وجداها جالسة قرب المنزل فوق
صخرة تحت ظل شجرة لوز، تلمع، تخطف البصر. تجاهلها محمد وقصد
المنزل. أما مزيان فقد انجذب نحوها. آية، رائحة أزهارها
عطرة، بياض فاتن، عنقها يثير الشهـوة...
أجابته عن تحيته الصباحية
وهي لا تكف عن مداعبة خصلات شعـرها المذهب:
- بونجور مزيان.
خرجت الكلمات من بين شفتيها
الرقيقتين نغمة موسيقة، نغمة لم يلحنها فنان. طربت أذنه،
سُرَّت عيناه، اهتز... رؤيتها تحت ضوء الشمس أجمل بكثير من
رؤيتها على ضوء المصباح الغازي ليلة أمس. أي بياض وأي شعر؟!
تناسق كبير في الأعضاء، سبحان الخالق! سبحان الخالـق!
لأجل أن يسمع صوتها يسألها
عن أي شيء، المهم أن تحرك شفتيها. نسي مزيان نفسه أمامها ،
نسي عمه وأخاه وكل شيء.
قالت ماكي:
- أبي في الداخل يسلخ خروفا
«قتله» بوحشية وهمجية الشعوب البدائية، «أسَّان ويايا»[25]
يتفرجان عليه وأمي في المطبخ.
- وفي بلجيكا؟! كيف تحصلون
على اللحم؟
- نشتري اللحم من عند
الجزار.
- وكيف وجدت القرية؟ هل
راقتك؟
توقفت عن مداعبة شعرها، جمعت
ركبتيها، عبست، هزت كتفيها ونطقت:
- لقضاء أسبوع أو أسبوعين،
لا بأس... يمكن احتمالهما... لكن شهر، لا، C’est trop!
أخذه العجب. تذكر حركاتها
لما دخلت عليهم ليلة أمس: يداها في جيبيها، خطواتها، وطريقة
تحيتها له، نعت أبيها إياها بالحمقاء...
- لم أفهم... ماكي!
- تفهـم ماذا؟ C’est
simple!، أرغب في العودة إلى بلادي.
- لكن عمي قال إنكم قد عدتم
نهائيا إلى المغرب.
- هم وحدهم عادوا نهائيا،
pas moi!
هل صدقت ما قاله لك أخوك
محمد؟ ألم يقل لك إنها «ملعوقة»؟ غريبة الأفكار والتصرفات.
ماذا تحمل الفتاة في دواخلها؟ أي مرض أصابها؟ لا شك في أن
بعقلها خلل... لكنها جميلة إلى حد الفتنة. أيمكن لهذه
المخلوقة أن تجمع كل هذا؟ لا تستعجل... اعرفها أولا، جادلها،
وناقشها قبل أن تحكم، وإن اقتضى الحال جابهها وقارعها
بمنطقها، المهم أن لا تستسلم.
- ألا تأتين لندخل إلى
البيت؟
يسيران جنبا لجنب، قامتها
الرشيقة بطول قامته رغم أنها لم تتم الثامنة عشرة بعد،
خطواتها رقصة متناغمة، تمشي متنصبة، مرفوعة الرأس، أطرافها
تتحرك بحرية. قوة خفية تجذبه إليها، مغناطيس، تيار لا يقاوم.
فما أن احتلا بجسميهما مدخل المنزل حتى ارتفع صوت عمه شعيب
مرحبـا.
- مرحبا بابن أخي مزيان.
تجاهلت أباها ومحمد كأنهما
غير موجودين، مالت يسارا نحو المطبخ. تعانق مزيان وعمه شعيب،
فسمعه يقول له:
- قل لي يا مزيان كيف استطعت
أن تكلم تلك الحمقاء وتحلل عقدة لسانهــا؟
- أصلحها الله يا عـم.
قل له إنها ليست حمقاء، قل
له إنها فتاة رائعة. لاتخف، فهو عمك. لا شك في أنه متحضر، لا
شك في أنه قد تأثر بالأوروبيين أثناء مقامه هناك... في
أوروبا يسعدهم أن تتغزل بزوجاتهم وبناتهـم...
- وعمي أركاز؟ ألم يحضر
بعـد؟
تراه في الطريق، سيكون هنا
بين الفينة والأخرى. مواعيده جد مضبوطة. هيا نجلس.
أمسك شعيب مزيان من يده
واتجها معا إلى سقيفة مفروشة بالزرابي والمخدات، طاولة
مستديرة فوقها صينية امتلأت واجهتها بلوازم الشاي، وآلة
تسجيل ومذياع. أغلب التجهيزات مستوردة من أوروبا. وعند مدخل
المنزل حيث كانت تجلس ماكي رأى سيارة ميرسديس حمراء لوحة
أرقامها مكتوبة باللون الأحمـر.
«الملعوقة»، الحمقاء،
المجنونة، لسانها معقود العودة إلى بلادي! كلمات مرت بخياله
متلاحقة.
قال شعيب: ليتني كنت سمعت
كلام أمي...
ماذا سيقول لك هذه المرة؟
يبدو أنه لم يسمع كلام أمه أبدا. نظر مزيان إلى وجه عمه
متعجبا متسائلا.
- كانت على صواب عندما وقفت
في وجهي تمنعني من الذهاب إلى بلجيكا. لو طاوعتها لما رأيتني
اليوم أعيش في مشاكل مع أولادي. آراء الوالدين، يا مزيان، يا
ولدي، يجب على الإنسان أن يتبعها ويعمل بها حتى ولو ظهرت في
البداية مجانبة للصواب...
- سيكبرون يا عـم وتنتهي
مشاكلهم، الأولاد زينة...
- أتعرف بماذا تنعتني تلك
العاقة المتمردة التي تنحدر من صلبي؟... تقول عني دون أن
تستحيي: «متوحش، متخلف، أمي، غير منظم...» هل هناك مغربي
يرمي والديه بمثل هذه الأوصاف؟
لم يجد مزيان كلمات ليجيب
بها عمه، فيما لازم محمد الصمت.
- اشتغلت هناك سنة ثم عدت
إلى هنا كي أتزوج. كانت أولى ثمرات زواجي. كانت في صباها
رائعة وجميلة.. لما كنت أسافر وأتركها هنا كانت صورتها لا
تفارقني أبدا.. شوقي إليها كان نارا.. لم أطق فراقها.. مللت
من حياة الوحدة.. أخذتها معي وأمها كي يؤنساني في وحدتي.
أدخلتها لدار حضانة الأطفال، فالمدرسة الابتدائية
والثانوية... هي الآن تتحدث بعدة لغات: الفلامانية،
والفرنسية، والإنجليزية... تتفاهم مع الألمان والهولانديين،
والدانماركيين... زارت كل البلدان الأوروبية تقريبا،
اليونان، النرويج، إيطاليا، سويسرا، دون الحديث عن فرنسا
وإسبانيا... لكن ياخسارة!
من أين لك أن تقدر عليها يا
مزيان؟! احسب أوراقك جيدا.
- تعلم اللغات يا عم شيء
جميل ومفيد، مزية وليس عيبا، والسياحة أفيد. إنها فتاة
محظوظة.
صـاح بعصبية وصوت عال:
- وأين الريفية؟! وأين
العربية؟ أين الأصل؟ تكتب اللغات الأجنبية وتقرأها، لكنها لا
تعرف ولو حرفا واحدا بالعربية، هَـهْ؟! «مْوَا كُونِيطِرْ
بَارْلِي فرَانْسِيسْ، وي، مْوَا طْرَافَايِّي لاَ بَا، بُّو
بَارْلِي بُّولِيتِيكْ، طُّو، سُوسْييطِي، مْوَا وي» ، لكن
أختي مينوش أين لها أن تعرف هذا، ورغم ذلك لا تكلمها إلا
بالفرنسية.
- وأين كنتم تقضون عطلكم
السنوية؟ ألم تكونوا تأتون للمغرب؟
- بلى، هنا في المغرب،
وبالضبط في القرية، ولكن ماجدة لم تكن تأتي معنا، لم تكن
تأتي بسبب طبيعة عملي. كنت أشتغل هناك في شركة لصنع
المشروبات، لذلك كان موعد عطلتي السنوية لا يتزامن مع موعد
عطلتها هي، كنت آخذ عطلتي دائما في فصل الشتاء، في الوقت
الذي تكون فيه هي مشغولة بالدراسة، وفي فصل الصيف عندما تكون
هي في عطلة أكون أنا في العمل، ولهذا أيضا كانت تسافر إلى
الدول الأوروبية مع صديقاتها.. لو كنت أعرف أن النتيجة ستكون
هكذا لكنت قومت اعوجاجها - محركا يديه علامة على الضرب -
وليكن ما يكون.. هل تعلم أن عددا كبيرا من الآباء وصلوا مع
أبنائهم هناك إلى حد إيداعهم في الكوميساريا؟...
دخل أركاز، قطع شعيب كلامه
في موضوع ماكي وأوروبا، انشغلوا بمواضيع أخرى. وفجأة خيم صمت
على الجميع، واستداروا إلى صوت ينبعث من المطبخ:
- ميـرد، ميرد، ميـرد، فوطي
موا لابِّي.
قال أركاز:
- ماذري ميا! كاياطي نينيا،
كي كارا طينيس إيخا؟![26]
تكهرب الجو فجأة، صعد الدم
إلى رأس شعيب، إلى عينيه وأذنيه، وقف واتجه نحو المطبخ. علم
مزيان بنواياه، فتبعه. ظهرت ماكي وأمها. وجه أمها اصطبغ بلون
أصفر، أما هي فكانت عادية باستثناء مسحة خفيفة من القلق على
وجهها.
اتجه شعيب بالكلام لزوجته
أولا:
- ماذا هناك؟ et toi,
qu’est-ce que t’as? أبمثل هذه الألفاظ يستقبل الناس أفراد
عائلتهم؟! أما خجلت من نفسك؟!
رفع يده إلى السماء، لكن
مزيان كان أسرع منه، أمسكه واستعطفه. تذكر مزيان مشهدا
قديما، مشهدا وقع في مسجد تزرين قبل ربع قرن...
- إنها (أمها) ترغمني،
تريدني أن أضع كحلا على عيني، وأن أخلع سروال الجينز وألبس
تنورة.. إنها تعرف أنني أتوفر على كحلي وسواكي في حقيبتي..
فيما يخص لباسي، فأنا حرة.
ازداد وجه الأم احمرارا،
فخفضت رأسها إلى الأرض.
- بدل أن تساعدي أمك في
المطبخ، فتتعلمي منها فن الطبخ... تحدثين فوضى؟
- لا حاجة لي لتعلم طبخكم،
سآكل في المطاعـم.
- هيهات! وأين المطاعم هنا؟
- أعد لي جواز سفري..
أحذرك.. أنا لست من الفتاة أو النساء اللائي يعشن حياتهم تحت
سلطة الرجل؛ الأب، والزوج، والأخ، ولست أدري... أعد لي جواز
سفري.. أنا لم أولد لأكون سلعة كنسائكم وأمهاتكم اللواتي لا
شغل لهن إلا الإنجاب...
- جواز سفرك؟! - قال شعيب -
نجوم السماء أقرب إليك منه.. إنك تحلمين يا عزيزتي، تجرين
وراء السراب.
- أنا بلجيكية الجنسية ولست
مغربية...
- إنها تريد العودة إلى
بلجيكا - موجها الكلام إلى مزيان - أتقوى على تصديق هذا يا
ابن أخي؟ حصلت على جواز سفر بلجيكي، فإذا بها بلجيكية...
- إذا لم تعد لي جواز سفري
فسأسجل شكاية ضدك، سأكتب إلى الحكومة البلجيكية.
- من هذه الناحية أنت حرة،
اكتبي وسأتكلف بنقل الرسالة إلى ترجيست وإيداعها في البريد،
لكن جواز السفر لا، لا يا حبيبتي، لن يصبح أبوك أضحوكة في
القبيلة.
- أريد فقط أن أعرف، ما
دخلكم في حياتي؟ وما شأني أنا بعاداتكم وتقاليدكم؟ أنا أرفض
الخضوع لأي سلطة ضاغطة أيا كان مصدرها. أنا حرة.. حرة.. هل
تعرفون ما معنى الحرية؟
- اسكتي يا بنت - قالت أمها
- كفي عن مخاطبة أبيك بهذه النبرة المتحدية.
- أنت، أنت التي أغريتني
بالمجيء إلى هنا. قلت لي: شهر واحد ونعود.. أنا لا أفهم
لماذا تخشون قول الحقيقة. لماذا لم تقولي لي صراحة بأنكم
تزمعون العودة نهائيا للمغرب؟! لماذا؟! لماذا؟!...
قاطعها أبوها وهو يضرب الأرض
برجليه:
- اسمعي، ماجدة، ابنتي، أنت
ريفية ومغربية، من هنا، من هذه الأرض.. هنا رأيتِ النور لأول
مرة، وهنا ستموتين.. جواز السفر الذي تحلمين به قطعته ومزقته
تمزيقا...
- ولكني بلغت سن الرشد، لم
يبق لي سوى ستة عشر يوما...
- أنت هنا قاصرة، وستظلين
قاصرة حتى ولو كنت في سن التسعين.
عاد شعيب ومزيان للجلوس مع
أركاز ومحمد، وتركاها تغمغم بالفلامانية والفرنسية. لا أحد
عرف ماذا كانت تقول، أكانت تسب وتلعن أم ماذا؟
نسي مزيان نفسه في قريته
الأصلية. زال الضيق الذي كان يحس به في اليوم الأول. أخذت
الأيام تنساب بسرعة. ضيافات.. عشاء عند هذا العم، غذاء عند
هذا، وفطور عند ذاك، من بيت لبيت.. لم يعد مزيان ذلك «الأبوهاري».
أصبح مزيان بن عبد السلام، ابن القرية، وصاحب ذلك البيت وتلك
الأرض. شغلته ماكي وازدادت رغبته الملحة في التعرف عليها
أكثر.
قالت له خلال إحدى الجولات
بين الحقول رفقة أخويها حسن ويحيى:
- لقد صدمتني الحقيقة التي
كنت أجهلها.
- أية حقيقة؟
- قبل المجيء إلى المغرب،
كنت أحمل أفكارا عن المجتمع الريفي.. كنت أعتقد أنكم هنا
تتمتعون بحرية أكثر ما يتمتع به الناس عندنا «هناك»...
- الحرية؟!
- أقول إن الإنسان الفرد
«عندكم» مسلوب الحرية، ذائب في الجماعة. الأنا لا مكان لها،
ولا وجود لها إلا داخل الجماعة.. وجود المرء رهين بوجود
المدشر والقبيلة.. وفي هذا يتساوى الرجل منكم والمرأة...
ها أنت يا مزيان قد دخلت
معها في «حمقها»
- طبعا، الفرد لا يمكن أن
يعيش بدون أفراد جماعته.
- أنت تقصد المنافع بلا شك..
أما أنا فأقصد العادات والتقاليد والطقوس والأعراف...
باختصار، اقصد كل ما له سلطة على الفرد والجماعة، الأشياء
التي تختزل الأنا إلى النحـن...
- أرى أنك تنظرين إلى هذه
الأشياء من زاوية خاصة فقط.. أتنكرين أن العادات والتقاليد
تساهم في تماسك البنيان الاجتماعي وبقائه؟
سكتت قليلا تفكر. رأى زهرة
حمراء في أحد الحقول. أسرع نحوها وقطفها، ثم قدمها لها،
وواصل حديثه:
- أتريدين أن يقوم المغاربة
بتقليد الآخرين وتقمص شخصيتهم؟ هل تريدين أن نأخذ معايير
الأوروبيين وقيمهم؟ أن نتخلى عن جذورنا؟ هل تظنين أن الحضارة
الأوروبية «موديل» يتحتم على كل الشعوب أن تتبعه إذا ما
أرادت «التقدم»؟
- ولم لا؟ ما دامت كل الشعوب
غير الأوروبية تلهث وراءها؟ حضارة أوروبا هي الحضـارة...
- إذن، أنت تنفين دور الشعوب
غير الأوروبية في بناء الحضارة البشرية؟ شعوب بلاد الرافدين،
المصريو، الهنود، العرب، وغيرهم؟
- لكن لماذا بقيت هذه الشعوب
متخلفة ولم تصل إلى ما وصلت إليه أوروبا؟
- الأجدر بك أن توجهي السؤال
للأوروبيين أنفسهم. إسأليهم عن الأكتاف التي بنوا عليها
حضارتهم؟ وعلى حساب من شادوها؟ المركزية الأوروبية عبارة عن
خداع بصري، اعتقاد خاطيء شبيه بالاعتقاد الذي كان يسود قبل
كوبرنيك...
- والمرأة؟ لماذا تعتبر
المرأة عندكم مجرد شيء من الأشياء التي يملكها الرجـل؟
- المرأة - يا ماجدة، وهذا
من حقك أن تفتخري به أمام الأوروبيات - المرأة العربية
والمسلمة كانت هي السباقة إلى الحرية. كان ذلك قبل أن تعرف
نظيرتها الأوروبية الحرية بقرون. في صدر الإسلام كانت المرأة
العربية تتمتع بكامل حقوقها في الملكية والتصرف بأموالها، في
اختيار زوجها، وفي إبداء رأيها في المسائل السياسية والقضايا
العامة، فجابهت الخلفاء والحكام، وحاربت، وتعلمت، وتثقفت...
- لكن، كيف تفسر وضعها
الحالي؟ مهمشة، مضطهدة، مستغلة من طرف الرجل، تكثر من
الإنجاب، وجاهلة لا تعرف القراءة والكتابة...
- وفي أوروبا؟
- On est libre chez nous!
- نعم، لكن هل تعني الحرية
عندكم استعمال المرأة في إشهار البضائع والسلع الاستهلاكية؟
إذا كانت المرأة عندنا تخضع لسلطة زوجها كما تقولين، فهي في
أوروبا تخضع لسيطرة زوجها ورب عملها. أما كثرة الإنجاب، فتلك
خاصية من خصوصياتنا... المرأة التي تنجب أكثر عدد من الأبناء
تشعر عندنا بزهو وافتخار وأمن.. قولي ماكي: أين يقضي العجزة
بقية أيامهم في أوروبا؟
- في دور العجزة! ولماذا هذا
السؤال؟!
- تخيلي نفسك منبوذة في دار
للعجزة، تخلى عنك الجميع...
- لكنني في عز الشباب!
- أعرف أنك شابة ورائعة
الجمال، ولكن...
- قاطعته:
- ميرسي على المجاملة.
- بل هي الحقيقة، أنت
فاتنة... لكنك لم تجيبي عن سؤالي.
تجنبت الإجابة عن السؤال
الموجه إليها وسألت عن موضوع آخر:
- لكن، كيف تفسر تصرفات أبي
معي؟ لماذا يسحب مني جواز سفري ويرغمني على البقاء هنا؟
- ذاك أمر طبيعي... ثم كيف
تفسرين تصرفاتك أنت معه؟ أبوك لديه مبررات ودوافع...
- مثلا؟
- أولا أنت ابنته، قطعة
غالية منه، يحبك ويخاف عليك، وهذا طبيعي بالنسبة لأب له بنت
بمثل جمالك.
- تتحدث كثيرا عن الجمال!
- قد يكون ما ذكرته لك هو
المبرر الظاهر. أما المبرر الدفين، فأعتقد أن والدك قد تعرض
هناك لضغوطات وإحباطات نفسية واجتماعية لم يتمكن من تفريغها
على «أعدائه»، ومن الطبيعي أن يبحث عن موضوع بديل، موضوع
يكون في متناول يده، أنت مثلا.
- غير معقول ما تقوله!
- هذا مجرد افتراض لا غير!
- والسبب؟! لماذا أنا
بالضبط؟ لماذا لم يختر أمي أو أية فتاة أخرى غيري؟
- لأنك تتشبهين بالأوروبيات،
فيرى فيك موضوعا للإنتقام. حاولي أن تتغيري وتتكيفي،
وسترين...
- أتغير؟!
- وإلا لن يفهمك أحد.
اندمجـي.
- أنت أيضا تريدني أن أكون
صورة لهؤلاء النساء، ألبس كما يلبسن، وأفكر كما يفكرن، أنام
وأنجب؟! لا، لا، لن أستطيع التنكر. مستحيل. أريد العودة إلى
بلادي. لن أتقهقر قرونا إلى الوراء. أنا حرة ولي طريقتي في
الحياة. سيبيريا! منفى!
توقفت ماكي عن السير. تأملها
مزيان جيدا. كانت قد قطبت ما بين حاجبيها تفكر. رأى مزيان
أنها أشبه ما تكون بأنشودة رائعة. كل شيء فيها فاتن وساحر،
شعلة متقدة أنوثة. جسدها يثيـر شهـوة الميت. رآها ذاهلة،
فأراد أن يقتلعها من ذهولها:
- لن نتركك تعودين لبلجيكا
قبل أن نخضب يديك بالحناء، ونضع كحلا في عينيك، وليس قبل أن
نسمع دقات الطبول والغيطة في بيت عمي.
انفجرت ضاحكة وقالت:
- ها ها ها... أتزوج؟ لا
أفكر في هذا. ليس قبل إتمام دراستي وضمان مستقبلي.
- وماذا تدرسين؟
- أعتقد أنني سأتخصص في
دراسة التاريخ أو الفلسفة.
انتهت الجولة بين الحقول. مر
الوقت الذي استغرقته كحلم رائع، كلحظة مسروقة من حياته.
انتهت الجولة الحلم. وفي الليل عندما آوى مزيان إلى فراشه
استعصى عليه النوم. ترك العنان لأحلام اليقظة التي أسرته.
وهل هناك أفضل من الليل لتوارد الأفكار والخواطر والأخيلة؟
يستعرض كلام زوجة عمه شعيب ويفكر: «كانت ابنتي ماجدة طفلة
عادية، لا ندري ماذا أصابها على حين غفلة.. أصبحت تميل إلى
العزلة والانطواء على نفسها.. لا تكاد تنسى الحديث عن بلجيكا
وانتقادنا أو توجيه اللوم إلينا...» أما أخوه محمد فقد أسر
إليه قائلا: «لقد علمت من زوجتي أن عمي شعيب وزوجته يعتقدان
أن ابنتهم قد سكنها جني، جني نصراني، وقد عرفا ذلك من فقيه
ساحر، وقد سمعت أن الفقيه طلب من عمي مبلغ أربعة آلاف درهما
ليقوم بصرع الجني وطرده من جسمها».
سأل مزيان: وأنت يا أخي ما
رأيك في ماكي؟
- تطلب رأيي أنا الذي عشت في
الغابة؟
-
ولم لا؟!
-
إذا كان لابد من ذلك، فسأستمد رأيي من الغابة.
-
ليكـن.
-
هذيك الملعوقة دبنت عمي، فحال شي شجرة كانت مغروسة في تراب
مزيانة قلعوها وداوها لتراب ماشي مزيانة
- V -
ها
أنت قد عدت إلى عملك. سافرت شخصا وعدت شخصا آخر تماما. ذهبت
تحمل الهموم والمقالق، وعدت تحمل الإسم والحب والذكريات...
في الحافلة تفكر فيها، في العمل، في الشارع، وفي كل الأمكنة
تحاصرك صورتها...
تحدثها، تناقشها.. تعيش معها في الحب، في المستقبل والأولاد
والبيت، تخطبها.. تتزوجها، تؤثت قصرك بأفخم الأثات.. بالآثاث
التي تليق بمقامها.. تلبسها أجمل الملابس.. عش أحلامك. تتجول
وهي جنبك في شوارع المدن التي رايتها والتي لم ترها بعد..
تركبها أجمل السيارات وأفخمها.. تسافر بها في البواخر
والطائرات.. تزور الجزر البعيدة التي لا تعرف فصلي الخريف
والشتاء.. رايتها في فصل الربيع الأخضر فلا تريد أن تعيش في
غير الربيع.. تنام في أفخم الفنادق وتتعشى على ضوء الشموع
وأنغام الموسيقى الهادئة.. عش حياتك.. حتى الأحلام حياة..
انثر الأوراق النقدية بسخاء وبلا حساب على الخدم الذين
ينحنون احتراما لك ولزوجتك الجميلة.. لن تخسر شيئا.. غير
أثات بيتك مرتين أو ثلاثا في السنة.. أي آراء هي آراؤك؟ أي
أفرشة، ولوحات، ومزهريات، وثريات، ودواليب، وحجرات،
وأضواء... والأهم، الأهم من بين كل هذا ماكي التي تتحرك داخل
هذا القصر. بدونها ليست للاشياء قيمة. تراها في كل الأوضاع:
ونائمة، جالسة، واقفة بقامتها الرشيقة، تعطي الأوامر
للطباخين والخدم... عش حياتك في هذا الترف بالمجان.. عش
حياتك بلا مرض ولا مشاكل تثير الأعصاب.. أنت تكره المشاكل
وتبغضها. أجمل ما حملته معك من سفرك هو الأحلام.. احلم ولا
تضيع الفرصة....
بعد
أسبوع فقط من عودتك إلى الرباط حضر أبوك السي علي. جاء
مباشرة بعد توصله برسالتك التي أخبرته فيها بما حدث.
-
اِحك يا مزيان يا ولدي؟ كيف حدث؟ ولماذا أخفيت أمر الرسالة
عني؟
-
أخفيتها لأني لم أكن أصدق ما جاء فيها. لم أشعر حتى وجدت
نفسي مسافرا إلى بني عمارت وحصل ما حصل.
تحكي لوالدك ووجهك إلى الأرض...
-
لا بأس يا بني. حسنا فعلت. أنا واثق من أنك لن تواخذنا على
أننا لم نخبرك بالحقيقة منذ البداية. فلا شك أنك تعرف السبب
يا بني. بأي شيء كانت ستنفعك الحقيقة؟
تستمع لوالدك السي علي أكثر مما تتكلم. لم يكن لديك ما تقوله
له.
-
كنت أحمل هما ثقيلا يا بني، يجفوني النوم كلما تذكرته، ناران،
الشرع والعاطفة، لقد عرفت الآن والدك الحقيقي؟ أليس كذلك؟
-
كان اسمه عبد السلام.
-
حسنا، مزيان بن عبد السلام،... مزيان بين علي، لا فرق.
بالنسبة لي ستبقى دائما ابني، ونفس الشيء لأمك حليمة. أنت
ابني، ولكني لست أباك، أنت...
رددها السي علي ثلاث مرات إلى أن اختنق صوته. قمت تعانقه
وتقبله على جبينه وفوق عمامته.
-
نعم يا بني. أنت ابني، ولكني لست أباك.
-
حاضـر يا أبي، حاضـر.
هل
يمكن لك أن تنكر ذلك؟
-
لقد حان الوقت با ولدي كي تغير إسمك ولقبك وبطاقتك.
-
حاضر يا أبي، سأفعل.
أوراق! الأبوة في القلب، وفي الذاكرة، في الدم...
-
قل معي يا ولدي، يا مزيان، قل...
-
أقول ماذا؟
-
قل: باسم الله الرحمن الرحيـم...
أجهشـا معا بالبكاء.
-
قل با سم الله الرحمن الرحيم«وما جعل أدعياءكم أبناءكم، ذلك
قولكم بافواهكم، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، أدعوهم
لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في
الدين.» صدق الله العظيـم.
-
منذ الآن يا بني أنت مزيان بن عبد السلام.
لم
تفتر أعينكما عن البكاء.
-
لا تدع أحدا ينسبك إلي. لا تسمح لأحد بذلك. هذا أمر الله،
وأمره نهي.. غير بطاقة تعريفك، ولا تنادني بكلمة أبي.
-
حاضـر يا أبي.
-
منذ الآن.
-
حاضـر يا أبي، أمرك.
أي
الناس يستطيع مناداة أبيه باسمه ولو في خفاء؟! لن تسمح لك
نفسك بذلك ولو في الرسائل التي تكتبها إليه.. أبوك هو أبوك.
-
مقدمك إلى بيتنا كان فيه خير كثير. سعدنا بك. لم تنقطع
الخيرات عنا. أنت نفسك شاهد على ذلك...
كنت
قد استعْمَمْتَ كل إخوة السي علي، واستخولت كل إخوان وأخوات
حليمة. الكل يناديك بـ «مزيان بن أخي، مزيان بن أختي»...
حضور والدك إلى الرباط كان بداية لتحقيق أحلامك الكبيرة. لو
لم يأت في ذلك الظرف بالذات لكانت حياتك قد اتخذت مسارا
آخر...
-
قل يا ابني. إني أرى أنك لم تستفد من تجربتك التجارية! كأنك
لم تبع ولم نشتـر أبدا! إلى متى ستظل تصنع وتعطي لغيرك
لينتفع بما تصنعه؟!
لم
أفهم ما كان يقصده. تعلمت الصنعة على يد المعلم الوكيلي كي
أصير صانعا وإلا فلماذا أخذني إليه بنفسه؟ ثم إني أصنع
وأبيع؟
-
يجب أن تستغل هذه الموضة التي غزت العالم.
-
عن أي موضة تتحدث يا أبي؟!
-
الهيبي! هؤلاء الخنافيس الذين يملأون الشوارع، ألا تفتح
عينيك؟!
-
هل تريد أن أصير هيبيا مثلهم؟!
ابتسم في البداية على جوابك، ثم قال بجد:
-
أعوذ بالله، حاشا أن أكون قد ربيت هيبيا في بيتي، لم تفهم؟!
كيف لا تفهم؟! ألا تنتبه لما يلبسه الهيبيون ويعلقونه على
أكتافهم؟ من المفروض أن تكون أنت أول من ينتبه لذلك؟ هل رايت
واحدا منهم لا يعلق شكارة جلدية تغزوتية؟ الذكور كالإناث، كل
الصناع في تغزوت أصابهم الهوس. كنت أتساءل: أين تذهب تلك
الأعداد الهائلة من الالشكارات المطرزة التي يصنعها الصناع؟
-
لكني أصنعها وأبيعها للبازارات يا أبي.
-
وهل صنعها كبيعها؟ اِسال التجار بكم يبيعونها، كما قلت لك هي
موضة وتزول.. يجب أن تستغل الفرصة. تاجر في الشكارة، أنا
ساجمع لك من هناك، وأنت تبيع هنا.
واقتلعك أبوك من صمتك سائلا:
-
هل تحتاج إلى أموال؟
لا،
لا،...
-
إذن لا تتأخر فتضيع الفرصة منك.
وانتقل الحديث إلى ما هو أهم، إلى ما يشغل بالك:
-
شيء آخر أود محادثك في شأنه.. بعد أن عرفتَ والدك، فحتى إذا
ما صار لك أولاد لن تكون هناك مشكلة.
-
الأولاد؟، قلتَ تسأل نفسك.
-
هل فكرت في الزواج؟
صوته لم يخترق أذنيك فقط، بل هزك هزا عنيفا.
الزواج والأولاد؟! في الأحلام أنت تزوجت وولدت، وأولادك
كبروا، ذكورا وإناثا، تخلقهم حسب المواصفات واللون
والجمال...
-
لم تجبني، هل فكرت في الزواج؟
-
لا. نعم. لا، ثم نعـم!
قلت
له بين الحيرة والاضطراب:
-
ماذا تعني بـ «لا»، «نعم»، «لا»...؟
-
أريد القول: امهلني قليلا وسأخبرك في الوقت المناسب.
عاد
أبي إلى تغزوت بعد أن فتح لي عيني على التجارة. عملت
بنصيحته، ففتحت محلا لبيع الشكارات الجلدية. لم تكن البضائع
تستريح من السفر.. ما أن تصل من تغزوت إلى الدكان حتى تطير
إلى أوروبا. الوضع الاعتباري للهيبي تحدده الشكارة، والقديمة
منها بالخصوص. أما إذا كانت مقطعة، ومتسخة، فآي، ثم آي...
ابتكر طريقة خاصة لجعل الشكارة تبدو قديمة. يراها الهيبي،
فيعتقد أنها تعود إلى عهد عاد وثمود، إلى ما قبل العصر
الحجري بمليون سنة أو أكثر! تطلى الشكارة الجديدة بالزيت،
وتعرض للشمس أو ترقد في روث البهائم، تمسح بالكحول وماء
جافيل، فتبدو «رائعة».
لم
تكن هذه الطريقة ترضيني، يعز علي أن أرى قطعة جميلة تتحول
إلى شيء يثير النفور والاشمئزاز، ولكن الأوروبيين هكذا!! قال
لي صديقي الهولاندي وزبوني «فان ديرك»: تدبر الأمر مسيو
مزيان، اجعلها تبدو قديمة، ضعها في الاصطبلات أو في أي مكان
شئت.. ما يهمني هو أن تزودني بالشكارة القديمة، أفهمت؟ كيف؟
تدبر الأمر!
كل
الشكارات يمكن أن أقوم بتوسيخها وتدنيسها ما عدا شكارة
المعلم الوكيلي معلمي وأستاذي. لن أغير من جمالها وفنيتها
ولو أغناني الهولاندي بإعطائي أموال هولاندا كلها.
انطفأت الرغبة في الدراسة. أطفأتها ماكي والأموال. بدأت
أتردد كثيرا على بني عمارت بمناسبة وبدون مناسبة. لم يعد «الأبوهاري»
هو الأبوهاري. أصبح مزيان بن عبد السلام الأزرق صاحب ذلك
المنزل. صار ابن القرية، ويتحادث بالريفية، لا يحتاج إلى أحد
كي يرشده إلى بيتهم.
و«ماكي»
تتغير. لم يعد أحد يناديها بهذا الإسم، بما في ذلك حتى
أخويها حسن ويحيى. تغيرت طريقة حديثها لباسها. بدأ لونها
يميل إلى لون اللوز.. حتى طريقة كتابتها للرسائل صارت تأخذ
طابعا خاصا. أحلى اللحظات لدي كانت هي تلك التي أجلس فيها
لاقرأ ما تكتبه لي. أسمع صوتها يحدثني. أشعر بفرحها،
بحزنها.. كتبت تقول في إحدى الرسائل الأولى:
«أنا حزينة أشد ما يكون الحزن. لم تعد لدي رغبة في الحياة.
فقد قام أبي بإحراق الكتب التي جلبتها معي من هناك، وكسر آلة
الكمان التي كنت أعزف عليها من حين لآخر لأبدد الرتابة»
أضافت تقول في الرسالة:
«أتساءل: لماذا يحرق أبي كتبي؟! ولماذا يكسر كماني؟! لماذا
يفعل كل هذا وهو الذي كان أدخلني منذ صغري إلى معهد
للموسيقى؟ ولماذا كان يدفع واجبات الدراسة هناك ويشتري الآلة
كيف تستطيع يا مزيان أن تفسر الفرح الذي كان يشعر به عندما
كان يستمع إلى اساتذتي يثنون علي وعلى مهارتي وإجادتي في عزف
القطع الموسيقية؟ ما الذي غيره هنا؟ ما الفرق بين أن أعزف
الموسيقى هنا أو هناك؟»
تتكرر الزيارات لبني عمارت.
قال
لي أخي محمد:
-
لو تأخرت قليلا لوجدتها قد تزوجت! كثيرون هم الذين يرغبون في
الزواج منها، لكن عمي يردهم. رد الأول، وهو شاب جميل يعمل في
ألمانيا، رد الثاني لأنه مزواج مطلاق، ورد الثالث لأن أمه «واعرة»....
أسرعت إلى بيت عمي شعيب، وجدتها في المطبخ تساعد أمها. ترتدي
تنورة فضفاضة طويلة، ورأسها معصب بمنديل مزركش...
-
هذه هدية بسيطة إليك يا ماجدة.. ساعة يدوية وبعض الكتب
التاريخية.
تلقت الهدية وشردت بذهنها.
-
ألم تتعملي بعد إتقان فتل الكسكس وتهييء البغرير؟ ماجدة؟!
-
لقد ذكرتني بعادة كنت نسيتها تماما، الهدايا!... لم أتلق ولو
هدية واحدة منذ مدة، ولو وردة!
-
لقد تغيرت كثيرا.. ماجدة.. تغيرت، لكن جمالك ازداد عما كان
عليه.. لقد وافقك جو البلد.
-
حتى السجناء يخرجون من سجنهم منتفخيـن!
-
قيل لي: أنه جاءك خُطَّاب.
-
سمعتُ بذلك - ضحكت ثم اضافت - لقد تشيأت.. أصبحتُ بضاعة
يتعامل بها من غير إرادتها... لا أدري ماذا سيقول اصدقائي
وصديقاتي الأوروبيين لو جاءوا ورأوني على ما أنا عليه الآن!
-
سيقولون إنك صرت أجمل مما كنت.
-
وأنت يا مزيان؟ كيف ستعامل أولادك في المستقبل؟
-
كما تريدين أنت.
-
وماذا تفضل؟ ولدا أم بنتا.
-
سيكون عندنا أولاد كثيرون وبنات كثيرات.
-
كم؟ - ضحكت ثم اضافت - ثمانية، عشرة؟ عشرون؟
لم
أغادر القرية هذه المرة حتى قضي الأمر. كلفت عمي أركاز
بالمهمة. قال لي عندما أخبرته برغبتي:
-
أومري! شوفرينا برا إلشوفرينو!... مرابيوسا، طرانكيلو[27].
تم
الأمر، وعرجت على تطوان. كنت على موعد هام هناك.... فرصة.
اشتريت قطعة أرض فوقها منزل على الطريق المؤدية إلى
المضيق...
بعد
مدة كنت سأنفجر بالضحك داخل أحد المكاتب لولا أن سألني أحد
الموظفين:
-
هل هناك أمر؟
مددت له شهادة طبيب المصحة وشهادتي التلقيح ونسخة من عقد
الزواج.
-
أريد تسجيل هذين التوأمين.
توأمان دفعة واحدة.. مسكينة زوجتي ماجدة التي كانت تريد بنتا
لا غير.
سألني الموظف: اسم الطفل الأول؟
-
اكتب: عبد السـلام.
-
والثاني؟
-
علـي.
-
اسمك أنت؟
-
مزيان بن عبد السلام.
-
أم الطفلين؟
-
ماجدة بنت شعيب.
تحققت الأحلام كلها تقريبا ماعدا شيء واحد ظل يشغل فكري
باستمرار: أين أبوك عبد السلام؟ أين
اختفى؟ ولماذا لم يظهر حتى
الآن؟
- VI -
صخرة صماء.. قلب فولاذي....
ماذا ستفعل إذا عشت حياتك كلها تنتظر شيئا ولما وقع بين يديك
تركته يفلت منك ويضيع؟ مزق ملابسك، واخرج عاريا إلى الشارع..
افقأ عينيك اللتين لم تتمكنا من النظر جيدا إلى ما حولهما..
إلق بنفسك من قمة جبل...
-
أقسم لك يا عيسى أنني منذ الصباح وأنا أشعر أني سألتقي اليوم
بشخص عزيز.
لم
يخنه قلبه، ولكنه ضيع الفرصة، طارت وربما إلى الأبد. المدينة
كبيرة، سكانها يقدرون بعشرات المئات إن لم يكونوا بمئات
الآلاف.
في
تطوان، صباح أحد أيام شهر غشت، أقف بباب أحد بازارات المدينة
العتيقة. الشمس محرقة والجو راكد. وقفت بالباب أهُمُّ
بالتوجه إلى أحد المقاهي. لا أدري ما الذي أوقفني وشدني إلى
مكاني. عيناي تنظران إلى القامات المتقاطعة أمامي في الشارع،
وفي الوقت نفسه لا أنظر إلى شخص محدد، نسيت نفسي واقفا، شردت
إلى أن سمعت صوتا موجها نحوي، يعيدني إلى نفسي.
-
السلام عليكم، أهو عيسى؟
-
مَزيان!
كانت تفصل بيني وبينه سنوات طويلة، عينت أنا بوظيف، وغاب هو
بين تطوان وطنجة وبني عمارت. تعانقنا بحرارة، حرارة ذكريات
الطفولـة.
-
لو لم أترو قليلا، أو تأخرتَ لحظة لما التقينا يا مَزيان.
-
هزني من كتفي، وقال:
-
منذ الصباح وقلبي يخبرني بأنني سألتقي بشخص عزيز علي.
ماذا لو عرف الآن؟ كيف ستكون الصدمة؟! خيبة!
-
كنت أهم بالذهاب إلى إحدى المقاهي، هل لديك ما نع لمرافقتي؟
-
وهل يعقل أن أترك الفرصة؟!
آثار النعمة بادية على وجهه، لباسه وحركاته. أطل برأسه إلى
البازار وسال:
-
أين ابن عمي؟
ابن
عمه من جهة السي علي مالك البازار صديق مشترك.
-
ابن عمك لم يحضر بعـد.
أمسك مَزيان بيدي وجرني.. نقطع الشارع في اتجاه المدينة
الجديدة، نتدافع بين الأمواج البشرية، روائح عطر غالية
ورخيصة، اصوات نساء ورجال، لا جدوى من الحديث، هو يتقدمني
وأنا أتبعه ودائما يدي بيده. خرجنا من الشارع الضيق، وأصبحنا
في ساحة الفدان. صارت المدينة القديمة خلف ظهرانينا. تنفسنا
وصرنا نسير جنبا إلى جنب. لم يتغير في مَزيان أي شيء. قال
لي:
-
سآخذك إلى مكان هادئ.
-
أنت الآن ابن تطوان.
-
بل ابن تغزوت.
-
لن أتركك اليوم تفلت مني. ستعرفني على تطوان.
نسير على الرصيف الأيمن لشارع «مونيمنطال». لم تفارقني يده.
مال جهة اليمين، وقال:
-
سندخل من هنا. نتناول قهوتنا ونتحادث في هدوء. لن يزعجنا
أحد.
ساحة فسيحة تحيط بها العمارات من جوانبها الأربعة. هدوء تام.
لن يعرف الساحة عدا من كان ابن تطوان أو كان مقيما فيها. في
أول مقهى جلسنا، ظهرانينا لواجهة المقهى الزجاجية، ووجوهنا
إلى الساحة؛ دكاكين ومتاجر، مقاهي قبالتنا، على اليمين
والشمال، طفت بعيني في الساحة، لافتات بالإسبانية: «ريسطورانطي
موديرنو» قبالتنا، «كافي لا أونيون» على يسارنا قرب منفذ
الساحة على شارع محمد الخامس.
نضحك، نتحادث ونسترجع الذكريات. أشاركه الحديث، ولكني في
داخلي أغلي، أكاد أنفجر. أريد أن أساله عن قصة عثوره على
أسرته، فأعدل عن السؤال كي لا أتدخل في شؤونه الخاصة، أقرر،
فأعدل، ثم أقرر...
مددت له علبة سجائر:
-
سيجارة أمَزيان؟
-
لا، شكرا، أقلعت عن التدخين منذ مدة.
-
أبسبب الانقطاع عن التدخين صارت صحتك جيدة؟!
-
الحمد لله، الحمد لله. لا ينقصنا أي شيء.
حضر
نادل المقهى وقدمنا طلباتنا. تشجعت، وهجمت على حياته الخاصة:
-
أُهَنِّئُكَ يا مَزيان على عثورك على أسرتك، فقد وصلني
الخبر.
مال
بجسمه إلى الوراء، ثم قال:
-
الأقدار يا أخي.. الأقدار.
-
من كان يصدق أنك لست ابن خالي السي علي؟!
-
بل وجه السؤال إلي أنا.. اِسألني أنا إن كنت أشك في ذلك..
لقد وقع لي شيء كالسحر، غابت عني أشياء ولم أتذكرها إلا بعد
عثوري على أسرتي.. أين كانت؟ لست أدري!
-
وما الحكاية؟
-
القصــة...
توقف مَزيان لما أحضر النادل طلباتنا ليضعها أمامنا. استدرت
بجسمي إليه حتى صار وجهي في وجهه، ووجهت إليه السؤال ثانية.
اعتدل في كرسيه، رفع رأسه، استنشق كمية من الهواء، ركز بصره
في خط مستقيم، ثم فتح فمه يحكي:
-
كان أهلي تخلوا عني طفلا صغيرا في مسجد تزرين عـام...
توقف عن الكلام ليقول لأحد ماسحي الأحذية: لا.
فتح
فمه ثانية.
- كان
أهلي قد تخلوا عني سنة سبع...
- سلف
لي واحد درهم ألمرضي الله يرحم إمَّاك! - صوت رجل يستجدي
بطريقته الخاصة، وقف أمام طاولتنا. سكت مَزيان للمرة
الثانية، توجهت بالكلام للرجل وقلت له:
- اجلس
يا عم واطلب أي شيء... شاي، قهوة...
استدرت
مرة أخرى نحو مَزيان أنظر في وجهه، وجدته سارحا بفكره. تغيرت
ملامح وجهه على حين غفلة، علامات غريبة.
- أتمم
يا مَزيان. أرجو ألا يقاطعك أحد آخر.
أخذت
أتابع القصة بتقاطعاتها وتشابكاتها. المجاعة، والخوف،
والقهر، والاستعمار... توقف مَزيان عن الحكي لما وصل إلى يوم
تركه في مسجد تزرين. هذه المرة أوقفه نادل المقهى. أقبل صوب
الرجل المتسول الجالس معنا على نفس الطاولة، ينهره ويشتمه
بصوت عال.
- «أوم»
من هنا مشي فحالك أهذ الموسخ!، قال النادل صائحا ينطق حرف
القاف همزة.
نظرت
إلى الرجل، شيخ هرم، رفع عصاه بين ركبتيه، أخذ يلوح بها في
وجه النادل وهو يقول بانفعال شديد.
- اسمع
يا هذا، يا ابن الجروة، الجروة بنت الكلبة، أقسم لك بنفسي
الخبيثة... فإما نتصرف لعملك تغلق فمك الأعوج و إلا
كسرت هذه العصا على رأسك، تفو، تفو...
عجبت لقوة العجوز. »لاشك في أنه كان قويا في شبابه»، قلت
أخاطب نفسي.
تجاهل النادل قسم العجوز، وحاول أن يطرده بالقوة.
-
أوم من هنا، امش في حالك، شَانِّي عندك؟ ما لا تسمع شي؟
لم
أر شخصا في حياتي بمثل خفة العجوز. أمسك عصاه من طرفها، ووضع
طرفها الآخر في صدر النادل، ثم دفعه بها بكل اما أوتي من
قوة.
-
تفو، تفو، تفو عليك وعلى هذه الدنيا. لم أقتل في شبابي، لكن
يبدو أنني سأقتُل وأنا شيخ. اذهب عني أيها النادل الحقير ولا
تفسد علي لحظاتي، تفو، تفو... اذهب.
قال
مَزيان: لقد افسد علينا هذا النادل لحظاتنا.
خفت
أن يعدل مَزيان عن متابعة الحكي، فتدخلت لإصلاح ذات البين
بين النادل والعجوز.
-
أرجوك أيها الكرصون لَبِّ طلبات الرجل، فأنا الذي أمرته
بالجلوس، لا تفسد علينا جلستنا.
طلب
العجوز شايا، فانصرف النادل، لكن العجوز استمر يتف ويغمغم
هامسا. استانف مَزيان الحكي. امتلأ صدري حقدا على الاستعمار،
وتأثرا وإشفاقا على أسرته، على أبيه وأمه ميمونة، وأخيه،
وحتى على علوش. انتقل مَزيان من الفترة المظلمة في القصة إلى
المرحلة السارة. تعجبت من العمل الذي قام به علوش. وفجأة
سمعت حركة خفيفة. أدرت وجهي نحو مصدر الحركة لأجد العجوز
يتناول سيجارة من علبة سجائري الموضوعة فوق الطاولة. أشعلتها
له، واستدرت بسرعة.
من
علوش إلى قصة حبه لماكي، وزواجه منها. سألته:
-
وهل لك أطفال؟
ضحك
وقال:
-
ثلاثة، ذكران وأنثى، عبد السلام، علي وزليخة.
-
نفس أسماء آبائك؟!
-
وستكون لي حليمة، وميمونة، و...
-
على ذكر والديك، ألم يظهر أثر لأبيك عبد السلام وأمك ميمونة؟
كان
لسؤالي وقع كبير على نفسه. لاحظت ذلك في وجهه وحركاته. ليتني
ما كنت سالته. هز رأسه يمينا وشمالا علامة على النفي. تنهد،
ثم قال:
-
ليتني أعثر عليهما. إن ما ينغص علي حياتي الآن هو التفكير
فيهما. كل ما كان ينقصني في حياتي حققته، ما حلمت به وما لم
أحلم به: ثقافة، أموال، زوجة، وأولاد... إلا العثور على
والدي، فشلت في ذلك... إذا كان قد ماتا فحتى قبريهما لن
أتمكن من معرفتهما. لن يكونا كقبور سائر الناس، وإذا كانا
لازالا على قيد الحياة، فأين هما؟ لماذا لم يعودا إلى بيتهما
وأرضهما؟ كنت أتمنى أن أسمع أبنائي يتلفظون كلمة «جدي»..
أتمنى لو أعثر عليه كي أحقق له ما لم يستطع تحقيقه في زمانه.
لقد عانى من المجاعة، والتشرد، والضياع، والآلام... من جراء
التخلي عن أبنائه، عني وعن أخي محمد.
-
لاتياس يا صديقي.. لا تياس.. حاول.. ابحث..
-
لو كان أبي لا يزال حيا لكان قد عاد لرؤية إخوته شعيب وعبد
القادر ومينوش.
سكت
مَزيان يفكر، فسكتت بدوري. وبعد لحظة حرك يده، نظر إلى ساعته
اليدوية. فعلت مثله. قال لي:
-
سنتغذى اليوم معا.
لما
اعتذرت اتفقنا على أن نلتقي مساء. قام فتعانقنا، وودعته. أخذ
يبتعد. يقصد مدخل الساحة الذي دخلنا منه. تتبعته بعيني إلى
أن توارى خلف الجدار.
انتبهت للعجوز الجالس قبالتي بعد اختفاء مَزيان مباشرة، وجدت
أنه كان هو الآخر يتابعه بعينيه. أخذت أتفحصه: كأس الشاي لا
يزال فوق الطاولة كما كان، لم يشرب منه ولو نقطة واحدة، ترسب
الثفل في قاعه، وريقات النعناع ملتصقة بجنباته سوداء ذابلة،
السيجارة التي أشعلتها له قبل مدة احترقت عن آخرها، رمادها
يتدلى إلى الاسفل على شكل قوس. معطف شتوي لا لون له، طاقية
صوفية تكاد تغطي أذنيه المنتصبتين، شرم صغير في أسفل الأذن
اليمنى، انثناءات وانكماش في عنقه.. إطراق وصمت.
انشغلت بتأمله، كأنما أحس بنظراتي إليه، فرفع وجهه نحوي.
التقت أعيننا، لم أجد ما أقوله له سوى: اشرب كأسك يا عم! إنك
لم تشرب كأسك!
-
لقد شربت! شربت حتى الثمالة.
قال
كلامه بهدوء بالغ، قطرة سائلة على خطم أنفه، أسنانه بيضاء
قوية ومتراصة أتاح لي رؤيتها نطقه لكلمة: شربت.
والقطرة؟! هل هو يبكي؟ والأسنان؟ أي رجل في مثل سنه لا يزال
يحتفظ بأسنان بيضاء متراصة؟!
شغلني الرجل، شيء ما شدني إليه، لست أدري ما هو، أهي أسنانه؟
أذناه المنتصبتان؟ أم نبرة صوته: «سلف لي واحد الدرهم ألمرضي
الله يرحم إماك»
تذكرت نبرة صوته فعدت إلى تدقيق النظر فيه ثانية. إطراق
وصمت، خيل إلي أنه سبق لي أن عرفته، وجهه ليس غريبا عني،
صورته ونبرة صوته...
-
أين ومتى رأيت هذا العجوز؟!
أجهدت نفسي في استحضار المكان الذي سبق أن رأيته فيه. لم
أفلح! بدأ السؤال الملح يكبر، يكاد الجواب يطفو على صفحة
الذاكرة، لكنه سرعان ما يختفي. تقترب الصورة من الاكتمال في
الذهن، يكاد اللسان أن ينطق... ثم يغيم كل شيء.
ملعونة هذه الذاكرة!
مللت من التحديق فيه، انصرفت وتركته، لكن المخيلة ظلت تشتغل
في خفاء...
قطعت الساحة في اتجاه المنفذ المؤدي نحو الشمال إلى شارع
محمد الخامس. اصطدمت عيناي بلافتة «كافي لا أونيون» (مقهى
الوحدة).
اتحد، يتحد، يتوحد، متحد، توحيد، وحدة...
ترددت الكلمات المشتقة من «الوحدة» في ذهني بدون شعور.
دخلت إلى الشارع. أصعد في اتجاه ساحة الفدان. أنظر إلى
واجهات المتاجر من حين لآخر. توقفت عند واجهة أحد المتاجر
«بزار الأطلس». الذهن مشغول بصورة العجوز والعينان تنظران من
خلال الواجهة الزجاجية لما بداخل البازار. مصنوعات جلدية
مطرزة من تغزوت، ملابس فاسية، حلي صحراوية، زرابي من
تازاناخت، زربية رباطية حمراء من نوع «إكسطرا» ازدانت
حواشيها بأشكال هندسية رائعة. ركزت بصري على أرضية الزربية
للحظات، مكثت كذلك إلى أن غبت. اختفت الأشكال، ولم أعد أرى
شيئا... وفجأة استيقظت من غفوتي. لما استيقظت كنت قد عثرت
على حل اللغز. أخذت أؤنب نفسي على فشلي في إجراء مقارنة بين
الوجهين، بين الصوتين، والأذنين، والأسنان.
قفلت عائدا إلى مقهى الساحة والحل بين يدي، طفت بعيني بين
الكراسي، لكني لم أجده. أية صخرة؟ كيف سيكون حال ابنه عندما
يعلم أنه كان على بضع سنتمترات من والده؟ فرغم السنين
الطويلة لا زال عبد السلام هو هو.
[1]
رأس السنة الفلاحيـة.
[2]
هو ابن المقيم العام، قتل في إحدى المعارك.
[3]
بو ورد، وباب الحيط، وبو زينب، وباب الصليب كلها أسماء
لمراكز جيش التحرير وقواعدهم قرب المنطقة.
[4]
الباسبورطي: إسبانية تعني جواز السفر، وديخي باسار: إسبانية
أيضا، وتعني رخصة المرور.
[5]
السكويلا: كلمة إسبانية تعني المدرسـة.
[6]
أغلقت الآن:
La
escuela de artes indiginas
[7]
أزيلت تلك القبور حديثا وبني مكانها مسجد ووكالة للبنك
الشعبي.
[8]
الريف في المغرب لا تعني البادية عكس الحاضرة، بل تعني منطقة
خاصة في الشمال.
[9]
فوندا ميكيل: مطعم مشهور في تركيست كان يديره أحد الإسبانيين.
[10]
شخص أحمق ليس إلا!
[11]
الجبلي بالريفية.
[12]
أين
تهتم؟
[13]
وأنا؟
[14]
أنت عمتي، عمتي مينوش.
[15]
(بالإسبانية) وا أسفاه!.
[16]
أبناء القحبة.
[17]
كلمة جد قبيحة.
[18]
مساء سعيد جد مسرورة بالتعرف عليك.
[19]
بلجيكا. هكذا ينطقها أهل الشمال عامة.
[20]
أأنت محمـد؟
[21]
أأنت محمد بن عبد السـلام؟
[22]
نعـم، نعـم، أنا محمـد بن عبد السـلام.
[23]
أيها الطفل. أين تهت؟ كدت أنساك.
[24]
أرضكم الفلاحية أخذها الناس، الأرض، الأرض...
[25]
أخواها: حسـن ويحيى، هكذا نطقت إسميهما.
[26]
(بالإسبانية) أماه! اخرصي يا بنية، أي وجه هو وجهك يا بنت؟!
[27]
(بالإسبانية) يا رجل! بنت الأخ لن تكون إلا لابن الأخ!...
رائعة! اطمئـن.
|