عضت على شفتيهـا وهي تصوب نظرها إليه باكية والتهاب
عينيها يحاصر جسمه الفارع.. أحرجته
نظراتها المتألمة وهمّ ساخطـاً، ثم ركل الباب وراءه وبقيت "زهرة" تلملم ملابسها الممزقة وساقيها الداميتين.. تمسح دمعها والغصة تحبس أنفاسهـا.. لقـد انهـال عليها" محفوظ" ضـربًا مبرحاً.. ساقاها
اعتادتا على نقمته ولم تقو أن تــأتي ضد التيـار واستسلمت من أجل بيتها
وأبنائهـا وأن لا تحمل كلمة مطلقـة كي لا تنبذها عائلتها والمجتمع، وعيون
الاتهام تبقى تطاردها مدى الحياة..
لم تفكـر بأن تدينـه بكشف طبي أو أن ترفع ضده دعوى قضائية، فذاك عيب
وعار عند عشيرتها.
سرق كحل عينيها ونجم حنانها وتُركت طائراً ميتاً أرعَبه البطش والقهر،
لم يسترح فوق صدرها حباً، ولم يحترق قلبه لجنونها ألماً... فقط تملؤه شهقة رجل أسطوري رهينة كلمـات مزيفة.. عصبي.. صعب.. غمامة سوداء زينت له تابوته وتعالى.. ثم تعالى.. فيصرخ متهجماً
لتهتز له الأجساد وترتعـش وتسكن خائفة مذعورة.. صامتة.. باكية.. ويصبح المنزل مقبرة صمت مميت ولا ترى شيئاً يحرس هذه المقبرة سوى
أجساد مدفونــة في حياء؟؟
كان في صورة رجل متعجرف يتعالى، فجعل ظهرها لعصاه المصنوعـة من شجر
البلوط سجادة ركوعها؟!
شاخت "زهرة" في عمر الطفولة وحملت.. ثم
حملت وحملت.. وكان العمر انكساراً
على وسائد أحلام لؤلؤية تصنع عقد حباتها ابتسامـات (نعيمة وخيرة وحنان ويوسف…).
مزقتها الغربة.. ترحل كلماتها
خوفاً إليه.. وتصمت خوفاً، وتتقاسم
الضحكات مدهوشــة، تراقب كل شيء فيهــا وتحاصر كل لفتة أو همسة منه.. عيونها فوانيس تضيء راحتـه…
كل يوم أربعاء وكعادته يقبل "عمي
الحاج" لزيارة ابنته حاملاً مـا لذ
وطاب شفقة عليها من الحاجة، وعند اقترابه من الباب سمعها تبكي وهو يضربها.. يضربها بشدة.. فطـرق الباب
طرقاً خفيفاً فإذا بزوجها يرد بلعنة الغاضب قائلا:
ـ من القادم؟
فرد والدها:
° مُـولْ السَلْعة الذليلة جَابْ العشاء وزاد الفْـتيلَـة.
نظر إليه ثم وضع كيسه وخرج دون أن يتفوه بكلمة
…
هامش: ــــــــــــ
° مثل شعبي جزائري (
الفتيلة = فانوس الضوء التقليدي
)
|