سعاد جبر

تبعثرات الذات في زخم فوضى المتضادات

دراسة نقدية تحليلية في نص" قربانيات " لمحمد أسليم

 

 

 

 المقدمة

 يرصد نص " قربانيات " ( 1 ) الإضاءات اللاشعورية على تعرجات ذات في معابرها الوعرة في أتون المتناقضات بين شكلية رياشة الظاهر وأتون الباطن المستعر بالرغبات الدفينة والجنون المكبوت في حراك الجسد؛ في تيه فضفاض مشرع النوافذ نحو المجهول في عوالم ضجيج تصادم المتضادات في معركة تعلية الحق الزائف بألسنة الحجاج السوفسطائية وثبات حصانة الظاهر على جسد المتناقضات واللانهايات في لغة هستريا تساقط الأوراق الخريفية من رحم الواقع الضبابي المترع بأسطورة فناء اللون في اكسترا خلق الألوان على صفحة الحياة

ويتشكل للباحث الناقد الراصد للنص نقاط نقدية ثرية في هذا النص الرمزي المبدع ومن ذلك تتبع الذات المشكلة في بؤرة النص في السرد والتكثيف في لغات وجودها المتلاحمة في رمزية الحوارات وتسلسل الأحداث في النص ، فماهية الذات في لغات وجودها المبثوثة في النص ، وظلال المتضادات التي تسلط انعكاساتها عليها في زوايا منكسرة الأبعاد، وتتبع إيقاع فوضى هستريا تشكلات أنفاسها الثملة النهمة على النص ، كل ذلك يشكل موضوعات الدراسة النقدية التحليلية المعدة في ذلك الصدد ، وأرجو بلوع منصة الإبداع وكفايات التحليل العالية ومهارات النقد الثاقبة في هذه الدراسة النقدية التحليلية لنص قربانيات

أهمية الدراسة تشكل تلك الدراسة بعدا نقدياً ذا أهمية بالغة بإعتبارها جسراً تواصلياً بين مدرسة النقد التقليدية في كفاياتها النقدية الصارمة المحددة والمدرسة النقدية الحديثة في إطار لغة التحليل السيكولوجي للنص الذي يعكس مسارات الذات وتعرجاتها وماهية انشطاراتها اللاشعورية على النص ،

وهذه مزايا مدرسة ما بعد الحداثة في النقد ، لذا تشكل هذه الدراسة مساهمة في حركة تجديدية لرمادية النقد في خطوطه التقليدية الجامدة من جهة وفيها إثراء لقيمة النصوص التي تدور في ضوء كتابات " تيار الوعي " الحداثي الذي يبحر في تعرجات الذات في بساط اللغة الرمزية المشفرة في هذا الصدد ، وتعد كتابات د. محمد اسليم بعداً غاية في الأهمية في هذا الاتجاه ، مما يقتضي توافر الأقلام النقدية على دراسة تلك التجربة الأدبية الرائدة في مادة نصوصه الإبداعية على وجه العموم وتكثيف الحزم التحليلية من خلال كفايات نقدية حداثية لغايات فك شيفرات الخارطة الفسيفسائية في تقاطع خطوطها النفسية والاجتماعية على وجه الخصوص لذا فأن الإبداعية الأدبية ماهية ونصا هي بإيجاز جوهر كتابات د. محمد اسليم الأدبية ، وهذا بحد ذاته دافع جميل لارتياد أروقة إبداعات كاتبنا المبدع والإبحار الغواص في لآلئها الجميلة العذبة.

أهداف الدراسة هدفت الدراسة إلى كشف ماهية تبعثرات الذات في لغات وجودها المتنوعة في نص " قربانيات " من خلال الإجابة على السؤال الرئيس في الدراسة وهو على النحو الآتي :

1 ـ ما هي طبيعة تبعثرات الذات في نص قربانيات ؟

وللإجابة على السؤال الرئيس ؛ قامت الدراسة بالإجابة عن الأسئلة الفرعية الآتية

1ـ ما هي أشكال التبعثرات في لغات وجودها المتنوعة على النص ؟

2ـ ما هي مساحات فوضى المتضادات في النص في احداثياتها النفسية والاجتماعية في النص ؟

فرضيات الدراسة تدور في النص تبعثرات ذات منشطرة في لغات وجودية متنوعة ، تشكل مناخاً خصباً لمسرح حياة من مخيلة قلم كاتبنا المبدع في ظلال إيقاعات فوضى انقلاب ماهية الأشياء في الأشياء ورمادية المتناقضات التي تغلف المسرح الوجودي بليل مدلهم من غيابات المتضادات في بؤرة النص موضع الدراسة .

التعريفات الإجرائية لغايات الدراسة يكون للمفردات الآتية الواردة في الدراسة المعاني الآتية:

تبعثرات الذات : خروج الذات عن قانون الطبيعة في شتات السلوك المستعر وفقدان مقادير التوازن بلذة نهمة والانسحاب الهستيري عن بؤرة الحقيقة ومقامها في الواقع والمطامح بآدمية هوى ثملة

فوضى المتضادات : حالة تجريدية لانعكاسات بعثرة الذات على حيز الزمان والمكان في تؤامة الإسقاطات من خلال معادلة " الأنا ، الآن ، هناك "

محددات الدراسة اقتصرت الدراسة على تحديد ماهية تبعثرات الذات في زخم فوضى المتضادات في نص "قربانيات " المختار من مجموع كتابات د. محمد اسليم المنشورة على شبكة الإنترنت في إطار دراسة نقدية تحليلية ، ويرنو بي الأمل لتناول جميع كتابات مبدعنا في دراسات نقدية تحليلية قادمة حتى تتشكل الرؤية النقدية الشاملة لأعمال مبدعنا وتنال حقها من الدراسة والتمحيص الناقد

منهجية الدراسة انتهجت الباحثة الأسلوب التحليلي الناقد في تناول النص موضع الدراسة لغايات الكشف عن صدق فرضيات الدراسة وتحقيق أهدافها المتوخاة منها

هيكلة الدراسة تتناول الدراسة ماهية بعثرات الذات في زخم فوضى المتضادات من خلال تناول المحاور الفكرية الآتية

ـ ماهية بعثرة الذات في النص

ـ الأبعاد النفسية والاجتماعية لفوضى المتضادات في النص ـ مساحات فوضى المتضادات في النص ـ

ـ لغة الكاتب التعبيرية

ـ نتائج الدراسة

تبعثرات الذات ومساحات فوضاها تتشكل الذات في نص " قربانيات " في أنماط متنوعة لكنها تلتصق جميعاً بجدار واحد ، سواء كانت في لغة السارد أو المرأة القربانية أو المرأة العارية التي اخترقت الجميع في المركبة لغاية الجلوس أو الشاب الساكن في النص ، في لغة كنه الصمت ومسرح الفرجة المجانية ، أو ذلك السائق واسواره الشائكة التي ليس بينه وبين الانفضاض في تماهيات التضادات على شاكلة الجميع إلا بضع قشور زائفة ما زالت تعلق في الريق أو شيخ مكناس في أسطورة التضاد أو ثلة النساء القربانيات التي فتح النص في تجسد نهاياته مساحات واسعة لقدومها تترى في النص ، وتشكل تلك الذوات في بعثرتها المتضادة على نسق وتيرة خطها العام في الحياة من جهة بواطن أمرها المكبوتة أو التضاد مع وتيرة ما تنتهج من ثياب تواصل في لغة القيم الدائرة في رحى المجتمع في الظاهر الزائف سواء في ظاهر الإيجاب كسائر شخوص النص أو في صفحة المعاندة كما في المرأة الشابة المتجردة في النص والتي انعكست صورتها في انعكاس الإيجاب في الرفض على الرغم من تضاد الظاهر في شكلية رياشة الحال وارتمائه في بؤرة معاكسة لسائر شخوص النص وإن كان الظاهر في سمته ومترتباته الشكلية ينجرف بإنسحاب متسارع لتشكيل نقطة ضوئية مع منظومة التضاد في شخوص النص جميعا في دائرة مركزية واحدة وعلى وتيرة تلك الإيقاعات ،و يمكن تناول شخصية المرأة القربانية في لغة المقابلات والمفارقات في الان ذاته ولكن على وجه معاكس لتلك المرأة الشابة إذ تشكل على سطح النص ارتمائها في أحضان آدمية الهوى المكبوته في تضاد صارخ مع الظاهر في رياشة القداسة والعفة ولكنها تلتقي مع الكل في نقطة ضوئية ذات سمت خاص في التوهج الأنشطاري الذي ينفلت إثارة في الأجواء منتشيا بلحن الخطيئة في تجليات المتضادات على النص بحيث تعزز كل نقطة ضويئة تمثلها إحداثيات الشخوص في النص النقطة الأخرى وتنطلق منها وإليها وتفضي بتسارع مستباح منها واليها في هستريا مرور الشخوص على الأجساد في لغة الذات وانعكاساتها في منظومة المجتمع المتأزم المختنق في ضيق أزقة مسارات تلك الشخوص التي تشكل رسمه العام في مسرح الوجود ، وتتبعثر تلك الذوات بانكشاف صارخ على بساط ذلك المسرح الوجودي الزئبقي في نمطيتها المتقلبة بالعشق والتنشي المعبر عن رمزية نصية مفادها البعثرة الجميعة عن بؤرة الحقيقة من جهة ولغة تناقضها مع ذاتها من جهة أخرى وإصرارها على التزي بالقشور أمام جدران المكان والزمان كهوية ذاتية في معبر الحياة الراكد الشائك ويشكل النص هوية اجتماعية ترصد الواقع بجوهر أزماته على صفحة الحقيقة وان كانت تلك التأزمات محجوبة عن العيان ومغلفة بأستار كثيفة من لغة عرف المجتمع ووتيرته المترهلة في الحياة ، ويرنو النص إلى كشف الحقيقة في شيفرات لغته الرمزية الإيحائية وتحطيم التماثيل المتزية بهالة القداسة الزائفة والتي لاتمت إلى الحقيقة بأدنى صلة لأن القداسة تولد من رحم الحقيقة وتشرق من عينها بإنكشاف نوراني تحجب معه الأقنعة الزائفة وسوفسطائية هالاتها الإجتماعية الغارقة بعيدا في اوحل المتضادات والمسافرة سرمدا خريفيا عن نبع الحقيقة وبساتين احداثياتها المستقيمة في منطقة حقيقة تجانس الحقائق في الكل والجزء والشكل والباطن والفعل والكف في مقاربة نقطتين تشكلا خطا متناغما في مسارات الذات والمجتمع ولغة الجوهر وصفحة الظاهر في إشراقة عين شمس الحقيقة في نبضها الصادق لا في حجبها الرمادية الزائفة في لغة المجتمع وادمية الهوى الهستيريه المتصاعدة في النص ، لذا يمكن التعامل مع تلك الذوات المرصودة في النص في ضوء الرؤية النقدية في إطار اللغة الجمعية التي تعكس الفرد في الكل والكل في الفرد على وتيرة التضاد ، ومن هذا المنطلق اعتبرت ذات جمعية تنشطر في لغات وجودية متنوعة ، وتتشكل في ماهية مسميات في الجنس والعمر والحرفة وهالة القداسة وتلك عينات مرئية على شاشة النص وتعكس جمعية تأزمات تلك الذوات وصيرورة تقلباتها في معادلة ( الأنا ، الآن ، هناك ) سواء في الواقع أو تطلعات القادم بحكم حتمية خلل البرمجة الذاتية الجمعية والفردية في مقادير الموازنات الذاتية المبحرة من نبع الحقيقة لا تماهيات الهالة المعتبرة في لغة وتمنطق السنة المجتمع الخادعة في إدعاء حقيقة التوجيه والإصرار على الموت صمودا على قرابين القشور الزائفة وكسوة الجسد جسداً آخر من طلاق الحقيقة و التماهي الشكلي في لغة الوجود على النص .

وتتماوج تلك الذوات في الخروج الصارخ من قاعدة التمنطق في وحي الحقائق ويتعالى في ذلك التماوج المسعور لغة المونولوج في النص في لغة خطاب ثنائي في حوار الذات لذاتها

" وأنتَ؟ أنتَ أتحسب أنك سلطان العشق أم تظن أنك دون جوان النساء الزَّاهدات؟ أتعتقد أنك من الوسامة بحيث ما من امرأة وقع بصرها عليك إلا ووقعت في حبال عشقك، وما من أخرى جلست بجانبك إلا وانحنت إجلالا وخشوعا لجمالك؟ لماذا لا تقلب الآية فتقول: «إني امرؤ شبق مريضٌ، أحمل عقلي بين فخذي». هه؟ لماذا؟ أجب أمهووسٌ بالنساء أنت؟ أبك مسٌّ منهنَّ؟ أجب. لماذا هذا الصمت؟ أتخشى أن يعرف الآخرون ذلك؟ أعدك أني لن أسر بذلك لأحد. هيا، قل...»......."

ويشكل ذلك المونولوج وحدة اسقاطية في منتصف مقاطع جسد ذلك النص وتشكل مفصلاً قاطعاً تواصلياً في لغة السرد بين مقدمات النص وتجسدات نهاياته ، ويشكل بلورة انعكاسية لمغزى شيفرات النص وانقداح لكنوز الفكرة المخبأة في بحار النص الهائجة المائجة في أتون آدمية الهوى وجنون العاطفة والخروج من الجسد في هستريا الأرواح المتمردة والالتصاق المتصادم في نزع الأجساد من الأجساد وتعرية الحقائق بتجريدية انكشافيه في النص

ويعلي النص معادلة التماهيات في تؤامة التضاد في كينونة الذات الجمعية والفردية وانسلاخها من حزمها السلوكية المكثفة في خط السلب من المسارات بأسطورة العشق المهووس والإسقاط المؤنب للذات في جانب أخر والتحدي الهستيري في لغة الخطاب في طيف ثنائي في النص في لحن سادي من الفعل وعاشق في تماوجات ارتماء جسد ذات متعالية مستجيبة بجنون في شكلية ادعاء الكف على مسرح الأجساد واللغات وتصارع القيم ومادة القانون وتمنطق الأشياء وايدلوجيه الموجهات وقداسة البوصلات في الآن ذاته .

والنص موضع الدراسة تتعالى فيه وتيرة الخطاب السردي في كنه الإيحاءات الرمزية وتسلط إضاءاتها على حراك الذوات على ساح الواقع ومنظومة أدوات السيطرة الجمعية والفردية التي تخترق مقاطعه جميعا فينعكس الفرد في المجتمع ويشكل نقطته الضوئية فيها بألوان مجنونة تتصاعد إلى عرش الألوان فوق الحمراء في تذبذبات القولبة فيه والتشكيلات التجريدية الزائفة فيه ونقاط العطب المنفلتة منه بتسارع من مصدر إمداد طاقة الحقيقة وتمثله في الأجواء في سمت أمواج هوائية جوفاء تتماوج انسحابا يمنة وشمالا وتخادع ذاتها بقوة الصرامة المتعالية وتكشف في عنفوان مداد قوتها عن انشطاراتها في تماهيات متباينة الأجساد ومتكافئة المسير وتتجسد نهايات لغة السرد في القص عن تلك التماهيات في تركز النقاط الضوئية السلبية بحزمها الكثيفة في الكشف عن زيف هالة قداسة الأجساد في ادعاءاتها وتشكل الذات الجميعة بقوة متدفقة في النص في ماهية بعثرتها العابثة وشتات أنفاسها في عوالم آدمية الهوى المسعورة

" اسمع. سواء أكان اسمها ليلى أم كلثوم، هند أم نسرين، سواءٌ أكانت تحمل في وجهها سبورة أم محارة أم حجارة فها أنت تستعيدها فيَّ أنَا الآن. أنا الآن بديلتها. أتدري ما اسمي؟ خمِّن. ما اسمي أنا الجالسة بجانبك الآن أختلس منك لذة؟ من أنا؟

قـال صَـوتٌ من الليـل:

- أنتـنَّ القربانيـاتُ جميعـا!. "

لغة الكاتب التعبيرية

يتشكل ثالوث اللغة الأدبية في هرم توازناتها في منصة الق الفكرة وتدفق العاطفة ومحراب الأخيلة ذات الحس المرهف في الشفافية ، بحيث يتكئ النص بأريحية جمالية على ثنائية عصا موسى على النص في ظلال سحر التعبير والق الفكرة في التوجيه ويبرز للناقد المبحر في نص قربانيات انقداح الفكرة بقوة صارخة في النص إذ كانت مقاليد أشرعة مسارات النص البحرية تمضي في ظلال أمواجها العاتية والمتصارعة في الأجواء ، مما مهد السبيل لاستسلام كاتبنا المبدع لبركان تدفقات مخزونه المصدري الخبري في إثارة توهج الفكرة من خلال توجيه الدمى المتحركة في النص ، واحكم قبضته الفكرية عليها وقيد من عفوية حراكها على النص وتلقائية الحوارات في اثيرها مما خفف من أشرعة اللغة التعبيرية الشاعرية في سندباد الأخيلة الشفافة التي تضفي تألقاً بهيا في النص ، وبالتالي قيد قلمه المبدع من التحرك ببوح تصويري فني شفاف في ذلك المنحى بحرية اكثر بحبحة وسعة في المسارات ، ويبرز في النص أيضاً تدفق العاطفة في عوالمها اللاشعورية و التي تقع أيضاً في اسر قوة الفكرة الغالبة القاهرة في النص والتي أوشكت على نحر أخواتها ـ ( العاطفة ، الأخيلة ) في ثالوث موازنات لغة الأدب

وانطلاقا مما سبق فقد كان مجال الكتابة في النص متجاوبا مع سمت المباشرة في لغة التعبير وأن خفف من وطأتها رمزية التصوير المشفر في النص ، وقد أشرقت في النص طاقات تعبيرية عالية في التصوير الفني لدى كاتبنا المبدع لكنها تركزت في مقاطع قصيرة عابرة في النص وكان بإمكان كاتبنا المبدع تكثيف السير في ذلك المنحى ليضفي على عمله جمالا نورانياً إضافيا وهمسا شاعرياً مرهفا في السبك السردي بحيث تتسع آفاقها في مساحات أوسع في النص مما هي عليه .

ويبرز في النص سلاسة الأفكار المنسابة برتابة في النص ، لاتلبث أن تتعالى مع وتيرة تواكب احداثها إيقاعات ضجيج ناشئة من تقاطعات الحوارت مع لغة الشخوص في سمت حرارة الاحتكاك تارة ولغة الرفض تارة أخري و اسقاطات المونولوج الذي شكل مساحة حمراء في النص ؛ حيث يتولد من رحمها انعكاسات إضاءات كاشفة لما يختلج في أعماق اللاشعور من مكنونات بوح دفينة في تعرجات أغصان الحروف المتشابكة تعقيدا وضبابية غامضة في النص .

وبرع كاتبنا المبدع د . محمد اسليم في استثمار صياغة الأفعال المتنوعة للتعبير عن إيحاءات أفكاره سواء أكانت في انتهاجه لغة الأمر الصارمة:

" اخرجي واجلسي جهة النافذة، ثم اتركي الولد الآخر يجلس قرب هذا، فنحن لا نحب الاختـلاط! "

أو في لغة الاستمرار في ديمومة التعبير عن مآل الحال والمقال "

" ». فتحتُ صفحة يدي. أطبقتُ كفي على كفها. استجابت لندائي بنداء أعمق: أحكمتْ إطباق يدها على يدي. اشتبكت الأصابع. كأننا سنعقد عهدا أو ميثاقا

ويمكن اعتبار التناص هنا في هذا الشاهد من النص ، في سلة إيحاءات الرفض

" أخطأ المرء إذا ظنَّ الناسَ محرومين إلى هذه الدرجة. فالشوراع امتلأت رجالا ونساء إلى أن صارت العين تحار في ما تختار. "

وكذلك رمزية البعد السردي في شيفرات العفة المرصودة في استثمار ارتباط هوية الأسماء بماهية ذواتها في لغة المحاكاة من خلال رمزية يوسف في النص ، ووجهة نظري ان الكاتب هنا لم يوفق في مادة الأستثمار وتشكيل سبكها برتابة نقش العفة في ميادين تماوج آدمية الهوى وتضاداتها في النص ، وبالتالي جعل المقطع الحواري هنا شائكاً ويثير موضع اللبس والإبهام وتداول وجهات نظر متناقضة في تأويل مقطعه الحواري هنا ، ومادة الخروج من هذا المأزق الذي قيد الكاتب به فكرته هنا ـ من وجهة نظري ـ هو الإشارة التعبيرية المباشرة أو الرمزية لانفصام هوية الأسم عن الذات ومتعلقاتها في بساتين الفضيلة خروجاً من اللبس والإبهام بإعتبار أن مادة الأدب بكافة أجناسها هي ملك القارئ بعد خروجها من يد الكاتب وصنعة اناملة الأدبية ، على نظرية موت المؤلف في التعاطي مع النص ، فبالنتيجة هنا خرج النص من أدوات سيطرة الكاتب وهو ملك القارئ في مادة استلهمام القراءات وجينات ولادة النص من خلالها ، وبالتالي أودع الكاتب عملته الأدبية هنا بضبابية غامضة شائكة تحمل تأويلات متنوعة من القراءة سواء في السلب المتعمد ربما أو الإيجابية المبررة أو بين وبين وفي كل الأحوال جميع مناطق النص الشائكة كانت في سدنة ملكية التعاطي الرمزي معها والخروج الآمن منها والتناغم بسميفونيات التلاقي الفكري الغواص مع الكاتب فيها ولكن هنا في تلك القطعة النقدية الشائكة من النص تباعدت فرص رمزية التعبير وذلك ناشئ من ماهية نقش الكاتب لمادة فكرتها فيها الموغلة في انفعالية حادة ذات أطياف قزحية متفاوتة النكهة في التعبير، فغدت تباعاً لذلك منطقة أدغال شائكة متشابكة الألوان في التأويل.

ويرصد لنا النص بجماليات رائعة ماهية الضمائر والاستفهامات الحاضرة الغائبة في ثنايا النص :

هل كنتِ في الموعد؟ نعم، كنتِ فيه وأخلَفْتِهِ في آنٍ. رأيتكِ؟ نعم، رأيتك دون أن أراك. التقيتُ بكِ؟ نعم التقيتُ بك دون أن ألقاك. لا ها أنتِ بجانبي. ها هو عمودك الرخامي يغازلني وساقك تتوسل لساقي بابتهالات خاشعة وديعة. آه! ما هذا؟ أساقك الندم إلي؟ بل أأنت المرأة القربانية فعلا أم أنك امرأة أخرى ساقتها الصدفة إلى جانبي داخل سيارة أجرة أخرى؟

وتتجسد النهايات في النص في تصوير فني بليغ يحمل ايحاءات رمادية في ديمومة قانون التضادات على الأجساد وجدران المكان والزمان ، فيتساقط الجميع في لغة الليل المدلهم

قـال صَـوتٌ من الليـل:

- أنتـنَّ القربانيـاتُ جميعـا!.

نتائج الدراسة توصلت الباحثة من خلال الدراسة التحليلية النقدية لنص" قربانيات " إلى النتائج الآتية :

- يشكل نص " قربانيات " بعداً مبدعاً في النقش الأدبي لأنعكاسات سيكولوجيا الذات في سلبها على لوحة المجتمع في بؤرة فسيفساء تناقضاته

- يسلط النص على ماهية تبعثرات الذات الجمعية المنشطرة إلى أجناس وأطياف واعمار وارواح ومادة ساكنة في لغة ما يسعه البال والحال وما لايسعه في متتاليات المتضادات في الأشياء وقاموس كينونة اللاشئ في الشئ

- يعكس النص معادلة " الأنا ، الآن ، هناك " لغايات كشف تلك التماهيات في تلك البعثرة الوجودية الجمعية الفردية في الآن ذاته ، في أتون انشطاراتها الحوارية المشكلة في لغة المونولوج الدائرة بحدة في النص على قرع إيقاعات أحداث متحركة لاتعرف الاستقرار في إيحاء رمزي لمسرح المركبة التي تقل الراكبين وتبث لنا لغة سرد حواراتهم على صفحة النص

- يبرز في النص لغة الكبت المتعالية في أنين الذات التي تتفجر بركانا في حالة انكشاف الأجساد في ظلال شيفرات رمزية لحالة التماهي مع الضد في أعلى لغات الحوار الثنائي الذاتي في البث

- يرصد نص " قربانيات " مفردة ( القربانية ) في ماهيتها الفردية والجمعية في معادلة اعتبارها عملة فكرية رمزية تم تداولها في لغة التشفير الرمزي لإرساء منصة الفكرة المختزنة بعمق في النص لإثبات تضاد الذات مع الذات وجلدها ذاتها في أتون الأسقاطات بحدة التعرجات وعكسها ذلك في إطار قانون الجذب على الآخر في كافة تماهيات آدمية هواه المستعر و إيقاعات بعثرة قطعه الجسدية على النص

- تألق في النص انقداح الفكرة التي تماوجت في غلبة الحال على تدفق العاطفة ومحراب الأخيلة في لغة التعبير، وبرع كاتبنا المبدع في تطويع اللغة في صياغاتها المتنوعة في بث مفرداته الرمزية وتشكيل الفكرة على النص

- تقدم الدراسة توصيات بدراسة محور تبعثرات الذات وفوضي تضاداتها ومحاور فكرية أخرى مثل ( تساميات الحرية ،ثنايئة أيدلوجية الفكرة وسيكولوجية الذات ، الثقافة والسيكولوجيا في لغة الحوارات ، ثالوث الأسقاطات ، ماهية الأسطورة ، ثنايئة وعي الذات ، الرمز ، ضجيج انكسارات القيم ، التناص ، ثنائية الفكرة وانكسارات الإيقاعات ) في نصوص أخرى لكاتبنا المبدع ولعله يحالفني الحظ في تناول ذلك جميعا في كتابات مبدعنا د. محمد اسليم ولا خلاف أن في ذلك التناول النقدي إثراء لمنصة البحث لخصوصية كتابات مبدعنا التي تفتح الأفاق لتناول تلك الخصوصيات البحثية التي لا يتسنى تناولها في كتابات الكثير من أدبائنا المشاهير في رحلة التراث والواقع ، وكل ذلك يعزز تحصيل نتائج علمية موضوعية تبتعد عن النقد العشوائي الذاتي وتحقق تأكيد وجود المدرسة السيكولوجيه في النص التي تسلط الرؤى على الذوات في سيكولوجيا حراكها ولغة اسقاطاتها على مسرح المجتمع في أغلفة جدرانه المكانية والزمانية في إطار مدرسة النقد البنائية وسيكولوجيا التحليل الأدبي للنص التي يعد كل منهما مرجعيات أساسية في لغة النقد المتجاوبة مع تلك الأطياف التحليلية في الرؤية النقدية .

وفي نهاية مطاف دراستي لايسعنى إلا أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لكاتبنا المبدع د . محمد اسليم على حسن ضيافته لي في موقعه الكريم وعلى إتاحة الفرصة لي لتناول نصوصه الأدبية في منظومة دراساتي النقدية فدام إبداعه البهي النضر جمالا ودامت بحور الإبداع مدرارة معطاءة في بساتين حروفه السندسية على الصفحات المتلالئة نورانية في الفكر وسحرا في الق التعبير

 

( 1 ) http://aslimnet.free.fr/sard/qurbaniates.htm

 

 

 

 

المحتــوى

 سعاد جبر: تبعثرات الذات فس زخم فوضى المتناقضات. دراسة تحليلية في نص قربانيات

بوجمعة العوفي: سحر الكتابة وعنف التوجسات... إضاءة أولية في كتاب سفر المأثرات لمحمد أسليم

محمد أمنصـور: السرد والجنون. لعبة التمثلات القصوى. كتاب الفقدان / محمد أسليـم

عبد الله صالح سفيـان: محمد أسليـم في كتاب الفقدان. أسئلة الكينونة ومغامرات الاكتشاف

عبد اللطيف العبوبي: اللغة، هذا الاختراع العجيب

لحسن احمامـة: شعرية القص والتأليف في «كتاب الفقدان»

محمد الهرادي: كتاب الفقدان أو مذكرات «شيزوفريني» لمحمد أسليم

محمد إدارغـة: انشراخ الكتابة والذات «في كتاب الفقدان»

أحمد لطف الله: بصدد كتاب «لغة العلاج والنسيان»

أحمـد بلخيري: التحليل النفسي وحدود التأويل. قراءة في لغة العلاج والنسيان...»

سعيد منتسب: الزوج المضبوع يركب دائما سبع موجات!!

عبد الفتاح الحجمـري: أبحاث في السحـر

إبراهيم الحيسن: السحر من منظور إثنولوجي، ترجمة جديدة للأستاذ محمد أسليم

إبراهيم الحيسن: ذاكرة الأدب في الشعر والرواية والمسرح لمحمد أسليم. النبش في تاريخ أجناس إبداعية لازالت تبحث عن تاريخها

الأحداث المغربية: «ذاكرة الأدب». إصدار جديد لمحمد أسليم

أمزيل تـودا: حميد الدليمي يكتب عن: الدولة، الأخلاق والسياسة

رضوان أفنـدي: عقلانية ابن المقفع في «الدولة، الأخلاق والسياسة في السياق العربي الإسلامي

نجيب طـلال: تأملات ابن المقفع في «الدولة والسياسة»

M'hammed MOUNIR: Abdullah Ibn Al-Muqaffa'. Du littéraire au politique

د. التهامي محمد الوكيلي: سحر الملكين ببابل «هاروت وماروت»، وسحر الشياطين. قراءة في كتيب «الإسلام والسحر» لمحمد أسليم (1)

د. التهامي محمد الوكيلي: سحر الملكين ببابل «هاروت وماروت»، وسحر الشياطين. قراءة في كتيب «الإسلام والسحر» لمحمد أسليم (2)

 

 
 

 

 

 

 

جماليـــات إضــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.