محمد أسليــم

حديث الجثــــة

11

....................................................................

....................................................................

- تفضَّلْ. ِارْكـبْ بجانبها. ليلـة سعيدة. أمَّا أنا فسألتحقُ حالا بالبيت. نداءُ السَّماء يدعوني... قال ذلك، ثم ابتلعهُ الظَّلامُ وأصْواتُ الآذان التي كانت تُطبِقُ الآفـاق.

- إلـى أيـن؟ إلـى أيـن؟

 ما هـذه الأصواتُ؟ بـل أين أنا؟ أستيقظُ.أجدُني داخل سيارة أجرة مرفوقاً بواحدةٍ مـن سَيِّداتِ الليل اللواتي كن يُحِطْنَ بي في حانةِ الفندقِ. قلتُ وقـد بدأتُ أتخلَّص مِـنْ ثقل النَّوْمِ:

- إلى البساتيــن.

فـوْرَ إنهائي هذه الكلمةِ انْطلقت سيارَةُ الأُجْرَةِ بأقصى سُرْعَتِهَا فيما أخذتْ سيدةُ الليـل تَهْمِسُ في أذني سائلـةً:

- أمتزوجٌ أنتَ أم أعزب؟ (...) أمع جيرانٍ تسكنُ أم وحدك؟ (...) أفي الصَّباح أعودُ أم حتَّى المسـاء؟...

- أرمـلٌ (...) وحْـدِي (...) حتَّى المسـاء...

 «بورِكْتِ من ليلةٍ مَلَكِيَّـةٍ جُـدْتِ في أقل من لمـح البصر بما بخلتْ به أحلامُ العُمر قاطبة!». هذا ما كانَ يتردد في خاطري وأنا معانقٌ سيدة الليل بِيَدٍ ودَاسٌّ الأُخْرَى بين عموديها الرُّخامييـن أبحـثُ عن مدخلِ الضَّرِيحِ فيما كانتْ هي متهاوية تحتَ رغبتها مستسلمةً تتمسح بي كهِرَّةٍ وديعة... تذكَّرْتُ عشرات سيداتِ النهار اللَّوَاتي يغْتَصِبْنَنِي يوميا داخل الأوتوبيسات وسياراتِ الأجرة. هُنَّ أيضا تطيحُ بِهِنَّ الرَّغبةُ فيتهاويـن كما تتحطَّمُ الصُّروح العظيمةُ ويتمسَّحْـن بجسدي إلى أن يُوقِظنَ الشيطانَ بداخلي، لكنهن ما أَنْ ينزلن حتَّى يسْحَقْنَني بكبريائهن ونظراتهنَّ السَّاخرة ثُمَّ يحتجبن عَنِّي دَاخِلَ حُشُود الأجسَادِ والممرَّات... سيدةُ الليل هذه هِيَ بديل سيـدات النهار قاطبة. إن هبة الساحرة وقد قام عن ضريحها طابورُ الرُّعَاةِ لأنقى وألذَّ مِمَّا تَسْتَنْقِيـهِ وتَسْتَعْظِمُهُ نساء النهار قاطبةً...أعانقُهَا. تُعانقني. أُقَبِّلُها. تُقبِّلُنـي. أهتدي إلى مدخَل الضَّريح. إلى سِرِّ الأسْرار. إلى مِفتاح اللغز. أخلعُ حِذائي وأتهيأُ للدُّخُول. تحاصرني عيـونُ الراكبين. تقفُ السيدَة الجميلة وتنهَالُ عليَّ ضرباً وهي تصرُخُ بأعلى صوتها وتَهْتَزُّ... اشتباكٌ بحركاتٍ عنيفةٍ متوحِّشَةٍ: المرأةُ الجميلة تحاولُ إبعادِي وإجلاس الرَّجُل الزَّاهِد بجانبها، أنا أُحـاولُ التخلص في آن واحدٍ من قبضتي المرأةِ الجميلةِ والرجل الزاهد لأعودَ إلى مقعدي الأصْلِي؛ الرَّجلُ الزَّاهِدُ لاَوٍ بيدٍ علَى المرأةِ الجمِيلَةِ يحاول تهدئتها وبالأُخرى على ياقتي مانعاً إيايَ منْ الانْصِرَاف. اشتباكٌ. تَضَارُبٌ. صُرَاخٌ، وهَا هِي أجسادُنا تنقذف فوق رؤوس راكبي الصُّفُوف الأمامية. تَنْقَلِبُ المقاعدُ عليَّ. أصرخُ. أحسُّ بِخَشْخَشَةٍ في الأضْلُعِ.. هَلْ انكسرَتْ إحدى أضلُعِي أم ماذا؟ أَهُـمُّ بالوُقوفِ، لكنني أسقط مُغشى عليَّ إثر خَشْخَشَةٍ أقوى.. يلويني الألم. يُدَحْرِجُنِي. مَا هذا؟ أين أنا الآن؟ لا حافلة، ولا زاهد، ولا حسناء، ولا سيَّارَة أُجرة، ولا هُمْ يحزنون. فما الضربتان إلا ضربتَاها هيَ، المَارِدَةُ، زوجتي. تتوالى الصرخات من غُرَف البيت كافة فأتبيَّـنُ أنها صَرْخَاتُ سيِّدَةِ الليل. ينضافُ إلى صرخاتها صُراخُ طفليَّ. الماردةُ ركبها إبليسُها. الماردة توجعُ سيدة الليل ضرباً. أسْتَمْسِكُ. أقومُ. أجلسُ علَى أريكةٍ بِبَهْوِ المنزل. يكتشفني وَلَدَايَ فجأةً. يتجاريانِ نحوي وهما يصرخانِ مَرْعُوبَيْنِ: «بَابَا! بَابَا!» ويُشيران إلى المرأتينِ المقتتلتين. تجذب الماردةُ سيِّـدةَ اللَّيْلِ من شعرها وتجُرُّها إلى البهو. تُمَدِّدُها على بطنِهـا. تجلِـسُ فوق مُؤخـرِّتها. تنهـالُ، بصفحةِ اليد، على الظَّهْرِ بضرْبَاتٍ قوية. تمسِكُ عَصاً طويلةً صلبة، ثمَّ تنخرطُ في طَقْـسٍ تعذيبي مُروعٍ. سيِّدةُ الليل تَتَرَنَّحُ تحت الضَّرباتِ ككلبةٍ مسعورةٍ... وهَا هِي تتخلصُ فجأة مـن سَـوْطِ جلاَّدها. تقـفُ أنيقـةً رشيقةً. تتحرَّكُ في أرجاءِ الحَلَبَةِ بِخِفَّـةٍ ماهرة. تقفُ قبالة الماردةِ البدينة اللاَّهِثَةِ ووجهُها يرشَحُ عرقا، ثم تَكْمِشُ شعرَهَا وتستأصِلُ خصلات منه بسرعة البرق. تتـراجع إلى الوراء. المـاردةُ تزعـق. ولداها يطيران فزعا وبكاء وهما يصرخان: «مَامَا! مَامَا!». ياله من اٌقتتالٍ ضارٍ لارحمةَ فيه ولاشفقة! أمن أجلي هُو أم لشيءٍ آخر؟ ذلك ما لم أفلحْ حتى الآن في معرفتـه...

تهتزُّ جدرانُ البيت. أتخيَّلُ نساء الحيِّ قاطبةً قد سمعنَ الصُّرَاخ المرعب وأصوات النَّجدة فكسَّرْن الباب وتجَمْهَرْنَ داخل المنزل. نِسَاءٌ يَحْمِلنَ عِصِيّاً ونِسَـاءٌ يَحْمِلْنَ مِكْنَسَاتٍ، نِسَـاءٌ يَتَأَبَّطْنَ سُطُـولاً وَنِسَاءٌ يَشْهَرْنَ مِدْيَاتٍ... ينخرط الجمعُ في قتالٍ أشد ضراوة وعنفا: عصيٌّ تُكَسِّرُ ظهُورا. سُطُولٌ تُهَشِّمُ رؤوسا. مِدْياتٌ تبعـج بطونا. أجساد تجـرُّ أجسادا من رُؤُوسِها وتلقي بها في بِرَكِ الدمـاَء. أجسادٌ تنزلقٌ فـوق الدَّمِ المتخثر فتسقط جارَّةً معها أجسادا أخرَى إلى الهاويـة. يَتكَوَّمُ الجمع فيصيرُ كتلَةَ لحمٍ هائلةٍ، أُخْطُبُوطاً عملاقا من الأيْدِي والأرْجُلِ والرُّؤُوس البشريةِ. وخِلاَلَ ذلك كله تتعالى أصْواتُ الصُّرَاخ والترنُّح والنَّجْدة والضحكِ والزغاريد والإنعـاض وأنا جَالِسٌ على العرش تعصرني لذَّةٌ منتشية ذاهلةٌ. أغمضُ عيني. لو أنِّي أقومُ وبكلِّ مـا أوتيتُ من قوةٍ أقـذف هذين الطفلين باتجاهِ هذَا الأُخْطُبُوطِ مُقدِّماً إياهُمَا قُرْبَاناً لهذه اللَّيْلَةِ المرعبة الماجنـةِ. تعصرني اللَّذَّةُ. بيني وبين الموْتِ قَيْدَ شَعْرَةٍ. أهُوَ موعدُهُ قد حانَ؟ لوْ أني أقوم وأبتلعُ صيدلية المنـزل فأسقطُ جُثَّةً هَامِدَةً. لوْ أنَّ قبضة يدي تسَعُ هذا الكوكب الذي يُدعَى أرضا فأُحْكِمُ إطباقَهَا عليه، وأقذفهُ في اتجاه مجرَّاتٍ مجهولةٍ. لَوْ.. لَوْ.. لَوْ.. إلى أن صحوتُ فوجدْتُ أُمَّ وَلَدَيَّ جالسةً على حاشِيَةِ السَّرِيرِ تَتَرَنَّحُ قائلـةً:

- قد غفرتُ لك في الدنيا والآخِرَة ما ألحقتَهُ بي ليلة البارحة (...) وعلى كُلٍّ، فما كنتُ لأضبطك لولا الصُّدْفة المؤلمةُ التي ساقتني إليك قبل الموعِدِ الَّذِي كنتُ حدَّدْتَه لعودتي إلى مكنـاس. فنهَار أمس ماتَ أبوكَ في حادثـة سيرٍ مروعةٍ. لم نَرَ أي شيءٍ. لكـنْ قيـل لنـا إن السيَّارةَ قدِ انقلبتْ به، وإنه وُجِد جُثَّةً هَامِدَةً على بُعْدِ أمتار من العَرَبة، وإنَّ شُرُوخاً في رأسه قد سرَّبَتْ مجموعَ دمائه إلى الَخـارج...

طيلةَ كلامهِا كانَ قلْبِي يخفق بدقَاتٍ مَسْمُوعَةٍ، والدُّنْيَا تسْوَدُّ في عيني، وشفتـاي ترتجفـان، وجُثَّةُ الضحية الرَّاقدة فوقَ دمائها تتراقصُ أمامِي إلى أن وجدتُني طفلاً في الثَّالثة من عمره يُعَلِّـقُ على مُحَدِّثَتِهِ سائـلاً:

- مَـامَـا! فَهِمْتُ جيدا أن السَّيارة انقلبتْ ببابا وأنَّهُ قد ماَت، لكنْ لماذا تأخَّرَ أبِي في العودةِ إلى المنـزِل؟ متى سيعودُ بـَابَـا؟ متى سيعودُ بابـا؟

*

*         *

 حـدثَ شيءٌ ما. أذكُرُ تفاصيله جيدا، لكنني لا أستطيع نقلهُ إليكُم لأنني الآن مَيِّتٌ. العربة مقلوبة وسط الطريق، وعلى بعد أمتار استقرَّت الجثة التي انقذفتْ إلى الخارج لحظة الانقلاب المروع. الرِّجْلان مطويتان، واليَدَان مجموعتان، والوجهُ مُحْتَمٍ بالصدر. وبمحاذاة القفا امتدتْ ضاية شاسعة من الدماء الحمراء القانيـةِ التي خرجتْ لِتَوِّهَا من الرأس. ألا ما أشبه المشهد بمشهد ذبْـحِ خروفٍ أو عِجْـلٍ!

قبل أن يُشاهِد الجثة من نافذة الحافلة كان رُكَّاب المقاعد الأمامية قد وقفوا بأعناقٍ مشرئبة ووجوه ممتعضةٍ ثم قالوا متحسرين: «آه مات! آه مات!». أمّا هو فما وقعتْ عيناه على الجثة حتى امتلأ فمه بلُعَاب مقرفٍ وأخذت أوصاله ترتعشُ )أحزنا أم خوفا؟(. اللُّعَابُ مقرف. يزعجه. يبصق. لكنَّ فمه يَرْشَحُ بلعاب آخر. يتمنَّى لو اقتُلِع منه اللسان والحنجرة فَلا يعود يحس بلعابٍ ولا تقزز. وفي انتظار ذلك، هاهـو يتساءلُ: «لماذا يرشحُ فمي الآن بكلِّ هذا اللعاب المقرفِ؟ ثم ما علاقة هـذا الرُّوَالِ بالجثة؟». أتذكرُ عشرات الجثت التي شاهدتُها منذ الصغر. الجثتُ التي لفظها البحر بيضاءَ كالشحم أو الصابون بعدما أمْسَكَها في قعره أياما، والجثت التي مزَّقَتْهَا عجلاتُ قطارات وتركتْها أشلاء لحمٍ وعظمٍ، والجثت التي تهشَّمَتْ فـور سقوطها أو ارتمائـها من طوابق عليا... ومن وسَط عشرات الموتى أولئك هاهو الجوابُ ينبثق ساطعا متألقا: إنني أحسُّ الآن كأنَّ مـا من قطـرةِ لعابٍ يفرزها فمي إلاَّ وتمتزج بهذه الجثة السابحة في دمائِها. أحسُّ بأنني آكُلُ لحم الميت. نعمْ، إنِّي آكلُ لحم الميت! فما مـن مرَّة حضرتُ فيها موتاً مروعا إلا واستحال عليَّ الأكل على امتداد يومين أو أكثر طوالهما ما تكادُ لقمةُ طعام تجتاز حنجرتي حتى يحضرني مشهَدُ الجثة، فيفيض فَمِي بهذا اللعاب نفسهِ الذي يزعجني الآن، فأقوم إلى المرحاض لأقْذِفَ أمعائي فيهِ...

انطلقتِ الحافلة. توارت الجثة. ساد صمتٌ رهيبٌ. شغَّلَ السائق جهاز الراديو كاسيت فعاد صوت الشِّيخَاتِ. بحركةٍ نادمةٍ عجولةٍ أفرَغَ السائق بَطْنَ الجهَازِ وحَشَاهُ بشَرِيطٍ آخر في تجويد القرْآن. أما أنا فتذكرْتُ أنني سَأَمُوتُ. سأنتهي عَاجِلا أو آجلاً إلى جُثَّةٍ هَامِدَةٍ. أخذتُ أتسَاءَلُ: «مَتَى سَأَمُوتُ؟ أين؟ وكيفَ؟». تتوالى أمَامِي سِينَارْيُوهَاتُ موتي: «هَا أنذا شَيْخٌ مُلقى علَى الفِرَاشِ أَحْتَضِرُ، وحولي تحلَّق أبنائي وأحفَادي )...( لا، سَوْفَ تداهمُني عجلاتُ قطَارٍ أو شاحنَةٍ في وقـْتٍ آتٍ لاريـب فيه، مايفصلنِي عنه سِوَى الجهلِ بميعاده )...( لا، قَدْ أنتحرُ بأن أُلْقِي بنفسي من الطَّابَقِ العاشرِ كما فعل جَارِي البَدِينُ منذُ بضعة أيام (...) لا، سيُدَاهِـمُ المدينـةَ زلِـْزَالٌ مرْوعٌ فينتهي كلُّ شيءٍ في بِضْعِ لحظاتٍ: تَنْهَارُ جدران البيـت فتُحيلُنِـي إلى رميمٍ )...( لَكِنْ، مَنْ يَدْرِي؟ فقد تطبقُ عَلَيَّ الجدْرَانُ فَأَقْضِي بداخلهـا أيَّاماً مسجوناً مختنقا قبْلَ أن تزهق روحي )...( ومَا أدرانِي أن الأمرَ نفسَهُ سيحدث لي دَاخِلَ قبرٍ حقيقيٍّ بعد أن أكون قَدْ «مِتُّ» ميتةً طبيعية، فمـا يكَادُ قطيعُ الدَّافِنِيـنَ يَنْصَرِفُ حتَّى تنبعـث فِيَّ الروحُ ثانية؟...»

ألا ما أغبى الأحياء! لماذا يُعجِّلون بدفن الأموات؟ أن يدفنوا فرداً معناه أنهـم قد أيقنوا موتَه، لكن أيُّ يقيـنٍ يُطَمْئِنهم إلى أنه لن يَحْيَ بعْدَ دفنه؟ لماذا لا يتركونه إلى مرحلةِ بدايةِ التَّفَسُّخِ ليتحققوا آنذاك من أنَّه قد مَاتَ فعلا، فيجنبونه احتمالَ القَتْلِ اختناقاً داخل قبـرٍ أو ثلاَّجَـةٍ لحفظ جُثَتِ المَـوْتَى؟

أنسَى الأسئلةَ التي ساقتْ إلى ذهني سيناريوهات موْتِي، وبدَلا من الاحتفاظِ بمشهدٍ بعينهِ يتجاذبُنِـي إحساسانِ متعارضانِ: سرورٌ وارتياحٌ كبيران عندما يُخَيَّلُ إلي أنني سأموتُ بمنتهى السهولة، أي دون اجتيـاز آلامٍ جسدِيَّةٍ، إذْ هُنَا سيتمُّ كُلُّ شيء في لمـح البصرِ أو أقل: يغْمِضٌ المرء عينيه كمَا يغمِضُهما قُبَيْـل النوم، ثم يمحَـى...، وقلقٌ وفزعٌ كبيران عندما أتوهَّمُ أنني لن أموت إلا بعد اجتيازِ آلام مبرحةٍ، إذ هنا مهما تَبْدُ مدّةُ احتضار المرء قصيرة، فهو يقضي فيها مَا يُعادل أضعافا مُضَاعفة من سِنِي حياته في التألُّمِ والمعاناة... أيُّ سبيل إلى الموتِ المُرِيحِ؟ لَوْ أيقنتُ أنَّ موتي سيستنزفُنِي قبل محوي لداهمته قبلَ أن يُدَاهِمُنِي؛ لتناولتُ دَفْعَةً واحدةً كمية هائلة من عقاقيـرَ ما تكادُ تبلغ الحنجرة حتَّى تُنِيمني وتُمِيتُني... يَتَبَدَّدُ الإحساسان أمامَ الفكْرَةِ الآتيـة:

«سـواءٌ أكان موتُك خفيفاً سَهْلاً أم بطيئا قاسياً فذلك لنْ يجديك في شيءٍ، لأنك في الحالتين معا ستموتُ. ومتى مِتَّ انعدم فيك الإحسَاسُ بالرَّاحَةِ والفرح، والألمِ، والمعَانَاةِ. فما هذه الأحاسيسُ إلاَّ للأحيـاء...».

*

*         *

 َدِيــرٌ في القلـبِ وهديــرٌ فـي الـرَّأس.

وفجأة قام رجلٌ من جانب امرأةٍ كان جمالٌها قد أسر عيون الراكبين جميعا قُبيل إقلاع الحافلة. وقفَ ثُمَّ أخذ يتفرَّسُ في وجوه المسَافرينَ إلى أن استوقفهُ وجهُ شابٍّ جميلٍ يجلسُ في مقعدٍ خَلْفِيٍّ بجوار امرأةٍ عجوزٍ، فأمسَكهُ منْ يده وسَاقَهُ إلى المرأةِ الحسناء ثم قال: «منذ أن شَاهَدْتُ تلك الجثَّة وخَاطِرٌ يوبِّخُني ويُعَنِّفُنِي قائلا: «أمَا استَحْيَيْتَ؟ تجلسُ أمام هذه وأنتَ مَيِّتٌ؟!»، فاجلسْ أنتَ [أيها الفتى] أمام هذِه [الحسناء] ودَعْنِي [أنا] أجْلسُ بِجِوَارِ تِلْكَ [العجوز]».

أيُّ شيطانٍ رَكِبَ ذلك الرَّجُلَ؟! فقد لفظَ كلماته بلهجةٍ جادَّةٍ أنزلَتْهَا على الرَّاكِبين كصاعقةٍ، فلم يَجِدْ أَيُّ واحدٍ منهم مَا يقوله ولا مَا يفعله والمرأةُ الحسناءُ! أزوجته كانتْ أم ابنة له؟ أم مجرد غريبةٍ سَاقَتْهَا إليه صُدَفُ السَّفَرِ؟ لا أحد استطاعَ أن يَعْرِفَ ذلك حينئِذٍ ولاَ فِيمَا بَعْد. والشَّابُّ الوسيم! أيُّ شيطَانٍ رَكِبَهُ؟! فقد أشرقَ وجهُه ولمعت عيناه، فقال لِمُكْرِمِهِ: «شُكْراً»، ثم تهيأ للجلُوسِ بجوار المرأة وكأنه سينالُ جائزةً أو ينقضُّ على غنيمةٍ. أمَّا هي، فقد اٌحمرَّ وجهُها واٌصفرَّ، ثم زاغتْ عيناها كأنَّهَا صُعِقَتْ، فاستيقظ مَارِدُهَا، فما كادَ الشابُّ الوسيم يضع مُؤَخِّرَتَهُ على المقعد حتَّى استدارتْ نحوه وأمسَكَتْهُ بكِلْتي يديها من ياقته، ثمَّ جذبتْهُ إليها بقوة ورمته بعنفٍ إلى أن اٌصْطَدَمَ بِي وسقـطَ على مَمْشَى الْحافلة...

انْسَلَّ الرَّجُل الزَّاهِد من مقعده الخلفيِ بسرعةٍ، ثم أوقفَ السَّاقطَ وَهَمَّ بإجلاسه ثانيةَ بجوار المرأة الجميلةِ، لكنها وقفتْ وانهالتْ علَى الإثنين ضَرْباً وهي تصرخ بأعلى صوتِهَا وتهتزُّ... اشتبكَ الثلاثةُ بحركاتٍ عنيفة متوحِّشَةٍ: الحسناء تحاولُ، في آنٍ واحـد، إبعـاد الشـابِّ الوسيمِ وإحلالِ الرَّجُلِ الزَّاهدِ محلَّه. الشَّابُّ يحاول التخلُّصَ من قبضتي المرأة الجميلة والرّجل الزَّاهِدِ كَيْ يعودَ إلى مقعده الأصلي. الرجلُ الزاهد يلوي بيـدٍ على المرأة الجميلةِ محاولاً تهدئتها وبالأُخْرَى على الشاب الجميل مانعاً إياه من الانْصِرَاف. اشتباكٌ. تضاربٌ. صراخٌ. وها هي أجسادُ الثَّلاثة تَنْقَذِفُ فوق رؤوس رُكَّاب المقاعد الأمامية. يحجب صُرَاخ الرُّكاب هدير المحرك وأصوات الشيخات. تدافعٌ من الخلف، وتنقلبُ المقاعدُ فـوق رُكَّابها. أجساد فوقَ أجسادٍ. صرخاتٌ تِلْوَ صرخاتٍ. يرتطـمُ جمعٌ من الراكبينَ بِدَرَّاءَةِ الحافلة ويقع فـوقَ السَّائِـق. ثمَّ صمتٌ رهيب. لقد زَاغَتِ العربةُ عن الطَّرِيق فسقطتْ في هاويـةٍ.

انْتُشِلَ «حَيّاً» من وسط المقاعدِ. مَا مَعْنَى ذلك؟ أَهُوَ إِنْذَارٌ من موته أم جَوَابٌ - خانتْهُ الدِّقَّةُ - عن سيناريوهات مَوْتِهِ المـرتقب؟

*

*         *

هَدِيـرٌ فـي القلْـبِ وهديـرٌ فـي الـرَّأْسِ.

وفجأة وجدتُني أنظر في لذات الجسَدِ من منظور ميِّتٍ. انتابني شعورٌ مزدوجٌ: رغبةٌ عارمةٌ في العربدة والتهتكِ، وزهدٌ تامٌّ في الحياة مرفوقٌ بشفقة على الكائنات جميعـاً. إن هذه القُضْبَان والأنابيب المحشوة بها أجساد المخلوقَاتِ كافَّة لاَ صِلَة لهـا إطلاقا بما يُسْقَطُ عليهَا من شهواتٍ ورغباتٍ. فمَا النُّهُودُ إلا أطعمة للرُّضَّعِ، وما آلاتُ التناسُلِ سوَى أجهـزةٍ لإفـراغِ نفايات الجسدِ وحفظ استمرارِ النَّوْعِ من خلال توالدِهِ/تِكرارهِ، ومَا الجسدُ الأكثرُ إثارةً للشَّهْوَةِ سِوى هيكلٍ عظميٍّ أُحْكِمَ تقنيعه... من الآن فصاعدا لن تغويني امرأةٌ. من الآن فصاعدا سَأَمُرُّ في الشَّارِعِ فأرى «الحِسَانَ» قد اغتسلنَ، وتعطَّرْن، واكتحَلْنَ، ولبِسْنَ أبْهَى الحِلْيِ والحلل، ثُمَّ عرضْنَ صُدُورهن، ورَفَعْنَ رُؤُوسَهُنَّ شامخاتٍ وهُنَّ يمشين متهادياتٍ مُتَمَايِلاَتٍ، فما تقعُ عينُ الرَّجُل على إحْدَاهُنَّ حتى يَسِيلَ لعابه... أمَّا أنا فلنْ أرَ فيها أكثـرَ من محض مُسْتَوْدَعِ نفاياتٍ مُقْرِفَةٍ أو كيسٍ يُزْكِمُ بروائح دَوَاخِلِهِ... من الآن فصاعداً سأكتفي من الحياةِ بما أتَّقِي به ألمَ البطنِ، وأستر به عَرَاءَ الْعَوْرَةِ... بلْ لو استطعتُ لضَرَبْتُ في الأرض سيراً صارفاً ما تَبَقَّى من عُمري في مَشقَّاتِ سفرٍ وَهْمِيٍّ إلى أن يحيـنَ موتِي فَلا أَشْعُـر ببطء مجيئه...

 

هَدِيــرٌ فِـي القَلْـبِ وهَدِيــرٌ فِـي الـرَّأْسِ.

وفجأة عادتِ الجثة الرَّاقـدةُ في بِـرْكَة دمائها. تذكـرتُ ما تردَّدَ على ألسنة الرَّاكبيَن: «آه مات!»، «آه مـات!»، فأخذتُ أتساءلُ: لماذا لم يقولُوا بَدَلاً من ذلكَ: «إنَّه ميِّتٌ»، أو «إنه يمـُوتُ»، أو «إنَّهُ ِبصدَدِ الموت»؟ استحضرتُ وُجُوهَ الموتى الَّذِينَ عرفتُهمْ واحداً واحداً فما وَجَدْتُ إلا القولة نفسها تتردَّدُ على لسانِ من تخلَّفَ وراءَ كلِّ ميت... إننا معشر الأحْيَاءِ ما أَنْ يعْبُر أحدُنا إلى الضِّفَّةِ الأخرى حتَّى نتنكر له ونـَزُجّ به في الزَّمنِ الماضي ونُقصيه كليا من الحاضِرِ وكأنَّنَا نعمدُ بذلكَ إلى اتقاء شرِّه. فلماذا لا نُمَوْضِعُ أنفسنا بالطريقةِ ذاتها عندما نكونُ مُسافرين، مثلا، فنقولُ فور إقلاعِنَا: «لقد سافرتُ» بدلا من «أنا مُسَافرٌ؛ أنا بصَدَدِ السفر»؟ لمْ يجِدْ لهذا السُّؤَالِ جواباً، لكن طرْحَه أتاح له الوُقُوفَ على وَجْهٍ آخَرَ للموت:

- ليسَ الموتُ هُوَ أن يتوقَّفَ جَسَدُكَ عَنِ الاشْتِغَالِ ويَصِيَر جُثَّةً هَامِدَةً... أنْ تموتَ هُوَ أَنْ تتموقَعَ في جهة ما من الزَّمن الماضِي. هو أن تنتقلَ من الْمَا يَجْرِي أو الْمَا هُوَ كَائنٌ إلى المَا جَرَى أو المَا كانَ. هُو أن تَنْتَقِلَ منْ نُقْطَةٍ ما في شبكة عَلاَقاتِكَ بغيرك إلى نقطة أخرى. ومعنى ذلك أنَّكَ تَكُونُ دائِماً حيّاً وميتا في آنٍ واحدٍ: حيّاً حيثُمَا كُنْتَ، وميتا حيثُمَا غبْتَ. وما أنتَ في العمق سوى هذا الحضُورِ-الْغِيابِ المتوالي. فأنتَ الآن، في هذه الحافلَةِ، حيٌَّ. لَكِنَّ أهلَكَ، في البيضاء، الذين فارقتُهم منذ ساعاتٍ، هم بالنسبة إليك أمواتٌ كما أنك بالنسبة إليهم ميِّـتٌ...

- لكن أين تموضعُ ما تواضع بنو البَشَـرِ على تسميته مَوْتاً؟

- إنَّ ما نسميهِ حياةً لا يعدو مجـرد وهْمٍ سابقٍ للحياة. أما الحياةُ/الموتُ فلا علاقة لها إطلاقا بما نحـنُ إياه الآن لأننا لن نكونَ فيها على ما نحنُ إياه الآن نظرا لكوْنِهَا تقعُ خارجنا، ولكونِنَا متى انتقلنا إليهَا ولَجْنَا منطقةً تقَعُ خارجنا. أن يحيى المرْءُ هو أن يَكُونَ داخلَ نفسِه، وأن يموتَ هُوَ أن يُغَادِرَهَا مُغَادِراً فيها عقْلَهُ وإِحْسَاسَهُ. بتعبيرٍ آخر: الحيُّ ميِّتٌ في حياته والميِّتُ حَيٌّ في مَـوْتِهِ...

- كيـف ذلك؟

- إنَّ ما نسمِيهِ حياةً لا يعدُو مُجَرَّدَ وَهْمٍ يحملهُ كلٌّ منا بطريقتِه الخاصَّة وينتهي بانتهائِه. فلنأخذْ، مثلاً، هذِه الجثة التي شاهدتها يومه )1993/08/13(. فمن «وِجْهَةِ نَظَرِ» صاحبها لقد انتهت الحياة والمعرفةُ بكلِّ ما يمتُّ إليها بصلَةٍ، انتهت - كما انتهى هو - يومه وانزوتْ في ماضٍ أبديٍّ. وإذا افترضنا أنه سَيَسْتَمِرُّ في التَّفْكِيِر والكلام، فإن ما من يومٍ أو حَدَثٍ أو ولادة أو موتٍ سَيأتي بعد اليوم )93/08/13( إلا وسيكون عَدَما وخَوَاءً بالنِّسْبَة إليه. ولو سألناه ما الحياة؟ لاختزلهـا في مَا عاشَهُ منذ ولادتِه إلى وفاتهِ. بهذا المعْنَى فالحياة ليسَت إلا سلسلة دخولاتٍ إلى العدم أو فائضٌ يَـزْدَادُ بتوالي النقط الزَّمَنِيَّة التي يمُوتُ فيهَا الأحيَاءُ...

 *

*         *

 هَدِيــرٌ في القَلْـبِ وَهَدِيــرٌ فِـي الـرَّأْسِ.

وفجأة توقَّفت الحافلة في محطة الخميسات. تذكرتُ أَخِي حسن ففطنتُ إلى أنني لم أره منذ عامين. قلتُ: «فَلْنُحْيِ الميِّتَ البعيد بالحيِّ القريبِ. هَيَّا، إذن، إلى حسن الآخر، إلى فقيه الخميسات»، ودون أدنى تردد غادرتُ الحافلـة.

ما كِدْتُ أجتازُ عتبة معبده حتى اقشعرَّ جلدي لوحشة ما ألفتُها في المكان من قبل. وفِيمَا وَرَاءَ رَوَائِحِ الصَّمْغِ، والوَرَقِ، والصُّوفِ، والجِلْدِ، والمسك، والزعفران، والند، وماء الورد.. انتَهتْ إلى حَاستي الأُخرى رائحةُ مَوْتٍ. قُلْــتُ:

- مَـنِ الفقيـد؟

قــالَ بصوت حـزين وهو يدعونـي إلى الخـروج:

- تعـال أُرِيـكَ كيـف تغتـال الأمُّ أبناءهـا!

في الحانة طَلَبَ ستِّيَن قدحا دفعـة واحدة، ثم رَاحَ يستضيفُني للشَّرَابِ مَرَّةً تلو أخرى، وفي كل مرة يُتَمْتِمُ بِكَلِمَاتٍ غير مفهومةٍ، ثم يحتَمِي بصمتٍ رهيـبٍ...

عِنْدَ مَتَمِّ القَـدَحِ العشـرين خرجَ مِنْ صَمْتِـهِ وَقَــالَ:

- أرأيتَ تلك العجوز التي تَقَرْفَصَتْ عَتَبَةَ منزلها؟

- ....

- إنها أمُّ عزيزنا ياء. لقد قَتَلَتْـــهُ.

- كيــف؟! مـات؟!

- نعـمْ. مـات. لقـد انتحَـرَ منـذ بضعـة أيــام...

 

الْكَأْسُ تَــدُورُ والـرَّأْسُ يَــدُورُ.

وَفَجْـأةً وجدتُني أتسَاءَلُ: «كيف يمكن لأُمٍّ أن تغتال أبناءَها؟» صُورة ياء تتـراقص أمامي. عينا جاكليـن المطلَّقة الشقراء ذات الستة وثلاثين عاما وقعتا عليه فتـزوَّجَها، لكنَّ عينيه دلَّتَاهُ على ابنتِهَا نَاتَالي سوداء الشَّعْر والعينين ذات الستة عشر عاماً، فعَشِقَها. أما عينا أُمِّه هو فقد ساقهما عشْقُ الإبنِ إلى ابنةِ الحيِّ زينب... أهذا هو سبَبُ ذلك الحزن الغامِضِ الَّذِي كانَ، فيما وَرَاء العرْبَدَاتِ المنتشيـة، يخيم عليه كأفقٍ مُظْلمٍ ويملي عليه قراراتٍ «غريبـة»؟...

صـورةُ يـاء تتراقص أمامي. ها هُو يـزُورُنِي رفقةَ ناتالي. يشربُ. يستَزِيدُ. يعانقُ صغيرته. يبتهِلُ إليها بقبلاتٍ خاشِعاتٍ مُتَوَسِّلاتٍ. أتُراه يستعيد بها زينبا؟ يتعانـقُ الجَسَدان. يلتصقان. يتمدَّدان. يتدحْرَجَان. يتنَاجَيَان. وبيَن الفِينَةِ والأُخْرَى يتهامسَانِ كلمـةَ «[المـرأة] «الأخـرى»، جاكلين...

كـان ذلك قبـل أن يُرسِّخَ قدميه جيدا في باريس مؤسِّساً لنفسِهِ نسَابَة رمزية صلبةً وضع بها «زوجته/حماته» أمام الأمر الواقع...

صورته تتراقصُ أَمَامِي. ها أنا أراه للمـرَّةِ الأخيـرة:

«لقد حصلتُ على جميع الوثائق، وعما قريب سأتجَنَّسُ )...( زوجتـي الآن هـي ناتالي وليست جاكلين. لقد صحبتُهَا معي إلى المغرب وهِيَ حُبْلَى. هُنَاكَ، أنجبتْ لي مولودا أسميتُهُ يـوسفَ )...( أقلعتُ عن شُرْبِ الخَمْرِ. أنَا الآن أُصَلِّي )...( لكن [هاهو الحزن الغامض نفسه يخيم عليه كأفق مظلمٍ موحِشٍ ويملي عليه قرارا «غـريبا»] ما أتجنسُ حتَّى أهجر الإثنتين وأرحل نهائيا عن باريس. سآخذُ مَعِي يُوسف وأُهَاجر إلى أمستردام. هُنَاكَ، سأَسْتَقِرُّ نهائيا. أَلاَ ما أوسَع أَرْض الله!».

نعم مَا أوسع أرْضِ الله وأرْحبها. لقدْ تنكَّرتْ أمستردام بهيأة مقبرة في الخميسات تُدْعَى «سيـدي غـريب» وآوت يَاءً بشكلٍ نهائيٍّ في شُقَّةٍ أضيق مِنْ أن تَسَعَ فردا واحدا فبالأحرى اثنين، ولذلك بَقِيَ يُوسُفُ في باريـس يُعَلِّقُ على حديث أُمِّهِ سائلا:

- مَامَا! قَدْ فهمتُ جيدا أن بَابَا مَاتَ، وأنه وُضِعَ داخل نعشٍ ثُمَّ نُقِلَ على مَتْنِ طائرةٍ إلى المغرب، لكنْ لمـاذا تأخَّرَ بَابَا في العَوْدَةِ إلى المنزل؟ متى سيعودُ بَابَا؟ متى سيعُـود بَـابـَا؟

 

الكَـأْسُ تَــدُورُ والـرَّأْسُ يَــدُورُ.

وفجأة وجدتُني أسأل نَدِيمي:

- كيف انتحرَ؟

- لسـتُ أدري. لكن ما فائدةُ ذلك؟

- أقصد فقط هلْ تألَّمَ كثيرا قبل الموت أم لا؟ أَتَمَنَّـى...

قاطعنــي:

- لستُ أرى أيّ جَدْوَى في مثل هذا الانشغال. أما علمتَ أنَّ ما تُسَمِّيهِ بـ «الاحتضار المريـح» أو «الاحتضار المؤلم» هو مجرد وصف تسقطه أنت الحيُّ على الميت؟ أما صاحبنا، فسواءٌ كان احتضاره «سَهْلاً» أو «قَاسِياً»، فذلك لم يُغَيِّرْ في الأمر شيئا لأنه في الحالتين معا قد انمحَى! أنسيتَ أن المرء ما يُولدُ حتى يُهَرْوِلُ المـوت إليه مُطالبا فيه بنصيب، وأنَّ حياة الإنسان بكاملها لا تعدو مجرَّد موعد مع المـوت، أي مجرد احتضارٍ أكبر يعقبه ذلك الاحتضار الأصغر الذي يُدَشِّنُ الدخول إلى المـوت؟

 

هَدِيــرٌ في القَلْبِ وَهَدِيــرٌ فِي الـرَّأْسِ.

نعـم، ما الحيـاة سوى احتضارٍ يمتـدُّ مـن الولادة حتَّى الموت. وما الموت سـوى محطَّةٍ بين حياتين: حياةُ ما قبلَ الولادةِ، وحياةُ ما بعد الموت. وبمـا أنَّ الموْتَ يقع داخـل الحياة فالحياةُ تقع خارجَ نفسِها. أين أنا الآن؟ بل أحيٌّ أنا أم ميِّتٌ؟ أنا حيٌّ. لا، أنا ميِّتٌ. أفتحُ عيني. الظلام مطبق. ما هذا الكتان الذي يلفني؟ هل انصرفَ قطيع الدافنينَ فعادت إليَّ الرُّوح؟ أتحرك يمينا. أصطدمُ بجدارٍ. أتحرك يسـارا. أصطدمُ بجدارٍ. فوقي جدارٌ وتحتي جدار. أُغَالِبُ الاختناق. أتخبَّط. أصرخ كالمسعور. أَثِبُ بكل مـا أوتيتُ مـن قوة. لا. أنا حيٌّ. هذه غرفة، وهذا مصباحٌ. هذا فراشٌ، وهـذا غطاءٌ. أرتدي الملابسَ بسرعةٍ. أغـادرُ المنـزلَ. أستقلُّ سيـارة أجـرة.

- إلى أيْـنَ؟

- إلى أقـرب حانـة.

امْتَرَقْتُ وسط أجساد السُّكارى. وبإحـدى زوايا المشرب وجدت لست أدري أيهما: حسن أخي أم حسن الخميسات متنكِّرا بهيأة حَسَن الآخر، شَيْخِ مكناس. وفيما وراء قرقعات الكُؤوس وقهقهات السُّكَارى وأُلْفَةِ المكان انْتَهَتْ إليَّ رائحةٌ موحشةٌ. أيقنتُ أنَّ أَحَداً قـد مات، فقلـتُ:

- مَـنِ الفَقِيــدُ؟

فـَرَك يديـه، ثم قـال:

- مساء أمس، تلقَّيْتُ هاتفا تقول صاحبته إن أرْضَها قد تصدَّعَت وانشقت وإنَّ محنـة البحث عن الارتواء قد دلَّتْها عليَّ، فما أبديتُ استعدادي حتى انشقَّتْ الجدران عن سيِّـدةٍ قالت إنها نزلتْ من السَّمَـاء )...(. تسألُني عـن الفقـدان؟ قـد أنبأني القلبُ بـوَشْكِ وقوعه، وإني منذ وطأت قدماي الحانَةَ وأنا أتساءل: من الفقيـد؟

صَفَّ الخمَّارُ أمامنا عشرين قدحا وأربع زجاجات كبرى. تتعالى صيحات السُّكارى وقهقهاتهم. أتكلم، لكنَّ الضجيج المطبق على المكان يبتلع صوتي. أُجْهِـدُ نفسي مع ذلك في إيصال شيء ما. بلسانٍ تظافرتْ على لَيِّهِ الكُؤُوس أحكي عن الجثَّـة، وبِرْكَة الدم، والأم التي تغتال أبناءها... قاطعني الشيخُ ضاحكا، ثمَّ أخرجَ سيجارةً وقالَ:

- أأحيـاء نحـن أم أمـوات؟

 

الكـأسُ تــدُورُ والـرَّأْسُ يَـــدُورُ.

وفجأةً داهمَ الحانة رجلٌ ضخم الجثَّة )سيقال عنه إنَّه هرب مـن المارستـان( ليُبَدِّدَ صخب الحانة بصخب أكبـر. قـال بصوتٍ هَزَّ الجُـدران:

- كَفَـى! كَفَـى! فَأَنَا الْمَـوْتُ!

سادَ الحانَـة صمتٌ رهيـبُ أبداها كطبقة متَكَلِّسَةٍ في أزمنة سحيقة. لكـنَّ الغريب سرعان ما بدَّدَ ذلك الصَّمت مطلقا عِنَان حبالِ حُنْجُرته في دوِيِّ أغاني المعمور. كان ينتقلُ بمنتهى السُّهُولة من الهند إلى إنجلترا، ومن أدغال إفريقيا إلى متاهات أمريكا... وكانت الحانـة تضُجُّ ضجَّةً عظيمة إثْر كل مقطع صمتٍ يتخلَّلُ أغنيتين، فتعلُو التصفيقاتُ والآهاتُ وصرْخات السُّكْرِ والعربدة...وفيما كان الجمعُ يستـزيدُ الغـريبَ أغانيه أخرجَ هو شفرة حِلاقة، وصلَّبَ يده، ثم تهيأ لقطع شبكة عُرُوقها وهو يقولُ باللهجة نفسِها التي دَاهَم بها الحانــة:

- كَفَى! كَفَى! فأنا المـوتُ! أنا ميِّتٌ! أنَا مَيِّتٌ! ثوانٍ وأغرِقُكُم في بحر دمائي!

فيما كان الرَّجُل البدينُ يستَجْدِي مُهَدِّداً أخذتُ أستكشِفُ جسدَه من جديـد، لكن باعتباره ضحيةً. بدى كعِجْلٍ على أبواب المجزرة. تذكَّرْتُ الجثَّةَ الرَّاقدة فوق دمائِها، وجثَّةَ جَارِي البَدِينِ التي تهشَّمتْ فورَ ارتمائها من الطابَقِ العاشِرِ. أغمضتُ عيني. وها هو صَوْتُ النعي يخبرنا بموتِ قُطْبِ مكناس في حادثةِ سَيٍر مُروعَـةٍ...

 

الكأْسُ تَـدُورُ والـرَّأْسُ يَـدُورُ.

لَفَظَتْنَا الحانَـةُ. قال الشيــخ:

- هيـا ننـام!

- إن كلَّ ما شربتُهُ حتى الآن لم يُزِل عني هذا اللعابَ المقرِفَ الذي مَا انفكَّ فَمِي يـرشَحُ بِهِ منذ شاهدتُ الجثـَّةَ والدِّمَـاء.

- أيُّ جُثَّـــةٍ؟!

أدركْتُ أنَّهُ لم يسمع شيئاُ مما كنتُ حَكَيْتُهُ له في الحانة.عُدْتُ أقُـصُّ عليه المشهدَ بكُلِّ تفاصيله. ساقنا الحكْيُ إلى حانةِ فندقٍ أرحب. بلِسَانٍ لوَتْهُ جيُوش الأقداحِ والزُّجاجات التي كان يسُوقها إلينا الخمارُ صفّاً صفّاً واصلتُ حديثَ الجثـة، والثلاثة الَّذين ركِبَتهم شياطينُهُمْ، وسقوط الحافلة في هاويةٍ، واغتيـال الأُمِّ أبناءها... كان الشيخ يُصْغِي بشغفٍ وانتباهٍ شديدين دون أن يقـولَ ولوْ كلِمَةٍ واحدةٍ، فما كان يُعَلِّقٌ على حديثي سوى الصمتِ الرَّهِيبِ وقرقعات الكُؤُوسِ والزُّجَاجَاتِ...

*

*         *

الكَـأْسُ تَــدُورُ والـرَّأْسُ يَــدُورُ.

وفجأةً بدَّدَ صمت القاعة صُراخُ أحد السُّكارى وترنُّحُه. كان يدفن وجهَهُ بين صفحتي يديه، ويخبِطُ الأرضَ بقدميهِ، ويتوجَّعُ مُتَأَوِّهاً وعيناه تفيضان دمعاً. هممتُ بفعل شيءٍ ما، لكنَّ الشيخَ جذبني قائلا:

- دَعْهُ وشَأْنُهُ، فلستَ بقادرٍ على تهدئته. إنَّه يتألم الآن من مرضٍ لا يشفيهِ إلا النسيانُ. لكن ولا عليك. سوف يَنْسَى. سوْفَ يَنْسَى. إنَّه واحدٌ من مُرِيدِي القطب الَّذيـن أوجَعَتْهُمْ طعنة فقدانِهِ...

أحاطَ شَخْصَان بالباكي، وهَمَسَا في أذنيه محاولَيْنِ تَسْكِينَ رَوْعِهِ، لكنَّه صَدَّهُمَا بعنـفٍ وهو يَصرُخُ مترنحا:

- لا وَعْظَ ولا إرْشَادَ! لوْ هوَتْ مكناسَةُ بكامِلِهَا تحتَ زلزالٍ مروِعٍ وماتَ أهلُها قاطبةً وبقي القطبُ لأغناني بَقَاءُ القُطْبِ وحده عن الناس جميعا! )...( يالَيْتَ المـوتَ كان قدْ حَلَّ بي، وحَلَّ بِأَبِي، وَأُمِّي، وَإِخْوَانِي، وَأَبْنَائِي...

قاطعـه الشيــخُ:

- اسمـعْ! أتظن أنِّي مِنَ السذاجَةِ بحيثُ أنْسَاقُ ورَاءَ وَهْمِ بُكَائك على القـُطب أو غيره؟ إنِّي ما أراكَ باكياً الآن إلاَّ على نفْسِكَ، على موتك، على حَتْمِيَـة حتفك الذي ليْـس موت القطب الآن إلا مجرَّد تذكير به. أمَّا القطبُ فقد مُحِيَ. لقد انتقل إلى منطقـةِ البياضِ حيث لا بكَاءَ، ولا ضَحِكَ، ولاَ سَمعَ، ولاَ بَصَرَ!...القطبُ؟ آهٍ، ثُمَّ آهٍ! إن قلبي وأحشَائِي ليتمزقانِ الآن أشْلاَءً أَشْلاَءً على فُقْدَانِه، لكني لن أذرِفَ ولو دمعةً واحدةً. فقد علَّمَنِي هذا الوهْمُ - الَّذِي تَدْعُونَهُ حياةً - كيف أُمْسِكُ دُمُوعِي...

قـال ذلك بهدوءٍ قاسٍ ثم أخرج غليونا وأخذَ يرتشفُهُ وهو يتأمَّلُ سُحُبَ الدُّخَانِ اللَّوْلَبِيَّةِ البطيئة قبل أن يضيف بتَحَدٍّ ساخر:

- حَسَناً. أنتَ لا تريد الإمْسَاك عن البُكَاء. إذن وَاصِلْ بُكَاءَكَ!. اِبْكِ، ثم ابْـكِ، وإياك والكف عنِ البُكَاء! وإذا كانَ تَرَنُّحُكَ هذا على القُطْبِ فِعْلاً فإياك ألاَّ تلقاني منذُ اليومِ غير بَاكٍ كَمَا تَتَرَنَّحُ الآن!...

 *

*         *

الكَـأْسُ تَــدُورُ وَالـرَّأْسُ يَــدُورُ.

أيُّ مَـاردٍ سـاق إلينا كُلَّ تلك الأجساد الغاوِيَةِ التي خالَطَتْنَا لَحْظَتَئِذٍ؟ أإشفاقاً على دُموع المريد المذْرَارَةِ جِئْنَ أم تأثرا بِبَلاَغَةِ الشَّيْخِ القاسية؟ لم نفطن إلاَّ وقد أحاطتْ بنا جماعةُ سيداتٍ ذوات لحومٍ رخوةٍ طريةٍ، وأجسادٍ كاسيةٍ عاريةٍ مُدَجَّجَةٍ بالحِلْيِ والجواهِرِ، ووجوهٍ رنَّحَتْ جمالها الأصبَاغُ والمرَاهِمُ... أحَطْنَ بنا ثم دَعَوْنَنَا إلى أرائِكَ مُتقابلاتٍ حيثُ اتَّكأنا والخمارُ يَسُوقُ إلينا الأقدَاحَ تلو الأقْدَاحِ والزُّجَاجَاتِ تلو الزُّجاجـات إلى أن كَـانَ مَا كـَـانَ:

أمَّا المريدُ فقَدْ ساقتـْهُ محنة الفُقْدَان إلى عَرْبَدَةِ النِّسْيَانِ حيثُ استسلَمَ كُلِّيّاً لـ «مُغْتَصِبَاتِـه» وقعَدَ في محرَاب اللَّذَّةِ يترنَّحُ انتشاءً: لما يَئِسَتِ النِّساءُ من مُوَاساتِهِ انْقضَضْنَ عليه انقضاضة لم تنفعْ معها أيُّ مقاومةٍ؛ اشتَبَكَ معهُنَّ باليدَيْنِ: اشتباكٌ. تدافعٌ. سقوطُ أجسَادٍ. وُقُوفُ أُخْرَى. ترَكُّلٌ وتخُّبطٌ يُذكِّر باختصام الثلاثةِ الذين ركِبَتهُمْ شياطينُهم في الحافلة. أَلاَ ما أشْبَهَ المشْهَدَ بحفل اغتصَابٍ! رَجُلٌ يُجْهِدُ نفسَه في محاولة الإطاحةِ بجيشٍ من النساء أو حشْدُ سَيداتٍ يجاهِدْنَ في سبيـلِ رَجُلٍ واحد!... انتهى المشهدُ. استسلمَ المريدُ. سروالهُ صار شبه سروالٍ أو أقَل، يكَادُ يسترُهُ. تَنُّورَتَا سيِّدَتَيْنِ تمزَّقَتَا إلى أن كشفتا سِرَّ أسْرَارَهُمَا. أقمصةُ ثلاث سيـداتٍ وحاملاتُ نُهُودِهِنَّ تمزَّقْنَ عن آخِرِهِنَّ فجلسنَ يلهثن بأجسَادٍ نصف عاريَةٍ...

أما الشَّيْخُ فقد حُجِبَ عني صوتُه. كنتُ كلما نقلْتُ بَصَرِي إلى أَرِيكَتِهِ ما أرَى إلا وجهاً جَلَّلَتْهُ هالة سحب الدُّخَانِ المتصَاعِدَةِ من غَلْيُونِهِ وسجائر النِّسَاءِ، وشفتين تتحرَّكَانِ مستعينتينِ بحركات اليدينِ، والسيِّدَاتِ منْ حولِهِ صَامِتَاتٍ ذاهلاَتٍ يتلقَّيْنَ وحياً لم أتبيَّنْ منهُ سوى كلماتٍ ثلاثٍ: الهاتف، والمرأة، والسماء...

أما أنا فقد عَاوَدَنِي الهدِيرَانِ: هدِيرٌ القَلْبِ وَهَدِيرُ الرَّأْسِ. قُلْتُ:

«اِسْمَعْ يارأسِي. إذا كانت الحياةُ، كما تقول لا تعدُو مُجَرَّدَ جِسْرٍ وَهْمِيٍّ يتوسَّطُ موتين عظيمينِ: العَدَم الذي كُنْتَ إياه قبلَ أن تُولَدَ والموت الذي سَتَكُونُهُ بعد أن تُمْحَى، فاختَلِقْ لنفسِكَ موتاً آخرَ اقْتَنْصْ بهِ هذِهِ الليلةَ المُبَارَكَةَ وجَلِّلْهَا بالتَّهَتُّكِ والمُجُـونِ...»

تذكَّرتُ أنني سأموتُ، وأنِّي كنتُ زَهِدْتُ وأشفقتُ على الكائنات جميعاً، فقلتُ بنشوةٍ متحسِّرَةٍ: «ما أَحْوَجَنِي إلى الشَّفقة، ثم ما أحوجَنِي إلى الشَّفَقَة!». وفي ما يُشْبِه الحلم رأيتُ أنَّنِي سأَسُوق سيِّدَةً أو سيِّدَتَيْنِ من سيِّدات اللَّيْل - اللواتي كنَّ يُحِطْنَ بي - إلى المنزل حيث سأجِدُ زوجتي عَادتْ من السَّفَرِ، بدونِ سَابِقِ إِعْلاَنٍ، وستدور حربٌ ضاريةٌ تنتهي بإغراق جُثَّةٍ أو اثنتين في بحرٍ من الدِّمَاء... كبَتُّ المشهدَ بسُرعةٍ نادمةٍ عَجُولَةٍ، إلا أن السَّاق كانتْ قد احْتَكَّتْ بالسَّاق وإلى تخوم اللذة كانَ المساق: فعنْ يميني كانَ وجهٌ عيناه بحرَانِ يَهْدِرَانِ، وعن شمالي كان وجهٌ عيناهُ سماءان صافيتان، ومنْ حلْكة تلك الليلة الماجنـةِ الميِّتَةِ كانت طرَاوَةُ اللَّحْمِ ودوَّامةُ الأجسَاد تُرَدِّدُ هدير البحْر، وحنين الرِّيَاح، وقرْعَ الطُّبُولِ، ونداء البدايات... رَفَعْتُ يداً وعانقتُ سيِّدَةَ اليمين. رفعتُ الأخْرَى وعانقْتُ سيِّدَةَ الشِّمَال...

 

الرَّأْسُ يَـدُورُ وَالْحَـانَةُ تَــدُورُ

وفَجْـأَةً سَمِعْتُ صوتا يقـولُ:

- تفضَّلْ. اِرْكَبْ بجانبهـا. ليلة سعيدة. أمَّا أنا فسألتَحِقُ حالاً بالبيْتِ. نِدَاءُ السَّمَاءِ يَدْعُونِي...

قال ذلك ثم ابتلعهُ الظلام وأصوات الآذان التي كانت تطبق الآفـاق...

- إلـى أيـن؟ إلـى أيـن؟

ما هذه الأصوات؟ بَلْ أيْنَ أنا؟ أستيقظُ. أَجِدُِني دَاخل سيارةِ أُجْرَةٍ مَرْفُوقاً بواحدةٍ من سيِّدات اللَّيْلِ اللَّوَاتي كُنَّ يُحِطْن بـي في حانة الفُنْدُقِ. قُلْتُ وقد بدَأْتُ أتخلَّصُ من ثِقْلِ النَّـوْمِ:

- إلـى البسـاتيــن.

....................................................................

....................................................................

 

 

 

نصوص سردية

حديث الجثـة

المحتــوى

ساعة الاحتضـار

عـودة ميــت

هذيــان ميـت

صوت الموتــى

احتواءات وتنكرات

حـديث الجثـة

نـداء المـوت

خارج المدار البشـري

عَتَبـَـةُ الْمَحْــوِ

لغــة الأعضـــاء

فتنة الآلهة أو الموت واقعيا

 
 
 
 
جماليـــات إضــــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.