى شبه جثة انطرَحَتْ بعيدا عن مكان الاصطدام،
وقطع لحمٍ وعظم تبعثرتْ علـَى امتداد المسافة الفاصلَة بين نقطةِ التَّصادُم
ومسَاحَة استقـرار شبه الجثَّـة...
بجانِبَيِ السِّكَّة انتصبتْ عشرات الجثتِ سَاقَهَا الغبن كما تُساق البهائم إلى
المجزرَةِ، و انخرطتْ في التهام الجثة الصغيرة المبعثرة بنظراتٍ نائمَةٍ أحالت
المشْهَدَ إلى إعـلاَنٍ صاخبٍ عن إفـلاسِ الكائن. خِيطَتِ الأفـواهُ وصُمَّتِ
الآذانُ وتحوَّلَتِ الأجســادُ إلى آلاتٍ معطوبةٍ متناثرةٍ في صحراء المطلق. خلالَ
ذلك كَان الموتُ قد أطبق على الآفاق، فبدَتِ الحياة قبرا هائلا انكشفتْ فيه أكفـانٌ
عملاقة تلُفُّ الأحيـاء بمنازلهـم وملابسِهِم وسياراتِهِم وأوهَامِهِمْ...
«يـوم ارتميتُ تحت عجـلات القطـار
وتحوَّلتُ إلى شبه جثـة وأشْـلاَء لحمٍ وعَظْـمٍ، إذا كانتْ هي الميتةُ فأنا
الواقفُ الآن أتأمَّلُ جثتها. أمَّا إذا كنتُ أنا الذي ارتميتُ تحت عجلات القطـار
أو ألقيتُ بنفسِي مِنْ أعْلَى القنطرَة فهيَ الواقفةُ قُبَالَتِي الآن تتأمَّلُ
شِبْـهَ الجثـة التي تبقَّتْ مني بعدما تحولتُ إلى بُقَعِ دَمٍ وأشلاء لحم وعظم
...»
ذلكَ
ماكنتُ أردده في قرارة نفسي لما كسَّرَ صفاء المشهدِ وقوفُ سيارتين كبيرتين كتب على
إحْدَاهما «الأمنُ الوَطَنِيُّ» وعلى الأخـرى «الوِقَايَةُ المدَنِيةُ». أيُّ أمنٍ
وأيَّةُ وقايةٍ؟ أَمْـنُ مَـنْ؟ وَمِمَّـنْ؟ وِقَايَـةُ مَـنْ؟ وَمِمَّـنْ؟
اندفعَ
ضابطُ الأمْنِ نحو الجثة مزهواً ببذلته وقبَّعَتِهِ ونَيَاشِينِهِ، بِرُمُوزِ
سلطته... إلا أنه بعدد تقدُّمـه في الخطوات لم يكُـن يفعـل سـوى إعادة إخراج ما
أخرَجَتْهُ هي قبل قليلٍ، ولذلكَ سُرعَانَ ما انكشفتْ جثَّتَهُ قمامةً استقرَّ فيها
البذلةُ، والنياشينُ، والقبعـةُ، وجهازُ التواصل اللاسلكيِّ، والسيارةُ... كـلٌّ
بهدوء عميقٍ. حملتُ قمامتي إلى المنـزِلِ وأنا أردِّدُ:
«ما العائدُ الآن إلا طفِي. أمَّا أنا
فقدْ مِتُّ قبل لحظاتٍ. لقدْ داستني عجـلاتُ القطـار أو ألقيتُ بنفسي منْ أعلَـى
القنطَرَة...»
|