عائشة بنت المعمورة

 عيـون جريحـة

 
 

 

لا تنـس..

لا تنـس أنني منحتك اللهب الدافئ وانتظرتك آلاف الليالي بحرقة.. بشوق ولوعة تسكنني.. تطير أحلامي لتراقص ضحكاتك الساكنة بداخلي...

لا تنس أنني الطيف الذي يبارك ريح حب هارب في مرايا المنفـى ورماح عينيـك مفاتيـح حكايتي في ليل بارد، يغرقني في ابتسامة بيضـاء تداعب شجون شفاه جريحـة

كم مرة قلت أحبك، وكم مرة همست بعبارات بكائي وقـد أصابتني بالجنون، وعذري طيات قلب أفقدته أشياؤك التافهة صدقي، وعـاد طفلاً صغيراً يبكي عند كل لعبة تسقطه أرضا.. فينزوي في غـرفته متألماً أو صامتاً مثقلاً بالهموم، ولحظات غضب تمزقـه ذكريات مذبوحـة على سفـح ظلاله المتمردة…

أذهلتنـي خيانتك الكبرى.. الضائعة في كهف انشطاري ولا حيلة لي وقد طوَّقتني بمراعي البراءة المتشكلة في.. تحولت دروبك إلى منعرجات ملتويـة وقد صدمَتنـي ألوان تلاعبك..

ندمي أنني كنت لك وحدك، أفتش في روحك عن روحي فضيَّعت أيامي أحلم بليل يحرسني من خيوط نهاري ومواويل اغترابي،، لو كنت ربيـع عمري وكنت لك آخر خريف عمرك فيخفت وأد روحي في شظايـا ماضيك الذي يلاحقني في أسفاري.. وعبءُ العمر ذاكرة موصدة بصراخ أوجاعي..

لا أهمية للعقوبة في آخر أحلامي، فما نسيت درجات خوفي وضعفــي ومحنة منفاي.. ندمي لم يُعد امتلاكي ولا انصياعي راحة بالي ولا ابتساماتي...

تسلـل"يوسف" إلى البيت كعادته خلسـة.. من شدة الهوس الذي يسكنه والشكوك التي تعشش في ذهنه، يشبع فضوله بما قد تقع عليه عيناه فيخلـق منها مشكلة ويضرم في البيت نار غضب حارقة.

وجدها على مكتبها غارقة في كتاباتها وعيناه تترصد النشوة التي تعتريها والحبور الذي يرقصها،، فانتفض نحوها نمراً بمخالبه الحادة يسرق فرحتها وقد بدا عليهـا الهلع والذعر لما رأته عليه… عيناه تسارع الزمن في قراءة ما كتبت أختــه الجامعية وهو يزمجر ويزبد ويرعد قائلا:

ـ لمن هذه الرسالة..؟

ـ ما اسمه؟

يدهشها كلامه وغضبـه ودون أن تتفوه بكلمة ينهال عليها ضرباً مردداً:

((أدخل الجامعة.. أصبح دكتورة.. يـا للعار والفضيحة،، أنا اليوم أقتلك قبل أن تفكري في فضحنا وجلب العار لوالدك الذي يتوسد الثرى ولم تبرد تربته بعـد…))

ـ افهم لا شيء مما تقوله صحيح يا أخي، إنـها مجرد خواطـر من خيالي لا أكثر.

ولكي يتهرب من كلامها الذي حاول أن لا يفهمه رغم إدراكه بذلك صرخ قائلا:

ـ أقسم أن لا تبرحي المكان أو تتخطى عتبة الباب، وأن تنسي أنك دخلت الجامعة يوما؟ا

ومن اليوم فصاعدا شؤون هذا البيت أنا من يتولاها وأوامري تطاع،، وهو يلتفت حتى وجد أمه واقفة تنظر إليه وعيناها تبحر فيه دامعة..

ـ ما الذي تفعله بأختك.. وما هذا الذي سمعته؟

خرج غير آبـه بقولها وهو يؤكد متمتماً…

اقتـربت من ابنتهـا "كريمة" تهدئ من روعها، يا ابنتي لا تتحرّشي بأخيـك وتعانديه فالقـرية صغيرة وكلام أهلهـا سموم،، الله يرحم والدك كان مصباح البيت..

أجهشت "كريمة" بالبكاء وشدتها بقوة الحزن الساكن فيها وبقوة ظلمه لها.. تردد:

ـ لكـن ماذا أفعل..؟

ـ هـل أقتل نفسي؟

ـ هل أهرب؟

إنه مستقبلي …

قالت الأم:

ـ لا يا ابنتي مستقبلك مع ابن عمك..

((غطى واستر عليك وعلينا)).

ورددت بعبرات الألم تنوح:

ـ ((يمـا.. يمـا لمن نشتكي هَمْ قلبي، شتكيتوا لَلْكَافْ اتْـزَهْـَزمْ وطاح، تشكيتوا للواد تـْخَوَضْ وراح…))1

نظرت مستسلمة إلى أوراقها مذبوحة.. تحضنها وهي تسخـر من تماثيل حنطتها في صمـت أبدي، تلتمس منهـا العفـو حين تلمع منهـا خناجــر الموت الاضطهادي وتضرب بها ليلاً مارداً ونحيب قلـب يائس فتفارقهـا ابتسامة وجهها عمياء في فضاء اليتم وذاكـرة المدينة المذبوحة.

هامش: ــــــــــــ

1 مثل شعبي جزائري.

 

 

 

موارد نصيـة

عائشة بنت المعمورة

 

الموؤودة تسأل.. فمن يجيب؟

(قصص قصيرة)

المحتــوى

الشهيـد المجهـول

أحلام منسيـــة

عيـون جريحـة

أكذوبة البوح

أنيــــن عاشقـة

عــائــــــــد

اللعبـة القـــذرة

الموءودة تسأل.. فمن يجيب؟ تسأل..

جنــــون

خريف العمـــر

زجاجة خمـر

أسيـاخ حاميـــة

السقوط المعلـق

عــذرية وطـن كسيح

الــدرس.. التاريخ

صرخة الحيـاة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.