محمد سعيد الريحانـي

العيـــد

قصة قصيرة


"إنني لا أحب أعيادكم، إذ رأيتها مليئة بالممثلين،

ورأيت المتفرجين أبرع منهم تمثيلا".

فريدريك نيتشه، هكذا تكلم زرادشت، الترجمة العربية،  ص. 87

 

تاريخ اليوم على الأجندة الحائطية مؤطـر بالأحمر.

هـل اليـوم عيـد ؟ ! أصبحت أنسى أيام الأعياد فلا أتذكرها إلا صدفة عند تسكعي في شارع المدينة الرئيسي حيث تعبث الأضواء الموسمية بسحنات رواد المقاهي المظللة برايات بالية ولافتـات مكمشة توارت أغلب الحروف الـمكتـوبـة عليـها

نفس علامات العيـد الـتي تتكرر منذ الأزل. لكنـني أذكر أنـني، طفـلا، لـم أكـن أجـهـل تـواريـخ الأعيـاد لـهـذا الـحـد.لـم أكـن أتـرك للافتـات فرصـة مفاجأتـي. بـل لـم أكن أنـام ليلـة العـيـد : أسهـر أمـام السـاعـة الحائـطيـة مـنـتـظـرا شـروق الـعيـد لأرتـدي مـلابسـي الـجديـدة وأكتـري دراجـة هـوائـيـة أسـابـق بـها أصحـابـي و... لا أذكـر كيـف كـان النـوم والـحلم يـحتـالان عـلـي فـيلبسانـي أزهـى القمصـان ويـوقـعـان عـلـيـهـا أعـذب الـعـبـارات. رفــقـائـي يتـهجـؤون الـعبـارة عـلى صـدر قـميـصي مـبـتـهجـيـن :

" مـثــل طـائـر "

بـهجتهم تغمرني ... أجري ... أرفرف ... مثل طائر ... أطلق ذراعي الصغيرتين لأطير ... أحاكي الطائر فوقي وهو يسبح في زرقة السماء دون خفـق جنـاح ... يعلـو ... أعلـو ... يعلو ... أعلو... لكــــن

رفقـائي

كـانـوا

يفسدون علــي الطـيـران. يفترسـون إبطـي ويـتسـلـون بـهـستـيـريا الضـحـك والـركـل الـتي ينـالونـها مني لا أتـخلص منـهم إلا بظهـور الطـائر القادم من الأفـق حيث يـنـصرفـون لاستـقبالـه بالغنـاء والتصـفـيـق :

اشـطـح، اشطـح بو عميرة

انـعطيـك الزيـت والـخميـرة

فينـزل الطـائـر حـتى مـستـوى سطـوح الـمنازل الـمتكـئـة على بعضـها البـعض : يـرقص كـلما غنيـنـا، ويبـتـعد كـلما تـوقـفـنـا لكـنـه يعـود ثانـية وثـالثـة مـتى عـاد الغـنـاء، رقـاصـا خـفـاقـا بـجناحيـه لـقـاء الأغـانـي والـوعـود

اشـطـح، اشطـح بو عميرة

انـعطيـك الزيـت والـخميـرة

كان الطائر يطـل علينـا كـل صبيحـة عيـد فيظـل يـحـوم عـالـيا بانـتـظـار خروجنـا إلى الـحـي ليشـاركنـا الـعيـد والـرقـص والغنـاء، لكنـه اخـتـفى مـع مـر الأيـام :

ربـما لأن النـاس هـنـا شاخـت

ربـما لأن طيـور العيـد انقرضـت

أو ربـما كان الأمر من أوله مجرد وهم من أوهام الطفولة

أقلب الآن أوراق الأجندة الـمهترئـة بـرطوبـة الـمكان بـحثـا عـن أرقـام حـمراء وتـواريـخ أعيـاد مقبلة.

أقـلـب الورقـة تلـو الأخـرى.

أقلب. أقـلـب. أقـلـب ...

لا شـيء.

اليـوم، إذن، كـان آخـر الأعـيـاد.

سنة 1994

 

 

 

 
جماليـــات صالـون الكتابـة

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع منشورات الموقع

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.