جماليـــات إضـــاءات حــوارات مقـــــــالات ترجمــــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــات خــــــاص

مواقع مفضلـة

مواقع صديقة مكتبات الموقـع كشك الموقـع موارد نصيـة


يوسف وهبـــون

الشعـاع الأســود

حوار بين الفنان التشكيلي والشاعر

ترجمة: محمد أسليــم

نشر المقال الحالي في جريدة السياسة الجديدة، اعدد 254 – 9-15 أبريل 1999


«تعرف الكلمات عنا ما نجهله عنها»

روني شار (René Char)

الشاعر: أحببت دائما رسومك. ويعود إعجابي بفنك إلى وقت طويل، إلى الفرصة الأولى التي أتيح لي فيها أن أشاهد لوحاتك ورسومك. إني أرى فيك الامتداد المغربي ليس لحركة فنية، وإنما لسلالة من الرسامين المتناثرين في التاريخ، والذين سكنوا دائما إحساسي، من غويا Goya إلى باكون Bacon، مرورا بإنصور Ensor وفان غوغ Van Gogh ومونش Munch وكورينث Corinth وديكس Dix وبيكمان Beckmann وجياكوميتي Giacometti، ووصولا إلى زوران موزيك Zoran music... لا يستطيع أي اعتبار كرونولوجي أو إستطيقي تبرير تواجد كل هؤلاء الفنانين في اللائحة السابقة ولا ذكرهم بصدد الحديث عن عملك، لكنني أود مقاسمتك هذه الرعشة الواحدة دائما والمختلفة في كل مرة، التي تستحوذ علي كلما كنت أمام صور هؤلاء الرسامين، أمام صورك.

الفنان التشكيلي: تشكل بعض الأسماء التي ذكرتها جزءا من إعجابي الأكثر حيوية في الرسم. فمونش وباكون وبيكرمان وموزيك يثيرون في دواخلي ومضات إبداعية جامحة، أي نوعا من الإثارة القوية جدا. إني أحس إحساسا عميقا بهذا التمثيل الدرامي للجسد، الجسد المختزل، المعذب، المفتت، العاري، المعرض للزمن وللعالم، وإبداعي بدوره يتمحور في جزء كبير منه حول الجسد، جسد الإنسان المتروك لذاته، المتخلى عنه إلى مشهد عرائه الشديد التأثر بالبرد. ومع أن رؤيتي اغتنت كثيرا بتأمل لوحات أولئك الرسامين، فإنه لا يمكنني معرفة ما إذا كانت تمر في لوحاتي ذكريات عنهم.

الشاعر: لكن، هل تكمن هذه الصلة الملغزة – الجامعة بين هؤلاء الفنانين حسب ما يبدو لي – في اختيار الجسد فقط؟ لقد تعرفت دائما في هذه الصور على نبرة يائسة. رؤية تراجيدية للشرط البشري، إخراج (mise en scène) حزين للعزلة التي تعتبر الأخت الكبرى للموت، لكن ما هذا الإحساس الثقيل والتائه الذي قد يكون أصلا في كون لوحات هذا تبعث العاطفة التي ولدها في تأمل لوحات الآخر؟

الفنان التشكيلي: ألا ترى أنه قد يكون ثمة رسامون للألم والمعاناة، على نحو ما يقال إن رونوار Renoir رسام للسعادة أو جان ستين Jean Steen رسام للفوضى مثلا؟ فلجميع الفنانين الذين ذكرتهم معيش موسوم بالألم، إن بدرجات مختلفة. غير أنني أحاول أن أتجنب – قدر المستطاع - تدخل الكائن البيوغرافي في علاقتي مع الإبداع الفني لدى الآخر. فعندما عرفت معلومات عن المرأة التي نقلها أوتو ديكس Otto Dix في لوحته «ملمح الآنسة سيليفيا فون هاردن»، أحسست – وهذا اعتراف مني – بلذة كبرى (قال لها الفنان: «إنك تمثلين حقبة بكاملها»)، غير أن لذة هذه المعلومة لم تضع حدا للانبهار الذي أثاره في اللقاء الأول مع ذلك العمل، ولحلم اليقظة الحر الذي رافق تأملي الأولي. وباختصار، إن العمل الفني يحدثنا، يسائلنا، يقلقنا ويحرك شعورنا في استقلال عن صاحبه. فهو يحمل في ذاته حياته الخاصة وسيرته الخاصة، أتساءل أحيانا عما إذا كان من الضروري، لكي نحب لوحات فان غوغ، أن نعرف أنه قد قطع إحدى أذنيه، وأنه انتحر بعد حياة شقية. وحتى أعود لسؤالك، يبدو أن عمل هؤلاء الفنانين يصف كونا من الكآبة والضيق البشريين، إنه يمثل الإنسان في علاقته العدائية مع العالم ومع ذاته.

الشاعر: نعم، يوجد الإنسان في لوحاتهم وهو على خلاف مع قدره، يوجد تعبانا، معاملا معاملة سيئة، مقموعا. لكن الألم والمعاناة يشاهدان هنا وهناك، في الأمكنة قاطبة، ألا تعد لوحتا «ميدوزة» لجيريكو Géricault و«مجازر دسيو» لدولاكروا عملين رائعين في الألم والقلق؟

لقد سجل تاريخ الفن التشكيلي دائما تعابير عديدة عن الألم، مقاطع كثيرة من هذا الظل الوجودي الذي يخيم على حياة الإنسان، كالو Callot، دولاكروا، دومييه Daumier...

الفنان التشكيلي: شييل هوبر Schiele Hopper، باسين Pascin، إلى جان ميشال باسكيا Jean Michel Pasquia...

الشاعر: وآخرون أيضا، من القدم حتى أيامنا هذه. ولا أظن أن هذا التعبير عن الألم هو ما يجمع بين الفنانين الذين ذكرتهم. لكن هل سأتوصل إلى النفاذ إلى سر ذلك الرابط؟ إني أرى في هذه الأعمال ما يشبه عبور شعاع أسود، صرخة شديدة صارت أقوى بفعل الصم الذي يخنقها، عبور قوة سوداء تشبه إحساس الإنسان بالحرمان من كل عون رباني، وإحساسه بالحرمان، لكن بم يتعلق الأمر بالضبط؟ ذاك ما أجهله.

الفنان التشكيلي: ألا ينبغي البحث عن تفسير لهذا الاختيار، هذا التجميع الذي يبقى داخليا صرفا وذاتيا محضا، في التعبير الشكلي لهؤلاء الفنانين التشكيليين الذين يفضلون – كل بطريقته – نبذ النزعة الطبيعية وللمحاكاة لفائدة تحويل للعالم المرئي، انتهاك لمعطيات الواقع الموضوعية. بل إن بعضهم، أمثال غويا Goya وبيكمان يمضون في أغلب الأحيان إلى حد التميز عن الواقع لينكفئوا على رؤاهم الداخلية.

الشاعر: بالفعل، كلما كنت أمام أعمال هؤلاء الفنانين أثار انتباهي هذه الطريقة المغيرة للوجه، هذه الممارسة المحرفة للصور، غير أن هذا الذوق التحريفي ربما ينطلق من طبيعتي، من سيكولوجية فردية؛ فمنذ صغري وأنا أملك ضعفا دائما تجاه الأشياء التي لا تعيد إنتاج أشكال العالم المطمئنة. لقد أثارت في صورة نقل ما تشويه ما، دائما غبطة مشبعة بقلق. ففن غويا، ومونك، وباكون، وآخرين، أزعج دائما الحدود الصافية لما هو قابل للملاحظة، الواقع يحتفظ به لصالح فرجة تباعده وتشققه، والأشياء ترى من خلال نفس معذبة تلقي ظلها على العالم ناقلة إليه عدوى قلقها. إن عمل هؤلاء الفنانين يفسح المجال لرؤية العديد من تصرفات الفعل التصويري المتمرد ضد مفروضات المرئي. من فنان لآخر، تختلف الطريقة دائما، وفوق ذلك، لا أعتقد أنه بإمكان فنان ما أن يحرف الأشياء تماما على النحو الذي يفعله فنان آخر. ذلك أن العمل الفني الذي يحرف شيئا ما إنما هو انعكاس لواقع نفسي وشخصي، والذين لم يفعلوا سوى تبني طريقة فان غوغ أو سينياك أو كشوفات بيكاسو أو ماتيس، لم يقدموا أي شيء من دواخلهم. لا أعتقد أنه بإمكان امرئ أن يمتلك طريقة في التحريف مماثلة لشخص آخر.

الفنان التشكيلي: وأنا بدوري لا أعتقد ذلك تماما، لقد ذكرتني بصديق كان يردد دائما على مسمعي، وهو يمزح: «تلقينا تكويننا مجتمعين، ونحن [الآن] نحرف مفترقين «Nous avons été formés ensemble, nous déformons différemment» . التحريف واحد، ذلك أنه شهادة ورفض وقوة امتداح للنفس خالصين. ومن يحرف يقترح روايته الخاصة للعالم، قراءته الخاصة للخارج الكوني. عندما تعقد الذاكرة تشابهات وتماثلات بين مختلف الفنانين ذوي حركة محولة، فذالك لتتيح لنا أن نحس ونسمع هذا من خلال ذاك، أكثر من الإشارة إلى وجود تشابه ما، يبدو أنك متفق معي. ويتعين علي فهم أن هذه الصلة العميقة التي تطبع عمل فنانيكم لا يجب العثور عليها في علاقة الفعل التشكيلي بالواقع، أي في الانتهاك الشكلي الذاتي. ألم تتوصل بعد إلى توضيح هذا الرابط الخفي؟

الشاعر: لا، ومهما بلغت جدية مجهود كلامي في سبيل توضيحه، فإنه (أي المجهود) ربما لن يؤول إلا إلى التردد نفسه، إذا حدث أن تكلمنا عن هذه الأعمال، فقد تتابع ردود أفعالي في محاولة تفسير غير مجدية.

الفنان التشكيلي: ربما ستكون بحثا عن جواب يحسن عدم العثور عليه عسى أن يجد الكلام التأويلي مم يقتات.

19:20:55

 صفحة الترجمـات

المحتـــوى

تزفتـان تودوروف: خطـاب السحـر

مناحيم روث: ميثولوجيات الموت

مناحيم روث: الطقـوس الجنائزيـة

موريس فريدمان:  الأنثروبولوجيا والأدب

فرويد أو الغرائز ضد العقل

ر. ريتشارد وج. سيفري:  النقد السوسيولوجي والآداب الإفريقية

ليو نافرانتيـل: الشيزوفرينيا والفـن

جلبير غرانغيوم:  كرنفال في المغرب العربي

جلبير غرانغيوم: الضحية وأقنعتها

جلبير غرانغيوم: اللغة والجماعة في المغرب العربي

جلبير غرانغيـوم: الأب المقلوب واللغة الممنوعة

جلبير غرانغيـوم: لغة الاستشـراق

جلبير غرانغيـوم: التيمات الثقافية والهوية في المغرب العربي

جلبير غرانغيوم: التعريب واللغات الأم في السياق الوطني بالمغرب العربي

جلبير غرانغيوم: التعريب في الجزائر وجها الحصيلة

جلبير غرانغيـوم: كيف نحرر المرأة (جلبير غرانغيوم يناقش كتاب بيير بورديو «الهيمنة الذكورية»)

جلبير غرانغيوم: المواجهة باللغـات

عبد الحميد الأركـش: أنثروبولوجيا البغاء في العالم العربي. تونس في القرن XIX

المصطفى شبـاك: هل إسرائيل دولة حديثـة؟

جليل بناني: الخطوات الأولى للطب النفسي في المغرب

ساشر مازوش: فينوس ذات الحلل الفروية

الماركيز دُ سـاد: موت السيدة فيركان

جورج باطـاي: الميت

يوسف وهبون: الصبيحـات الزرقـاء

يوسف وهبـون: الشعاع الأسود. حوار بين الفنان التشكيلي والشاعر

 

 

 
 

 

 
 
جماليـــات إضـــاءات حــوارات مقـــــــالات ترجمــــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــات خــــــاص

مواقع مفضلـة

مواقع صديقة مكتبات الموقـع كشك الموقـع موارد نصيـة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.